منظومة الأسرة بين هدي الإسلام وتخاريف الغرب!

ليس غريبا أن أصبحت منظومة الأسرة في مرمى أهداف الغرب الأولى في حربه على الإسلام! فتدمير الخلية الأولى في نسيج الأمة كفيل بتعطيل كافة أعضائها وأجهزتها وبالتالي التسبب في الشلل والعجز في جسدها، وهذا هو النصر الذي يسعى له الغرب ويدفع له القوى البشرية والمادية والخطط الأشد مكرا وخبثا.

إن كسر العلاقة الزوجية أولوية الدعوات الغربية اليوم، كسرا يبدأ من طمس فطرة الأزواج والتسبب في اختلال موازين العلاقة السوية وشغل الأسرة بكل ما هو هدام! فكيف ستخرج لنا الأجيال وسط كل هذا الركام والحطام!

أكثر ما يهدد العلاقة الزوجية

إن أكثر ما يوقع التصادم بين الزوجين سوء الفهم والاستيعاب لطبيعة كل من الرجل والأنثى وكذا دور كل منهما في الحياة الأسرية على ضوء الكتاب والسنة.

وكلما ابتعدت الأسرة عن هدي الإسلام تعرضت منظومتها لعوامل الانهيار والتفكك، وأصبح من الصعب ترميمها وحفظها، وما أن تستنير من جديد بأنوار الإسلام، يحل فيها الأمن والاستقرار وتؤدي دورها العظيم في سكينة نفس وتوفير جو مبارك للأداء والمسابقة في الله.

تسألني العديد من الأخوات المتزوجات أسئلة عن صعوبة التعامل مع زوجها، وأجد أن أكثر أسباب الاصطدام هي هذه المساحة المتصدعة من سوء الفهم بينهما.

وأنا أخط هذه السطور تذكرت حديثا لي مع أخت ناصحة أمينة أحسبها، كانت تعلق على درجة الانهيار التي يعاني منها المجتمع المسلم منذ ابتعدنا عن الإسلام منهج حياة في داخل البيوت وخارجها، لقد تضررت الأسر ضررا عظيما يصعب جبره إلا بعودة كاملة لا تطفيف فيها لدين الله نحكم به على أنفسنا وفي بيوتنا ومع من حولنا.

لقد حفظ الله العلاقة الزوجية بنظام مهيب وحقوق وواجبات عظيمة وجعل جوهرها المودة والرحمة وسر ثباتها واستمرارها العشرة بالمعروف والإصلاح.

فأيتها الزوجة، قبل أن تشتكي من زوجك في كل تفاصيل حياتكما، تذكري بداية هل أديت حقه الذي يوجب إحسانه وكرم نفسه؟!  هل قدمت له ما يصنع سعادتك واستقرارك في حياة غايتها السكن والاستعانة بعلاقة زوجية على طاعة الله ومراتب الخالدين في العلياء!

معاني الرجولة بين أمس واليوم!

حين نتحدث عن حقوق الرجل هنا يقودنا الحديث بشكل ضروري وملح لوقفة مع الصفات الرجولية التي أصبحت محاربة في مجتمعاتنا، وهي صفات كانت معلما بارزا في زمن السلف الصالح، ولذلك كان رجالهم يحملون قلوبا تشق الصخر وتمشي على الجمر وتصنع المجد بيقين لا ينضب!

معاني الرجولة أصبحت محاربة بشراسة في زماننا ومحاربة من بني جلدتنا، لم تكن النسوية لوحدها من يحاربها بل كان الفهم الخاطئ والسعي الظالم لكل ما يهدم ما تنشده تربية نجيبة لصناعة الرجال بخصائصهم المهيبة! لتحمل أعباء القوامة والولاية وكل مسؤولياتهم التي تقوم بفضلها الأمة قوية عزيزة شامخة!

منذ هدمت معالم الرجولة كان كسرنا عظيما، فقد استرجلت النساء واستشرى الفساد واختلت موازين الأسر والمجتمعات!

لو تأملنا في كل حالة خلاف  وتصدع في بيت من البيوت، لوجدنا أن السبب الأساسي فيها ولا أبالغ هو درجة البعد عن هدي الإسلام في التعاملات والأحكام!

الاستهانة التي جعلت منا ضحية وجناة في الوقت نفسه! لأن لكل تفريط ثمن! وكان لابد للتفريط في حفظ معاني الرجولة ضرائب ندفعها داخل الأسر وداخل المجتمعات وداخل الأمة برمتها.

قال الإبراهيمي رحمه الله:”إن للرجولة ضريبة وعليها مسؤولية لأن الرجال هم القمم الشامخة والعلامات البارزة والأئمة الدعاة الذين يقودون الأمة الإسلامية إلى مواطن النصر”.

على هذه المعاني تربى الأجيال الواعدة. ولن تنبعث الأمة من جديد حتى تُحفر معاني الرجولة في صغارنا كقادة أفذاذ مقبلين.

وكلما نجحنا في حفظ معاني الرجولة، حفظنا الأنوثة وحفظنا النساء إماء لله صالحات بارات مصلحات!

قال الراغب الأصفهاني:”جعل اللَّه سبحانه هذه القوة في الإنسان سببًا لصيانة الماء وحفظًا للإنسان، ولذلك قيل: كلُّ أمة وضعت الغَيْرة في رجالها وضعت العفة في نسائها، وقد يستعمل ذلك في صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته”.[1]

ونشاهد اليوم كيف تحارب جميع معاني الرجولة في زماننا وتدفع المرأة دفعا لمزاحمة الرجال في صفاتهم ومهامهم ورجولتهم، وهذا من أكثر ما فتك بموازين الأسر ومنظومة الحياة!

لقد بدأت هذه العملية من وأد الرجولة في مهدها مبكرا جدا من خلال برامج الإعلام المدروسة بعناية لتعويد الرجال على فقدان غيرتهم! وفي برامج التعليم الدراسي ونظم العيش كلها! لقد استشرت الاستهانة بالمنكر واستثقال الأمر بالمعروف والنصيحة! وحورب الرجل حربا شرسة تعمل على مساواته بالمرأة وفتنته بالمرأة وشغله بهذه المرأة وليتها كانت زوجه بل أبواب فتنة مشرعة لهدم رجولته وكل حس تقوى!

قال ابن القيم رحمه الله: “إن أصل الدين الغَيْرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغَيْرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكَّن، فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسرت طمع فيها عدوه”[2].

لقد فقدنا الغيرة على محارم الله على حدوده على كل ما يحفظ ديننا من عبث العابثين والمتسلقين والمنافقين والأعداء!

فكانت بداية انهيار هيبة أثر هذا الدين في حياتنا ومجتمعاتنا.

استوقفني طويلا قول البشير الإبراهيمي رحمه الله حين قال:” لو بقي الإسلامُ على رُوحانيَّتِه القويةِ، ونورانيَّتِه المشرقةِ، ولو لم يُفسِدْه أهلُه بما أدخَلوه عليه مِن بِدَعٍ، وشانُوه به مِن ضلالٍ – لطبَّقَ الخافقينِ”. [3]

كلما اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح كنا الأقرب من التمكين والنصر وكل توفيق!

كلما تمسكنا بهدي القرآن والسنة بفهم السلف الصالح تمكنا من التخلص من الكثير من العقبات في الطريق!

كلما أعدنا التوحيد والسنة كأسس وقواعد نبني عليها أعمالنا وأهدافنا .. حققنا خطوة مباركة باتجاه “خلافة على منهاج النبوة”. البداية من قلب موحد مستن بسنة نبيه، وأسرة على ذلك، ومجتمع على ذلك، وأمة على ذلك!

وفي الوقت الذي ننصح فيه النساء بحفظ حقوق الرجال في زمن تحارب فيه هذه الحقوق وينازع عليها منازعة ملك وإمارة! فإن على الرجل أن يصيغ نفسه على معاني الرجولة على طريقة السلف يدرك عظم المسؤولية والمهام التي يحملها على كاهله! وكذلك المرأة يجب أن تقتدي بهدي أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهم أمة لله ترجو رحمته.

تحفظ مقام زوجها وغيرته، وتبني معه جسور الثقة وتصونها بكل ما أوتيت من اجتهاد وقوة، وتسد حاجاته النفسية والجسدية ولا تتركه لمكائد الشيطان! وتعامله معاملة الزوج بتقدير واحترام يحفظ مقامه في البيت! إن أول دور للمرأة هي أن تكون أفضل دافع لاكتمال معاني رجولة زوجها! وهذا لا يكون إلا من أمة لله مؤمنة مكتملة الأنوثة والرضا بما وهبها الله من صفات فطرية وخلقية، تمارس بها دورها في الحياة بوعي واحتساب.

كل امرأة سعت لحفظ هذه الحقوق لزوجها وكان رجلا، ستشاهد قول المتنبي في حياتها، إذا أنت أكرمت الكريم ملكته!

وفي الواقع ومن يتأمل في تجارب الأسر، يرى أن كل ما يطلبه الرجال في بيوتهم هو استشعار رجولتهم، ومن لم تحقق هذا المطلب المصيري لعطاء الرجل وثباته وفعاليته، ستفقد أجمل ما يمكن أن تحصل عليه من أثر تفاعل مهيب بينهما.

 ولأن النساء انشغلن عن هذا الواجب بكل هامشي، وهدام، لابد أن نذكر كل زوجة اليوم أن الاهتمام بزوجك لوحده أعظم مشروع في سبيل الله، وأعظم ما تتقربين به إلى الله لنصرة دينه ونهضة أمة نبيه صلى الله عليه وسلم!

هدي رباني لا يشقى معه أحد!

إن الله جل جلاله، حكيم بصير خبير بعباده وليس الذكر كالأنثى فجعل الله لكل خلق من خلقه صفاته وخصائصه وطاقاته في حدود ما يكون أداءه الأفضل وانسجامه الأجمل، وكلما اختلت موازين وقواعد هذه الطبيعة البشرية والعلاقة التي تقوم عليها، اختلت المنظومة برمتها وهو ما يسعى له الغرب بجهد جهيد وتمويل كبير!

 يريدون أن يزيلوا كل الحواجز التي تحفظ للرجل رجولته وللمرأة أنوثتها، يريدون أن يطمسوا معاني التوحيد والتقوى، يريدون تحويل الرجال والنساء لحلبات صراع لا ينتهي بالتنازع في الأمر!

فتنة لا يستهين بها تقي!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما ترَكتُ بعدي فتنةً هي أضرُّ على الرِّجالِ مِن النساءِ”؛ متفق عليه.

وقال تعالى {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ}  فلا يغتر أحد باستقامته وخشوعه لأن الفتن لها أبوابها إذا ما فتحت كانت الخسائر كبيرة وقد لا تجبر أبدا!

قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ ]آل عمران: 14[، كل هذه من أبواب الفتن، وبدأت الآية بفتنة النساء، لأنها الأشد!

 ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها ليسد المسلمون الطرق التي توجب الفتنة بالنساء، ولذلك أيضا جاءت الشريعة بأحكام تحفظ المسلمين من هذه الفتنة وكان على كل مسلم ومسلمة سد الطرق التي قد توقع في مثلها. فكان الحجاب فريضة على المرأة، وعدم اختلاطها ضروريا وأولوية، فالاختلاط بالرجال باب شر كبير.

 لقد كانت النساء في زمن النبي ﷺ يصلين خلف صفوف الرجال، ولا يرفعن رؤوسهن حتى يرفع الرجال رؤوسهم؛ وكان النبي والصحابة يتأخرون عن الخروج من المسجد حتى يدخل النساء بيوتهن، فكن أول من يخرج من المسجد قبل خروج الرجال، ولا يحْقُقْن الطريق، بل يلتزمن حوافه؛ لمنع اختلاط الرجال بالنساء، بلباسهن الشرعي لماذا كل هذا الحرص في عدم الاختلاط في وقت عبادة ومع خيرة عباد الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعلم ذلك من أحاديث النبي التي تحذر من فتنة النساء وتذكر بضرورة تقوى الله في التعاملات معهن وهي كثيرة وواضحة لا تحتاج إلا لحسن الاتباع. فكيف بزمن يزدحم بالفتن والمنكرات وضعفت فيه التقوى.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:”خيرُ صفوف الرجال أولُها، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صفوف النساء آخرُها، وشرُّها أولها”، فكلما بعُدتْ المرأة عن مخالطة الرجال كان خيرا وأفضل لها.

 ومن يتأمل فصول التاريخ في العالم الإسلامي يجد أن أول خطوات الخروج من حقبة الحكم الإسلامي كانت بتعرية النساء وإخراج النساء وفتح أبواب فتنة النساء! ثم رأينا كيف أدى تضييع هذه الأمانة من حفظ نساء المسلمين حتى أصبحنا نسمع قصصا يندى لها الجبين، لم تكن لتخطر على بال عاقل، مواضيع تطرح اليوم تحارب شريعة الله وأحكام ديننا العظيم! يجادلون في مسلمات في الدين!

النساء ضحية!

النساء ضحية ليس بمفهوم النسوية! إنما ضحية تضييع معاني الرجولة التي جعلت لحفظهن وصيانتهن، فالنساء في زماننا في حالة صعبة حقا، في ابتلاء بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، نحن بحاجة لدورات إعادة تأهيل كاملة لوعي النساء، وإعادة تصحيح مسار أمة كاملة أضاعت البوصلة حين اتبعت خطوات الغرب الكافر!

لذلك على الرجال الحرص التام على حفظ المرأة، ابنة وزوجة وصلة رحم، فهذا الواجب لا ينتهي إلى خروج الدجال، ومعلوم أن الرجل التقي أقدر على حفظ المرأة وأجدر بصيانتها بصناعة وعيها واستيعاب حاجاتها النفسية وفطرتها الأنثوية وكل ضعف فيها.

وكما قيل: المرأة بدون رجل يحميها  كالشاةِ بين الذئاب.. يتجرأ عليها أضعفُهم.

قال ابن قتيبة: “وكان بإحدى البلاد امرأةٌ صالحة عاقلة، وكانت معها فتاة، فإذا أرادت الخروج من البيت، تقول لابنها: اخرج مع أختك فإن المرأة دون رجل يحميها ويوسع لها الطريق؛ كالشاةِ بين الذئابِ يتجرأ عليها أضعفُهم”.[4]

والخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، وهذا وعد من الله حق! فلابد أن نسارع لحجز أدوارنا ومواطئ أقدام لنا في مسيرة العاملين الموفقين لعودة الإسلام حاكما ومنهاج حياة.. فالاصطفاء يكون للأصدق، والأماكن محدودة! فإن لم نسابق لتحقيق ذلك، سيسبقنا حتما صاحب همة أكبر! وهذه سنة الله في الأرض، تدافع واستبدال! فاللهم سلم، اللهم لا تحرمنا فضلك العظيم! ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون﴾ [الصف: 8].


[1]  (الذريعة إلى مكارم الشريعة) (ص 347).

[2]  (الجواب الكافي) (ص 68).

[3]  آثار الإبراهيمي (385/2).

[4] عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري 107/4

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x