أين الخلل في “فلسفة الريد بيل” بمقياس الإسلام؟

كثيرا ما يتعذر على المفتونين ببريق فلسفة بعينها، استيعاب نقاط ضعفها وقصورها، لشدة سطوة الإعجاب بها وقل أيضا الحاجة لهذه الفلسفة لتقديم تفسيرات تخفف من آثار الفوضى التي تعيشها المجتمعات بعد غياب الإسلام كحاكم ومنهج حياة فيها.

من هنا جاءت فكرة طرح مثال وعينة من أفكار فلسفة الريد بيل، أو الحبة الحمراء وتبيان خطورة الانجرار إليها بدون عقيدة راسخة وفهم متين للإسلام، ولتأكيد أن الدفاع عن هذه الأفكار والانطلاق منها يهدد العقيدة والرجولة معا، ذلك أنها أفكار جاءتنا من الغرب الكافر، وهو أصل الداء فيما نعانيه في مجتمعاتنا ولا يمكن أن ننتظر علاجا مما كان هو أصل الداء.

وللأسف لا يزال بيننا من يعتقد أن هذه الفلسفة جاءت لتحدد للرجل الإطار العام للسلوكيات من خلال العلم الصحيح والحقيقي كما يزعم، ويرى إمكانية أن نزيد عليها نحن كمسلمين كل ما هو موجود في ديننا الحنيف والذي يدعم قوامة وولاية الرجل ونصبح مباشرة أمام حل “ذكي”! وهذا من أجهل ما يمكن أن تشاهده في زماننا!

والخلل في هذه القراءة واضح، فقوله يحتمل أن نبني عليها أي أن يجعلها الأساس تقريرا، وإن كان يبدو من أخطاء المنطلقين منها أنهم يجعلونها الأساس تنزيلا وهذا هو الملاحظ للأسف، بينما المسلم ينطلق من عقيدته ثم يأخذ ما ينسابها ويترك ما يعارضها وليس العكس، لا ينطلق من الفلسفة الغربية وخلاصاتها في سلوك لا يخرج عن عينة غير متدينة من النساء، ثم يضيف عليها من الإسلام ما يناسبه، وبالتالي هو يعامل هذه المرأة بناء على الخلاصات المحدودة ويجعل المسلمة خاضعة لإلزامات هذه الخلاصات، وإن لم تكن واقعيا تنتمي لهذا النوع من العينات. فهذا إن لم يكن جهل كبير بحقيقة دين الله تعالى وواجب المسلم اتجاهه فهو اغترار فاضح بالفلسفة الغربية ومعطياتها العلمية وتقديسها لحد الفتنة بها.

ولشرح ذلك سنضرب مثالا واقعيا عن بعض الأفكار التي تروج لها فلسفة الريد بيل، ثم تأثير هذه الفكرة في سلوك الفرد “المسلم” في واقعه، لنفهم لماذا نشدد على الحذر من الانقياد الأعمى لهذه الفلسفة الغربية بدون بناء عقدي وخلقي يحصن المسلم من الضلالات التي نشاهدها في مواقع التواصل ممن يرفع شعارات الريد بيل. ولم الانطلاق يجب أن يكون من الإسلام وكل ما يأتي بعده يبقى تفاصيل جانبية ولا يمكن أن تتحول لأصل!

فمخطئ جدا من يعتقد أن فلسفة الحبة الحمراء مجرد أداة علمية لا تتعارض مع الإسلام، ولا تتحمل مسؤولية السلوكات الفردية المخالفة لدين الله تعالى التي نشاهدها على الواقع تصدر عن دعاة الريد بيل، فخلاصات الريد بيل تعتمد على أدوات غير موثوقة ولا مضمونة، تنتهي إلى تصنيفات مختزلة غير دقيقة ولا شاملة، وهي تحاول حصر أصناف الناس في إطار ضيق ومحدود، ثم يأتي الريد بيلي فيعتمد على هذه التصنيفات ويصدر منه أحكام وخلاصات مخالفة لهدي الإسلام، وإن كانت السلوكات المصنفة بشرية وواقعية، إلا أنها ليست بشكل قطعي جازم وشامل يستوعب كل تصانيف البشر، وبالتالي تعميم هذه الأفكار خطأ فادح والتحذير منها واجب ديني وعقدي وأخلاقي، وتصحيح الانطلاقة من الإسلام أول حصانة نحصن بها شباب المسلمين، ثم نأخذ ما يناسب عقيدتنا من الفلسفات والعلوم الغربية وندوس بأقدامنا على ما يخالفها وإن بررت له ألف دراسة وبحث ومشاهدة، أي ليس العكس كما ينظر أنصار الريد بيل بالانطلاق من هذه الفلسفة ثم تجميلها بالإسلام فهذا تحايل بل ضياع!

تصنيف الرجل “ألفا” و”بيتا”

تصنف فلسفة الريد البيل الرجال كـ “ألفا” القائد، و”بيتا” التابع،  وبغض النظر عن الهدف من هذه التسمية أو الطرق الموصلة لها، أو حتى التفسير المرافق لها من كون الرجل ألفا أكثر جذبا للمرأة وقدرة على السيطرة عليها وإخضاعها. فإنهم بناء على ما يسمونه أداة علمية، يستعينون بالدراسات والتحليلات التي تخلص إلى أن أغلب النساء يفضلن الارتباط بالذكر الألفا، الأكثر ذكورية، لصفاته الرجولية، حتى لو كان هذا الألفا من النوع “باد بوي” ذي الطباع السيئة.

بينما تحتقر النساء الرجل البيتا، اللطيف والضعيف وإن أظهرن دعمهنّ له في العلن. هذا فضلا عن أن النساء يحددن مفهوم الرجولة وفق مصالحهن.

من خلال تتبع تعليقات الريد بيليين على مواقع التواصل يتضح لنا ما هي مواصفات الرجل الألفا القائد والرجل البيتا التابع ويتضح لنا ما هي المقاييس التي بناء عليها يتم هذا التصنيف. ولا تخفى تلك التعميمات والإطلاقات النفسية غير الملزمة في المنشورات. كما أنه تعميم لا يحترم واقع الدين في حياة المرأة وتهذيبه لسلوكاتها وتأثيره في أدائها، وهذا اختزال وتعميم غير منصف يستند على تصنيف جنسي مجرد.

لقد سبق أن حذرت في مقالة سابقة من السلوكات التي نشاهدها عند أنصار الريد بيل، والتي ليست مجرد سلوكات فردية غير مرتبطة بهذه الفلسفة بل هي متأثرة بها بطريقة أو بأخرى بل تنطلق منها وتبرر بها، ومثال على ذلك، كيف وصل “الريد بيلي” إلى استنقاص رجولة الصحابة رضي الله عنهم؟!

وصل الرد بيلي إلى ذلك من خلال فهمه لتصنيف الذكور لـ “ألفا” و”بيتا”، وهو تصنيف غير دقيق ولا شامل، وبالتالي حين تصل هذه الخلاصة من الأداة العلمية أو الفلسفة سمها ما شئت، إلى شريحة جاهلة بدين الله لا تعرف مكانة الصحابة رضي الله عنهم ولا الصحابيات رضي الله عنهن في الإسلام، نفهم كيف خرجت تلك الردود الصادمة والتعليقات المريضة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وندرك أين يكمن الخطر في التعامل مع مثل هذه الأدوات والفلسفات بدون رصيد عقدي وخلقي متين، وندرك كيف أنها ردود لم تأت من فراغ بل عن قناعة رسخها التعميم الخاطئ لخلاصات غير دقيقة.

هل نحن بحاجة لتقسيم “ألفا” و”بيتا” في ديننا لتصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة؟

هل نحن بحاجة لهذه الأداة لتصنيف الصحابة ورجولتهم، أم نحن هنا أمام كارثة من التعالم والجهل.

أنا لا أقرأ الكارثة هنا بتصنيف الصحابة وفق هذه الأداة فقط وبالتالي إخضاع ديننا لمقاييس الغرب! بل أرى في المشهد أن الغر المفتون بفلسفة غربية يرى نفسه أرجل من صحابي!! وهو جاهل بدينه وعقيدته، فصنعنا بفضل هذه الفلسفة نماذج من “الرجال” خاوية، إنها نماذج أشباه رجال بالمفهوم الإسلامي! نحن نصنع رجالا بلا روح الإسلام، هياكل ذكورية لا تقوى فيها، تصنع العجب والغرور بجنس الذكر وتقدمه على العقيدة التي تتحول لمجرد ديكور في مشهد الريد بيل! فدعاتها يتفاخرون بكونها منفصلة عن أي عقيدة أو أخلاق فذموها من حيث يعتقدون أنهم يمدحونها!

خلل منهجي

وعلى عكس ما يقع فيه ضحايا هذا التنظير القاصر بالانطلاق من أداة علمية ثم قياس رجولة الصحابة رضي الله عنهم عليها، يعلمنا الإسلام أن الرجولة الحقيقية تبدأ بتقديم نماذج الصحابة كقدوة للشباب، فهي مدارس للرجولة الحقة الموحدة المؤمنة العاملة لله تعالى، من هنا نشاهد الخلل المنهجي الصارخ في التعامل مع هذه الفلسفة ومن هنا أقول وأشدد على أن دراسة سير الصحابة أنفع للرجل من ترهات الفلسفات الغربية القاصرة.  فهناك مدرسة من الرجولة التي لم يصل لها الغرب الكافر ولن يصل إلا بالخضوع الكامل والتام غير المنقوص للإسلام.

هذه الأفكار والتصنيفات والتعريفات والمفاهيم عن الرجل والمرأة والتي تروج لها هذه “الأداة” و”الفلسفة” كما ينافح عنها أصحابها المعجبين بها، تأتي من الغرب وتنتشر في عالم التواصل ويتم ترجمتها للعربية، والترويج لها، بهدف صناعة وعي الرجال والتصدي لخطر النسوية المعادية.

إنها المفاهيم والمصطلحات نفسها التي نشأت في وسط سياق غربي، تنتقل إلى وسطنا العربي الإسلامي وتحاول صناعة وعي بدون تنقيح ولا مراجعة ولا تصحيح، لمجرد أنها “أداة علمية”!

تأتي هذه الأفكار لوسطنا حيث نعاني الجهل بدين الله وبعقيدة الإسلام ونعاني الانهزامية للغرب وفقدان الاعتزاز بقيمنا وهويتنا. ونعاني الكسل في النقد والتصحيح، ونتساءل هل نحن حقا بحاجة لهذه الفلسفة الذكورية لحل مشاكلنا؟ هل نحن بحاجة لتلقي الحلول من الغرب الذي هو بالأساس سبب مصابنا، هل نحن بحاجة لما يزيد من تلاشي منظومة قيمنا ويزهّد شبابنا فيها؟!

هذه الفلسفة التي يحتج مناصروها بأنها مجرد أداة علمية لا تتعارض مع الإسلام، هي في الواقع سيل من الأفكار الغربية الوافدة علينا بكل ما فيها من قصور واتساق مع الفكرة الغربية، هذا الاستيراد العاجز لما يعتقد أنه حل لا يمكن أن يقدم حلولا كاملة للمسلمين في التعامل مع المرأة المسلمة وإن كان زاجرا للنسوية.

وفي الواقع لم يعد الخطر فقط في ما تحمله هذه الأفكار الغربية من معارضة لقيم ديننا العظيم وتهميش لها، بمحاولة حصر رؤانا في زوايا ضيقة محدودة، وإخضاعنا لتنظيرات بشرية قاصرة، إنما الخطر في افتتان بعض شباب المسلمين بها ومنافحتهم عنها لدرجة جعلوها الأصل “الفطرة” والإسلام تابع لها ويجب أن يأتي لدعمها، لقد أصبحت هذه الأداة العلمية مرجعية والإسلام مجرد خادم لها! وهذا قصور ما بعده قصور بل انهزامية في أبشع مراتبها!

لماذا لا يجب الارتهان لهذه الفلسفة؟

سبق أن حذرت من أن خلاصات الدراسات تعتمد على أدوات غير دقيقة ونتائجها غير ملزمة ولا شاملة، وبالتالي هي قاصرة ولا يمكن تحويلها لقواعد نجزم بها ونحكم وفقها بثقة! هنا أسوق مثالا واقعيا حتى لا يقال أن خطابنا مجرد خطاب إسلامي تنظيري منفصل عن الواقع العلمي والتجريبي.

فيما يلي مثال عن مؤشر واسع الانتشار والشهرة وفي الأخير تبين فشله في تحديد السلوك البشري بسبب إهمال التداخلات بين الحالات واختلافها، وعدم استناده لعلم النفس.

اختبار أنماط الشخصية

يعتمد الكثيرون على مؤشر” مايرز بريغز” وهو اختبار أنماط الشخصية الأكثر استخداما كأداة علمية لتصنيف أنماط الشخصية.

واختبار أنماط الشخصية، واسمه المفصل هو مؤشر “مايرز بريغز للأنماط” (Myers-Briggs Type Indicator® (MBTI®))، هو أداة تم تطويرها في الأربعينيات من قبل إيزابيل بريغز مايرز، وأجري البحث الأصلي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ونشر لأول مرة في عام 1962م، وذلك وفقا لموقع “ذا مايرز آند بريغز فاونديشن” (The Myers & Briggs Foundation).

الاختبار يحاول تعيين 4 فئات هي الانطواء أو الانبساط “الانفتاح”، والإحساس أو الحدس، والتفكير أو الشعور، والحكم أو الإدراك. ويتم أخذ حرف واحد من كل فئة للحصول على نتيجة اختبار مكونة من 4 أحرف، مثل “INFJ” أو “ENFP” .

ويقوم الاختبار على تحديد التفضيلات الأساسية لكل من هذه الثنائيات الأربع المحددة أو الضمنية في نظرية كارل يونغ (نسبة لكارل غوستاف يونغ (26 يوليو 1875 – 6 يونيو 1961م)، عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي) ثم تحديد ووصف 16 نوعا من الشخصيات المميزة التي تنتج عن التفاعلات بين التفضيلات.[1]

ويعتمد هذا المؤشر على حوالي 2 مليون شخص سنويا، بناء على طلب من أقسام الموارد البشرية للشركات والكليات وحتى الوكالات الحكومية بينما تجني الشركة التي تنتج وتسوق له حوالي 20 مليون دولار منه كل عام.

في مقالة نشرها جوزيف سترومبرغ وإستل كاسويل بعنوان “لماذا اختبار مايرز بريغز تماما لا معنى له” يكشف الباحثان أن هذا الاختبار لا قيمة له![2]

وبحسب المقال، يقول آدم جرانت، عالم النفس التنظيمي في جامعة بنسلفانيا الذي كتب عن أوجه القصور في “مايرز بريغز” سابقا:”لا يوجد دليل وراء ذلك”، إن “الخصائص التي يقيسها الاختبار ليس لها أي قوة تنبؤية تقريبا حول مدى سعادتك في موقف ما، أو كيفية أدائك في وظيفتك، أو مدى سعادتك في زواجك”.

يظهر التحليل أن الاختبار غير فعال تماما في التنبؤ بنجاح الأشخاص في وظائف مختلفة، ويدعي الاختبار أنه بناء على 93 سؤالا، يمكنه تجميع جميع شعوب العالم في 16 “نوعا” منفصلا مختلفا – وبذلك يكون بمثابة “إطار قوي لبناء علاقات أفضل، وقيادة التغيير الإيجابي، وتسخير الابتكار، وتحقيق التميز”. ويفكر معظم المؤمنين في الأمر في المقام الأول كأداة لإخبارك باختيارك الوظيفي المناسب.

ويشرح الباحثان كيف أن هذا المؤشر المعتمد لا قيمة له ولماذا لا ينبغي لأي منظمة في القرن 21 الاعتماد عليه لأي غرض. وينتهيان إلى تأكيد أن التقسيمات التي تم الوصول إليها من خلال هذا المؤشر لا قيمة لها.

والاختبار مبني بالكامل على أساس أن الناس جميعا واحد أو آخر. وهذه المشكلة في التعميم والإطلاقات غير الحذرة في مثل هذه الدراسات وبالتالي الخلاصات الناتجة عنها.

والواقع أن هذه الدراسات لا تصف تماما الواقع الذي نعرفه. وعدم دقة هذه البيانات يجعل بعض علماء النفس قد تحولوا من الحديث عن سمات الشخصية إلى حالات الشخصية.

ذلك لأن السمات التي تهدف إلى قياسها ليست تلك التي تختلف باستمرار بين الناس. يختلف معظمنا في هذه السمات بمرور الوقت – اعتمادا على مزاجنا عندما نجري الاختبار، على سبيل المثال، قد نعتقد أو لا نعتقد ما نقوله. لكن الاختبار يخبرنا النتيجة بناء على كيفية إجابتنا على حفنة من الأسئلة الثنائية.

فلماذا لا يزال الكثيرون يضعون الأسهم فيه؟

أحد الأسباب هو أن الأوصاف الجذابة والغامضة للعديد من الأنواع بها قدر هائل من التداخل – لذلك يمكن أن يتناسب الكثير من الناس مع العديد منها.

وهذا ما يسمى تأثير فورير، وهو أسلوب يستخدمه مروجو علم التنجيم، والكهانة، وأنواع أخرى من العلوم الزائفة لإقناع الناس بأن لديهم معلومات دقيقة عنهم.

الخلاصة هذا مثال عن أحد أشهر المؤشرات التي يستند إليها في تقييم الشخصية وفي الأخير، غير موثوق وغير دقيق بل تعسفي ومحدود، ولا يجب الاعتماد على نتائجه وتقسيماته.

فهناك تداخلات في الشخصيات ولا يجب الاعتماد على سلوكاتياها بدون الأخذ بعين الاعتبار حالاتها المتغيرة، والمؤثرات فيها، كما أنها دراسات تفتقد لخبرة الأطباء النفسيين. فما بالك بتصنيف ثنائي ألفا وبيتا؟.

عودة لمصادر الرجولة الحقة

دعونا من هذا المثال الوقعي الذي يحذر من الإطلاقات والتعميمات القاصرة، ولنتجه إلى مصدر النور المعرفي الحقيقي، يقدمه لنا أحد رجالات الإسلام الأفذاذ، الصحابي الجليل، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث يقول:” .. إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ”[3].

وقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:” من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم، والله رب الكعبة” [4]

أيها الشباب المسلم، إن أول معرفة واجبة عليك هي المعرفة بدينك وميراث نبيك صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، فهي أول مصدر معرفي لا يجب إطلاقا التقصير فيه وهي مخزون استراتيجي من معاني الرجولة الحقيقية السليمة كما يحب الله ويرضى، الله الخبير البصير بالذكر والأنثى، وهي درعك الحديدية التي إذا اقتحمت غمار مستنقعات الأفكار والفلسفات الغربية، تمكنت من تمييز الصحيح من السقيم منها، وكان مقياس الاختيار لديك هو العقيدة وليس “أداة علمية” صنعها الغرب، وهذه هي مرجعيتك التي تصيغ رجولتك وفقها وإلا فلن تقدم لنفسك إلا نسخة مشوهة عن الرجولة بالمفهوم الغربي الكافر.

وفي الواقع فإن الحبة الحمراء كصفة انتسابية أخص للرجال تقوم بجمع فئام الرجال في تجمعات على حساب دينهم ومعتقداتهم، وتجمعهم مع أناس مخالفين لهم اعتقاديا في شللية واحدة من المشاهد التي لا يشار إليها عادة. والراجح في ذلك افتقادهم للأصل الشرعي الذي يحرم مجالسة أهل الأهواء كمركزية سلوكية دينية.

وهذا يجب أن يلحظ من حيث كونهم عظموا أصحابهم وجلساءهم لحدوث اشتراك في الأهداف قبل أن يكون ذلك الاجتماع لإعادة المرأة لمكانها الطبيعي، وهنا خطر كبير محدق بشباب المسلمين. وتفسير لما نشاهده من تحليلات متحاملة غير واقعية ولا دقيقة وإطلاقات ظالمة ومجحفة وردود صادمة مخالفة للهدي الإسلامي على مواقع التواصل تكشف درجة التخلف العقدي والخلقي، لأتباع هذه الفلسفة إلا من رحم ربي، والتي لا يمكن إخفاء حقيقتها وحقيقة الجهل الذي يحفها ويدعمها.

لقد تبين بعد نظر ورصد ومراقبة أن فلسفة الريد بيليين انتهت إلى الكراهية لجنس النساء وليس الفهم الصحيح لجنس النساء، لأنها ارتكزت على معطيات مختزلة وغير شاملة، وبنت تصوراتها على محدود، وأنها وإن كان المفتونون بها ينشدون من خلالها إعادة الولاية والقوامة واسترجاع الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة. يبقى خطابها بحاجة ماسة لإخضاعه للعقيدة الإسلامية وليس تزيينه بالإسلام والإبقاء على عواره وقصوره وتناقضاته، وإيهام الناس أنه موافق للإسلام، بل هو بحاجة ماسة إلى التهذيب بالخلق الإسلامي الرفيع فالرجولة لا تعني الاستعلاء على المؤمنين والسخرية من المسلمات ولا تعني الاعتداء والبغي على كل من عارض فكرتها التنظيرية، فهذه جاهلية تلبس ثوب “الفلسفة”.

إن الرجولة هي بمقياس التقوى في الإسلام، فأكثر الرجال تقوى هو أكثرهم رجولة، وليس أكثرهم “فظاظة” و”اعتدادا بالنفس”.

الحل الجذري لا الوهمي والمستورد

أشدد على أن الحلول التي ننشدها لأمتنا يجب أن تنطلق من منظومتنا الإسلامية وقيمنا الأخلاقية ومن قدواتنا من الجيل المتفرد، وليس من وهم الغرب وإن تزين بالدراسات العلمية. فهي في الأخير دراسات تستخلص من واقع مجتمعات وأفراد كفار، ولا تعترف بهدي القرآن والسنة بل تعارضهما، ولذلك تعتبر هذه الفلسفة معاملة الصحابي لزوجته منتقدة وغير مصنفة في مقاييس الرجولة وهي عين الرجولة في الإسلام!

الحل يكمن في عودة كاملة شاملة لحكم الإسلام والاحتكام لشريعة الله تعالى لإعادة الرجل والمرأة إلى مراكزهم ووظائفهم الفطرية والإسلامية، وهذا يعني أن ينطلق الرجل المسلم، من اعتزازه بعقيدته وبأخلاقه الإسلامية وليس من فلسفة قاصرة ومشوهة ومضطربة وبأخلاق غربية خبيثة وإطلاقات ظالمة باغية لا تحفظ لمسلمة حقا ولا حرمة!

لقد كان هذا الغرب الذي يحاول البعض جعله مرجعية لا تُمس! كان بالأمس يصنف المرأة كحيوان ودرجة متدنية من البشر وقدم لذلك الحجج، ثم تحول إلى مساواتها المطلقة بالرجل وبدأت مرحلة المنازعة لهذا الرجل، وقدم لذلك أيضا الحجج، ثم ولد هذا الاضطراب مقاومة وكشف الاختلاف بين الرجال والنساء وظهرت أيضا الحجج لغاية حفظ مكانة الرجل، ومع ذلك لم تتمكن كل هذه الخلاصات والأدوات العلمية من معالجة فساد المجتمعات الغربية، لأنها مجتمعات خاوية روحيا ومفلسة عقديا، ولذلك فإن الارتهان لتنظيراتها ودراساتها غير التجريبية القاصرة يصنع لنا نماذج من “رجال” أشبه بحال النسويات، يتمركزون حول ذواتهم ولا ينطلقون من دينهم وعقيدتهم. حتى بلغ ببعضهم أن يرى نفسه أرجل من صحابي!!

المقياس الإسلامي للرجولة

لا يرى الريد بيلي الشاب المنجر لهذه الجدليات جلل الخطب، لأنه يهون منه لجهله بمكانة الصحابي في الإسلام وإنما الإنكار على قدر المعرفة بطبيعة المنكر! ولنتأمل مقياس الرجولة في الإسلام:

عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :” لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه”[5].

عن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ” [6]

وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :” مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين “. [7]

وقال الإمام أحمد -رحمه الله – ” إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام”.[8]

وما شاهدناه من طعن في رجولة الصحابي ليس مجرد سلوك فردي بل هو انعكاس للحقن الفكري بأفكار غير محصنة بعقيدة التوحيد والسنة، معاييرها غربية بحتة. ولا يمكن فصله عن المشهد كحالة استثنائية لأن خلفه فكر يبرره! فالريد بيلي إما أن ينفي التصنيف من أساسه للرجل الألفا والبيتا وبالتالي يهدم قاعدة مهمة في فلسفته، أو أنه يقبل على الصحابي مثل هذا التصنيف البشع والقبيح، ولا يمكن الجمع بين متناقضين!

والعقل يقول لا نقدم على الرجولة في الإسلام أي مقاييس رجولية يصيغها الغرب الكافر. أي الرجولة تقاس بالإسلام وليس بفلسفة غربية قاصرة وتنظيرات مقيدة.

فأيها الرجل إياك أن تقبل فكرة من الفلسفة الذكورية قبل أن تقيسها على مقياس الشريعة والقرآن والسنة وترى كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، بل أقول ستجد في كل ما سبق جميع ما ينصر الرجولة ويعززها.

ومن يريد تضليلك بزعم أنها مجرد معطيات علمية تترجم وتدعم فطرة الرجل، ونضيف لها الإسلام لتكون مناسبة لنا، انظر في انعكاس هذا التنظير على أرض الواقع ستشاهد نماذج هي الأبعد عن هدي الإسلام والنبوة، تحمل جهلا كبيرا بدين الله تعالى وغرورا وكبرا يمنعها من رؤية فداحة الأمر فضلا عن سوء خلق وأدب. وهذه النماذج لن تقدم حلولا سوى الجدل والصراعات التي تدور على فهم خاطئ لحقيقة المرأة، فهم يتشكل من خلال نظارات الغرب “التنظيرية” لا نظارات الهدي الإسلامي “الواقعية” فلا بد أن يفسد ويهدم ويصنع الجهل والتعالم.

ولذلك نستمر في دعوة المسلمين للإسلام وما كان عليه السلف وأهل الأثر، فهو الحل الأنجع لكل مصائبنا وانتكاساتنا وتراجعاتنا. وهو الحل الوحيد لإصلاح جذري شامل ولإقامة الحق والعدل بلا ظلم ولا معصية لله تعالى.

وأشدد على أن الغاية من المقال ليست الطعن في دين كل من يتبع فلسفة “الريد بيل” بل فيهم من نحسبه على خير ويريد أن يعيد للرجل مكانته المسلوبة وهيبته المحاربة، إنما الحديث عن المتعصبين لهذه الفلسفة الذين اتخذوها منهجا وسبيلا بدون مراعاة لنقاط الضعف فيها وبراءة من نتائج مصادمتها للهدي الإسلامي العظيم، بدون الحرص على نقد بناء لما يصدر عنها يستند إلى قاعدة عقدية راسخة، ولإعادة الاعتبار والمركزية من جديد للإسلام عقيدة ومنهجا ومصدر قدوة في صناعة الإصلاح، والله من وراء القصد.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.


[1] أنماط الشخصية التي يكشفها مؤشر مايرز بريغز.. هل هي حقيقة؟

[2] Why the Myers-Briggs test is totally meaningless

[3]  رواه أحمد والبزار في ((البحر الزخار)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء))، قال ابن القيم في ((الفروسية)): ثابت عن ابن مسعود، وحسنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة))، ومحمد الغزي في ((إتقان ما يحسن))، والعجلوني في ((كشف الخفاء))ز

[4]  رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء))

[5]  رواه البخاري ومسلم واللفظ له .

[6]  رواه أحمد والترمذي والبيهقي في الشعب وقال الترمذي : ( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) ا.هـ..

[7]  رواه الطبراني في الكبير وفي الدعاء والخلال في السنة والقطيعي في زوائد الفضائل والخطيب في التاريخ من حديث أنس رضي الله عنه كما رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[8]  شرح أصول الاعتقاد للالكائي والصارم المسلول.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

3 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
جمال الدين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد طغى النظام النسوي المدعوم من طرف الدول و العالم ضد الرجل مما جعل الكفة تميل لصالح المرأة النسوية حتى أصبحت تنكر العشير و فضله عليها، و الله أصبحنا نسمع أحداث خطيرة، المرأة تعمل جاهدة لخلع و لاية الرجل عليها مع بقائه كصراف آلي ما الجدوى من الزواج إذا كنت أنا كرجل ملزم دينيا و قانونيا بواجباتي تجاه الزوجة و الأسرة و في نفس الوقت هي غير ملزمة بواجباتها إتجاه الزوج و البيت. ما هو الحل في هذه الحالة؟

د. ليلى حمدان

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبارك بكم، نحن نعاني صراعا شرسا مع الغرب الكافر الذي يسعى لسلبنا أهم شيء يمكننا إصلاح أحوالنا به، وهو مرجعية شريعة الله تعالى، لذلك لابد من إعادة ترسيخ عودة الشريعة لحكم حياتنا، وهذا يعني الدعوة للتوحيد ولطاعة الله جل جلاله.
أنت بين حالتين، إما أنك تبحث عن زوجة أو أنك أساسا متزوج،
فإن كنت تبحث عن زوجة فابحث في المكان الصحيح، من أسرة يحكمها رجل يخاف الله، من البداية ولا تتعب نفسك بالبحث عن امرأة لا تملك التقوى ولا تخاف الله ثم تقول أصلحها، فهذه طريقة فاشلة، بل ستفسد عليك حياتك وتربية أبنائك، من البداية ابحث عنها في وسط يحتكم لشريعة الله، وهم موجود وإن كانوا قلة، ثم هذه الأسرة التي تؤسسها تعظم شريعة الله على كل شيء، هي التي ستعمل على تغيير الواقع ونبذ كل جاهلية.
وإما أنك متزوج وفي هذه الحالة إما أن زوجتك مؤمنة تخاف الله أو أنها متمردة، تتمرد على شريعة الله، فهنا يجب المضي معها بفقه التربية القرآنية، التعامل معالناشز، فإن لم تستجب، فطلاقها خير للرجل من بقائها تفسد عليه سكينة بيته.
ففساد المرأة عظيم ولا يجب التعامل معه بالمداهنة أو الاستجداء، بل الجد والحزم.
وأعتقد أن خسائرنا ستزداد إن استمررنا في الاحتكام للفلسفات الغربية أو حاولنا إصلاح الأمر بها، فلا شيء يقر في النفس مثل التسليم لأمر الله تعالى وطاعته، وما رأيناه اليوم من فساد وصل لكل الفئات ينذر بشر عظيم لا يصلحه إلا الدعوة الشاملة للإسلام وأحكامه ودون ذلك، هلاك وتيبه وعبث.

أبو موسى

جزاكِ الله خيرا ونفع بك الإسلام والمسلمين..بارك الله فيك أختنا الفاضلة

3
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x