عن معايير تربية الرجال أحدثك: الفرق بيننا وبينهم صارخ!

إن عقد مقارنة سريعة بين شباب هذا الجيل والجيل المتفرد، تزيح الستار عن حقيقة الفوارق الكبيرة في معايير التربية التي نشأت عليها الأجيال فيما سبق بالمقارنة بأبناء اليوم!

إنها مقارنة تكشف لنا مكامن الضعف والقوة، في ميداني العقل والبدن. لقد كانت معايير التربية عند الجيل المتفرد مخصصة لإخراج جيل قويّ يزدان بقوة جسدية تمكّنه القتال والصبر والمصابرة، وقوة عقل وتخطيط وإقدام في اللحظة المناسبة.

كان الشاب في عمر 14 سنة، رجلا مكتمل صفات الصدق والأمانة والكرم والشجاعة! تلك ثمرة تربية تغذي الروح والجسد على معاني الإيمان والفداء، على معاني المروءة والفروسية المهيبة!

واليوم 14 سنة يعامل معاملة الطفل! ولا يتمكن من تحمل مجرد مسؤولية شراء شيء من السوق! ويقضي أغلب وقته على الشاشات واللعب واللهو وما يصنع الجبن وحب الدنيا والوهن!

نماذج سامقة

كانت سنّ أول من رمى سهما في الإسلام، سعد بن أبي الوقاص، رضي الله عنه لا تتجاوز 19 سنة. وكان ذلك في معركة أحد، وهو الصحابي الجليل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم:”ارم فداك أبي وأمي”! وقد أسلم وعمره لا يتجاوز 17 سنة.

جاهدته أمه ليكفر، وكان شديد الحب لها، فأبى ولم يستجب، فمنعت نفسها الطعام والشراب ومكثت الأيام الطويلة معاندة ليرجع عن دينه رأفة بها، حتى نحل جسمها ووهن عظمها وخارت قواها. وهي ترفض جميع محاولات ابنها في إطعامها حتى أسمعها ما أفزعها وأيقظها من غفلتها فقال:”يا أماه إني على شديد حبّي لك لأشد حبّا لله ورسوله .. ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسًا بعد نفس ما تركت ديني هذا لشيء”.

فأذعنت بعد هذه الكلمات الزلزال، للأمر، وأكلت وشربت على كره منها ونزل فيهما قول الله تعالى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان: 15)

فماذا يفعل الشاب في عمر 17 سنة في زماننا؟

يحدثوننا عن مشاكل مراهقته! واضطراب نفسه وعدم وضوح رؤيته وأهدافه!  يحدثوننا عن نوبات هلعه وانهياره عند أول نازلة! أو تردده في أداء مهمة آمنة!

وذاك حبيب بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، والده زيد بن عاصم، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة، وشدّوا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعين، ومعه زوجه أم عمارة الأنصارية وابنه حبيب. رضي الله عنهم أجمعين.

قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “بارك الله عليكم من أهل بيت .. رحمكم الله من أهل بيت!”.

إنه حبيب الذي مدّ يده الصغيرة لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت جنح الظلام في بيعة العقبة، وشارك الرجال في إبرام العهود والبيعات على قصر قامته، فأصبح الإسلام أغلى عليه من نفسه، يشهد له موقف ترتجف له القلوب ذهولا، حين وقف أمام مسيلمة الكذاب، مرفوع الهامة، شامخ الأنف، يصدع بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ويُعرض عن مسيلمة، فقطع الخبيث لحمه قطعًا قطعًا، وفاضت روحه وهو لا يتزعزع… فاضت روحه وعلى شفتيه الطاهرتين يشهد أن محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضت روحه وهو يردد: محمد رسول الله! فكانت آخر ما تلفظ به من بايع نبي الله طفلا صغيرًا.

وزيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، يقبل على الصفوف غلامًا صغيرًا، لم يتم الثالثة عشر من عمره، يتوهج ذكاء وفطنة ويتألق شجاعة، يحمل في يده سيفًا يساويه في الطول أو يزيد عنه قليلا، ثم يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: “جعلت فداك يا رسول الله، ائذن لي أن أكون معك وأجاهد أعداء الله تحت رايتك”.

فسعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب به كثيرًا، ولكنه صرفه لصغر سنه.

فعاد الغلام الصغير يجرجر سيفه على الأرض حزينًا لأنه حُرم من شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في أول غزوة يغزها، وعادت من ورائه أمه، النوار بنت مالك رضي الله عنها، وهي لا تقل عنه أسى وحزنًا!

ولكنه لم يستسلم! فقد طلب من أمه أن تذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ليصول ويجول في ميدان العلم والحفظ، فرجعت أمه للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: “هذا  ابننا زيد بن ثابت يحفظ سبع عشرة سورة من كتاب الله ويتلوها صحيحة كما أنزلت على قلبك. وهو فوق ذلك حاذق يجيد الكتابة والقراءة وهو يريد أن يتقرب بذلك إليك وأن يلزمك .. فاسمع منه إن شئت”.

فسمع النبي صلى الله عليه وسلم من الغلام زيد بعضًا مما يحفظ فإذا هو مشرق الأداء مبين النطق، وأظهر نجابة لم تكن لتخفى!

فسرّ به النبي صلى الله عليه وسلم وقبله وأوكل له مهمة: فقال صلى الله عليه وسم: “يا زيد تعلم لي كتابة اليهود، فإني لا آمنهم على ما أقول”، فقال: لبيك يا رسول الله.

وأقبل على العبرية يتمرسها حتى أتقنها بشكل مبهر في وقت قصير، وجعل يكتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يكتب لليهود، ويقرؤها له إذا كتبوا له، وتعلم كذلك السريانية، بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح الفتى الصغير زيد بن ثابت ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم! بل وبلغ مرتبة كاتب الوحي! لأمانته ودقته وسعة فهمه.

وخباب بن الأرت رضي الله عنه، كان صبيًا لم يبلغ الحلم، اشترته أم أنمار الخزاعية من سوق النخاسين،  في مكة،  ودفعته إلى من يعلمه صناعة السيوف،  فما مضى وقت كثير حتى اشتهر بصناعتها، وأضحى محله لبيع السيوف وجهة الناس من كل مكان، لأمانته وصدقه وإتقانه لصنعته. وكان مع ذلك، حكيمًا عاقلًا ينشد الحق! فما أن سمع عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل عليه وبسط يده إليه وأسلم بلا أدنى لجلجة، فكان سادس من أسلموا على ظهر الأرض حتى قيل، مضى على خباب وقت وهو سدس الإسلام! ولم يكتم إيمانه، فقد صدع به وأثار سخط أم أنمار وأخيها سباع، فجمعت له طغاة قريش، وعذبوه حين تشتد الهاجرة، وتلهب أشعة الشمس الأرض، يخرجوه إلى بطحاء مكة، وينزعون عنه ثيابه ويلبسوه دروع الحديد، ويمنعون عنه الماء، حتى إذا بلغ به الجهد كل مبلغ، سألوه: ما تقول في محمد..؟ فيقول: عبد الله ورسوله، جاءنا بدين الهدى والحق، ليخرجنا من الظلمات إلى النور.

فيوسعوه ضربًا ولكمًا، فيقولون: وما تقول في اللّات والعزّى؟ فيقول: صنمان أصمان أبكمان، لا يضران ولا ينفعان.

فيأتون بالحجارة المحمية ويلصقونها بظهره ويبقونها عليه حتى يسيل دهن كتفيه.

وأذن الله لهم بالهجرة فكان من المهاجرين لكنه لم يخرج من مكة حتى شهد عذاب الله في أم أنمار التي أصابها صداع شديد، لم يسمع بمثله من قبل في مثل آلامه، فكانت تعوي كالكلاب من شدة الألم، وقيل لها لا علاج لك إلا بكيّ رأسك، فجعلت تكوي رأسها بالحديد المحميّ، فتلقى من أوجاع الكيّ ما ينسيها آلام الصداع.

وهناك في ذلك الزمان! في غزوة أحد كانت سنّ طلحة رضي الله عنه في العشرينات وهو ينحر المشركين حتى لا يصلوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يضع يده أمام الرمح المتجه للنبّي صلى الله عليه وسلم ليصدها ويفدي نبيّ الله بروحه! حتى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة”، فكان من المبشرين بالجنة. ولا عجب أن شهد له الصديق رضي الله عنه وقال أبو بكر رضي الله عنه، عندما يذكر غزوة أُحد: ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول من جاء إلى النبي فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: “دونكم أخاكم، ونظرنا، وإذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، وإذا أصبعه مقطوعة، فأصلحنا من شأنه.

واليوم في العشرينات يستمع للأغاني ويرقص ويتمايل على تيك توك، بلا خجل، وأسمى أمانيه أن يلتقي لاعب كرة قدم أو مغني ساقط أو ربما مشاهدة أنمي تافه!

قُتل عمرو بن هشام الطاغية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد معاذ ومعوذ وكان عمرهما آنذاك 14 سنة! كان البطلان الصغيران يترصدانه كالأسود حتى اقتصا منه على كل جرم ومظلمة وإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم!

اليوم نرى من هم في مثل سنهما، يعيش التيه والضياع ولا ينتفض غيرة على نبيه صلى الله عليه وسلم ولا حرمات دين وعرض ولا يبالي بما يجري في الأرض، همه بطنه ونومه وتسليته! وإن ضاعت فريضة الصلاة وانقضت مواقيتها، اعتادت عينه على رؤية المنكرات وتعايش مع الذلّة والضعف فلم يعد يعرف قيمة المعاني فضلا عن مراتب الشرف!

وذاك حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، الزبير بن العوام، أول من أشهر سيفًا في الإسلام، استله من غمده للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان عمره آنذاك 16 سنة فقط، وقيل 12 سنة! وخرج حين سمع: أن رسول الله قُتِل، فخرج من البيت متجردًا السيف صَلْتا، فلقيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “ما شأنك يا زبير؟”، قال: سمعت أنك قُتِلْت، قال:”فما كنت صانعًا؟”، قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة، فدعا له النبي – صلى الله عليه وسلم – بخير.

وأما الأرقم بن أبي الأرقم الذي اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيته مقرًا للدعوة خلال 13 عاما في مكة، فقد كان قادرًا على حماية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وقيل أنه كان يخرج وسط مكة يهدد المشركين: “والله الذي لا إله إلا هو من يدخل علينا بيتي عنوة لأقسمن صلبه”!

كان عمره 16 سنة حين قال هذه الكلمات، وكان حامي حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم!

من يثق صاحب الـ16 سنة في زماننا فيستأمنه على مثل هذه المهمة الجليلة في حفظ أمان بيت أو اجتماع! ولا يخشى أن يؤتى من هشاشته وسذاجته!

وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان غلامًا يافعًا لم يجاوز الحلم، تأسرك بصيرته! كيف عرف الحق وأسلم بعد لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، في قصة رعيه للأغنام والحوار الذي جرى بينه وبين سيد الخلق أجمعين، حتى أعجب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأكبرا أمانته وحزمه وتوسما فيه الخير. ولزم بعد ذلك عبد الله بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم كالظل في حله وترحاله.

وعبد الله بن عباس رضي الله عنه، لقد كان عمره حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم 13 سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم 1660 حديثًا! أثبتها البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وقبل ذلك حين بلغ للتو سن التمييز كان يُعد للنبي صلى الله عليه وسلم – من تلقاء نفسه وإقبال همته – ماء وضوئه ويصلي خلفه ويكون رديفه إذا عزم على  السفر.

ثم معاذ بن جبل رضي الله عنه كيف أسس فريقًا مع أصدقائه الصغار وأبناء عمرو بن الجموح رضي الله عنهم، كيف تمكنوا من انتزاع صنمه “مناة” من صدره انتزاعًا ودفعوه للإيمان دفعًا.

فقد كان معاذ بن جبل، وهو  فتى صغير، يحمل همة عظيمة، فوجد لنفسه عملا في سبيل الله، وهو كسر الأصنام وانتزاعها من بيوت المشركين في يثرب، وكان من بين غزواته المظفّرة، تلك الغزوة التي شنّها مع أبناء عمرو بن الجموح وهم فتية صغار في السن على بيت أبيهم، فعمدوا إلى صنمه “مناة” في الليل وحملوه من مكانه وذهبوا به إلى حفرة يرمي فيها الناس أقذارهم، وطرحوه هناك، دون أن يعلم بهم أحد، وأصبح عمرو بن الجموح يبحث عن صنمه حتى وجده في مكانه الذي رموه فيه ملطخًا بالقاذورات، فأعاده وغسّله وطيّبه، ويرجع الأبطال ويكررون الأمر حتى استقر في نفسه أنه صنم لا يضر ولا ينفع. وأنشأ يقول:

والله لو كنت إلها لم تكن … أنت وكلب وسط بئر في قرن

وما لبث أن أسلم.

وأسامة بن زيد رضي الله عنه في يوم أحد يتولى وعيناه الصغيرتان تفيضان من الدمع حزنًا أن رده الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسمح له أن يجاهد معه لصغر سنه، ورده مع نفر من الصبيان يريدون الجهاد في سبيل الله تعالى، ولا ينسى عزمه! فيكرر الطلب في غزوة الخندق، وجاء من جديد ومعه نفر من الصبيان ليأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وجعل يشدّ قامته إلى أعلى ليجيزه رسول الله، فرقّ له صلى الله عليه وسلم وأذن له فحمل السيف وعمره 15 سنة. إنه البطل الفتي الذي ثبت يوم حنين مع نفر من كرام الصحابة رضي الله عنهم، فاستطاع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفئة الصغيرة المؤمنة الباسلة أن يحول هزيمة أصحابه إلى نصر!

ويوم مؤتة جاهد أسامة تحت لواء أبيه زيد، ورأى بعينيه مقتل أبيه ولم يتراجع، بل استمر يقاتل تحت لواء جعفر بن أبي طالب حتى قتل أمامه ثم عبد الله بن رواحة، حتى قتل أمامه، ثم خالد بن الوليد حتى رأى فضل الله عليهم. وعاد أسامة على جواد والده الذي استشهد عليه! ولا عجب أن أمّر النبي في آخر أيامه، أسامة على جيش لغزو الروم! ومضى أسامة في خلافة الصديق رضي الله عنه، فأنفذ كل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وأوطأ خيل المسلمين تخوم البلقاء، وقلعة الداروم من أرض فلسطين، ونزع هيبة الروم من قلوب المسلمين، ومهد الطريق أمامهم لفتح أرض الشام ومصر والشمال الإفريقي .. وعاد أسامة مظفّرًا، على الجواد الذي استشهد عليه أبوه زيد، حاملًا من الغنائم ما زاد عنه تقدير المقتدرين، حتى قيل إنه ما رؤي جيش أسلم وأغنم من جيش أسامة بن زيد!

ثم عمير بن سعد رضي الله عنه، الذي صدق ووفّى في سنّ صغيرة، ونزل القرآن نصرة له، فقد أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله الجلاس بن سويد من كلام منكر، فكذّبه الأخير وأنكر قوله، فنزل القرآن بييان صدق عمير بقوله تعالى ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْر وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾ (التوبة: 74) فارتعد الجُلاس من هول ما سمع وأعلن توبته على الفور! وقال: صدق عمير يا رسول الله وكنت من الكاذبين.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمير: “وفّت أذنك، يا غلام ما سمعت وصدقك ربك”.

قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “عمير بن سعد نسيج وحده”.

وقال عنه في كبره: “لكم وددت أن لي رجالا مثل عمير بن سعد لأستعين بهم في أعمال المسلمين”.

وعبد الله ابن الزبير، ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مولود للإسلام بعد الهجرة، وصلت به أمه، ابنة الصديق، ذات النطاقين، حاملا به مهاجرة في سبيل الله، فولدته في قباء. كان مضرب الأمثال في الشجاعة والفروسية والتقوى والعبادة والثبات، وقد عرفت فيه النجابة مبكرًا. فعن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه:”أن النبي صلى الله عليه وسلم كُلّم في غلمة من قريش ترعرعوا: عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعمر بن أبي سلمة، فقيل: لو بايعتهم فتصيبهم بركتك، ويكون لهم ذكر، فأتى بهم إليه، فكأنهم تكعكعوا (تباطأوا وتراجعوا) فاقتحم عبد الله بن الزبير أولهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه ابن أبيه”.

واستمرت البطولة في عصر الفاتحين والدول الإسلامية

وعلى تلك المعايير، نشأت أجيال الفاتحين وأبطال الإسلام جيلا بعد جيل! يحمل الطفل منذ صغره همة رجل كبير، وطموح كتيبة وجيش!

فذاك فاتح السند محمد بن القاسم، فتح بلاد السند فتحًا مهيبًا، واقتحم بخيله وسيفه قائدًا لجيشه أرضًا يجهلها ويجهل أهلها، وينتصر فيها أعظم انتصار عرفه تاريخ تلك الأرض! وأدخل أهلها الإسلام، فكان أول مسلم يطأ بلاد السند، وكان عمره لم يتجاوز 17 سنة!!

واليوم 17 سنة يجبن ويترك صلاته ويهجر القرآن، وأحلامه لا تتعدى سيارة فارهة ورفاهية فانية لا يأبه لحال المسلمين ولا لدوره في إقامة بنيان الإسلام في الأرض! وحسبنا الله ونعم الوكيل!

وكذلك نرى البطولة منذ سن صغيرة في تاريخ الدول الإسلامية، لقد كانت ميادين التربية الإسلامية، مصانع للرجال وفق طراز متوفق!

فالسلطان جلال الدين خوارزم شاه كان عمره 21 سنة حين حقق انتصاراته التاريخية وكان أول من انتصر على جانكيز خان قائد جيوش المغول!

ومحمد الفاتح كان عمره 21 سنة حين استلم الحكم وفتح القسطنطينية على عمر 23!

وعبد الرحمن الناصر حكم الأندلس على عمر 23 عاما.

وعبد الرحمن الداخل أقام ملكا في الأندلس وحضارة ممتدة ولم يتجاوز 23 سنة!

والناصر محمد بن قالوون رد جيش المغول عن الشام بنفسه وعمره لا يتجاوز 18 سنة!

والظاهر بيبرس قاهر المغول والصليبيين سطر بطولاته ولم يتجاوز 25 سنة!

واليوم، يبلغ الشاب 30 سنة ويقال له لا تزال صغيرا!

فكان ما نرى ونسمع من وهن واستضعاف مهين!!

أين المشكلة وما الحل؟

إن المشكلة الحقيقية التي يجب حلّها واستدراكها عاجلا غير آجل هي في معايير التربية ومناهج إنشاء الأجيال، إنها في تصورات الآباء والأمهات وجهلهم بحقيقة قدرات الشباب وسنين تتفجر فيها العبقرية، فتهدر هدرًا في مناهج تربية وتعليم بائسة تعيسة دفنت الطاقات وحاصرت المواهب وقبرت الشباب، فلا تتعدى همة الواحد منهم بطنه ونفسه! وأصبحت حجة المراهقة كابوسًا يطارد كل من بلغ الحلم!

لقد أصبح الشاب عجوزًا وهو لا يزال في العشرينات! ضعيفًا وهو في شدة البأس، بخيلا وهو في قمة العطاء!

لقد ابتلي الأبناء بأمهات يُرضعن أبناءهن الجبن وحب المال حبًّا جمًا من سن صغيرة! وآباء لا تتجاوز همتهم إشباع البطون والتنافس على زخرف الدنيا، فانتكسوا وأنكسوا!

لقد آن الأوان لتغيير كل هذه المناهج والمقاييس الفاسدة!

فيا أيتها الأم أبعثي ابنك ليثًا هصورًا ولا تخشي عليه شيئًا، علميه اقتحام المعامع وإثبات رجولته منذ سن صغيرة، لا تربيه تربية الأنثى ولا تربية الطبطبة، بل ربيه رجلا لا يخشى مقارعة العدى! حمليه المهام التي يقوم بها الكبار وأشعريه برجولته مبكرًا.

أيها الأب علم ابنك أخلاق الفارس ومروءة الفرسان، علمه أن حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قبل أبيه وأمه وكل الدنيا.

ارفعوا سقف الأهداف عاليًا لا تلصقوها بدنيا دنية، فالمرحلة المقبلة مرحلة سيادة الإسلام، ولا بد لهذه السيادة من إعداد حثيث وحازم، لا بد من جيل يحمل الإسلام منهجًا وهدفًا ونصرةً كأولوية دونها الموت!

إنها عوامل الانبعاث الأولى التي تقوم عليها نهضة الأمم، الأجيال التي تتحمل مسؤولية رسالة الإسلام بنجابة وتقوى.

ومعلوم أن أول ما يخشاه الآباء والأمهات هو معارضة أو مخالفة ما دأبت عليه المجتمعات من حولهم من مقارنات وتنافس في أمور الدنيا، فلتلقوا الدنيا في نحور من يسابقكم عليها، واجعلوا كل الأهداف في سبيل الله وإعلاء كلمته. ووالله ليجدن المؤمن من الله تعالى معية ونصرًا لا ينالهما إلا بصدق إيمان ويقين ولا يستبدلهما بكل ما في هذه الدنيا من زخرف وملذات.

لينشأ الطفل على غاية نصرة دينه، قائدًا كان أو جنديًا، في أي ثغر يعد نفسه على سده هو جندي من جنود الله، في مرتبة قيادة ومهنة ريادة أو في الساقة! المهم أن يحمل الإسلام منهجًا وغايةً في حياته ويسخر ما يتقنه من علوم وفنون في إعلاء كلمة الله جل جلاله.

إن إعادة الهيبة للإسلام تبدأ من إعادته منهجًا وغاية في حياتنا أفرادًا وأسرًا، ومجتمعات وأمة! ثم بعدها نستوجب التمكين والظفر!

أما دون ذلك فطريق طويل وخسائر جمّة وهزائم.

اللهم أقرّ أعيننا بجيل مستعلٍ بإيمانه فاتح لا يرضى بغير مراتب الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا!

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x