الهند تشرع في ترحيل اللاجئين الروهينجا

رأت روبينا بيغوم -البالغة من العمر 12 عامًا- والدتها آخر مرة قبل عام كامل، عندما أخذتها شرطيات في منطقة جامو بالهند. حيث كانت والدتها “حسينة بيغوم”، من بين 170 لاجئًا من الروهينجاالذين تم احتجازهم وإرسالهم إلى مركز احتجاز كجزء من عملية التحقق من اللاجئين.

وقالت روبينا إنه بعد ذلك بعام، أبلغتهم إحدى الشرطيات اللاتي احتجزن والدتها، أن أمهم قد تم ترحيلها إلى ميانمار، البلد الذي فرت منه هربًا من إبادة عرقية انطلقت بوحشية في عام 2012. في وقت تنفي ميانمار رسميًا وجود الروهينجا وأغلبيتهم من المسلمين الذي يعيشون في شمال ميانمار منذ أكثر من ألف عام، وبدلاً من ذلك وصفتهم بـ “البنغاليين”، وهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش.

من جانبها، وصفت الحكومة الهندية الروهينجا الذين طلبوا اللجوء في الهند بأنهم “مهاجرون غير شرعيين” و “تهديد للأمن القومي”. ورفضت المحكمة العليا الهندية في عام 2021 وقف ترحيل اللاجئين الروهينجا.

حسينة بيغوم مع أبناءها

واجتمعت روبينا مع أختها الصغرى نور وشقيقها الأكبر حسين أحمد، في كوخ مصنوع من الكرتون والأقمشة والخرق. وقالت إنهم لم يتمكنوا من رؤية والدتها لمدة عام كامل، ثم تم إبلاغهم فجأة أن والدتهم قد أعيدت إلى ميانمار.

وقالت روبينا: “أخبرتنا الشرطة أنها أُرسلت إلى ميانمار في 15 مارس / آذار. وأخبرونا أنه ستتم إعادتنا أيضًا”.

وقال بريم كومار مودي، المشرف على مركز هيراننجار للاحتجاز، لصحيفة “ديبلومات”، إنهم احتجزوا 235 لاجئًا من الروهينجا، من بينهم حوالي 20 قاصرًا. وأضاف:”لقد أكملنا عملية التحقق. وعندما تطلب منا الحكومة ترحيلهم، فسوف نتبع الأوامر”. وقال إن التحقيق مع بيغوم قد اكتمل وهناك أيضا تأكيد من جانب ميانمار. ولا يمكننا ترحيل أي شخص دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. وأن هناك عملية تتبعها وزارة الداخلية، والتي هي على اتصال مع حكومة ميانمار.

ما يخيف روبينا وإخوتها هو التفكير فيما قد يحدث لأمهم في ميانمار. وقالت روبينا إنه لم يتبق مسلمون هناك وإن والدتها قد تقتل على يد جيش ميانمار.

وتشعر عمة روبينا، نور فاطمة بنفس القلق قائلة:”ربما ستقتل هناك. نأمل أن يتم إرسالها إلى مكان آمن ولكن لا يوجد مكان آمن لها في ميانمار. سوف يتم تعذيبها كل يوم أو ربما يتم اغتصابها أو قتلها. هذا ما كان يفعله الجيش معنا هناك”.

وقالت أيضا إن فصل الأطفال عن والدتهم كان قاسياً من جانب الحكومة الهندية وأضافت:”إنهم غير قادرين على النوم”.

لقد ارتكب جيش ميانمار “جرائم إبادة جماعية” ضد الروهينجا، بحسبما أكد فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة. واتُهم الجيش بقتل آلاف الروهينجا، وحرق قراهم، والانخراط في حملة اغتصاب وتعذيب تستهدف المسلمين، وهم أقلية في الدولة التي يهيمن عليها البوذيون الحاقدون.

وأجبرت الفظائع التي ارتكبت ضد الروهينجا ما يقرب من مليون شخص على الفرار من ميانمار واللجوء، الغالبية العظمى منهم في بنغلاديش ولكن هناك جزء آخر منهم لجأ إلى الهند. حيث يعيش اللاجئون في فقر مدقع، دون قدرة على الوصول إلى المرافق الأساسية.

ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تستضيف الهند حوالي 40 ألف لاجئ من الروهينجا يعيشون في مخيمات وأحياء فقيرة في مدن ومناطق مختلفة، بما في ذلك جامو وحيدر أباد ونيودلهي. ويوجد حوالي 5000 لاجئ في جامو، حيث يعيشون في منازل مؤقتة أو أكواخ.

في مارس 2021، عندما تم احتجاز 170 لاجئًا لعملية تحديد الهوية، تم إرسالهم بعد ذلك إلى مركز احتجاز في سجن هيراننجار، على بعد حوالي 60 كيلومترًا من المدينة نفسها. وبعد عام، ارتفع عدد المعتقلين إلى 235، بحسب هيومن رايتس ووتش.

وقال علي جوهر، الذي يمثل مبادرة حقوق الروهينجا لحقوق الإنسان: “إن ترحيل بيغوم إلى ميانمار يرقى إلى جريمة إعادة الضحية إلى المعتدين عليها”. لقد “أعلنت الأمم المتحدة أنها إبادة جماعية وسلمت الحكومة الهندية لتوها ضحية لمن يغتصبون ويقتلون مسلمات الروهينجا”. وأضاف أنه فشل في فهم كيف يمكن لدولة مثل الهند أن تتخذ مثل هذه الخطوة دون النظر في أي أسباب إنسانية. وقال: “إنه انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية”.

وقالت هيومان رايتس ووتش في بيان في 31 مارس آذار إن الحكومة أعادت قسراً عائلة من الروهينجا إلى ميانمار وسلطت الضوء على المخاطر التي تهدد حياة اللاجئين والتهديدات التي يواجهونها في الهند. وقالت إن القانون الدولي يحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى أماكن تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للتهديد.

ونقل البيان عن ميناكشي جانجولي، مديرة قسم جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش، قولها: “إن الحكومة الهندية لا تكسب شيئًا من خلال إعادة امرأة من الروهينجا قسراً إلى ميانمار، بينما يتم فصلها عن أطفالها وتعرضها لخطر شديد”. إن قرار الحكومة بطرد لاجئي الروهينجا على الرغم من تلال الأدلة على أن حياتهم وحرياتهم ستكون في خطر في ميانمار يظهر ازدراءً قاسياً لحياة الإنسان والقانون الدولي”.

بعد يوم من بيان هيومن رايتس ووتش، اعتقلت شرطة جامو وكشمير 25 لاجئًا من الروهينجاكانوا جزءًا من جماعة دينية غير سياسية. تم إرسالهم أيضًا إلى مركز الاحتجاز في سجن هيراننجار في منطقة جامو.

في بيان فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، شوهدت نور، ابنة بيغوم البالغة من العمر 9 سنوات، وهي تحمل صورة والدتها وتطلب من الحكومة الهندية إعادتها.

وقال حسين ابن بيغوم، إنه يخشى ما قد يحدث لوالدته وقال: “أرسل لنا شخص من سجن هيرانغار صورة لأمنا وقال إنها ستعود إلينا. ثم علمنا أنها أرسلت بالفعل إلى ميانمار!”. وأضاف أن رجال الشرطة هددوا الأطفال، قائلين إنهم يجب أن يعودوا إلى ميانمار. وقال حسين البالغ من العمر 15 عاماً: “قالوا لنا إما أن نعود أو يقتلوننا ويرسلون جثثنا”.

ورغم صغر سنها، أبقت روبينا نفسها على اطلاع دائم بمستجدات قضية لاجئي الروهينجا بما في ذلك البيانات الدولية والتعليقات السياسية.

وهربت بيغوم وعائلتها إلى جامو في عام 2012. وقال حسين، الذي كان آنذاك يبلغ من العمر خمس سنوات فقط، إنه لا يتذكر الكثير عما حدث في وطنه السابق باستثناء ذكرى باهتة. لكنه أكد مرارًا على أن الجيش قتل الأطفال أو أضرم النيران فيهم. وقال:”لقد انتزعوا كل شيء منا. لقد تم إقصاؤنا “.

وقالت روبينا إنها لن تعود إلى بلدها إلا إذا عاد كل لاجئ مسلم وكان الوضع هناك آمنًا للروهينجا. وأضافت: “في الوقت الحالي، أريد أن تعود والدتي. لا نعرف ماذا سيحدث لها. لم أرها منذ عام”.

المشاعر المعادية للمسلمين

شهدت الهند تنامي المشاعر ضد المسلمين منذ أن تولى حزب بهاراتيا جاناتا اليميني القومي الهندوسي السلطة في المركز في عام 2014. وكان هناك تصاعد في أعمال العنف ضد الأقليات، وخاصة المسلمين. ونظرًا لأن اللاجئين الروهينجا مسلمون أيضًا، فقد تعرضوا أيضًا للهجوم بكل أنواعه.

في جامو، احتج العديد من قادة الجناح اليميني على لاجئي الروهينجا، مطالبين بترحيلهم. وقال جوهر إن الجماعات اليمينية وضعت ملصقات ولوحات في جميع أنحاء المدينة، ودعت إلى ترحيل الروهينجا.

في جامو ومناطق أخرى، كان هناك ما لا يقل عن أربعة حرائق منفصلة في مخيمات الروهينجا في عام 2021. وبينما كان سبب الحرائق إما ماس كهربائي أو غير معروف، لم يستبعد الروهينجا إمكانية التخريب المتعمد من قبل الجماعات اليمينية.

بعد اندلاع حريق في مخيم للروهينجا في العاصمة نيودلهي في عام 2018، اعترف زعيم شباب من حزب بهاراتيا جاناتا بإضرام النار في الأكواخ على تويتر، قائلاً: “أحسنتم أبطالنا … نعم، لقد أحرقنا منازل إرهابيي الروهينجا “.

المشاعر ضد الروهينجا ليست معزولة أو مقتصرة على جامو فقط. فقد كان القوميون الهندوس اليمينيون يصفون الروهينجا بالمهاجرين غير الشرعيين ويصفونهم بأنهم تهديد للأمن القومي. نتيجة لذلك، ربط العديد من قادة حزب بهاراتيا جاناتا اللاجئين بالإرهاب. ولا يوجد إعلان رسمي حتى الآن يربط أي لاجئ من الروهينجا بهجوم إرهابي في الهند.

وقالت الناشطة الحقوقية كافيتا كريشنان إن ترحيل اللاجئين الروهينجا غير قانوني وفقًا للقانون الدولي، “هناك قانون ضد الإعادة القسرية للأفراد الذين تتعرض حياتهم للخطر في بلد يُعادون إليه. لا يعتبر الروهينجا مواطنين في ميانمار. كيف يمكنك إعادتهم إلى مثل هذا البلد؟ “، وأضافت: “إنها فظاعة”. “إن الدافع وراء الترحيل هو المشاعر الطائفية. إنهم (الحكومة) يحاولون تصوير الروهينجا على أنهم شبح، كشخصية يجب الخوف منها. إنهم يحاولون نشر الكراهية ضد الروهينجا”.

وقالت إن قضية ترحيل اللاجئين الروهينجا يجب أن ينظر إليها في إطار قانون تعديل المواطنة الهندي حيث يمنح هذا القانون الجنسية للمهاجرين الهندوس والسيخ والبوذيين والجين والبارسيين والمسيحيين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش الذين وصلوا إلى الهند قبل عام 2015. ويستثني المسلمين – بما في ذلك الروهينجا، الذين وُصفوا بأنهم الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم.

وقالت الناشطة المقيمة في نيودلهي:”ما معنى القوانين إذن، التي تنشئها لمنح الملجأ للمضطهدين إذا كنت غير قادر على الاعتراف بأن الأقلية المسلمة هي الأقلية المضطهدة في الجوار الهندي … وأنت تقوم بترحيلهم قسراً؟”.

لا يوجد لدى الهند سياسة واضحة للاجئين وهي ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التابعة للأمم المتحدة أو بروتوكولها لعام 1967. لكن حظر الإعادة القسرية للاجئين إلى بلد يواجهون فيه الاضطهاد – أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. ومع ذلك، تتعامل الهند بشكل مختلف مع مجموعات اللاجئين المختلفة. فقد وفرت الهند المأوى للاجئين التبتيين واللاجئين التاميل من سريلانكا، لكن هناك طلبًا متزايدًا، يغذيه القوميون اليمينيون والحزب الحاكم، بترحيل اللاجئين الروهينجا، وهم مسلمون.

قامت فاطمة بمواساة بنات أختها في كوخها، لأنهم قلقون على والدتهم. ولكن بغض النظر عن القلق على والدتهم، فإن الخوف من أن يتم ترحيلهم بعد ذلك يلوح في الأفق بشكل كبير. قالت فاطمة: “سنقتل لحظة وطأت أقدامنا تلك الأرض”.

المعلومات الواردة في هذه المقالة من مقالة نشرت على صحيفة “ديبلومات” لحازيق قادري بتاريخ 6 أبريل 2022م.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x