كيف نتجاوز الذكريات المؤلمة؟

سؤال: لماذا بعض الذكريات لمواقف مؤذية حين نستحضرها، تدمع لها العين من جديد وكأنها حدثت الآن للتو وتكون مؤلمة جدا؟ لماذا لا يكفي النسيان والوقت لتجاوز آلامها؟ وقد تكون هذه المواقف مجرد كلمة أو عبارة جارحة ممن نحسن الظن بهم ولم يروا منا إلا الإحسان أكثر الوقت وممن هم بالأصل انقطعوا عنا؟

حياكم الله وأحسن إليكم، لقد نبه الإسلام لأهمية الإحسان في القول، وفي ذلك قال تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وفي الحديث ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ “، فقد ربطها الإسلام بالإيمان، وجعلها مرتبة جليلة أن يضبط المسلم لسانه فلا يظلم به، ولا يعتدي، بل وأوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم محاسب على ما يخرج من لسانه فقال صلى الله عليه وسلم:”ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو عَلَى مَنَاخِرهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهمْ”.

الآن كيف نتعامل مع ظلم العباد باللسان، أقول بداية نحمل الموقف على أحسن محمل، فنبحث عن ما نعذر به من صدرت منه الأذية، كحالة غضب أو حالة حزن شديد أو دفاع عن النفس مفرط، وننظر في سجل حسناته معنا، فليس من الإنصاف أن نحاكم الناس على موقف واحد وندع عمرا من الإحسان يهدر! ونتلمس لهم المعذرة والإنصاف كما نحبه لأنفسنا،

فإن كان ظلمهم كبيرا ولم يزل مؤذيا ولم نر لهم اعتذارا أو محاولة تعويض، ولو بكلمة طيبة تطيب لها النفس، فلا أجد مثل الاحتساب، فبعض النفوس الحساسة التي تجرحها الكلمة المؤذية حين تحسب هذا الأذى في سبيل الله وتسأله أن يأجرها على الصبر عليه، تجد راحة في نفسها ويسرا لتجاوز هذه الأذية، وحتى حين ينكأ جرحها في كل مرة، وكأنه لم يطب أو يتعاف أبدا. وهكذا بعض الجروح تبقى تنزف إلى لحظة الموت، لعمق الأذية، فعلاجها في الحديث الذي جاء عند البخاري ومسلم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها”, وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه”.

فهذا باب احتساب للأجر وكفارة للذنوب بإذن الله والاحتساب مُذهب للألم! فهو يهون معه في نظر المؤمنين كل أذى، لأن ما عند الله خير وأبقى.

ثم الذكريات المؤلمة ندفعها بذكريات أخرى جميلة، فإن لم توجد نحمد الله أن كفانا شرا ودفع عنا سوءا وهذا وحده فضل ونعمة، فالناس الذين تأتيك منهم الأذية ولم يحفظوا حسن العهد والعشرة، بعدهم عنك رحمة من الله تعالى. وأنصحك بأدعية الهم والحزن فهي مفيدة عظيمة الأثر في النفس، وتعالجها كلما انكسرت لله تعالى واستعنت به، ويعوضك الله بها خيرا بإذن الله.

وقد يستهين المرء بالكلمة تخرج منه ويحدث هذا مع من هو قليل المحاسبة لنفسه، ولو قاسها بدوره على نفسه لربما استنكرها وطالب بإنصافه، وهكذا الإنسان لا يشعر بأثر الأذية حتى يعيشها بنفسه.

ثم ماذا تنتظرين في هذه الدنيا الفانية، أتريدين دخول الجنة بدون صبر على الأذى؟ وتحمل مشاقها وجفائها وغدر أصحابها والظلم والعدوان، هذا المشهد الواقعي للدنيا، لا تنتظري أن تمشي فيها محصنة من كل أذية، فقد أوذي سيد الخلق أجمعين وأوذي من هم أفضل منا وأحسن استقامة وهداية، بل هي سنة في سبيل المؤمنين، عسى الله أن يهدي المسلمين لحسن العشرة والقول والإنصاف. والنأي بالنفس عن الظلم والفجور في الخصام. وهذه آية رادعة حقا على كل مسلم ومسلمة استذكارها في مقامات الخلاف والانتصار للنفس أو الانتقاص والعدائية، قال تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)، جعلنا الله من عباده المتقين، والله أعلم.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x