نقطة نظام: حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله


لابد من التنبيه إلى أن وصف المشاهد ليس بالضرورة، الاختيار بين أسود أو أبيض، ليس بالضرورة الخير كله أو الشر كله! خاصة في زماننا، فالواقع شديد التعقيد والتداخل، والإطلاقات العامة وسيلة الكسالى الذين لا يتحملون استيعاب التفاصيل الكثيرة التي تُبنى عليها الأحكام التقية وتؤسس لمرحلة ما بعد فوضى التيارات والأفكار.
أو طريقة المتعصبين الذين لا يقبلون إلا اسم مشروعهم وجماعتهم ليبرز ولا يرون نصرة الأمة إلا من خلالها. فلا يحسنون الإنصاف ولا حفظ مكاسب الأمة في أي محطة تدافع. بل قد ينسفون هذه المكاسب بضعف بصيرتهم وسوء استيعابهم لسنن الله في الأرض بل وضعف أدبهم مع الله جل جلاله.

نجد البعض يعتقد أن الثناء على الجهاد وذكر محاسنه وفضائله، تزكية للجماعات المقاتلة فأصبح مجرد ذكر فريضة الجهاد يحتكر في أسماء الجماعات وأخطائها وخلافاتها، وهذا قصر نظر عظيم، فعبادة الجهاد أكبر من كل الجماعات وأكبر من كل أخطائها في الأداء، وهي ماضية إلى يوم القيامة مع البار والفاجر، وبخس هذه العبادة التحريض والإعداد والتواصي أكبر جريمة بحق الإسلام والأمة المسلمة.

ويعتقد البعض أن تحريض المؤمنين على القتال وحثهم على الإنفاق في سبيل الله والاستبشار بمصاب العدو الصائل المحارب، تزكية لجماعة تقاتله، مع ما فيها من أخطاء وانحرافات بيّنة وواقع من الخذلان لا يخفى، وهذا سوء تقدير عظيم آخر لواقع الأمة، فإن سنة التدافع ماضية، ومصلحة دفع العدو الصائل المحارب، من أولى الأولويات وإن كان من يدفعه جيش فيه البار والفاجر. وهذا من فقه جهاد الدفع الذي هو فرض عين، والذي يجهله الكثير من الناس في زماننا.

يعتقد البعض أن الفرح بانتصارات جماعة مقاتلة يعني قبول أخطائها أو انحرافاتها ويعني التزكية المطلقة لها، وينسى أن القضية تتجاوز النصرة لذات الجماعة إنما هي نصرة لفريضة تقام، ونصرة لمفاسد تدفع، ونصرة لإغاظة عدو يفتك. فالتمييز بين المقامات فقه وبصيرة.

يعتقد البعض أن الإسلام هو ما تمارسه جماعة بعينها، ترفع شعاراته، بينما الإسلام أكبر من كل الجماعات، وهو الذي يجب أن تجتمع تحت سقفه كل الجماعات، طوعا أو كرها. والمرجعية فيه للقرآن والسنة وما كان عليه السلف ولا يحق لأحد أن يحتكره في ذاته أو في جماعته، أو في قول شيخ من المشايخ يخالف إجماعا أو يشذ عن السنة.

أولئك الذين تقوم أفهامهم وأفكارهم وأهدافهم وتفسيراتهم على مساحة محدودة من الأسماء والانتماءات، ونسوا عظمة هذا الدين وشموليته، نسوا حقيقة وجود أمة، وأهداف كبرى، أهم بكثير من اللحظة الراهنة، فلا يزالون أسرى زوايا ضيقة محدودة!

أبصارهم لا تتعدى ما ينظرون إليه، وكما يقول المثل، أنا أشير إلى القمر والأحمق ينظر إلى أصبعي.

إن عملية انبعاث الأمة عملية مركبة، وتتطلب الكثير من الصبر والجهد وأول خطوة فيها كسر الوهن وصياغة ذهنيات أشد اعتزازا بدينها وإقبالا على الآخرة.
وكل من يقف أمام هذه الخطوات هو يعرقل انبعاثها ويتحول إلى عقبة وإن ادعى مصلحة الأمة.

فالتعامل مع أمة، يختلف عن التعامل مع جماعة صغيرة، والتعامل مع مشروع الانبعاث الكبير، يختلف عن مشاريع محلية صغيرة. ولا يجب تغييب سنة الاستعمال والاستبدال فهي ماضية إلى أن يصطف الصادقون جميعا كالبنيان المرصوص طوعا أو كرها.

في الواقع هذا الموضوع يتطلب دراسة مفصلة وإيضاح وشرح، ليس مقامه، لكن الخلاصة التي أشدد عليها، لا تبصر للمشهد بعين الجماعة والقطر، ولا بعين شيخ أو مصلحة مجتزأة، بل انظر إليه بعين الإسلام كاملا والأمة برمتها. انظر له على امتداد محور التاريخ إلى يوم الملحمة الكبرى.
تختلف خلاصاتك،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “إن اللبيب إذا بدا من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا”.
وقال رحمه الله:” ليس من العقل أن يعلم الخير من الشر فقط، بل يجب أن يعلم خير الخيرين وشر الشرين ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة والمفسدة الشرعية فقد يدع الواجبات ويفعل المحرمات”.

الجماعات تذهب وتأتي، تتبدل وتختلف، تحسن وتسيء، لكن يبقى الإسلام وتبقى الأمة، يبقى واجب الجهاد وتبيان معالم الحق، كي لا تكون فتنة، دون إفراط ولا تفريط، هو الذي يجب حفظه للأجيال، لأن ما هو آت عظيم جدا، أيام فتن وملاحم، والموفق من تزود لها بالحق والعدل والقوة، والسبيل لتحقيق ذلك دونه عبادة المراغمة، وعبادة الوجل! والكثير مما يعرفه من يرجو رحمة ربه وحده لا شريك له!

والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x