كيف نوفّق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الجدال والمراء؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لدي استشارة وهي:

كيف نوفّق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبنفس الوقت نترك الجدال والمراء؟ الأول واجب محمود والثاني إثم مذموم؛ و أحيانًا يبدأ الأمر بنصيحة صغيرة فينتهي بشجار كبير .. أتمنى أن تنصحوني، وجزاكم الله خيرا

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

حياكم الله وبارك بكم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة التي تقوم عليها خيرية هذه الأمة، قال الله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وقال الله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ..

وأما الجدال والمراء فمنهي عنه، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وقال الترمذي: حسن صحيح.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى يتحول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحالة الجدال؟
يحصل ذلك حين يرفض الطرف المقابل هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ومتى يحصل هذا الرفض؟
يحصل حين يكون لا يبصر الدليل والحجة والبرهان من القرآن والسنة، إما لاشتباه الأمر عليه وإما لكبر في نفسه وجهل وتعالم ..
أو حين يكون مبتلى ببدعة فيرد الحق بهوى نفسه .. أو بسوء تأويل أو بزلة عالم ..
أو حين يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يفتقد لقوة الحجة والدفاع عنها .. ولا يحسن الإبانة عن الحق والدفاع عنه. أو لصعف فيه يرافقه خلط وخطأ يفسد عليه دعوته ..
أو حين تتدخل الحظوظ النفسية وتتعقد الخلافات الشخصية أو تكون هناك خلفية تصادم أوغرت الصدور ومنعت التواضع للحق.

والأصل عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحسم! نقدم الدليل من القرآن والسنة وما كان عليه السلف، ثم الهدي (إنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

لذلك نصيحتي لك، الإعداد الراسخ القوي بالحجة والبينة والبرهان، قال ابن تيمية رحمه الله: “العلم شيئان: نقلٌ مصدق أو علمٌ محقق، وما سوى ذلك فهذيانٌ مسروق”. (الاستغاثة في الرد على البكري ص 410)

وتعلم فنون الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وتعلم الفوارق بينها وأساليب التأثير الأقوى معها.
ثم تعويد النفس على الحسم وعدم الانتصار للنفس، بعد إقامة الحجة، وبتعبير آخر تعويد النفس على التقوى! قال زيد بن أسلم : كان يُقال: من اتَّقى الله أحبه النَّاس وَإِن كَرهُوا. (الفوائد صـ 54) فالتقي يؤثر بتقواه …
ثم تنويع أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن بعض الأساليب أسرع طرقا للقلوب من غيرها ..
ثم الاستعانة بأهل الخبرة والعلم والفضل واستشارتهم لحسم المواقف أو التوجيه لأنسب التعاملات لنفع الناس وهدايتهم للحق .. فالعلم مراتب، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى :”وليس كل من وجد ‎العلم قدر على التعبير عنه، فالعلم شيء، وبيانه شيء آخر، والمناظرة عنه شيء ثالث، والجواب عن حُجَّة مخالفه شيءٌ رابع.” (جواب الاعتراضات المصرية صـ44) وهنا فائدة مهمة وواقعية.
ثم الاحتساب والاستعانة بالله تعالى ، فهذه سبيل لها تكاليفها التي قد تصل للأذى الشديد وربما الفتنة، فيجب الاستعداد لذلك بالعبادات القلبية وجميع الطاعات والقربات وملازمة القرآن والأذكار والاستعانة بالله العلي العظيم.

ومما يجب التنبيه عليه، أن إقامة شعائر الإسلام والاستقامة كما أمر الله تعالى قضية فتوحات والمؤمن يبذل الأسباب لأجل تحقيق القبول والتوفيق ومعية الله عز وجل وبداية كل ذلك من محبة الله تعالى وإقامة النفس على الأسباب الموجبة لها. والسعي للرسوخ في العلم ..

قال المعلمي رحمه الله:

“الرُّسوخ في العِلْم أمرٌ خفيٌّ، ليس هو كثرة العِلْم، فكم مِن رجلٍ كثير العِلْم ليس براسخٍ، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176]
وقال عزَّ وجلَّ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].
وفي الحديث: “إنَّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلُّ منافقٍ عليم اللِّسان” .
وقال الحسن البصري: “العِلْم عِلْمان: فعِلْمٌ في القلب، فذلك العِلم النَّافع، وعلمٌ على اللِّسان، فذلك حُجَّة الله على ابن آدم”. “سنن الدارمي”.
والأحاديث والآثار في هذا كثيرة”. من رسالته حقيقة التأويل.

وأول ما يوجبه الرسوخ في العلم بعد الخشية .. صفة الحلم.
وهي بمعنى الأناة وضبط النفس، وهي صفة يحبها الله تعالى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس المنذر: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة» (صحيح مسلم). وهي من أهم صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والناصح لله والداعية ..

ثم إخلاص النية لله تعالى ونصرة الحق، قال الشافعي رحمه الله:”ما كلَّمت أحداً قطُّ إلا أحببت أن يوفَّق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما كلمت أحداً قطُّ إلا ولم أبال بيَّن الله الحقَّ على لساني أو لسانِه”، الفقيه والمتفقه (2/49)

وفي الختام هذه معالم تعين على ضبط المسألة، أسأل الله أن ينفعكم بها، ويوفقكم ويفتح عليكم ويجنبكم الفتن ما ظهر منها وما بطن ويستعملكم في كل أبواب الخير ..

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
مريم أحمد

جزاكم الله خيرا
بالأمس تعرفت على تلك الصفحة القيمة جزاك الله عنا خيرا وقمت بتحميل الكتب وبدأت في قراءة كتاب يا أيها الذين آمنوا ووجدت أنه رائع كنت أبحث عن كتاب يسير يقربني من القرآن … محتوى وتنظيم و تصميم أكثر من رائع بارك الله في هذه الجهود🤍🤍🤍🤍🤍🤍

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x