أمي قاسية! كيف أتعامل معها؟

الكثير من الرسائل تصلني مثقلة بالشجن والألم، تسري بها المعاني والكلمات بنزف لا يهدأ!

ليست رسالة أو رسالتين، أتحدث عن كمّ كبير من الرسائل اجتمعت في شكواها وهمها الواحد، قد خطتها أرواح تتعذب في كل يوم وتموت كمدا مرات ومرات في اليوم.

مصابهم جلل، هذا طبيعي جدا فإصابتهم في مقتل، والألم على قدر الفتك ولا يفتك مثل قريب حبيب! وهل هناك أقرب من الأم لابنها وابنتها، وهل هناك أقسى من قسوة الأم!

إنه لمؤسف بشدة أن توصف الأم، ذلك الحضن الدافئ والنفس الحانية والأيادي الباذلة توصف بأبشع الأوصاف، إنه كابوس تستيقظ عليه الابنة والابن: كيف يمكن أن تكون هذه أمي!

لقد بلغ منا الجفاء مبلغا وخيما، منذ تنحت الشريعة من حياتنا وحلّ محلها كل فكرة متردية ونطيحة! والحديث ذو شجون يطول.

لذلك سألخص أكثر ما يشكو منه الأبناء بشأن الأمهات القاسيات بشكل نقاط مختصرات هي خلاصة شاملة لحالات هذا النوع من الأمهات:

حالات الأمهات القاسيات

  • عصبية بشدة، وتغضب لأي شيء ولا شيء، وردود فعلها العصبية ينطلق معها سيل الشتائم وكل قبيح وهدام، هذا إن لم تسبقها يدها بطشا وانتقاما.
  • ناقدة لاذعة، لا يرضيها شيء، كثيرة التشكي، حتى لو بذلت وقدمت واجهتدت في نظرها أني دوما أهل للفشل، والتذكير بفلان وعلان والتهديد بشؤم المستقبل أنشودة كل يوم وليلة!
  • حب السيطرة والتسلط، تتدخل في كل شيء ولا تعطي لأحد مساحته، ولا تحترم أدنى خصوصية، وتصل لفرض أوامرها في شؤون لا تعنيها لكنها متكلفة!
  • حب المال حبا جما، والانغماس بشدة في كل فكرة توصل للمال، لذلك فدراستي عندها الجسر الموصل لتحقيق أمانيها فإن توعدتها ظروف أو تراجع أو رسوب، فهي فرصتها للنيل مني أشد ما يكون ولتحقيري وجعلي مجرد لا شيء!
  • كثرة المشاكل والقدرة على افتعال المشاكل، ثم البكاء وما أسرعه وما أسهله، فتعيش في جو متوتر كله تشكي وظلام ومظلومية!
  • إلقاء اللوم والعتاب الذي يجلب الانكسار وجلد الذات، تشعر وكأنك سبب تعاستها كلها، وعليك تحمل مسؤولية دفع هذه التعاسة بطاعتها بشكل أعمى وعدم الاعتراض على أي قرار لها ولو كان فيه مخالفة شرعية لأن هذا هو تفسير بر الوالدين في نظرها.
  • التعصب والتحزب فينقسم البيت إلى فرق متناحرة، تحالف الأم وتحالف الأب ويمكنك أن توظف في هذه المعركة، كعين جاسوس والويل والبؤس لك إن ترددت ولم تكن مخلصا وفيا لمعسكرك فأنت خائن تستوجب النبذ!
  • جبل من جليد، قلب من حديد، لا تلين ولا تعرف شيئا إسمه الحب والمودة والرحمة من أم! لم تحضني يوما لم تضع يدها على شعري لم تشعرني أبدا أني ابنتها أو ابنها، تعاملني بجفاء شديد، أتعجب كيف لا أزال أناديها أمي، حتى في مرضي هي بعيدة وقاسية هكذا هي كما عهدتها دوما قريبة بعيدة نافرة!
  • مزاجية متقلبة ما أسرع أن يعلو صراخها، وما أسهل أن تلعن وتسب وتقرع، والأخطر منه الدعاء فهي تتخير أكثر دعاء مهلك وتسدده لقلبك بلا رحمة ولو كان على شي هين، ككوب انكسر أو نافذة فتحت! وترفع يديها بالدعاء متفانية ليقضي الله على فلذة كبدها المتبلدة من هول المشهد!
  • لا تتردد في التعبير عن كرهها لي عن ندمها أنها ولدتني عن كل سبب اجتمع في سبيل وجودي!
  • أمي تعيش في عالمها الخاص، ليس لديها وقت لنا أبدا هي دائما في دائرة اهتمامها، عائلتها، صديقاتها وكل شيء يشغلها إلا نحن، أشتاق لها أبحث عنها لا أجدها، أشعر باليتم! لمن أبث مشاعري ومخاوفي كيف لي أن أعيش بلا أم؟
  • تحبه أكثر شيء، تفضله علينا كثيرا هي هكذا حتى لو أخطأ تدافع عنه بشراسة وتحب إهانتنا لأجله، إنه ابنها المدلل والبقية كأنهم لا يعنون لها شيئا! تميزه في كل شيء حتى حصة الطعام والهدية، في المصروف وفي العيدية!
  • تحب الغيبة وكل حديث لا أحبه، لا نجتمع أبدا فهي تريد الحديث عن الناس، تراقبهم وتحب التشنيع عليهم وهذا ليس جوي ولا أريده، ولكنها تغضب بشدة إن لم أتفاعل فماذا أفعل! يستهويها المنكر وأبغض ذلك فكيف سنجتمع!
  • تعايرني لأني ملتزمة! تقبحني لحجابي وستري، وتسخر مني لأني لا أقبل الاختلاط، وتهددني بشدة إن تحدثت عن النقاب، وتدفعني دفعا لحضور حفلات العائلة وتتوعدني بأشد العقاب إن لم أتزين وأقبل الزيارة المتكلفة!
  • أراها تكذب أمامي وتفتري، أراها تعمل كل شيء قبيح وتزدري، تنكر الخير ويصبح والدي في مشهد عيون المستمعين شيطانا، فإن أنكرت أصبحت العاقة! وإن صمت، أصبحت المتآمرة، فكيف أنجو من هذا السجن والعذاب!
  • إن حاولت التقرب منها لا ترضى إلا بشيء من التنازل عن ديني! هكذا هي لا ترضى إلا بما يسخط الله! والعياذ بالله.

أكتفي بهذا القدر، فرصد علامات وأعراض الأمهات المحرومات موجب للحزن والأسف وهي كثيرة ومتنوعة وقد تشترك كلها وقد تتلخص بعضها في شخص أم واحدة، ولذلك أنتقل لتلخيص أسباب هذه القسوة وكيف تصبح الأم التي من المفترض أن تكون أول سكن للطفل، بهذه البشاعة!

أسباب قسوة الأمهات

  1. الخلفية الأسرية:

تنقل هذه الأم مخلفات التربية التي تربت عليها، وفاقد  الشيء لا يعطيه، فهي لم تتعلم كيف تربي، ولم تستقي مفاهيم التربية في وسطها فنقلت ما عاشته وتربت عليه إلى بيتها دون وقفة تحقيق واستدراك. وهذا من أسوأ ما جرته تربية الصدفة، التي تخرج أجيالا غير مبالية تعيش لحظ نفسها.

2. وسيلة لتفريغ غضبها وانزعاجها:

كل مشكلة تعيشها الأم مع زوجها أو محيطها تفرغها عصبية وغضبا وقسوة في بيتها، وهذا الصنف يفقد فقه الأولويات ولا يحسن قيادة المشاعر وحفظ المصالح، فهي تنجر لكل سطوة غضب وحزن، وتعيشها منغمسة فيها بكلها فيدفع ثمن ذلك أبناؤها.

3. عدم قدرتها على التعبير:

قد تكون هذه الأم محبة لأبنائها لكنها تعجز عن التعبير عن حبها لهم واهتمامها بهم فيخرج بشكل سخط وخوف وعتاب! وتتخبط في لحظة ما فتسيئ الاستيعاب، فهي بحاجة لاستيعاب! ومن ذلك حالة الأم التي تخاف على مستقبل أبنائها فتعبر عن هذا الخوف بنقد هدام وغلو عتاب.

4. الخوف من المستقبل وهاجس الفشل:

وهذا يصنعه ضعف الإيمان وشدة التعلق بالمال والتأثر بالوسط ومداخل الثقافة فهي تتعلم من التلفاز وبرامج الهدم اليومية، تستقي مبادئ الحياة من مسلسل يكون فيه المال سر السعادة! وغيره من مفاهيم متخلفة تتناقلها النساء. هي جاهلة بدينها ودورها وتائهة في مسالك الهوى والفتن فكيف لها أن تصمد كأم وقلعة!

5. الحسد وتتبع عورات الناس:

وهذا ما يصنع كثرة المقارنة والحنق والحرص الشديد، ويتجاوز كل قيمة وخلق، لأن تركيز الأم يقف على أن تبلغ ابنتها مرتبة يشار لها بالبنان وابنها سيد الأبناء قد سبق أقرانه. ومن راقب الناس مات هما.

6. التعلق المزمن بعائلتها:

وهو نوع من الأمهات حتى لو تزوجت وأنجبت يبقى قلبها وشغفها في بيت أهلها فهي مخلصة متفانية معهم لدرجة أن يمكنها أن تنزع من فهم ابنها وابنتها الطعام وتقدمه لأهلها، وهي تعتقد أن هذا هو البر المطلوب مع شعور امتنان ودين تربية يجب أن يرد ولكن بدون توازن يتحول لظلم ونهب لحقوق أسرتها.

7. العلاقة الزوجية المتعثرة:

تنعكس المشاكل الزوجية بسرعة على سلوك الأم، فهي تفقد توازنها وتتحول لحالة من الردود المتأثرة والمنهزمة. فكل فشل تسجله الأم في علاقتها الزوجية يرتد أثره أذى وبلاء على أسرتها. عند هذا الصنف من النساء اللاتي لا يحسن التفريق والتمييز.

8. بغض الأب وعائلته:

يتحول بغض الزوجة لزوجها إلى حالة انتقام من كل ابن وابنة لها يميل لوالده أو يأخذ من طباعه أو يصطف مع أسرته، يتحول تلقائيا لعدو، في جو منافسة مذموم.

9. الأمراض المهملة:

نتحدث عن مرض نفسي في الغالب ولم يتم تشخيصه، فهي تعاني الاكتئاب الشديد أو الفصام أو اضطراب ثنائي القطب، أو اضطراب الوسواس القهري، أو اضطرابات الصحة بشكل عام كالنظام الغذائي واضطرابات الغدد وإهمال العلاجات. وهذه الأم تكون بحاجة لمساعدة طبية.

10: الفقر والظروف المعيشية القاهرة:

والتي تشتد في الحروب والنزوح وكل ظرف معيشي قاهر لا تتمكن الأم من تجاوزه فينقلب كبد ما تعيشه إلى سوء خلق في حياتها وسوء تعامل مع أبنائها وذلك لضعف التربية الإيمانية ولصحبة فاسدة.

11. جهل قاتل

تعيش هذه الأمهات في جو يومي من الجهل، لا تتعلم شيئا في حياتها ولا دينها، فتكون كحال دائرة تجتر الأفكار الفاسدة دون تربية للنفس على الارتقاء والاستدراك. فالجهل ظلام والعيش فيه دمار. ويزداد الأمر سوءًا بصحبة فاسدة واللجوء للسحر والبدع وكل ما حط من اهتمامات وأفكار. فتدخل الحرام والشرك لبيتها فأنى له أن يأمن أو يسعد!

12. الغيرة

للأسف قد تغار الأم من ابنها وابنتها بشكل مرضي، سواء لعلاقتهما الجميلة مع أبيهم أو لفقدانها لصفات تمنتها ورأتها فيهما أو تحسدهما لكل خير هما فيه قد حرمته، فتغار منهما وتهدم سعادتهما!

13. الأنانية والكبر

وهي صفات تمنع الاستجابة للنصح، فهذا النوع تملكي يعتقد أن الأبناء خلقوا لخدمتها فقط، ولا تقبل بغير معاملة السيدة في البيت ولأبنائها معاملة العبيد. تسخرهم لكل حظوظ نفسها ولا تبالي بحاجاتهم النفسية. تأخذ منهم ولا تعطي ثم تمنّ.

14. الفسق والفجور والانحراف

وهو حال شريحة من الأمهات لا تخشى الله تعالى وتسرف في معصيته سبحانه وقد تصل للسحر والإفساد في الأرض وهذا الصنف من أصعب الأصناف، لكونها سبب تعاسة دائم في بيت يحاول أن يستقيم. فهي تصطدم وتؤذي كل من يدفع فسادها أو لا ينحاز لها.

15. أسرة متكلفة ومتطلبة وأبناء لا يرحمون

قد يكون الحال في الأسرة برمتها غير مساعد، من حيث زوج متكلف ومرهق غير مسؤول وأبناء لا يساعدون وهي بين مطرقة الصبر على زوج غير تقي وأبناء ليسوا تماما كما تبغي، ولا شك أن الضغط يولد الانفجار.

وقد تزيد الأسباب وتجتمع أكثرها أو أقلها في حال أم واحدة، لكن كيف نتعامل مع هكذا أمهات هن بلاء في حياة أبنائهن؟

لا بد أن نتأمل في سبب الحالة التي أدت إلى قسوة الأم ونعالجها قدر المستطاع، وبناء على ذلك ألخص في نقاط كيف يمكننا أن ندير علاقتنا مع الأمهات القاسية؟

كيف نتعامل مع الأم القاسية

  • التوقف عن النظر للأم كأم، بل كإنسان ضعيف! يكبر الطفل وهو ينظر لوالديه كقدوة ونموذج بطولة، حتى يصطدم بضعفهم البشري، فتتحطم تلك الصورة، ولا يعتدل شعوره تجاههم إلإ إذا نظر لهم بشفقة الابن المستوعب لهم، فيضع نفسه كحضن لهم يشد أزرهم ويجبر ضعفهم فتتغير تفاعلاته تجاههم ويتحول شعور الانتظار منهم إلى المبادرة نحوهم فتخف معاناته.
  • الصبر مهم جدا والحلم، والتغاضي والخروج تماما من لحظة الاحتقان وعدم المصادمة في سطوة الغضب، بل الحرص على التهدئة لا التأجيج. والوصول لمرتبة الصبر يتطلب تربية نفسية والاجتهاد في العبادات والذكر والدعاء والاستعانة بالله تعالى. وهذا هو أهم سبب لتجاوز محنة الأم القاسية.
  • التقرب من الأم من خلال رصد مفاتيح شخصيتها بعض الأمهات تلين للهدية، للخدمة، ربما للمدح والثناء، فنبحث عن مفاتيح شخصيتها، ونتجنب ما يثيرها. بعض الأمهات تريد من ينصف لها ويستوعب شكواها فرب جلسة استماع تخفف عنها الضغط النفسي.
  • السعي في إصلاح علاقة الأب والأم قدر المستطاع ومحاولة تخفيف التشنجات بينهما، فكثيرا ما  يكون سبب تصدع البيت جفاء بين الزوجين.
  • معالجة الأم المريضة والسعي في شفائها واستيعاب ضعفها. وهذا يتطلب تشخيص طبيب مختص وعلاج مناسب وصبر كثير.
  • تخفيف المسؤوليات عن الأم وصناعة أجواء سعادة تكون طيبة وملهمة. فكثيرا ما يتحول ضغط مسؤولياتها لأثر سلبي على نفسيتها فتفقد كل صبر وعقل، وطاقات النساء في التحمل تتباين.
  • تعليم الأم وتوعيتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالجهل فتاك ومحاولة هدايتها مهمة جدا لتحقيق التوازن في البيت والأمان.
  • الحزم في مواقف العقيدة والدين، يجب أن تتعلم أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وهنا يجب التجلد والثبات فمعارضتها الحجاب لا يمكن قبولها بل التصدي لها وعصيانها، وطاعة الله جل جلاله ولو أدى ذلك لأذى جسدي وتجريح وكل أصناف الأذى، لا نترك فريضة لأجل إرضاء أم ظالمة ولا نقبل معصية لكسب ودها المتعثر، وكذلك كل أمر منها فيه معصية لله تعالى، فيقابل بحزم لتتربى على أن هذا خط أحمر لا يمكنها تجاوزه مهما نال الابن والابنة من أذى، ويدخل في ذلك إنكار المنكرات التي تجلب التصدع لأركان البيت!
  • التغاضي التام عن كلماتها الجارحة ونقدها اللاذع والابتعاد عنها لحظة الدعاء ولكن بعد هدوئها يبين لها فداحة ما تفعله بهدوء وأن هذا أمر ستحاسب عليه أمام الله تعالى، لا نستهن بالتذكير بالله تعالى وخشيته فمع الوقت سيصنع في نفسها رهبة وقد تكف عن كثير أذى بهذه التذكرة.
  • الحذر من الوقوع في فخ جلد الذات والاستجابة لتظلماتها بدون حق، أو أذية النفس في سبيل أم تطغى.

  • الحوار البناء والصفقات على هدي “المسلمون على شروطهم”، فإن للحوار تأثيرا ملموسا في حل المشاكل الأسرية وتكفي جلسة هادئة وإحسان ولطف، لتوضيح النقاط  وتربية الأم على الحق بهدوء وقد يتطلب تدخل شخص ناضج أو ناصح أمين أو وسيط وحتى الأب. الذي عادة يكون دوره سلبيا في أسر متحطمة.
  • إعادة الأب لموقعه والكف عن لعب دور الضعيف في موقفه، فوجود أب قائم بدوره ومسؤولياته وصيانة بيته يخفف الكثير من مشاكل تمرد الأم وطغيانها وهذا مما عمّ به البلاء في زماننا.
  • التربية الإيمانية والحرص على ذكر الله وأخذ الأم لدرس أو رحلة لتقوية دينها بالعلم والمواقف المؤثرة وإخراجها من جو التعلق بالدنيا. والاستفادة من كل حدث أو فكرة للتفكر في آيات الله وفي الآخرة وتذكرتها بدورها كأمة لله تعالى محاسبة.
  • الكثير من الأمهات لا يتغيرن بين يوم وليلة ولكن التعامل الحكيم والصبور معهن يخفف من وقع أذيتهن وإن كان يتطلب وقتا قد يطول، والحرص على تربيتهن على الحق يساعد في إصلاحهن وإن كان فيه تكلفة، وإقامة الحجة عليهن مرهب لهن وإن تأخرت استجابتهن.

وفي الختام أنبه لأمر مهم جدا، هو أن الابتلاء في حياة المؤمنين يأتي بشكل أو بآخر ولكنه كله في قدرة تحمل العبد والأمة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولن يتمكن الأبناء من الصبر على الابتلاءات وتجاوزها إلا بتربية إيمانية وخلقية كافية، إلا بمرافقة القرآن والسنة الموجبة لتأييد الله تعالى وتوفيقه وفرجه. فمن فرط في الإعداد والتزود فلا يلومن إلا نفسه.

ثم لا يكفي أن نشتكي من قسوة أم بل يجب أن نحارب أي قسوة تتسلل لقلوبنا، وأن نحرص على حفظ فطرتنا وتوحيدنا وثباتنا على السنة ونجعل من تجاربنا القاسية هذه لبنة بناء لأسرة أكثر نضوجا ووعيا وتربية إسلامية.

فأكثر الناس المطالبون بتقديم نماذج قدوة للأسرة هم الذين تربوا في أسر حرمتهم حقوقهم وظلمتهم ظلما يمتد!

والأم تبقى الأم، لكن في حدود حقوقها الشرعية لا تعان على ظلم أو مفسدة أو معصية أو ما يضرها، ولا تحرم البر والمساعدة والإحسان.

وفي الأخير ستنتهي سطوتها وأذيتها  بقوة الإيمان والاستقامة والاستعانة بالله العلي العظيم وقد ينقلب الحال لصلاح تقر له الأعين وتسكن له الأنفس وتسجد فالله تعالى يدبر الأمور بحكمته ومشيئته سبحانه، والمؤمن والمؤمنة يستعدان للابتلاءات المؤلمة بيقين لا ينضب ويعلمان أنها لتطهيرهما ورفع درجتهما، ولحكمة تجعلهما أقوى وأقدر على إدارة أسرة جديدة سوية تقوم على اختيار سوي لا يقبل بشريك حياة جاهل بدينه ودوره في الحياة.

 يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: فأمّا الرضا بالقضاء: فهو من علامات المُخبتين الصادقين في المحبّة، فمتى امتلأت القلوب بمحبّة مولاها رضيت بكلِّ ما يقضيه عليها من مؤلم ومُلائم[1].

ولكل من ابتلي بأم مؤذية، فلا يسمح لها أن تهدمه أو تؤخره بل ليتحول لسبب لهدايتها قدر المستطاع وليستعلي بإيمانه ويتقدم في طريق الله بصبر وتوكل فيهما النجاة، وليردد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:” ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي ولا تَمكُر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى لي، وانصُرني على من بغَى عليَّ، ربِّ اجعَلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطيعًا، إليكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل تَوبَتي، واغسِل حَوبَتي، وأجِب دعوَتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، وثبِّت حجَّتي واسلُلْ سَخيمةَ قلبي”. (صحيح ابن ماجه)

والله المستعان ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله.


[1]   [مجموع الرسائل (113/1) لابن رجب]

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x