العدل من أهم أسباب نصرة الحق

الكثير ممن يملك الحق، يفتقد للعدل، لذلك تعثرت عجلة الإصلاح والدعوة. وحدهم فقط من يملكون الحق والعدل من يمكنهم أن يحققوا التغيير ببركات المجاهدة على ضبط ميزان الحق والعدل.

من يتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأئمة أهل السنة يجد هذه قاعدة راسخة “الحق والعدل معا”.

الحق لا يقف فقط على أن تعرف الخير من الشر! فتمييز ذلك ليس بتلك الصعوبة، لكن الحق يتطلب أن تحسن التمييز بين خيرين معا وبين شرين معا، وتدرك كيف تستل الخير من الشر، وكيف تحول مكونات المشهد لصالح الخير، وهذا يتطلب إحاطة عميقة ودراية بسنن الله في الأرض وقاعدة “العدل” وهي أصعب شيء في زماننا.

أكثر ما تميز به ابن تيمية رحمه الله، هو القوة في الحق، والشجاعة في العدل! لم يكن يتردد أبدا في نصرة الحق في مشهد تدافع، ولم يكن يبخس أحدا حقا حتى المبتدعة، حفظ لهم فضلهم وأثنى عليهم مع تبيانه لأصول الخلاف ومكمن الخلل، لذلك بلغت دعوته الأجيال وأصلح وكان لميراثه كبير الأثر وهابه أعداؤه.

إن توزيع الأحكام مهمة سهلة لكنها لا تقدم ولا تؤخر لأن الحكم الأهم في كل ما يجري هو موقفنا أمام الله جل جلاله، إن من ينتظر منك أن تكتب لترضي رؤيته القاصرة أو مشاعره المستعجلة، لا يمكنه أن ينصفك وأنت متفق معه في الأصول فكيف بمن يخالفه، وكيف تطمع أن يحقق أثرا في خصمه أو أن يقدم أسباب الهداية.

لو كان أئمة أهل السنة ينتظرون آراء الناس في ما يكتبون وما يقررون لما وصلنا علم! ولما تعلمنا قواعد الحق والعدل، ولكنهم يبصرون الحق ويزنون بميزان عدل فيقولون كلمتهم ولا تأخذهم في الله لومة لائم، لذلك كان لدعوتهم الأثر الإصلاحي الذي نفتقده اليوم مع عقلية الهدم الكامل والبخس التام.

الكثير من الدعوات التي كانت تدافع عن حق، انقلبت بسبب إهمالها لقاعدة العدل إلى دعوات باطل، وهذا من تبعات الاستهانة بواجب إيتاء كل ذي حق حقه ولو كان ألد أعدائك وأشد خصومك معاندة، لقد هدمت قاعدة “لا تطغوا”، فقادت حظوظ النفس الدعاوى وحرمتها بركات الصدق، والعدل من أهم أسباب نصرة الحق لو يعلمون.

إن المتدبر لآيات العدل في القرآن يقف بوجل عند كل حكم يصدره وكل تقييم وكل مقارنة، لأنه يعلم أن الله جل جلاله سيحاسبه، وهو القائل سبحانه (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ثم سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم منتهى العدل مع الناس، فكانت دعوة خاتم الأنبياء فارقة بين الحق والباطل! والتقوى توجب العدل.

فلكل صاحب كلمة في هذه المنابر، إياك أن تنجر لمستنقع إرضاء المتابعين، الذين يريدون منك أن تتحدث بلسانهم وبأفكارهم وبأحكامهم وإلا فأنت مصنف لديهم ولا كرامة! فهذا منهج التعصب للذوات لا للحق، لأن المنصف لا يمكنه أن يغمط حقا ولا أن يبخس فضلا مع حفظه لأصول الحق. والتوفيق من الله جل جلاله.

يقول ابن القيم رحمه الله: “فدِينُ الله بين الغالي فيه والجافي عنه،وخيرُ النَّاسِ النَّمطُ الأوسَطُ الذين ارتفَعوا عن تقصيرِ المُفرِطينَ ولم يلحَقوا بغُلوِّ المُعتدين” [إغاثة اللهفان(330/1)].

من تربى على كتب ابن القيم وابن تيمية – رحمهما الله- يدرك جيدا قواعد الحق والعدل ويبصر مكامن الضعف في زماننا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ)

وصيغة “قوامين” تعني الكثرة المراد لازمها وعدم الإخلال بهذا القيام في حال من الأحوال. فالمؤمنون قوامون بالقسط في كل حال ومع الجميع يعلمون أن البيعة لله سبحانه فلا تأخذهم في الله لومة لائم على كلمة حق وعدل!.

ولا تزال مسيرة هذه الأمة بحاجة ماسة للإصلاح ولضبط الموازين على الحق والعدل، بتحكيم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل أمورنا وسلوكاتنا، وما دمنا ننصر الحق بعدل، فحق لنا أن نطمع بتوفيق الله وتمكينه لنا، ومن فرط في العدل هزم! وفضل الله يؤتيه من يشاء سبحانه، نسأله من فضله العظيم.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x