كيف أتخلص من إدمان الأغاني والمعازف؟

ألقى الله في قلبك السلام والطمأنينة، معلمتنا هل لكِ أن تعطينا نصيحة، لمن وقعوا في إدمان سماع الأغاني، نتوب ونرجع وعلى هذه الحال، فكوني لنا ناصحة، أثابك الله.

حياكم الله وأحسن إليكم،

إدمان سماع الأغاني والمعازف يصنعه أمران:

الأول: الاستهانة بحقيقة أنها معصية والتهوين منها.

الثاني: عدم وجود بديل يحل محل هذه الأغاني فيضعف المرء لها ويقع في شباكها من جديد.

ولحل مشكلة الإدمان، لا بد أن يدرك كل مسلم ومسلمة أن المؤمن لا يمكن أن يجتمع في قلبه حب القرآن وحب الأغاني والمعازف أو الموسيقى، فهما متضادان لا بد أن يطرد أحدهما الآخر، بحسب تمكنه من القلب، وكل من استقام في سبيل المؤمنين يؤكد على أن أقدامه لم تثبت في هذه السبيل حتى هجر سماع المعازف والموسيقى والأغاني.

ثم إن الإجماع على تحريم المعازف وآلات الموسيقى ـ سوى الدف ـ مشهور بين أهل العلم فقد نقله الطبري، وابن رجب الحنبلي، وابن القيم، وغيرهم، وحين نرجع لقول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان: 6]، وننظر في تفسيرها عند السلف الصالح، لا نتردد في الترفع عن الغناء وهجره، قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: “قال ابن مسعود في قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال: هو والله الغناء”.

وقال مجاهد: في تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) [الإسراء:64]، قال: “باللهو والغناء”. يقصد رحمه الله الغناء المصحوب بآلات العزف.

وكل مسلم ومسلمة إذا وقف عند حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخمر، والحر، والحرير، والمعازف” أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، فهو صحيح.
يدرك أن استحلال المعازف يعني أنها كانت بالفعل محرمة، فكيف يرضى لنفسه أن يكون من هذه الشريحة التي يخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعصي الله تعالى في آخر الزمان!

بل وحتى من الناحية العلمية والدراسات الحديثة فإن أكثر الناس عرضة للاكتئاب والمشاكل النفسية والاضطرابات هم أكثرهم تعلقا بسماع هذه المعازف والموسيقى والأغاني، وبهذا لا مكسب ديني ولا دنيوي من الاستمرار على إدمانها بل عقبة وقيد في يدي المسلم والمسلمة.

ثم يكفي النظر في فرق المبتدعة كالصوفية الذين يتراقصون على أنغامها كالسكارى، ليترفع المرء عنها فهناك مروءة وشرف للمؤمن لا يرى لنفسه المهانة. ولا يليق به إلا حسن الاتباع والطاعة لله جل جلاله.

وبالتجربة كل من هجر هذه المعازف والأغاني وجد راحة نفسية وبركة في وقته وجهده وفتح الله عليه بحسب اجتهاده، ولا يختلف عاقلان في أنها عقبة أمام المسابق، وأن كسر أغلالها أول التحليق!

قيد يجب كسره

قال ابن القيم رحمه الله : “إنك لا تجد أحداً غُني بالغناء، وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، وهو الزور واللغو: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً)، قال محمد بن الحنفية: الزور هنا الغناء، والزور يقال على الكلام الباطل، وعلى العمل الباطل، والمحل، وهو مُنبت النفاق: قال ابن مسعود: “الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع”.

وقال ابن القيم مفسرا ذلك: “وسر المسألة أنه قرآن الشيطان كما سيأتي فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبداً، وأيضاً: فإن أساس النفاق: أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين: إما أن يهتك فيكون فاجراً، أو يظهر النسك فيكون منافقاً، وأيضاً: فإن الإيمان قول وعمل: قول بالحق وعمل بالطاعة، وهذا ينبت على الذكر وتلاوة القرآن، والنفاق قول الباطل وعمل الغي، وهذا ينبت على الغناء. وأيضاً فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام للصلاة، ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه. وأيضاً: فإن النفاق مؤسس على الكذب، والغناء من أكذب الشعر، فإنه يُحسن القبيح ويزينه ويأمر به، ويُقبح الحسن ويزهّد فيه وذلك عين النفاق. وهو صوت الشيطان وقرآنه: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك)، قال مجاهد: “وصوته: الغناء والباطل”.

البديل

الآن إذا رسخنا هذا الفهم يمكننا الانتقال للنقطة الثانية، وهي كيف نتخلص من إدمان هذه الأغاني والمعازف، وإن كنت أكاد أجزم، أن كل مسلم ومسلمة ما أن يستقر في قلبه التحريم لأمر نهى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه إلا وأبغضه ونفر منه. ولكننا في زمن فتن عظيمة لذلك وجب سد الفراغ، واستذكار أن القلب إن لم تشغله بالحق شغله الباطل.

البديل الأول: هو القرآن الكريم، الإنصات لتلاوات خاشعة بشكل يومي يذهب ذلك التعلق بمعازف لا فائدة منها إلا إطالة الغفلة وعداد مفتوح للسيئات.

البديل الثاني: المنظومات الشعرية الأدبية والعلمية، فهي علم بحد ذاتها وتجمع الكثير من المواعظ والحكم بسرد محبب وإنشاد لا ترافقه موسيقى ولا إيقاع ولا معازف.

البديل الثالث: الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى والمعازف، وهذه الأناشيد المقصودة التي تكون هادفة وتربوية وتحريضية فصيحة، بحيث لا تحمل عبارات مخالفة عقديا أو أخلاقيا أو خادشة للحياء.

والتدرج في ذلك بمعنى، الاستماع للأناشيد لسد الاعتياد على الأغاني لا يعني الاستمرار عليها إلى الأبد، بل هي خطوة معينة للتخلص أولا من أغلال الأغاني والموسيقى ثم لا بد أن يكون الهدف هو القرآن الكريم، وكل ما فيه فائدة. لأن الإكثار من الأناشيد يشغل النفس أيضا عن كلام الله جل جلاله، والشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فلا يجب أيضا إدمان الأناشيد ولكننا نستعملها كقنطرة للتخلص من مستنقع هذه الأغاني والمعازف حتى نصل لبر الأمان والسكينة في رياض القرآن والعلم. ومن وصل لهذه المرحلة لن يرض لنفسه عودة للحرمان والفقد!

وقفة مهمة

ولا يفوتني في هذا المقام أن أشدد على نقطة قلما ينتبه لها شباب المسلمين أو لا يبصرونها بوضوح، إن زماننا ليس زمان دعة ورفاهية للمسلم والمسلمة، فبنيان الإسلام في الأرض حكما ومنهجا رائدا لم يستقر بعد، والهيمنة الغربية تحاصر عوامل الانبعاث في الأمة، وتنشر عوامل الهدم محلها، ومن هذه العوامل، شغل الشباب بالموسيقى والأغاني واللهو المحرم عن ميادين الجد وعلو الهمة، فتصنع الهشاشة النفسية فيهم والضعف وتدفعهم لمستنقعات الرذيلة والزنا، فيخسرون أنفسهم وأحلامهم وأجمل ما فيهم فيما يضرهم لا ينفعهم، فهو معلوم أن أول ما يزين الزنا في القلوب هو الغناء والموسيقى، وأنه لا يوجد مستنقع معصية أو رذيلة أو فساد في الأرض إلا رافقته الأغاني والموسيقى، وأنه ما من حملة تغريب وتفسيق وسلخ عن الدين إلا ابتدأت بالغناء والموسيقى فهو عامل مشترك في كل عمليات الحرب على الإسلام. وهذا ما يفسر الميزانيات الهائلة التي تخصصها بعض الحكومات والإدارات لشغل شباب المسلمين بكل منحط ودنيئ ومثير للشهوات ومفقد للوعي والعقل. وبهذا يتخلصون من قوة كامنة في الأمة، لو انشغلت بعلو الهمة، لكان لها الأثر العظيم في نهضتها وانبعاثها من جديد رائدة ومستقلة ومتحصنة.

وبدل أن يصبح قدوات هذه الأمة الصحابة والعلماء وأهل الفضل، يصبح القدوات لها، مغني تافه وراقص ماجن وفاسق وهلم جرا! وهذا يذكرنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان!

ولقد شاهدنا ذلك في زماننا للأسف، وأجيال تتربى على ذلك!

الثبات على جدول السعداء

هذا بشكل ملخص، الخطة التي يجب على كل مسلم ومسلمة اتباعها للتخلص من إحدى أكبر العقبات في طريقه إلى الله تعالى وبقدر الصدق يسهل الإنجاز، وفي الأثناء أشدد على أهمية الحفاظ على جدول السعداء: الصلاة في وقتها وأذكار الصباح والمساء في وقتها وإن فات المرء ذلك يستدركه فورا، سواء الصلاة أو الأذكار، وكذلك ورد ثابت من القرآن، وهنا نحن أمام حد أدنى من العبادات لا يجب أن ينزل عنه المسلم والمسلمة أبدا. والله مولاهما وناصرهما. وليبشرا بفتح الله عليهما إن صدقا،

فنور الله لا يهدى لعاص، ولكنه جنة الدنيا للموحد المستقيم كما أمره الله ربه. إياه نعبد وإياه نستعين ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم.

اللهم احفظ المسلمين والمسلمات من الفتن والمعاصي ما ظهر منها وما بطن، واشغلهم بما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x