الإيغور يشكون مقتل ذويهم بسياسة الصين “صفر كوفيد”

لأكثر من خمس سنوات، لم تتمكن “شاربات محمد علي” وشقيقها “محمد” من الاتصال بعائلتهما في أقصى غرب الصين، حيث اتهمت الحكومة بسجن ما يصل إلى 2 مليون مسلم من الإيغور والأقليات العرقية الأخرى في معسكرات الاعتقال.

ويعتقدان أن والدهما وشقيقهما من بين المحتجزين في منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية)، لذلك كانا على استعداد منذ فترة طويلة للأخبار السيئة. ولكن عندما تلقوا أخيرا خبرا عن أسرهم يوم الجمعة، كان الأمر أسوأ مما كانوا يتخيلون.

لقد نبههم الأصدقاء إلى صور وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت جثتي والدتهما، “كامارنيسهان عبد الرحمن”، وشقيقتهما “شهيدة” البالغة من العمر 13 عاما، والتي توفيت مع ثلاثة من أشقائهم الآخرين عندما اندلع حريق في مبنى سكني في أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، في 24 نوفمبر.

قالت شارابات البالغة من العمر 25 عاما وهي تبكي خلال مكالمة فيديو مع شبكة سي إن إن الأمريكية من تركيا حيث انتقلت هي وشقيقها للدراسة في أوائل عام 1439هـ (2017م):”لقد علمت بالأخبار المروعة عن عائلتي من وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأضاف شقيقها: “كانت أمي امرأة رائعة، كانت تحب مساعدة الناس”.

تم إلقاء اللوم في المأساة على إغلاق كورونا الذي يبدو أنه أعاق جهود خدمات الإنقاذ لدخول المبنى وجهود السكان الذين يحاولون الفرار – وكان حافزا للاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن الصينية في عطلة نهاية الأسبوع حيث عبر الناس عن غضبهم من سياسة الحكومة الصارمة “صفر كوفيد”.

وفشلت الاستراتيجية، التي تعتمد على الاختبارات الجماعية وعمليات الإغلاق والتتبع الرقمي للقضاء على تفشي المرض، في احتواء المزيد من المتغيرات المعدية حيث تتمسك الصين بنهجها الصارم بعد فترة طويلة من تحرك بقية العالم إلى حد كبير.

في أورومتشي، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة، تم فرض إغلاق صارم لكورونا منذ أغسطس، حيث منع معظم السكان من مغادرة منازلهم لأكثر من 100 يوم.

وزعمت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الحريق أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة تسعة آخرين، لكن تقارير من السكان المحليين تشير إلى أن الحصيلة الحقيقية أعلى بكثير.

وأشارت بعضها لمقتل 44 شخص في هذا الحريق.

بعد يوم من الحريق، نفى مسؤولو الحكومة المحلية في أورومتشي أن تكون سياسات كوفيد في المدينة هي المسؤولة عن الوفيات، مضيفين أن التحقيق جار.

وفي الوقت نفسه، تجنبت الحكومات المحلية والمركزية إلى حد كبير الاعتراف بالاحتجاجات مباشرة.

ويوم السبت، قالت حكومة أورومتشي إنها ستخفف الإغلاق “على مراحل”، مما يشير إلى أن هذا يرجع إلى أنها “قضت بشكل أساسي على حالات كورونا”، على الرغم من استمرار المدينة في تسجيل حوالي 100 حالة يوميا.

ويوم الاثنين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية في بكين تشاو ليجيان إن الصين “تجري تعديلات” على سياستها الخاصة بكورونا “بناء على الحقائق على الأرض”.

وبعد يوم واحد، رد على سؤال حول اعتقال وضرب صحفي من “بي بي سي” في احتجاج في شنغهاي بالقول إن الشرطة “طلبت من الأشخاص الذين تجمعوا عند مفترق طرق المغادرة”. كما أشارت لجنة الأمن الداخلي التابعة للحزب الشيوعي الحاكم بشكل غير مباشر إلى “القوى المعادية” التي أشارت إلى أنها مسؤولة عن زعزعة استقرار النظام الاجتماعي.

وهذا الأسبوع، أدى الوجود المكثف للشرطة إلى تثبيط المتظاهرين عن التجمع، في حين تبنت السلطات في بعض المدن تكتيكات المراقبة المستخدمة سابقا في شينجيانغ لترهيب أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع.

وبينما تخنق أجهزة الأمن الصينية المعارضة، تطالب عائلات ضحايا الحرائق بإجابات.

وقال عبد الحفيظ، ابن شقيق كامارنيسهان عبد الرحمن، الذي يعيش في سويسرا، إن السلطات الصينية “تركت الناس عاجزين في وضع خطير”. وقال “أريد أن أحاسب الصين على هذه المأساة”، “كلنا نعاني كثيرا”.

معا في المأساة

من على بعد حوالي 3000 ميل في اسطنبول، حيث يوجد شتات كبير من الإيغور، لا يزال الأقارب يحاولون تجميع ما حدث بالضبط في منطقة تنغريتاغ في أورومتشي – المعروفة باسم تيانشان باللغة الصينية.

ويمتلك علي عباس، وهو من الإيغور الذين غادروا شينجيانغ في عام 1439هـ (2017م) الشقة في الطابق 15 حيث بدأ الحريق. وقال لشبكة “سي إن إن” عبر الهاتف من تركيا إن الحريق اندلع بسبب عطل كهربائي عندما كان الجهاز اللوحي لحفيدته يشحن. وانتشر الحريق بسرعة في أرجاء المنزل الذي كان مليئا بالأثاث الخشبي، على الرغم من محاولات ابنته وجارتهما إخماد النيران.

وقال عباس (البالغ من العمر 54 عاما) إن موظفي المجتمع المحلي في المبنى وصلوا بعد ذلك وأمروهم بالإخلاء، ورافقوهم إلى خارج المبنى عبر المصعد. ولكن بعد ذلك بوقت قصير، انقطعت طاقة المبنى وتوقف المصعد عن العمل.

قال عباس إنه بموجب قواعد الإغلاق، تم حبس الأسر التي ثبتت إصابة شخص ما بها خلال الشهر الماضي داخل منازلهم. تمكن الناس في الأسر الأخرى من مغادرة شققهم، لكنهم لم يتمكنوا من مغادرة المبنى نفسه دون مساعدة من العاملين في المجتمع.

وذكرت صحيفة جلوبال تايمز الصينية التي تديرها الدولة أن مسؤولا محليا في أورومتشي نفى أن تكون أبواب المبنى مغلقة، قائلا “سمح للسكان بالخروج على أساس متداخل منذ 20 نوفمبر”. وبدلا من ذلك، ألقى باللوم على السكان لكونهم “غير قادرين على حماية أنفسهم لأنهم لم يكونوا على دراية بمخارج السلامة”. على حد تعبيره.

ومع انتشار الحريق، نشر السكان المحاصرون في الطوابق العليا مناشدات يائسة للمساعدة على تطبيق المراسلة الصيني “وي شات” WeChat، حيث تركت امرأة رسائل صوتية تقول إن عائلتها تنفد من الأكسجين. وأجاب العاملون الاجتماعيون، وطلبوا من الناس تغطية أفواههم بمناشف مبللة حتى وصول خدمات الطوارئ. لكن هذه المساعدة جاءت متأخرة جدا بالنسبة للبعض.

ويظهر مقطع فيديو لآثار الحريق تمت مشاركته على “دوين” Douyin  النسخة الصينية من تيك توك، عمالا يرتدون بدلات خطرة يتفقدون مشهدا من الدمار الأسود.

قال عباس:”ما حدث لجيراني هو حقا كارثة كبيرة”، “أود أن أعرب عن حزني الصادق لجميع شعب الإيغور، لجميع أحبائهم الذين فقدوا أفراد أسرهم. أطلب بصدق مغفرة الله لهم”.

قتل بسبب سياسة “صفر كوفيد”؟

ولكن بالنسبة لأسر أولئك الذين لقوا حتفهم، فإن اللوم في هذه المأساة لا يقع ببساطة على عاتق عطل كهربائي. بدلا من ذلك، كما يقولون، فإن سياسة الوباء هي التي أعاقت الإخلاء الفعال للمبنى.

وقال عبد الحفيظ البالغ من العمر 27 عاما: “أصبحت (عائلتي) ضحية لسياسة الحكومة الصينية (صفر كوفيد)”. “حتى أبواب المنازل كانت مغلقة من الخارج. على الأقل لو تمكنت عائلتي من الخروج من الباب أو إلى سطح المبنى لإنقاذ نفسها، لكانوا قد نجوا من الموت”.

وتقول العائلات أيضا إن عملية الإنقاذ كان يجب أن تكون أسرع لأن محطة الإطفاء والمستشفى المحلي يقعان على بعد بضع مئات من الأمتار من المبنى.

وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الحريق اندلع في حوالي الساعة 7:49 مساء بالتوقيت المحلي يوم الخميس، وتم إخماده بعد ثلاث ساعات تقريبا في حوالي الساعة 10:35 مساء.

وتظهر مقاطع الفيديو سيارة الإطفاء وهي توجه تيارا من المياه نحو المبنى، لكنها بعيدة جدا عن الوصول إلى الحريق – على ما يبدو بسبب قيود الإغلاق على مستوى الشارع.

واعترف مسؤول محلي في أورومتشي بأن سيارة الإطفاء لم تستطع الاقتراب بما فيه الكفاية من المبنى، لكنه قال إن هذا يرجع إلى أن “الطريق المؤدي إلى المبنى كان مشغولا بمركبات أخرى”.

رجال الإطفاء يرشون الماء على حريق في مبنى سكني في أورومتشي، شينجيانغ، الصين، في 30 ربيع الثاني 1444هـ (24 نوفمبر 2022م)

وقالت شارابات، التي كانت والدتها وأشقاؤها في الطابق 19، إن عائلتها استسلمت للدخان السام. وأضافت: “بدأ الحريق من الطابق 15، وسمم أفراد عائلتي من الدخان”،”لم توقف الحكومة الحريق في الوقت المناسب”.

وتعتقد شارابات وآخرون أيضا أن الأصل العرقي للضحايا لعب دورا في وفاتهم. في حين استخدمت الصين استراتيجيات إغلاق مماثلة في أجزاء أخرى من البلاد – مع انتشار مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر أشخاصا محبوسين في منازلهم بواسطة قضبان ملحومة وأسلاك معدنية – فإنهم يشعرون أن الإغلاق في أورومتشي كان شديدا بشكل غير عادي. ويعتقدون أيضا أنه لو لم يكن الحريق في حي الإيغور لكانت جهود الإنقاذ أسرع.

لقد تمت تغطية الحريق في شينجيانغ في وسائل الإعلام الحكومية وانتشرت مقاطع الفيديو أيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غلب عليها جزئيا عدم الارتياح بشأن قيود كوفيد.

أرسلت “سي إن إن” طلبا مفصلا إلى السلطات الصينية تسأل عما إذا كانت تدابير وسياسات كورونا تجاه الأقليات العرقية مسؤولة عما حدث. ولم يصدر أي رد على ذلك.

إذا عدنا الآن، سنكون في السجن

لم تؤجج الوفيات في أورومتشي الاحتجاجات في مدن البر الرئيسي الصيني فحسب، بل أدت أيضا إلى موجة من الغضب من عائلات الإيغور الذين يقولون إنهم يعانون في ظل سياسات الصين لسنوات.

ورغم إثبات التقارير التي تتسرب في كل مرة على أن الصين تقوم بإبادة عرقية مكتملة الأركان لإنهاء وجود الإيغور إلا أن الصين تنفي ذلك وتصر على أن معسكرات الاعتقال، مهنية ومصممة لمحاربة التطرف الديني.

لكن “سي إن إن” تحدثت إلى العشرات من الإيغور والأقليات الأخرى على مدى السنوات الخمس الماضية، إلى جانب ضابط شرطة صيني سابق تحول إلى مبلغ عن المخالفات. تضمنت تقاريرهم عن المعسكرات في شينجيانغ التعذيب والعنف الجنسي والتلقين العقائدي.

وأفادت عائلاتهم التي تركت في المنزل بأنها تعرضت للفصل القسري بين الأسر، ومراقبة اتصالاتها مع أقاربها في الخارج، ووضع المسؤولين كـ “أقارب” في منازلهم لمراقبة سلوكهم.

ووجد تحقيق سابق أجرته شبكة “سي إن إن” أن الناس كانوا يرسلون إلى المعتقلات بسبب “جرائم” مفترضة مثل إنجاب الكثير من الأطفال أو إظهار علامات تدل على كونهم مسلمين مثل عدم شرب الخمر أو وجود لحية طويلة.

يعتقد الأخوان شارابات ومحمد أن سبب عدم وجود والدهما وشقيقهما في المنزل عندما اندلع الحريق هو أنهما موجودان حاليا في أحد المعتقلات.

وطلبت “سي إن إن” من الحكومة الصينية تفاصيل عن مكان وجود الرجلين.

لا تشعر شارابات ولا محمد بالأمان للسفر إلى بلادهم، خوفا من أن يتم اعتقالهما أيضا. عندما غادروا شينجيانغ في أوائل عام 1439هـ (2017م)، لم يكن أصغر أشقائهم الستة نهدية، 5 سنوات، الذي توفي في الحريق، قد ولد بعد.

وقال محمد (البالغ من العمر 22 عاما): “نريد حضور جنازة أفراد عائلتنا، لكن إذا عدنا الآن، فإن الصين ستضعنا في السجن أو حتى تعذبنا”.

فات الأوان للتضامن؟

في نفس الوقت الذي تم فيه قمع الإيغور، انتقلت أعداد كبيرة من عرقية الهان – التي تمثل الغالبية العظمى من سكان البر الرئيسي الصيني – إلى شينجيانغ، وشجعتهم السياسات الحكومية (الصينية) المغرية على الانتقال إلى هناك كونها توفر لهم فرصا تجارية وإسكانا ميسور التكلفة وسياسات ضريبية مواتية.

وقد أدى ذلك إلى تأجيج التوترات العرقية التي تفاقمت بسبب تصور العديد من الإيغور بأن مجتمعات الهان الصينية قد استفادت من محنتهم.

متظاهرون في شنغهاي يوم السبت، 26 نوفمبر، يحتجون على إجراءات الصين “صفر كوفيد”.

وزعمت بكين أن الاستراتيجية الاقتصادية في شينجيانغ مصممة لتعزيز التخفيف من حدة الفقر في أفقر جزء من الصين.

في (سبتمبر 2021م)، قال الزعيم الصيني شي جين بينغ إن السياسات في المنطقة “صحيحة تماما” و “يجب الالتزام بها على المدى الطويل” ، مضيفا أن “الشعور بالكسب والسعادة والأمن” بين جميع المجموعات العرقية قد زاد.

بعد الحريق في أورومتشي، شارك الصينيون الهان من جميع أنحاء البلاد في الوقفات الاحتجاجية التي أقيمت من أجل الضحايا. ولكن بالنسبة للعديد من أفراد السكان الإيغور، الذين أصيبوا بصدمة بسبب سنوات من الوحشية والقمع، كان هذا عرضا للتضامن الذي جاء قليلا جدا ومتأخرا جدا.

وقال عبد الحفيظ: “لا أعتقد أن الشعب الصيني يحتج من أجلنا”، “إنهم يفعلون ذلك من أجل مصالحهم الخاصة”.

وقال أيضا: “منذ 2016، احتجز ملايين الأشخاص في معسكرات. في ذلك الوقت، لم يقفوا، ولم يساعدوا، بل أنكروا حقيقة وجود ذلك”.

الموت بردا

يأتي هذا الموت المفجع حرقا للإيغور في حصار تحت يد سلطات بكين، بعد انتشار تسجيلات وصور لعملية حصار وقتل بالتجويع للإيغور في مناطق أخرى، حيث أبيد الإيغور جوعا بعد حصار الصين لهم في منازلهم لمنعهم من الخروج لشراء الطعام وحتى منع أي مساعدة من الوصول إليهم، كما تم تغطيته في مقالة بعنوان: الصين: إبادة للإيغور المسلمين بالتجويع

وبعد الموت جوعا وحرقا يقتل الإيغور أيضا بردا، ففي مدينة ألتاي بتركستان الشرقية، انخفضت درجة الحرارة إلى -48.6 درجة مئوية وتجمد 7 أشخاص حتى الموت بسبب سياسة العزل الإجباري التي تنفذها الصين منذ 4 أشهر.

وبحسب مصادر إخبارية صينية، أصدرت سلطات مدينة ألتاي بيانا يوم 28 نوفمبر، جاء فيه أن 7 أشخاص يعملون في موقع بناء في المدينة تجمدوا حتى الموت بسبب البرد القارس.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل العديد من المنشورات التي تكشف سياسة القتل المتعمد للإيغور بالبرد بحجة مكافحة كورونا، حيث انتشرت صور معسكرات بالخيام للإيغور تحت الثلج، في ظروف قاسية جدا، ولا يمكن التأكد من حجم الضرر الذي نال من سكان هذه الخيام إلى الآن، ولذلك خرج الإيغور وبينهم صينيون غاضبون في الاحتجاجات الأخيرة يهتفون “ألغوا الحجر الصحي”.

https://twitter.com/Turkestan20/status/1596051749197881344

ولا تزال الصين مستمرة في طغيانها ولا يتعدى التنديد الدولي ردودا سطحية، لا تقدم ولا تؤخر في قرارات الدولة الكبرى التي تملك حق الفيتو في منظمة ما يسمى “الأمم المتحدة” وتملك طموحات سيادية في العالم.

_________________________________________

المعلومات الواردة في هذا المقال، ترجمة لمقال على شبكة سي إن إن بعنوان:

‘I hold China accountable’: Uyghur families demand answers over fire that triggered protests

ورصد لحسابات الناشطين الإيغور على مواقع التواصل.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x