كيف نتخلص من الخوف من الآخرين وكيف نرزق خشيه الله ؟

سؤال: كيف نتخلص من الخوف من الآخرين وكيف نرزق خشيه الله ؟

حياك الله وبارك بك،
عند الحديث عن الخوف، أول ما استحضره، حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: (يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

فحري بكل مسلم ومسلمة أن يحفظ هذه الكلمات وأن يستحضرها عند كل خطرة خوف وموقف خوف وإشاعة خوف!

والخوف حالة نفسية وجسدية تنتاب الإنسان عند توقع مكروه قد تراءى سببه، حقيقيا كان أو وهميا. فيكون أول أعراضه انعاكس الضعف على النفس والجسد والانكماش والاضطراب والتراجع ويصل الأمر إلى الجبن. وقد يختلف الناس في طريقة التعبير عن خوفهم، وبحسب حالات خوفهم، فمنهم من يمرض مرضا جسديا واضحا ومنهم من ينهار ومنهم من يبكي! كما أن هناك من يخاف على الرزق، ومن يخاف من المستقبل، ومن يخاف من إنسان وهكذا، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.

وأسوأ حالات الخوف وأخطرها، تكون حين الانفكاك عن تعظيم الله جل جلاله فيوكل المرء إلى نفسه!

والخوف من حيث اللغة، يدل على الذعر والفزع؛ يقال: خفت الشيء خوفاً، وخيفة، ومخافة: إذا توقع حلول مكروه، أو فوت محبوب. ويقال: خافه على كذا، وخاف منه، وخاف عليه، فهو خائف. ويقال: تخوَّف الشيء: تنقَّصَه. وتخوَّف فلاناً حقه: تنقَّصَه حقه.

ومنبع شعور الخوف الذي يملك جوارح الإنسان ورؤاه، هو القلب، وأول ما يجب ترسيخه في هذا القلب هو أن الأمر كله بمشيئة الله جل جلاله، قال تعالى ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 51)

وترسيخ هذا الاعتقاد يبدأ بالمواظبة على الصلاة وخاصة صلاة الفجر، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فيدركه، فيكبه في نار جهنم”.

ومن كان في ذمة الله تعالى لا يضره شيء ومن واظب على أذكار الصباح والمساء والتي لا أزال أشدد على أن الالتزام بها بحزم واجب لا يقبل المساومة أو الاستهانة، وإن فاتت المسلم في أوقاتها، فليستدركها تماما كما يستدرك الصلاة التي تفوته. ثم الحفاظ على الأدعية من السنة.

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول:” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (البخاري).

فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المنغصات التي تفسد على المسلم حياته.

وبعد ترسيخ هذا الوعي بحقيقة أن كل ما يصيبنا من الله جل جلاله وأن الله لا يكتب إلا الخير لعباده، كلما شعر المسلم بالخوف، عليه أن لا يستسلم له، ويجاهده ويدفعه باستذكار الآيات والأحاديث. وأنصح بشدة بأذكار الكرب والهم والحزن، فهذه الأذكار تأثيرها عظيم في النفس والظرف! وهي في الهدي القرآني (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، وكل القرآن عظيم في صناعة الأمان للنفس، وخاصة آيات السكينة.

يقول ابن القيم رحمه الله في شرح منزلة ” السكينة ” من منازل السالكين إلى الله :

” هذه المنزلة من منازل المواهب ، لا من منازل المكاسب ، وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع :

الأولى : قوله تعالى : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/248.

الثاني : قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) التوبة/26.

الثالث : قوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) التوبة/40.

الرابع : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) الفتح/4.

الخامس : قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح/18.

السادس : قوله تعالى : ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) الفتح/26.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور : قرأ آيات السكينة . وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها ، من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة ، قال : فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي : اقرأوا آيات السكينة ، قال : ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي قَلَبَة .

وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه ، فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته .

وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف ، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ، ويوجب له زيادة الإيمان ، وقوة اليقين ، والثبات ، ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة ، إذ هو وصاحبه في الغار ، والعدو فوق رءوسهم ، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما ، وكيوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار لا يلوي أحد منهم على أحد ، وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم ، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس ، وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها ، وهو عمر ، حتى ثبته الله بالصدِّيق رضي الله عنه .

وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : رأيت النبي ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلدة بطنه وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا … وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا … وإن أرادوا فتنة أبينا

وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدمة : إني باعث نبيا أميا ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوال للخنا ، أسدده لكل جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، ثم أجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ” انتهى باختصار من ” مدارج السالكين ” (2/502-504)

ومما يعينك على دفع الخوف عن القلب، عبادة التوكل، فلا حول ولا قوة لنا إلا به سبحانه، وحين يقع الكرب، يبقى أن نفوض الأمر كاملا لله جل جلاله، فهو يدبر الأمر ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أجمل مثل وقدوة، وفي سير الصحابة رضي الله عنهم ذخائر صبر وتوكل.

قال الله تعالى ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ (آل عمران: 173،174).

حسبنا الله ونعم الوكيل، ليست مجرد كلمات وليست مجرد عبارة، إنها يقين! كلمة قالها الأنبياء وأوصى الله جل جلاله بها في القرآن! سواء تمكنت من جمع الأسباب أو تقطعت بك الأسباب، يبقى التوكل ملاذ المؤمن.

فالله تعالى مولاك، نعم المولى ونعم الوكيل والنصير.

قال ابن القيم رحمه الله كلاما مهيبا في باب توكيل الله تعالى الأمر كله في الفوائد:” من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم، وعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه لنفسه، وأبر به منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه، وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قوي قاهر له يتصرف في عبده بكل ما يشاء، وليس للعبد التصرف بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمّل كله وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها، فتولاها دونه وأراه لطفه وبره وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.

وإن أبى إلا تدبيره لنفسه, واختياره لها, واهتمامه بحظه, دون حق ربه, خلاّه وما اختاره, وولاه ما تولى, فحضره الهمُّ, والغمُّ, والحزنُ, والنكدُ, والخوف, والتعب, وكسفُ البال, وسوءُ الحال, فلا قلب يصفو, ولا عمل يزكو, ولا أمل يحصل, ولا راحة يفوز بها ولا لذة يتهنأ بها بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه”. انتهى.

ومن من سلم أمره لله استراح من الهموم والغموم. ومن بث إلى الله شكواه وحزنه وضعفه، فسيجد في المقابل رحمته ولطفه!

صناعة الخوف

ولا بد من التنبيه إلى أننا نعيش في عالم محتدم، الصراع فيه مشتد، وتخويف الناس وسيلة من وسائل الحرب، فقد عملت الآلة الإعلامية على ضخ كل ما يصنع الجبن والخوف والركون للدنيا، ووظفت الروايات والقصص والأحداث لتعميق شعور الخوف الذي يصنع الجبن في المسلمين. فيخاف المرء أن يخسر لقمة عيشه أن يخسر أي شيء حوله، قد اعتادت نفسه على الأسباب ونسي رب الأسباب!

إنهم يوظفون الخوف بوسائل ناعمة حتى يعيش المرء وهو مرعوب من كل فكرة خارجة عن نطاق المعهود، ومن كل شيء يختلف في حياته! ويشعر أنه متعلق بما في هذه الحياة من تفاصيل اعتاد عليها وأنه بدونها هالك! وينفصل عن عبادة الله جل جلاله وتعظيم ربه سبحانه وينسى الغاية من وجوده أساسا، لأنه تحول لعبد ضعيف مستهلك ينهار لفقد كماليات لا عبد قوي مؤمن يصنع من التراب حضارة! وذلك لأنهم أدركوا أن الخوف هادم للهمة ومجهض لفرص انبعاث الأمة!

ونحن في الواقع يجب أن نولد مناعة لمواجهة “صناعة الخوف” التي يصنعها النظام الدولي الكافر، ولا يمكننا توليد هذه المناعة بدون الارتباط الوثيق بالقرآن والسنة وبدون التمسك الشديد بمعاني القرآن والتسليم الكامل أن الله جل جلاله بيده الأمر كله، وأن من توكل عليه فهو حسبه. لا يمكننا ذلك دون التزود بسير السلف الصالح وأبطال هذه الأمة عبر التاريخ. بوضع أنفسنا في حديقتنا التي نزهر فيها ونزدهر.

وأرى من أسباب التصدي لهذه الصناعة الهدامة لعوامل الانبعاث في الأمم، النأي بالنفس عن مداخلها ومواردها، ومقاطعة مصادرها، كقراءات ومشاهدات ودعاة وأيقونات أو صحبة، فكل ما يصنع في النفس الخوف والتعلق بغير الله تعالى والخشية من الناس، يبتعد عنه الإنسان العاقل ويبحث في أسباب قوته فيتزود بآيات الذكر الحكيم، ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم المهيبة ويقترب ممن يتزودون بهذا الخير والهدي ويقتدون به ويدعون إليه. ولا يخشى شيئا.

وكلما ارتفع حديث البطولة في الأمة، وارتفعت معاني الإباء، أمن الناس! وكانوا أكثر شجاعة وقدرة على الصمود ومواجهة الأزمات.

كلما ارتفعت كلمات اليقين والتوكل والصبر والتجلد وحسن ظن بالله العلي العظيم، كانت النتائج صفوفا قوية متينة، موقنة بوعد الله الحق.

 والتذكرة بأن هناك بعد إيماني يتم إهماله دائما، فالرزق مكتوب والأجل مكتوب فعلام يخشى الناس ويبخلون على أنفسهم!

قال الله تعالى (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 175)

قال السعدي:”بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله”.

وفي الواقع كلما ترسخت معاني التوحيد المهيبة في النفس قويت واستقر الخوف من الله تعالى في القلب والجوارح والأعمال، فينهار كل خوف من سواه جل جلاله. فانشروا معاني التوحيد، ذكروا بعظمته وعلموا الناس مقتضياته. فإنه حبل نجاتهم الوحيد.

عوامل أخرى مهمة

قد يكون الخوف من أعراض الرهاب الاجتماعي، وقد يكون من مخلفات التربية السيئة في الطفولة، أو تاريخ مؤذٍ وعدواني، وهذا يتطلب صبرا على علاجه، وبرنامجا يوميا من الطاعات والتزود بالفقه والعلم النافع، لتصحيح المفاهيم واستدراك ما فات، ثم صحبة صالحة تبعث الأمان في القلب تحسن الإنصات والعلاج.  يرافقه تعداد نعم الله تعالى على العبد، ومحاسنه، والاحتكام للقرآن والسنة ومقياس الإسلام لا مقاييس الدنيا البالية مهما تمسك بها الناس. وأنصح بالموازاة مع رياضة القلب والعقل، رياضة الجسد فإن فيها أثرا لا يخفى.

ومن ثبت على التوحيد والسنة، فلا يخشى ضعفا ولا اضطرابا.

عن الخوف من العدو

وهنا مقام عظيم يصنعه الإيمان في مواجهة العدى، والطغيان، وجب الحديث عنه في حديثنا عن الخوف.

وقد ورد الخوف من العدو، في القرآن في قوله تعالى  ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف﴾ (البقرة:155)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني خوف العدو. نظيره قوله تبارك وتعالى ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾(قريش:4)، قال مجاهد: آمنهم من كل عدو في حرمهم.
وورد في قوله تعالى ﴿فإذا جاء الخوف ﴾ (الأحزاب:19)، أي: إذا حضر البأس، وجاء القتال خافوا الهلاك والقتل. نظيره في الآية نفسها قوله تعالى ﴿فإذا ذهب الخوف﴾ (الأحزاب:19)، أي: إذا انقطعت الحرب واطمأنوا، سلطوا ألسنتهم عليكم.

وفي الوقت نفسه تأتي الآيات لتطمئن القلوب المؤمنة، قال الله تعالى ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ (البقرة: 150) وقوله ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 3)

وقوله تعالى يقول الله عز وجل ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (الزمر: 36)

وقال الله عز وجل ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ (آل عمران: 173، 174).

وقال سبحانه: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ (إبراهيم: 11، 12).

فأي عظمة يقين وثبات يصنعها القرآن والذكر في قلب المسلم، ومن هجر القرآن فلا يلومن إلا نفسه!

كيف نرزق الخشية من الله تعالى

إن أول ما يجب أن يحرص عليه المسلم هو معرفة ربه سبحانه بأسمائه وصفاته، ومعرفة التوحيد ومقتضياته، ويتدبر في آيات العذاب وآيات الرحمة، في خلق الله تعالى في كل مشهد ومنظر.

عليه أن يقيم نفسه على تعظيم شعائر الله وإن غفلت الناس عنها، على التدبر في ما يجري حوله والتأمل في خواتيم الناس، في قصصهم وسيرهم سيبصر حتما عظمة الله تعالى. فإن وقر في القلب تعظيم الله فهناك قد استقرت الخشية.

ولابد من نصاب من العلم لأن العلم هو الذي يزيد من الخشية في القلب ويقويها.

ومن قرأ المشاهد بعقيدة التوحيد ومنهج السنة، استقوت خلاصاته ورؤاه واستقر اليقين في قلبه لزاما!

قال الله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ( الأنفال: 2) . قال الطبري رحمه الله في تفسيره: ” ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك إتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه” .

فحقيقة الصدق مع الله ليست في كمّ العبادات التي يؤديها المرء، ولا النوافل والقربات، إنما هي حقيقة تعظيم الله جل جلاله بالقلب، إنها ما وقر في قلب المؤمن من تعظيم ربه سبحانه وبذلك تتباين قلوب العباد.

فالخشية تمنع العبد من تعدي حدود الله، ومن الظلم ومن البخس ومن كل ما حط! وأما من يظلم الناس وإن أدى عباداته فإنه ضعيف الخشية. وهذا مقياس مهم!

والأسباب الموجبة للخشية، تبدأ من تحري الصدق بشدة، والأمانة بشدة، والإخلاص، ثم التدبر في خلق الله وفي آياته وصحبة الملهمين الذي يذكروننا بالله تعالى والابتعاد التام عمن يسخر من دين الله وآياته من يستهين بأمر الله تعالى ويتهاون في طاعته ويتعدى حدوده، عن الداعية المبتدع وعالم السوء، والنأي بالنفس عن مجامع الظلم والظالمين والرقي بها لمواطن السجود والنصرة لدين الله تعالى.

كلمة أخيرة،

أقول في زماننا، زمان الوهن، وحب الدنيا، زمان الغفلة والتعلق بما يفنى، زمان الضعف، وهشاشة النفس، لا بد من أخذ الأسباب لصناعة القوة في القلوب والجوراح، في الأعمال والأفكار، لأننا مقبلون ولا شك على مرحلة حرجة في حياة الأمة، إننا مقبلون على عصر الريادة والانبعاث من جديد، طال الزمن أو قصر، وهذا العصر يتطلب إعدادا مسبقا من كل مسلم ومسلمة لأنه حين يحين، لا يثبت فيه إلا أصحاب القلوب المستعدة لتحمل أمانة الدين!

لذلك فلا مكان للخوف ليعرقل علينا عملية الإعداد والاستعداد للانبعاث من جديد، بل لا بد أن نستحضر في كل خطرة خوف، أن الله أجل وأعظم، وأن الله مولانا ومن يتوكل عليه ويستعن به ويعمل في سبيله، فسيهديه سبله، إنه القوي العزيز!

فقدم لنفسك أيها المسلم أيتها المسلمة ما يجعلك أشد تعلقا بالله تعالى، أشد رغبة في الآخرة، أشد زهدا وقناعة، فكلما استقوت هذه المعاني في قلبك لم يعد هناك ما تخافه، فالموت قدر كل حيّ والأيام دول فلا شيء يدوم، والابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات يقابله، الصبر والتوكل على الله ويوجب ذلك الهداية والتوفيق الرباني، والمؤمن يعلم أنه عابر سبيل في هذه الأرض يبذل لمنازل الخالدين وشغله الشاغل شرف الخاتمة!

وكل شيء يهون لأجل شرف هذه الخاتمة، كل ابتلاء وفقد ونقص وغدر وهم وغم! كله يهون لأجل تلك اللحظة التي نلقى الله تعالى راضٍ عنا! فبقدر ما تقدم .. تنال .. وبقدر ما تؤمن .. توقن، وبقد ما تعد .. تنتصر.

هذا ما تيسر على عجالة، فاللهم أمّن قلوبنا وقوّنا، وثبّت أقدامنا وانصرنا على كل عدو.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x