صلوا أرحامكم قبل أن يصلى عليكم

قال الله عز وجل (إِنَّ هذا القرآن يقُصُّ عَلىٰ بنِي إِسرَائِيلَ أَكثَرَ الَّذِي هُم فِيهِ يَختَلِفُونَ – وَإِنَّه لَهدًى وَرَحمَةٌ لِّلمُؤمِنِينَ )

نجد في القرآن أمثلة كثيرة عن بني إِسرائيل لنعتبر منها ونتعلم الاستقامة كما أَمر الله تعالى ولا نكرر أَخطاء وانحرافات المغضوب عليهم.

قال تعالى (الَّذِين ينقُضُونَ عهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )

حين نتأمل وصف الله تعالى لقاطع الرحم في مقام خسران ندرك لماذا جاء تعظيم مقام صلة الرحم في الشريعة.

ولماذا كان الحث على العناية بها من الأولويات المشهود لها في نصوص القرآن والسنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ” رواه البخاري.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ” . رواه البخاري.

وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ” . رواه البزار والحاكم.

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله “رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم:”يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام “رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

وفي ذلك حكم عظيمة لا تفوت متدبرا إنها عناية خاصة تقوي الروابط الأسرية وتصنع المودة والرحمة والتكافل والتعاون على البر والتقوى بركاتها كثيرة ومنافعها مديدة ولكن! في زمن حب الدنيا وكراهية الموت.زمن تفشت فيه الأنانية والجشع واللهث خلف نفسي نفسي! خيّم الجفاء على الأسر وفقدت صلة الرحم!

وهذه ضريبة ندفعها لتهميش شريعة الله من حياتنا كحكم ومنهج حياة!

لقد ابتعدنا كثيرا عن هدي الإسلام العظيم فدفعنا ثمن ذلك في أسرنا ومجتمعاتنا وكل علاقتنا واستدراك ذلك واجب وأولوية في هذه الأيام الفضيلة من ذي الحجة.

صلوا أرحامكم استجابة لله ولرسوله ﷺ

صلوها لله لا لحظ نفس أو كبر!

صلوها لنعيد الالتزام بشريعة ربنا وصية بيننا ومعلما من معالم الحق البارزة.

صلوها لنحفظ نساءنا وأبناءنا من قسوة القلوب والتيه وطريقة الغرب الباردة!

صلوها لنعيد القوة للحمتنا ووحدتنا ونلمس بركة الإصلاح والاستجابة لأمر الله تعالى.

صلوها كي لا نكون كالمغضوب عليهم قوما خاسرين.

صلوها لله سبحانه.

الإسلام حلقات متكاملة تشد بعضها بعضا وصلة الرحم حلقة أصيلة في صناعة القوة في هذه الأمة وتضييعها عامل من عوامل الضعف والانهيار وتقويتها عامل من عوامل الانبعاث والاستدراك ولذلك تحرص الدعوات المثبطة والمرجفة على قطع تلك الروح بين المسلمين وأرحامهم ويأبى الله أن يجعلها فضيلة وأجرا.

سيتشكي البعض من كون تحقيق هذه الصلة متعسر لقبح بعض النفوس ولصدود والكثير من الأذى. كل هذا لم يجهله الإسلام وجعل له علاجا وحلا:

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها “. رواه البخاري .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم: “إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ” رواه مسلم.

والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .

فهذا الحديث عزاء لكل من ابتلي بأقارب يجحدون الخير.

هو يقيم حجة لله عليهم عند أداء عبادة صلة الرحم خالصة لله تعالى.

هو يعذر عند ربه سبحانه حين يقابلون إحسانه بالإساءة ومعروفه بالإنكار وفي ذلك رفعة له وأجر مضاعف: أجر أداء العبادة والصبر على تكاليفها والأذى الذي يصيبه منها ثم لا يبالي بعد ذلك فالبيعة مع مولاه وفي ذلك حكم يبصرها المتقون.

واليوم في زمن تطورت فيه وسائل الاتصال لم يعد من عذر لأحد في صلة رحمه، فمجرد مكالمة هاتفية يطيب القلوب ويؤدي الواجب ويجبر الضعف ويتحسس الحاجة وغيره من حسنات ولا يستثقل ذلك عاقل يدرك أجر صلة الرحم “ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه”.

جاء في تفسير الطبري لقول الله عالى ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف أنهم إذا نـزلت سورة محكمة, وذُكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نظر المغشيّ عليه ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ ) أيها القوم, يقول: فلعلكم إن توليتم عن تنـزيل الله جلّ ثناؤه, وفارقتم أحكام كتابه: وأدبرتم عن محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعما جاءكم به ( أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ ) يقول: أن تعصوا الله في الأرض, فتكفروا به, وتسفكوا فيها الدماء ( وَتُقطِّعُوا أَرحَامكُم) وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام, وألَّف به بين قلوبكم.

فصلوا أرحامكم ولا تكونوا سببا من أسباب الضعف والفساد في الأرض.

صلوا أرحامكم قبل أن يصلى عليكم.

اللهم أصلح حال أمتنا وحبب لأبنائها صلة الرحم وأصلح بها.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x