علو همة المرأة قبل الإسلام وبعده

من يتأمل أشعار هند بنت عتبة -رضي الله عنها- يبصر منذ عصر الجاهلية كيف كان ود المرأة الحرة متعلقا بالبطولة والشرف.

ولا عجب فهي صاحبة المقولة الشهيرة “وهل تزني الحرة؟!” وهي التي تربت في عصر جاهلية تنتشر فيه الزنا!

ونشاهد ذلك في سيرتها قبل إسلامها أيضا، لقد كانت عالية الهمة عظيمة الأهداف في التربية، فحين قيل لها ومعاوية – رضي الله عنه- وليد بين يديها: إن عاش معاوية ساد قومه. قالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه!

وحين أتاها نعي يزيد بن أبي سفيان وقال لها بعض المعزين: إنا نرجو أن يكون في معاوية خلف من يزيد يواسونها ويعزونها، فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفا من أحد؟! والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيهم لخرج من أي أعراضها شاء.

لقد كان دورها التحريض وشحذ النفوس ورفع الهمم خلال الحروب .. فكانت على ثغر نصرة أمتها وحفظ شرف قومها مع أنها كانت تعيش في عصر جاهلية من الممكن أن تشغلها كل مشغلة وتفاهة عن هذا المطلب المهيب!

وكان أبرز أهدافها في الحياة، تربية طفل قائد في أمته، عظيم الشأن والمكانة والتأثير ..! وقد حققت كل ذلك بعد أن هداها الله تعالى للإسلام.

وفي ذلك نموذج لعلو همة المرأة حين تنشد المكارم ومراتب الشرف، وهذا أمر ثابت منذ الجاهلية، فكيف في الإسلام!

ومن المهم التنبيه في هذا المقام إلى أن ما ورد من استخراج هند لكبد حمزة رضي الله عنه وتناولها إياها لا يثبت فيه شيء ولا يصح.

وأنقل هنا أبياتا لهند يوم أحد – قبل أن تسلم- لنبصر كيف كانت حرقتها تتفجر بين الحروف، وهي التي كانت تحرض قومها للقتال ضد المسلمين، والأهم منه رد هند بنت أثاثة المؤمنة عليها والتي كانت أشد حبا لله ورسوله صلى الله عليه وسم، فغلبتها، قالت هند:

نحن جزيناكم بيوم بدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمه بكري

شفيت نفسي وقضيت نذري
شفيت وحشي غليل صدري

فشكر وحشي عليَّ عمري
حتى ترمَّ أعظمي في قبري

فردت عليها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب – مقدمة نموذجا آخر لعلو همة المرأة ولكن هذه المرة في الإسلام – فقالت :

خزيت في بدر وبعد بدر
يا بنت وقاع عظيم الكفر

صبحك الله غداة الفجر
ملهاشميين الطوال الزهر ‏‏

بكل قطاع حسام يفري
حمزة ليثي وعلي صقري

إذ رام شيب وأبوك غدري
فخضبا منه ضواحي النحر

ونذرك السوء فشر نذر

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تركنا منها ثلاثة أبيات أقذعت فيها ‏. ما يعكس شدة حرقتها في الرد وإغلاظها على من كانت كافرة في ذلك الوقت نصرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. إنه مشهد العزة بالإيمان والاستعلاء به حتى في مقام يعتقد فيه الكافرون أنهم ظفروا!

وهذا قبس من التاريخ لنبصر كيف كانت المرأة في الجاهلية ثم الإسلام .. كيف أن علو همة المرأة كان معلما بارزا في كل انتصار وظفر وكل بطولة ومجد وفي تنشئة القادة والفرسان وحماة الفضل!

ويتعجب المرء اليوم كيف انحدرت همم النساء فلم تبلغ همة هند في الجاهلية ولا همتها في الإسلام، ولم تعد تعنيهن البطولة ولا الأمجاد، ولا تربية قادة أفذاذ!!

نسأل الله أن يصلح الحال وينصر الأمة بالحرة الصادقة.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x