كيف نتجاوز عقبة ذهنيات تشكلت تحت وطأة الحكم الجبري!

تشكلت تحت الحكم الجبري، ذهنيات مضطربة، ونفسيات هشة، تشترك في مصيبة “الوهن” و”الانهزامية” وسهولة الانجرار “لسلطة الثقافة الغالبة المحاربة”.

ذهنيات لم تؤسس على هدي القرآن والسنة، تربت على اللهث خلف متاع الدنيا القليل على حساب الآخرة، فحملت بذور الانحراف والضعف، تفاعلاتها لحظية وانعطافاتها مفاجئة وإن أظهرت حسن الأداء لحين. لا يمكنها تحمل أعباء انبعاث أو نهضة أمة مسلمة، لأنها صيغت لتعيش موائمة لشروط الاستعباد والاحتلال والهيمنة الغربية!

منها ذهنيات تنظر بعين الإفراط، وهي على صنفين، صنف لا يكاد يبصر معالم الحق، يؤوس قنوط، يفسد أكثر مما يصلح! لا يرى إلا الاستسلام لأنه لا أمل في الأفق! كل الناس في نظره هلكى ويستحقون الهلاك.

وصنف ما أسرع توحشه وما أسهل استعداءه وانجراره، يحرم نفسه الفضل يتصرف بتفاعلات لحظية لا أصول وقواعد العلم! وكلاهما جاوز حد العدل والاستقامة ما يعكس سوء الاستجابة ودرجة الجهل.

وذهنيات تقوم على التفريط لا تزال تبيع دينها بثمن بخس، وتبدل فيه بلا خجل ولا كرامة حس! ترى في ذلك منتهى العقل والحكمة! تعودت العبودية للبشر، فلا يمكنها العيش بدون تشبث بقشة وتعظيم مبالغ فيه لأي هشّ! تعكس سلوكاتها درجة الفقد والضعف.  وأمثالها يسوسه كل طاغية بثمن بخس.

ولن تجد أقبح وأسوأ من الذهنيات التي تشكلت خلال الحكم الجبري، فهي تفتقد للاستقامة السوية، والاستجابة السريعة، تعاني التخلف العقدي والخلقي فكانت مصيبة مضاعفة!

تتبع كل ناعق يبدي لها من أهوائها طرفا، وتعاند سنن الله ولا تتأدب أمام آياته جل  في علاه، فكان في ذلك هلاكا محققا!

كيف نتعامل مع هذه الذهنيات؟

في الواقع نحن أمام عقبة كؤود تتطلب عملية إصلاح جذرية لا يمكن تحقيقها إلا بوجود سلطان إسلامي يملك زمام الأمور والمؤسسات والمنافذ ويتحكم في مداخل المجتمعات وأبوابها، سلطة تستطيع أن تعيد صياغة هذه الشخصيات على هدي القرآن والسنة وسير السلف الصالح فتتحول إلى قوة ضاربة في الأرض وسواعد صناعة لحضارة ماجدة! تتحطم أمام حزمها وهيبتها كل مخططات المكر والتغريب والدعوات الهدامة. تتطهر معها المجتمعات فيتحقق أهم شرط للأدء الأفضل للمسلم والمسلم، فتشرق الروح وتشتعل الهمة وتتخلص النفس من قيودها وتبدأ مع كل محطة زمن وحدث، تتجلى آثار النهضة الفاخرة!

لكن تحقيق ذلك دونه الكثير من الوقت والبذل مع وجود تدافع مع قوى الشر والباطل التي تمتلك النفوذ والتأثير وسعة الوصول والبطش! ولا يزال التدافع ماضيا إلى غاية تحقيق هذا الحكم قد اصطفى له من يشاء من عباده، وإلى حين تحقيق ذلك، لا بد من أعمال ممهدة ومهيئة لمرحلة التمكين للإسلام في الأرض.

من هنا تظهر لنا أهمية العمل على أهداف بعيدة المدى، تمهد لهذا التمكين الواعد، وفي مقدمتها المشاريع التربوية والتعليمية المستقلة عن منظومة “الحكم الجبري” مشاريع مؤسساتية تقدم مناهج وتبني الأجيال على العودة الحازمة والجادة لما كان عليه السابقون الأولون.

دور هذه المؤسسات مفصلي ونقطة وصل لتمهيد الأرض للصعود الرتقب لأمة الإسلام ، تضاعف نتائجها مع الوقت سنن الله في الأرض! تستقطب من يحمل ضمير صدق، من عاف حياة الدنية وتاقت نفسه للتغيير الأفضل، وبحاجة لمزيد دفع! وهم بفضل الله كثير.

ولحين توفر العدد الكافي من مثل هذه المؤسسات واعتناق فكرتها القوي الأمين من كل مكان، ورؤية ثمارها على الأرض، وترسيخ جذورها بين الناس، يبقى بيدنا وسيلة أخرى لتحقيق التغيير، ألا وهي وسيلة الأسرة المسلمة التي هي اللبنة الأساسية في كل بناء ومشروع انبعاث.

الأسرة المسلمة

وهذا مشروع يتطلب جهودا فردية، أكثر منه جماعية، لذلك وجب الحذر الشديد اليوم من كل مسلم ومسلمة بتفادي تكرار أخطاء الآباء والأمهات التي كانت تقوم على اختيار مادي بحت، وزواج مصلحي لغرض دنيوي !

ولتكن البداية بنية إنشاء أسرة مسلمة تقوم على هدي القرآن والسنة غايتها إخراج جيل يمثل الإسلام أفضل تمثيل، يقوم بحدوده وواجباته ويحقق مقاصده من تمكين وسيادة في الأرض.

وهذا يتطلب البناء منذ البداية على أساس سليم من حيث اختيار الزوج أو الزوجة، ومن حيث الاتفاق على مرجعية الإسلام والعمل على تحقيق أهدافه وتوفير الوسط المناسب والأسباب المساعدة وتعزيز عوامل القوة والحصانة فيه وإضعاف عوامل الهدم والضعف!

يكفي أن يتحقق لنا نسبة 25 بالمئة من “مؤسسات الأسرة الواعدة” في المجتمعات لنحقق تأثيرا عظيما على مستوى الأمة.

فكل أسرة ستخرج لنا قادة وجندا قادرين على إحداث التغيير، والثبات أمام عواصف الفتن المقبلة.

والأقوياء الأمناء هم الذي سيتمكنون من حمل أمانة الإسلام واستدراك الكثير مما تم تضييعه على مر السنين الماضية.

لا شك أن الحديث عن صناعة نهضة وانبعاث أمة لا تكفيه هذه السطور، ولكن الهدف من الطرح هو تسليط الضوء على أهمية صياغة ذهنيات مختلفة تماما عن تلك التي تشربت فتن الحكم الجبري وانجرت ذليلة بلا مقاومة لكل ما فيه ضياع كرامتها.

وإلى حين يمنّ الله علينا بالتغيير الشامل وإقامة سلطان إسلامي رائد عزيز مستقل، استحضر دائما أيها المسلم ، أيتها المسلمة، أن أولى أولياتك أن تعذر أمام الله جل جلاله، بسعيك نحو إقامة بنيان الإسلام في الأرض وإثبات صدق مطلبك وإخلاصك فيه، لأن المساءلة ستكون عظيمة لمن عاش في مثل زماننا، الذي غلب عليه التفريط والإفراط الهدامين.

فإما أن تساهم في تأسيس وتمويل وتقوية المؤسسات التربوية والتعليمية الإسلامية المستقلة واستقطاب الكفاءات لها، أو لتبني أسرتك على منهاج النبوة، لا تحيد عن سبيل الاستقامة، سبيل المؤمنين المهيب، وهذا هو الإعداد الذكي لما هو قادم، وهذا هو الأخذ بالأسباب للثبات أمام الزلازل المقبلة، التي لا يثبت فيها إلا التقي الشهم!

ذخيرتك الصبر واليقين ولا تبالي بعدها ببخس أو غمط فالبيعة مع الله جل جلاله!

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اياد العابد

أحسنتم وجزاكم الله خيراً

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x