سبيل النجاة .. سبيل الأولين

عندما يكثر عليك التشويش وتتناقض التوجيهات وتشعر بالتيه! لا أفضل من عودة كاملة للنقطة الأولى بالتخلص من كل التفاصيل والتركيز على الرباط على القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته المباركة. هناك في تلك البداية تسترجع نفسك وتضع النقاط على الحروف وتجد الإجابات وتتخلص من فتنة.

لم يكن الصحابة رضي الله عنهم بحاجة لكثير شرح! ومع ذلك حملوا هذا الدين بإخلاص لا يُبارى وسابقوا في سبيل الله مسابقة هي القدوة والمثل الأسمى. لم يتكلفوا كثيرا للتعمق والتحليل، كان الأمر يؤخذ بلا تردد والنهي يترك بلا تلجلج، والتركيز على صلاح القلوب والتقوى أولوية لا تقبل المساومة، فسبقوا.

لم يكونوا بحاجة لأكثر من الصدق في الاتباع، فكانت بركات سعيهم تتجاوز آفاق القرون من الزمن! واليوم ما أكثر الكلام وما أقل العمل، ما أكثر الشروحات والتفاصيل ثم لا نرى بركة لكل هذا الزخم إلا القليل! من الحكمة الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم لتجاوز هذه العقبة، كانت جوامع الكلم لهم مدرسة!

لو كنت سأقدم نصيحة للأجيال اليوم مع كل ما يُعرض عليهم لشددت على الوقوف عند القرآن والسنة، والحرص على حفظ ما أمكنهم من آيات الله ومدارسة معانيه والتدبر فيه! وكذلك الأحاديث وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان كل جهد مقتصر على هذه المرحلة لكان كافيا لإخراج جيل مبارك راسخ!

إن صياغة القلوب على الإسلام أول ما يجب علينا أن نجتهد فيه، ولا يكون ذلك بدون القرآن والسنة، لا يمكننا صناعة همم يُعتمد عليها -مهما اجتهدنا في تعليمها العلوم والمناقشات والخلاصات- ونحن لم نحفظ بعد مرحلة تزكية النفوس وتربيتها على التقوى وعلى محبة الله ومعرفته جل جلاله، فكأننا نبني على لبنات هشة.

ويكفي دليلا على ذلك مقارنة حالنا بحال الصحابة رضي الله عنهم، فقد خرجوا من جاهلية كبرى، ومع ذلك كانت قلوبهم عظيمة التأثر بالآية والحديث والتوجيه النبوي، فكان الأداء مباركا. واليوم كم لدينا من متعلمين! كم من خريجين! والأثر ضعيف لا يزال على مستوى فروض الدين فكيف بالسنن والتعاملات وكمّ الجدل.

إن كثرة شرح الحق والواضح في أحيان كثيرة يذهب بركته في النفس، تأمل كم يتطلب منا من وقت وجهد لنقنع المسلم والمسلمة بأن هذا أمر الله وهذا نهي الله! كل هذا الجهد لمن هو مسلم بالأساس فكيف نتحدث عمن يريد اعتناق الإسلام! وهل سبق الصديق إلا بصدقه وعدم تردده في أخذ أمر الله ورسوله أخذا لا يقبل المساومة.

نحن في زماننا نكتب مجلدات لنقنع المسلم والمسلمة بأن هذا أمر الله لكثرة تدخل قطاع الطرق ولكثرة تكلف النفوس لقبول الحق! لم يكن هذا حال الصحابة أبدا! وكان لإقبالهم العظيم بركاته العظيمة، ولما بخلنا على أنفسنا نتساءل لما كل هذا الضعف وهذه الفتن وهذا التراجع. مع أنه نفس الدين!

أول ما علينا إصلاحه حالة القلوب وقوة الاستجابة للحق، صناعة الصدق والإخلاص قبل أي بناء، لأننا مهما اجتهدنا في البناء فإن القلوب المغشوشة لا يمكنها أن تحمل أمانة هذا الدين بل ستحتال وتخادع وتهدم! ولسنا بحاجة لهمم مغشوشة بل لهمم صادقة مخلصة مسابقة هذا ما يجب أن نعمل على صناعته وإصلاحه.

لا أشك البتة في أن حياة من أقبل بلا تردد وأخذ هذا الدين بقوة وكان منهجه (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ستكون حياة طيبة يستشعر فيها بركات هذا الإقبال المهيب! لا يمكن أن يخذله صدقه، أما من تردد وأكثر الحسابات لحظ نفسه فلا ينتظر أن يحظى بتلك البركات التي نحن بأمس الحاجة لها.

وهو حقيقة “التمرد على جاهلية العصر”، تلك الجاهلية التي جعلت كل شيء مقدما على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فحين تقدم أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على كل قوانين البشر وأعرافهم هنا فقط يمكنك أن تطمع ببركات الهداية والاستقامة كما أمر الله، قد يكون مكلفا في مرات كثيرة لكن عظمته تداوي كل تكلفة وتزيدك قوة ويقينا، العلم العمل.

خلاصة القول، لا تضع قدمك في مشروع حتى تقتدي بمنهج الصحابة رضي الله عنهم من حسن وقوة الاتباع، حتى تربي نفسك على الصدق والإخلاص، وستجد أن هذا الصدق وهذا الإخلاص هو وسيلتك لنيل المراتب العليا، وبدونهما فلا تحلم أن تحقق شيئا ولو حفظت كل كتب العلم! ومن يدخل ساحة حرب فسلاحه ودرعه القرآن والسنة ولو فقد كل شيء!

وشهادة لله وللتاريخ، واسأل المجربين، لن تنعم ببركات العلم حتى تحفظ كتاب الله وترابط عليه ولو تعثر حفظك، حتى تديم الوقوف على القرآن، وحتى تلتزم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تطبيقا في حياتك، وأما التنظيرات فكثيرة جدا ولا يُنال ما عند الله إلا بالعمل وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم. والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x