على استقامة الإسلام لا طغيان “بوش”

هل يكفي أن نفتح منصات لطلب العلم ونجذب لها النساء والرجال وتتخرج منها الأفواج بشهادات علمية لنطمئن على الجيل! كلا، بل لابد من مراجعة جادة لما يتم صناعته في هذه المنصات، هل هو بالفعل دعاة للعلم أم الحزبية وتطويع العلم للمعارك الشخصية.

نصيحة للقائمين على هذه البرامج، اعتنوا بالأدب والغاية.

أرى أن استقطاب الناس لطلب العلم لوحده لا يكفي لا بد من النظر في أهلية هؤلاء المتقدمين لطلب العلم، لا بد من صناعة أدب لائق بطالب العلم ووضوح الرؤية من هدفه في هذه الرحلة، وإلا فنحن كمن يصنع أصناما صغيرة نقدم لها النصوص العلمية كوسيلة للهدم لا لإقامة الحق في الأرض.

رحم الله السابقين، لقد كان حفظ الكتاب مقدما على كل مرحلة طلب للعلم، وفي زماننا لا يكاد يحفظ جزء عمّ أو يفقهها ويجادل في قضايا يهابها كبار أهل العلم، إن إعطاء الفضل لمن ليس أهلا له، عملية صناعة للغرور والهدم ويجب الاستدراك وإقصاء من أظهر استهتارا بأمانة العلم وإعادته لحجمه الحقيقي.

نحن لسنا بحاجة لألقاب علمية بل للصدق والأمانة، للاستقامة للخشية لحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكل ما يصنع آثار العلم في المجتمع.

ووالله لو أن الطالب والطالبة انشغل كل منهما بحفظ كتاب الله ومدارسته والعناية بالسنة، لكان خيرا لهما من كل برامج علمية تصنع فيهم الغرور والتكبر والتحزّب المذموم وتحريف المقاصد.

ما فائدة طلب العلم إن لم ينعكس خشية وتقوى واستقامة في حياة الطالب، ما فائدته إن كان مجرد إضافة لتبرير الهوى في النفس والنيل من المخاصم!

ما فائدة علم لا يميّز بين حق وباطل ويطوّع الخلاصات في سبيل رد الحق لأن قائله لا يناسب!

ما فائدة علم يصنع العجب والكبر والغرور ويعادي كل من لم يوافق!

نصيحة أوجهها لأصحاب المراكز العلمية والمؤسسات التي تنتشر على الشبكة، لا بد من العناية بأهلية الطالب للعلم، فليس كل طالب يستحق هذا الفضل، ولابد من تبيان الآداب قبل الأصول وتبيان الغاية قبل الوصول! فهذه هياكل مصيرية لضمان أداء تقي وإلا فالجهالية قد نالت من كل النفوس وتستقوي بألقاب علمية.

نصيحة مهمة جدا، لا تدخلوا الطلبة في ساحات الخلاف قبل أن يحملوا نصابا من العلم الذي يخولهم الرد بعدل وإنصاف بعيدا عن الشخصنة والانتصار للنفس، فإن العاطفة غلابة والهوى سباق، وإن الاصطفاف بتحزّب يعمي البصر والبصيرة ويجعل من الحق مهانا، وتترجم آثار العلم لنماذج قبيحة لسوء الفهم والأدب.

إن لم يكن الهدف من طلب العلم إقامة أنفسنا على طريق الاستقامة، والرد بحجة لا تتجاوز خط العدل، والترفع عن تلويثه بحظوظ النفس في الخصومات، فإننا سنهدم كثيرا من الخير سعينا لبنائه، لأن النفوس لا تزال هشّة وإقبالها عاطفيا لا مؤصّلا، العلم لا يقبل صناعة الأحلاف! بل يرسخ مفهوم نصرة الحق.

العلم ليس مجرد كتب تقرأها ومحاضرات تسمعها، العلم هو البصيرة والتقوى، هو مدى ترجمتك لكل آية وحديث وأثر في حياتك صدقا وبذلا واجتهادا، أما الحزبية والشللية والأحلاف فجاهلية كبرى، لا تليق بمن سجد للرحمن يرجو أن يرفعه مقاما سامقا في الدنيا والآخرة بفضل هذا العلم. جددوا النوايا والمقاصد.

وهذه قاعدة أختم بها لمن يحلم بتغيير واعد:

الفجور يرد بالإنصاف، والحق ينصر بالإذعان له ولا يخضع للخصومات وأطرافها. ومقام النبي صلى الله عليه وسلم أجل من كل مقام، والاجتماع على تعظيمه عبادة، ودعم الناصحين فقه، والإنكار على الفاجر من أي طرف عدل، ومقياس الأمور التقوى. والتخلص من الحزبية رفعة!

إذا أردت أن تبصر بنور من الله تعالى فاحذر أن تقيس الأمور والمواقف على طريقة بوش الأمريكي: “إما معنا أو ضدنا”، بل أقمها على ميزان الحق والعدل، فتلك سبيل المؤمنين وسبيل الفلاح والفتح المبين. ولو على نفسك ومن تحب. وأبشر بكل خير وإصلاح ورفعة.

قال الذهبي -رحمه الله -: “اتقوا فتنة العابد الجاهل، والعالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل صاحب هوى، العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع”. (1)

وما أخطر سلاح العلم مع خبث نفس ونزعات بغي.

قال الله جل جلاله ﴿أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ ﴾ (الزمر: 9)

(1) سير أعلام النبلاء 13/323

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x