عن خذلان المسلم!

من أكثر ما استهين به في زماننا خذلان المسلم! وكان أمرا عظيما عند السلف. عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ذبَّ عن عرض أخيه بالغِيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النَّار” رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.

وعن القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال:”سمعت بن أم عبد يقول: من اغتيب عنده مؤمن فنصره، جزاه الله بها خيرا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرا، وما التقم أحد لقمة شرا من اغتياب مؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته” (الأدب المفرد) للبخاري.

كم نفتقد لخفض الجناح للمؤمن! عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” البخاري.

عن عتبان بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله، وإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله” البخاري.

في غزوة تبوك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كعب بن مالك رضي الله عنه قائلا: “ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجلٌ من بني سلمة: يا رسول الله حبسه بُرْدَاهُ ونظره في عِطْفَيه (إشارة إلى إعجابه بنفسه)، فقال مُعاذ بن جبل: بئس ما قُلْتَ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: “حسبك من صفية كذا وكذا ـ تعني قصيرة ـ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مُزِجت (خُلِطت) بماء البحر لمزجته” رواه أبو داود وصححه الألباني.

وفي شرح البخاري للسفيري: “فهذا حديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، إذا كان هذا شأن كلمة هي في المقول فيها، فإن عائشة رضي الله عنها قالت عنها: إنها قصيرة وكانت قصيرة، فكيف حال من يتكلم في غيره بكلمة مفتراه فيه .. قال العلماء: وسامع الغيبة شريك المغتاب، فكما تحرم الغيبة يحرم استماعها، ويجب إنكارها إن لم يخف ضرراً، وإن خاف ضرراً فارق ذلك المجلس، فإن لم يقدر على المفارقة بذكْرٍ أو غيره لا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع، فيجب على كل من سمع غيبة أخيه أن يرى باباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من فعل ذلك فقد فار فوزاً عظيما، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من ردَّ عن عرض أخيه،ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة” رواه الترمذي وقال حديث حسن. قال الصنعاني: “(من ردَّ عن عرض أخيه) غيبة تُقال فيه. (كان) اللسان. (له حجاباً) يمنعه (من النار)، وسواء ردَّ عن عِرْضه وهو غائب أو وهو حاضر والأول أفضل، وهذا في الرد عن عرضه، وبه يعلم أن المنع عن ماله ودمه أفضل وأعظم عند الله أجرا”.

ومع كل الآيات والأحاديث والآثار التي تعظم خطر جريمة الخذلان للمسلم نجد هذا الأمر الأكثر انتشارا بين المسلمين اليوم، وهذا لضعف الخشية والمحاسبة وإنكار المنكر والأمر بالمعروف فكان الجزاء من جنس العمل.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما مِن امرئٍ يخذل مسلماً في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا خذله اللهُ في موطنٍ يحب فيه نُصرتَه، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرته” رواه أبو داود.

قال المناوي: “(وينتهك فيه من حُرْمَتِه) بأن يُتكلم فيه بما لا يحل، والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه .. (إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة، فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم ..

(وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) وهو يوم القيامة، جزاءً وِفاقا”. وإن نصرة المؤمن في موقف خذلان وظلم من أسباب التوفيق والمعية والنصر، ومن تهاون في ذلك خسر من هذه الفضائل بقدر تهاونه في أصل الولاء للمؤمنين.

لن يصلح حال هذه الأمة حتى نقيم النفوس على القرآن والسنة إقامة لا غش فيها، وحتى نهزم الهوى ونتجاوز عقبة حظوظ النفس، وهذه من قواعد البناء السليم، فلا يمكن أن نحمل الدعوات ونحن نقصر في حقوق العباد! وهي حقوق لا تسقط فتتراكم ليوم الحساب، فكيف لمن يبني قصرا في الجنة أن يغفل عن هذا التقصير!

لا يمكن أن تحمل “العزة على الكافرين” وتفتقد لـ”الذلة للمؤمنين”، لخفض الجناح وحفظ الولاء لهؤلاء المؤمنين. فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولا بد أن نحفظ الحقوق جميعها، لنطمع في نيل بركات الاستقامة كاملة.

في حديث جابر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم” رواه مسلم.

اللهم ألف بين قلوب عبادك، وانزع ما في قلوبهم من غل وحسد وحظوظ نفس، واجمعهم كالبنيان المرصوص على كتابك وسنة نبيك، فلا يؤلف بين قلوبهم إلا أنت جل جلالك.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x