في مثل هذا اليوم أظلمت المدينة!

في مثل هذا اليوم، تُوفّي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل، في العام الحادي عشر للهجرة، أي ما يوافق العام 633 ميلادي.  في يوم لم ير في تاريخ الإسلام أظلم منه!

كيف لا وهو يوم مصاب الأمة في نبيها صلى الله عليه وسلم فانقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وانقطعت النبوات، فهو أول انقطاع عُرَى الدين ونقصانه، وكانت آية: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر:30).

قال أنس:”لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ، وما نفَضنا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ الأيديَ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا”.[1]

وقال رضي الله عنه: “فما رأيت يوما قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته فما رأيت يوماً قط أظلم ولا أقبح من اليوم الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه”[2].

قال أبو ذؤيب الهذلي: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا جميعاً بالإحرام، فقلت: مه؟! فقالوا: قبض رسول الله عليه وسلم.[3]

قال ابن رجب: “ولما توفي اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية”[4].

وروي أن بلالا كان يؤذن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل دفنه فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله ارتج المسجد بالبكاء والنحيب[5].

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح.. فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: “ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”، وقال: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ}، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ َ}، فنشج الناس يبكون[6].

قالت عائشة -رضي الله عنها- فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر – رضي الله عنه – فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها.[7]

وعن أنس أن فاطمة بكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات فقالت: “يا أبتاه، من ربُّه ما أدناه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه”[8].

ولما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!.

وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أفاطم إن جزعت فذاك عذر ** وإن لم تجزعي ذاك السبيل

لقد عظمت مصيبتنا وجلت **عشية قيل قد قبض الرسول

وأضحت أرضنا مما عراها** تكاد بنا جوانبـــــــها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا ** يروح به ويغدو جبــــــرئيل

وذاك أحق ماسالت عليه **نفوس الناس أو كادت تســـــيل

وقال أنس رضي الله عنه: “قلّ ليلة تأتي علي إلا وأنا أرى فيها خليلي عليه السلام” ويقول ذلك وتدمع عيناه[9].

وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه، وقال: “وا نبياه، وا خليلاه، وا صفياه”.[10]

وقال عثمان: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كان بعضهم يوسوس، فكنت ممن حزن عليه، فبينما أنا جالس في أطم من آطام المدينة – وقد بويع أبو بكر – إذ مر بي عمر فسلم علي، فلم أشعر به لما بي من الحزن[11].

النبي ﷺ يشعرهم برحيله

لقد نزلت الآيات العديدة التي تشير إلى رحيل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الأنبياء، وقد أشعر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك في عدة مواقف: فعن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال: “يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ـ أو قال: ـ لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري”، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: “إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا”.[12]

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مرحباً بابنتي”، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكي؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت: أسر إليَّ: “إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي” فبكيت، فقال: “أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين” فضحكت لذلك[13].

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وقال: “لعلي لا أراكم بعد عامي هذا”[14].

كيف توفي النبي ﷺ؟

أصاب المرض النبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول، بعد رجوعه من دفن أحد أصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، قال: “بل أنا وا رأساه” قال: “ما ضرَّكِ لو متِّ قبلي فغسلتُك وكفنتُك ثم صليتُ عليك ودفنتك”، قلت: لكني ـ أو لكأني ـ بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعتَ إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بُدئ بوجعه الذي مات فيه”[15].

وقالت عائشة رضي الله عنها: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخطُّ رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وكانت عائشة رضي الله عنها تحدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه: “هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس”، وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج إلى الناس[16].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبٌ رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر”.

وقالت عائشة رضي الله عنها: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: “إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس”، فخرج أبو بكر فصلى، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم[17].

وعن أنس بن مالك قال لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يُقدَر عليه حتى مات[18].

وقالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه[19].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُضِر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: “هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده”، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا، يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قوموا عني”. قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم[20].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال: “لا تلدوني” فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: “لا يبقى أحد منكم إلا لُد غير العباس فإنه لم يشهدكم”[21].

قالت عائشة: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم[22].

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً‍! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم”، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أجل”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها”[23].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن أمه أم الفضل قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ بالمرسلات قالت: فما صلاها بعد حتى لقي الله[24].

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ويمسح وجهه بالماء وهو يقول: “اللهم أعني على سكرات الموت”[25].

وعن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة: وا كرب أباه، فقال لها: “ليس على أبيك كرب بعد اليوم”.[26]

وصايا النبي ﷺ قبيل وفاته

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجداً”، قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً[27].

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى، قلت: يا أبا عباس، ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: “ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً”، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع… فقال: “ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه”، فأمرهم بثلاث قال: “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم”، والثالثة خير، إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها.[28]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئاً يضر فيه قوماً وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم”، فكان آخر مجلس جلس به النبي صلى الله عليه وسلم[29].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: “أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم”.[30]

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: “الصلاةَ وما ملكت أيمانكم”، فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه[31].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: “الصلاة وما ملكت أيمانكم”.[32]

ودخلت أم مبشِّر رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما تتَّهِم بنفسك؟ فإني لا أتهم إلا الطعام الذي أكَلَ معك بخيبر، وكان ابنها مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “وأنا لا أتهم غيره، هذا أوان قطع أبهري”[33].

وكان امرأة يهودية قد دست للنبي صلى الله عليه وسلم السم في طعامه الذي دعته إليه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وأكل القوم فقال: “ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة”، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: “مازلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهَري”.[34]

قال في النّهاية: “الأبهر عرق في الظّهر وهما أبهران, وقيل: هما الأكحلان اللّذان في الذّراعين, وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة”.[35]

وهكذا جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بين الشهادة على يد قتلة الأنبياء من اليهود وبين المرض والحمى فكان الفضل كله.

تخيير النبي ﷺ

عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال: “يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي”، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: “السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى”، قال: ثم أقبل عليَّ فقال: “يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة” قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: “لا ـ والله ـ يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل والجنة”، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبُدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قضاه الله عز وجل فيه حين أصبح.[36]

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: “إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله”، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا[37].

وتقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: “إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخيَّر”، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال:”اللهم في الرفيق الأعلى”، فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح[38].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة”، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } [النساء:69]، فعلمت أنه خير[39].

اليوم الأخير من حياة النبي ﷺ

عن أنس بن مالك الأنصاري أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر، فتوفي من يومه[40]. وفي رواية أخرى: وتوفي من آخر ذلك اليوم[41].

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك، فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو علبة -يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: “لا إله إلا الله، إن للموت سكرات”، ثم نصب يده فجعل يقول: “في الرفيق الأعلى” حتى قبض ومالت يده[42].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفي، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم[43].

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول: “اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق”[44].

قالت: فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: “اللهم الرفيق الأعلى”، قالت: فكانت آخر كلمة تكلم بها “اللهم الرفيق الأعلى”[45].

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين[46].  

شهر ربيع الأول

وفي الوقت الذي يقضيه البعض في الاحتفال بما يسمى “مولد النبي” صلى الله عليه وسلم في ذكرى يوم وفاته، يجب التنبيه إلى أن شهر ربيع الأول اجتمعت فيه 3 أحداث مهمة، ففيه مولد النبي الذي لم يثبت أنه في الثاني عشر كما يحتفل به البعض، وفيه هجرته إلى المدينة التي قال عنها عمر رضي الله عنه: “الهجرة فرّقت بين الحقّ والباطل فأرّخوا بها[47]”.وفيه وفاته صلى الله عليه وسلم التي تعد من أشراط الساعة.

وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظم هذه المصيبة التي حلت بالمسلمين فقال: “يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعَزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي”[48] قال السندي: “فليتعزّ” ويخفِّف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكّر هذه المصيبة العظيمة، إذ الصّغيرة تضمحلّ في جنب الكبيرة فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصّغيرة”[49].

لقد كانت أم أيمن رضي الله عنها تبكي حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لها تبكين فقالت: “إني ـ والله ـ قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي انقطع عنا من السماء”[50].

قال أبو العتاهية:

اصبر لكـل مصيـبة وتجلَّد واعلـم بأن المـرء غير مخلَّـد

واصبر كما صبر الكرام فإنها نُوبٌ تنوب اليوم تكشف في غد

أوما ترى أن المصائب جمـة وترى المنيـة للعبـاد بمرصـد

فإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصـابك بالنبي محمـد

وعن أبي بردة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون”[51].

“وأنا أمنة لأصحابي” أي: إن الله عز وجل قد رفع عن أصحابه رضي الله عنهم بلاء الأمم السابقة مدة بقائه صلى الله عليه وسلم فيهم، كما قال سبحانه: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33]، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرت فيهم الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا ذهبت» أي: بالموت، «أتى أصحابي ما يوعدون».

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وأصحابي أمنة لأمتي» يعني: أن أصحابه رضي الله عنهم مدة حياتهم بعده صلى الله عليه وسلم؛ يكون الدين قائما، والحق ظاهرا، والنصر على الأعداء حاصلا، «فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه، وبعد موت الصحابة رضي الله عنهم غلبت الأهواء على الناس وظهرت البدع والمنكرات، ولا يزال أمر الدين متناقصا إلى ألا يبقى على الأرض أحد يقول: الله الله، وهو الذي وعدت به أمته، ولعل المراد من أصحابه أصحاب معينون، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما ورد في حديث حذيفة في الصحيحين عن الفتنة، وأن عمر كان الباب الذي يغلقها، وأن هذا الباب ينكسر بموته رضي الله عنه.[52]

مفارقات

وحين نتأمل حال أمتنا اليوم، فأرض محتلة، وعز مسلوب وهيمنة قاهرة، وظلم وعدوان تفشى، وشعوب كاملة تُباد، واستضعاف نال منا لحد الموت! وحرب مسعورة على الإسلام والفطرة. وعلى السنة وكل فضيلة!

ثم كيف نقضي يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم! بدل أن يكون يوم حزن وخشية، وتفكر وعزم على العمل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، يرقص البعض طربا، والبعض يحتفل ويتبادل التهاني به كأنه العيد! وتوزع الحلوى!!

وأتساءل لو أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم جاء ليرى في زماننا كيف يعيش المسلون ذكرى وفاة نبيهم! كيف سيكون رده! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

إن الاحتفال بيوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنه يوم ميلاده الذي لم يثبت! لهو مما يرضي الطغاة والأعداء، فما أسعدهم بنا، ونحن نحتفل في يوم أظلمت فيه المدينة!! في يوم بلغت فيه القلوب الحناجر وبكى الصحابة رجالا ونساء!! نقضيه في التسلية بينما مصاب الأمة جلل!! منذ أضاع الناس سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

لقد مرت 3 قرون الأولى لم يعرف فيها المسلمون احتفالا بهذه الذكرى، لأنهم كانوا يعملون بهديه صلى الله عليه وسلم طيلة أيام السنة، فأعزهم الله ورفع شأنهم وذكرهم بين الأمم، وأما اليوم فهجران لسنة النبي صلى الله عليه وسلم طيلة أيام السنة ثم فرح وطرب في ذكرى وفاته، فكيف لا يفرح اليهود والرافضة بهذا البلاء الذي نحن فيه! كيف لا تضحك علينا أمم كاملة تشاهد أمة محمد تفرح في يوم وفاته! بحجة عيد ميلاده!

نعوذ بالله من هذا القهر! قهرنا لأنفسنا،

نعوذ بالله من المجادلة فيه بالباطل،

نعوذ بالله أن نبتدع في دين الله ما لم يقره النبي صلى الله عليه ولا السلف الصالح طيلة أفضل القرون، كما في السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما هو في الصحيحين أو أحدهما من قوله: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم… وقوله: والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وغيره من الأحاديث في هذا الباب.

وكقول ابن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد: فوجد قلب محمد خير قلوب العباد ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد… وقول ابن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.

دليل محبته: استقم كما أمرت

إن أكبر دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم هو الثبات على ما جاء به خاتم الأنبياء، قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ آل عمران: 31].

ودون ذلك فتنكب عن سبيله! ولو حشد لذلك ألف زلة عالم!

جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية:”هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” ولهذا قال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تحب، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) “.

إنكم لعلى مِلَّةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مُفتتِحو بابَ ضلالة!

عن عمرو بنِ سلَمةَ الهمْدانيِّ قال: كنا نجلسُ على بابِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قَبل صلاةِ الغداةِ فإذا خرج مَشينا معه إلى المسجدِ.
فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال أخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمنِ بعدُ؟ قلنا لا، فجلس معنا حتى خرج. فلما خرج قُمْنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرَّحمنِ إني رأيتُ في المسجدِ آنفًا أمرًا أنكرتُه ولم أرَ والحمدُ للهِ إلا خيرًا، قال فما هو؟ فقال إن عشتَ فستراه.. قال رأيتُ في المسجدِ قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاةَ في كلِّ حلْقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصًى فيقول كَبِّرُوا مئةً فيُكبِّرونَ مئةً فيقول هلِّلُوا مئةً فيُهلِّلون مئةً ويقول سبِّحوا مئةً فيُسبِّحون مئةً. قال فماذا قلتَ لهم؟ قال ما قلتُ لهم شيئًا انتظارَ رأيِك. قال أفلا أمرتَهم أن يعُدُّوا سيئاتِهم وضمنتَ لهم أن لا يضيعَ من حسناتهم شيءٌ؟!
ثم مضى ومضَينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلقِ فوقف عليهم فقال: “ما هذا الذي أراكم تصنعون؟”
قالوا: يا أبا عبدَ الرَّحمنِ حصًى نعُدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتَّسبيحَ.
قال: “فعُدُّوا سيئاتِكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمَّةَ محمدٍ ما أسرعَ هلَكَتِكم! هؤلاءِ صحابةُ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُتوافرون، وهذه ثيابُه لم تَبلَ، وآنيتُه لم تُكسَرْ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى مِلَّةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مُفتتِحو بابَ ضلالةٍ!
قالوا والله يا أبا عبدَ الرَّحمنِ ما أردْنا إلا الخيرَ.
قال: “وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه!”

حديث الحوض

وإن كان من خاتمة أختم بها هذا المقال فإنها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحوض!

جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة, فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا.

وفي رواية عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا، سحقا، لمن غير بعدي”[53].

عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إني على الحوض أنتظر من يرده علي منكم، فليقطعن رجال دوني، فلأقولن: يا رب أمتي أمتي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم” .[54]

اللهم أحينا على الإسلام والسنة وأمتنا على الإسلام والسنة، سنة نبيّك، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده. اللهم آمين.


[1]  صحيح ابن ماجه

[2]  [أحمد (11825)].

[3]  فتح الباري (8/580)].

[4]  [لطائف المعارف (ص114)].

[5]  (لطائف المعارف لابن رجب)

[6]   [البخاري (3670)]

[7]  (البخاري، كتاب الجنائز)

[8]  [النسائي (1844)]

[9]  [أحمد (12855)]

[10]  [أحمد (23509)].

[11]  [الطبقات الكبرى (2/84)].

[12]  [ أحمد (21547)].

[13]  [البخاري (3624)، مسلم (2450)].

[14]  [الترمذي (886)].

[15]  [أحمد (25380)، وابن ماجه (1465)].

[16]   [البخاري (198)، ومسلم (418)].

[17]  [البخاري (664)، مسلم (418)].

[18]  [البخاري (681)، مسلم (419)].

[19]  [البخاري (4439)، مسلم (2192)].

[20]  [البخاري (114)، مسلم (1637)].

[21]   [البخاري (4458)، مسلم (2313)].

[22]  [البخاري (5646)، مسلم (2570)].

[23]  [البخاري (5648)، مسلم (2571)].

[24]  البخاري (4429)، مسلم (462)].

[25]  [ أحمد (23835)، والترمذي (978)، وابن ماجه (1623)].

[26]   [البخاري (2644)].

[27]  [البخاري (1330)، مسلم (531)].

[28]  [البخاري (3053)، مسلم (1637)].

[29]  [البخاري (3628)].

[30]  [البخاري (479)].

[31]  [ابن ماجه (1625)].

[32]  [ابن ماجه (2697)].

[33]  [أحمد ح33415].

[34]  [أبو داود (4512)].

[35]  [انظر: عون المعبود (21/151)].

[36]  [أحمد ( 15567)، الدارمي (78)].

[37]  [البخاري (3654)، مسلم (2382)].

[38]  [البخاري (4437)].

[39]  [البخاري (4586)، ومسلم (2444)]

[40]  [البخاري (680)، مسلم (419)]،

[41]  [البخاري (754)].

[42]  [البخاري (4449،5217)، مسلم (2443)].

[43]  [ البخاري (4982)، مسلم (3016)].

[44]  [البخاري (2444)، مسلم (4440)].

[45]  [البخاري (4463)، مسلم (2444)].

[46]  [البخاري (4466)، مسلم (2349)].

[47]  [المصنف 7/26]

[48]  [ابن ماجه (1599)]

[49]   [حاشية السندي على ابن ماجه (1599)]

[50]   [أحمد (12179)]

[51]  [مسلم (2531)].

[52] الدرر السنية

[53] رواه البخاري ( 6212 ) ومسلم ( 2290 ) .

[54] رواه أحمد ( 41 / 388 ) وصححه المحققون .

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
يوسف

بارك الله فيكم دكتور وزادكم من فضله اللهم امين
مقال أكثر من رائع حفظكم الله ونفع بكم

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x