(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ): تصحيح مفاهيم

قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لو كان الدِّين بالرَّأيِ لكان أسفل الخفِّ أولى بالمسح مِن أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه” (حديث صحيح).

وفي زماننا انتشرت اعتراضات النساء بشكل كبير على الأحكام الشرعية بصيغة (لماذا!) وهذا أمر لابد أن يبدأ علاجه من تصحيح العقيدة. 

ولعل أكثر ما يغيب عن أذهان الناس بشكل عام، القاعدة العظيمة التي يجهلها المترددون في هذا الدين، ممن أخذوه بحذر وتطفيف وبدون معرفة بقدر الله جل جلاله، وهو أن الفتوحات تبدأ مع صدق الإقبال، فإن كان الإقبال بخيلا حذرا مضطربا متلجلجا، فإن الله يوكل العبد إلى نفسه، وإن كان من قبيل (خذ الكتاب بقوة)! تكون بركاته البصيرة والمعية والتوفيق.

ومن أمثلة ذلك في واقعنا، حين تحدث الرجل عن ضرورة الكفّ عن الربا أو تحدث المرأة عن ضرورة طاعة الزوج، سيحشد لك كل منهما ألف احتمال وتبرير لتهميش أمر الله ثم ما تلبث أن تنقلب حياة كل منهما لتعاسة وتعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى، في حين لو كانت الاستجابة سريعة لأبهرتهما معية الله وفتوحاته ولعاين كل منهما بنفسه، كم من الهموم سيكفيهم الله لصدقهما.

وسنجد أن أغلب أسباب فقد روح السعادة في البيت والأسرة، إنما يرجع لذلك التردد في أخذ الكتاب بقوة، في ذلك البخل على النفس وتقديم الدنيا على الآخرة والركون لهوى النفس ومدار ذلك كله (وما قدروا الله حق قدره) لذلك فإن عملية الإصلاح يجب أن تبدأ من معرفة الله جل جلاله ومن ترسيخ التوحيد والإيمان.

لو تأملت سير الصحابة لرأيت أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الأسبق في تصديق النبي صلى الله عليه، والأسبق في الاستجابة لأمره، والأسبق لأخذ هذا الدين بقوة لا تعرف وهنا أو ضعفا حتى في أحلك الظروف، كان يقينه عظيما وكذلك حال كل الصحابة رضي الله عنهم. واقتداء بهم وبسيرهم الجليلة، تبقى الاستجابة لأمر الله بلا تسويف ولا تردد هي الحل الأول لتصحيح مسارنا وحل مشاكلنا وتغيير حالنا إلى الأفضل.

فأكبر نقاط ضعفنا هي في ضعف العقيدة، وبتهميش مكانة العقيدة في حياننا، وحين تكون العقيدة ضعيفة يكثر الاعتراض، ولذلك نرى المرأة تسمع آية الحجاب فتتردد وتحسب ألف احتمال وتقدم وتؤخر .. وهي تتساءل هل أتحجب! وكأن الأمر بحاجة لكثير سؤال، وقد تستمر سنينا وهي في حالتها هذه أو تعترض بلا مبالاة! ثم تتساءل بعد ذلك لماذا أفتقد التوفيق في حياتي لماذا لا أشعر بالسعادة، وكذلك كل أحوالنا مع أوامر الله ونواهيه وفروض الدين. قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (طه: 124) 

فيا أيتها المرأة التي تخاف أن تطيع زوجها بحجة “قد يظلمها” ويا أيها الرجل الذي يخاف أن يعاشر بالمعروف بحجة “قد تطغى”، والله لو استقمتما كما أمر الله لأبدلكما خيرا كثيرا ولعوضكما خيرا كثيرا مهما كان مصابكما كبيرا ولنصركما نصرا عزيزا، ولكنه سوء الظن بالله العلي العظيم. وما الطاعة إلا حسن الظن.

قال رسول الله ﷺ: “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” رواه الترمذي. ولو أننا توكلنا على الله في كل أمورنا في كل خطوات حياتنا لما نالنا إلا الخير حتى في الابتلاءات لكانت معية الله لنا أعظم عزاء لكن الإنسان يطغى ويقدم الدنيا على الدين فيشقى.

قال تعالى (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ) (الحجر: 21)  وقال سبحانه (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 96)، وقال جل جلاله ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ) (الشورى: 47).

فيا أيها المسلم، أدّ حق الله قبل كل شيء تنال فضله.

وأما ما ينتشر من مفاهيم “تحقيق الذات” فاعلم أنها ليس الشهادة ولا الوظيفة ولا الرصيد البنكي الفاخر ولا إحصاء الأملاك، إنما “تحقيق الذات” هو معرفة الله جل جلاله، ثم معرفتك بنفسك، ثم معرفتك بالعالم الذي تعيش فيه، ثم السعي للاستعمال في سبيل الله لإقامة بنيان الإسلام في الأرض،لا يعجزك شيء لأنك تعلم أن الحياة كقارب يجري في اليمّ بالأسباب وتوفيق الله.

ولذلك تمشي أيها المسلم في هذه الحياة مجتهدا وصابرا ينبض قلبك يقينا، فلا تندم أبدا ومطلقا على أمر أديته طاعة لله ورسوله، مهما كان مكلفا بتبعات لم تعهدها، لأن الجزاء سيكون عظيما جدا لمن استجاب بصدق واحتسب.

إننا بحاجة لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي توارثتها الأجيال في حقبة الاستضعاف التي تعيشها الأمة، كل تلك المفاهيم التي أبعدتنا وفصلتنا عن الإيمان والمبادئ والقيم الإسلامية الجليلة.

فاللهم ردنا إليك ردا جميلا.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x