بين الحقيقة والوهم!

حين تصلني شكوى من فتاة تعلقت بصورة! وبنت عليها جميع أحلامها وطموحاتها، وأصبح صاحب هذه الصورة هو منتهى الأمل والمنى! ندرك أن الإسلام كان دقيقا جدا حين أمر بغض البصر، وحين شدد العلماء على مسألة النظر في الصور!

ينتشر في مواقع التواصل نوعان من الصور، النوع الأول صور المشاهير من لاعبين رياضيين ومغنيين وكل أشكال الشهرة التي يصدر الإعلام أصحابها تصديرا ضخما، بتصوير احترافي وتزيين صورتهم كأبطال ونماذج ناجحة. أما النوع الثاني فصور الدعاة وطلاب العلم ممن يتصدر المشهد للتوجيه والتربية والتعليم،

ويرتسم حول هذه الصورة مع ما تقدمه من مفيد، هالة من الهيبة والجاذبية. إلى هنا نحن نصف ما نرى، لكن دعونا نتقدم أكثر لنشاهد تأثير ذلك في النفوس الضعيفة. تدخل على مواقع التواصل فتاة بقلب فارغ، تعاني نقصا عاطفيا خاصة من جهة الرجل،

والسبب لذلك معلوم، فإما أنها منعت من الزواج في سنها حتى تكمل دراستها، أو لأنها لم يتيسر لها الزواج! فإن وقع بصرها على الصنف الأول، نتيجة انغماسها فيما ينغمس فيه الناس يتشكل لها تلقائيا تعلق بصورة من الصور المنتشرة وخاصة إذا كانت الدعاية المرافقة تصور صاحب الصورة بالنبل والتميز،

ويبدأ الإدمان على متابعة أخباره كما حصل مع إحدى الفتيات التي ابتليت بالتعلق بصورة لاعب كرة قدم! وأصبح كل خبر عنه يعلقها به أكثر، وأصبحت تحلم به الليل والنهار! وتفكر كيف السبيل لوصال هذا “البطل” وهل مثله سيفكر في مثلها! ولعل هذا “البطل” لم يركع لربه! ولعله أقبح بكثير مما تريها الصور!

أما إذا كانت اهتماماتها علمية وتملك شغفا بصناعة الهمة وتقبل على قنوات المشايخ والدعاة وطلبة العلم، وهي بالفعل تعاني فراغا عاطفيا، فتتعلق بحساب صاحبه يظهر قوة الشخصية والخلق، ومعرفة علمية لافتة، فتبدأ بالنظر لصوره وكل ما يصدر عنه،

وبعض الدعاة ينشر فيديوهات له، وبعضهم ينشر بوسترات له في وضعيات جذابة، بل بعض الوضعيات والصور نتساءل حقا ما الهدف منها إن لم تكن تقليدا أعمى لطرق عرض الشخصيات والبرامج والمشاريع في الغرب! إن مواكبة التطور الإعلامي لا يعني أن ينجر الداعية للعرض “الاستعراضي” لشخصيته!

بغض النظر عن تفاصيل هذه القضية لدينا فتيات يتعلقن! تعلقا مرضيا. فهي ترى هذا الداعية بطلا! ومع قصور في التربية ومع وسط يعبر عن مشاعره بطريقة الغرب، كان صادما جدا أن ترى الفتيات يصرخن على داعية يدخل قاعة المحاضرة! وقد حصل هذا بالفعل كما تفعل المعجبات بدخول المطربين لحفل!

والأعجب كان تفاعل الداعية مع صراخهن! وتحيته الخاصة لهن! وقد تكررت هذه الظاهرة في مواقع التواصل، بصراخ فتيات من حسابات تضع القلوب وصور شيخها، وهي تعبر عن عظيم حبها له! والكارثة أنها حسابات طالبات علم. من كل هذه المشاهد كان واجبا علينا التنبيه لما يجري، تنبيها يصل للدعاة والطالبات،

لأنهم الطبقة النخبة التي تمثل واجهة الأمة! فكيف سنوجه الفتاة المتعلقة بمطرب ولاعب كرة قدم، إن كانت طالبة العلم تفعل نفس الفعل مع داعية وشيخ!! نحن أمام مشكلة تتطلب فهما وحلا، لأن الأمر زاد عن حده ونرى فتيات يعلقن صور مشايخهن بطريقة المعجبات!

ولنا أن نتساءل ما الذي يوصل الفتيات “طالبات العلم” لهذا المستوى من الجرأة وقلة الحياء إلا أن يكون بالفعل جهلا يعانين منه وهشاشة على مستوى البناء الأخلاقي!! يدفعها القصور التربوي في الأسر والفهم الخاطئ لمفهوم “تعليم النساء”.

تعليم المرأة لا يجب أن يتجاوز أبدا ومطلقا الحياء والأدب، والانضباط السلوكي. والأصل أن يحذر الدعاة من هذه الظاهرة التي يتعجب المرء كيف وصلت لتغزل طالبات العلم بشيوخهن والدعاة.

وهناك صنف آخر يجب أن أذكره، صنف حييّ عفيف، فتيات ملتزمات، ولكنهن أيامى أو لم يتمكن من الزواج لفقد الفرصة أو ظرف قاهر، فهذا الصنف تجدها تفكر كيف تعرض نفسها على الداعية الفلاني والشيخ الفلاني من شدة جمال المشهد أمامها، لرجل مثالي قدوة!

وهنا وجب أن أنبه هذا الصنف من الأخوات! الرجل الداعية في الواجهة شيء وكونه فتى أحلامك شيء آخر، فنجاح الرجل في ميدان العلم والدعوة ليس تزكية له على أنه الزوج المناسب لك أنت تحديدا. ولا بد أن تفرق الفتاة بين الدعوة والزواج! فليس كل داعية زوجا مناسبا لك أنت تحديدا،

بل في كل داعية شخصية، تختلف في بيته عما ترينه في الشاشات. ولذلك من المهم التفريق بين الداعية الداعي والداعية الزوج! وهو ما لا تدركه المندفعات خلف مشاعرهن، وهذا يقودنا لنقطة أهم! وهي مسألة تأخير الزواج وإجبار النساء على الانتظار لإنهاء مراحل الدراسة كلها وربما العمل وجني الراتب قبل التفكير في الزواج ورد أتعاب الأسرة في تعليم الفتاة، وهذا نظام متهالك! أفسد علينا كثيرا وكان ولا يزال السبب في المعاناة النفسية لكثير من الشباب والشابات. فمن ألزم الأسر بمنع الزواج حتى تنهي الفتاة والشاب دراستهما ثم يرمى بهما في وسط مليئ بالفتن والمغريات!

ثم ولابد سيحصل التعلق والشغف، لأنها حاجة نفسية قوية، لا يمكن مقاومتها! حتى لو كانت في وسط علمي ودعوي. نحن حقا أمام مشكلة مركبة، مشكلة تربوية تتربى الفتيات على هشاشة أخلاقية فيصبح الحياء ثانويا ومهمشا ويصح غض البصر “تشددا” ويصبح التعلق بالصور أمرا اعتياديا ليس بمشكلة.

ولدينا مشكلة اجتماعية، بتأخير سن الزواج، وبإلزامات ما أنزل الله بها من سلطان! فإلى أين نحن ذاهبون! بل إن أحد أهم أسباب الطلاق هو هذا التعلق القديم بصور وشخصيات مضت فحين يأتي النصيب من زوج هو قدر هذه الفتاة ستقارنه دائما بذلك “الأيقونة” الذي كان مقياس النجاح في نظرها.

وكيف سترضى بعد ذلك عن هذا الزوج!

أخية أقولها لك ناصحة ولا أكذبك! أقولها لك وكلي حرقة لما أقرأ وأشاهد من رسائل الأخوات المبتليات، لا تضعي مشاعرك أبدا في مكان ليس لها، احفظي مشاعرك لمن يستحقها ولو لم تتزوجي قط، فلتحفيظها لنفسك! حتى يعوضك الله جل جلاله، وإياك وهدر مشاعرك فهي ثمينة.

ليس المهم صورة الرجل تعجبك، وليس المهم شهرته ولا تفاصيل جذبتك، بل الأهم هل هو مناسب لك، هل هو بالفعل الرجل الذي سيحفظك لحظة انكسارك، ولحظة تعثرك، هل سيكون الرجل الذي يتحمل مسؤوليتك ويصونك، أم سيكون مجرد مكان لتفريغ العواطف والسبيل للوصول له إن حصل، سيكون الكارثة ودمارك! صوني نفسك!

المرأة قارورة! رقيقة المشاعر، تنكسر، وصعب تجبر، لذلك صانها الإسلام وحفظها ووضع للوصول إليها جدرانا وحواجزا، لأن الله خبير بصير بها، فكسر المرأة عظيم، وحزنها ذكره الله في القرآن في آيات عديدة!! فاحفظي هذه الحواجز وهذه الأصول كي تحفظي نفسك من خسائر مدمرة لك إن غامرت مغامرة بائسة.

إياك والمغامرة على الخاص في العالم الافتراضي وإياك بقصص الحب الكاذبة، فهي مجرد رغبات تتشكل بصور جميلة تخدعك، الحب الحقيقي في ساحات الجد في البيت في العشرة، هنا تسقط الأقنعة ويسقط كل تفصيل جذبك كذبا، هنا يكون الرجل أو لا يكون لأنه القوام والمسؤول ولأنه أخذك بميثاق مع الله جل جلاله.

إياك والتعلق بكلام معسول، ووعود كاذبة، إياك أن تمني نفسك، إياك أن تهدمي ما يوصلك إلى الله ! فوالله لا قيمة لعلاقة تبعدنا عن الله، لا قيمة لعلاقة تجبرك على الكذب على أهلك وأحبتك، على أبيك وأمك، علاقة تجبرك على الكذب على نفسك لأجل أن تعيشي حلما زائفا. علاقة تحرمك أعظم وصال مع الله.

لدى كل فتاة وامرأة حلما، وأحلاما جميلة، وهي في عالم يزدحم بالمغريات والفتن، قد تقاوم وقد تعجز، لأننا في منظومة فاسدة ومختلة، منظومة عرضت النساء لأكبر خطر، خطر لصوص الأعراض، خطر سهولة الوصول إليهن! وكانت المرأة لا يوصل لها إلا بجهد جهيد! في زمن مضى، لذلك احفظي نفسك أنت يحفظك الله.

ابتعدي عن فكرة الإعجاب على صورة وشكل وحساب، هذا كله وهم، الحقيقة هي المعاشرة وهي التي تظهر فيها معادن الناس، لا تتعلقي بصورة تعلقي بالله جل جلاله وحسن ظنك به، سيأتيك رزقك ولو لم يأت في الدنيا فلا تدخل الجنة عزباء! تذكري أنها رحلة عابرة سبيل، ونحن نجتهد لنبلغ مراتب الجنة، توبي وصححي.

أنصح كل فتاة ابتليت وتعلقت بصورة وشخصية على الأنترنت، أن تقبل على القرآن وتجعله جنتها وهدفها، بنية الهداية والشفاء، ولتبتعد تماما عن هذا الحساب وهذه الصورة، ولتهذب نفسها بسير من سبق لأن ما عند الله أعظم من أن تبيعيه رخيصا لمن لا يدرك قيمته. صوني أحلامك، صوني مشاعرك، صوني مرتبتك في الجنة.

ما وصلنا لما وصلنا له إلا لأننا نفتقد الرجولة في مجتمعاتنا، نفتقد تأثير الرجولة فيها لكمّ الضخ الفاسد الذي يريد تمييعها وسحقها، ولأن الرجولة فقدت، فاستبيحت النساء، لذلك لن ينصلح حالنا حتى نعيد للرجولة معانيها كاملة، وتعود المرأة بكل حمايتها التي جعلها الله لها، مصانة معززة مكرمة.

وأدعو الدعاة والمشايخ للانتباه بشدة لهذا الأمر فالتشديد على النساء فقط غير كاف لابد للرجال أيضا من تقوى وتجنب مواطن الفتن والحذر من فتنة الطالبات والتنبيه على ذلك، والحذر من أن يكون الداعية فتنة لطالباته، فليجتهد والله يصلح الحال بصدق اجتهاده، ولا يتسامح مع التعليقات القليلة الحياء.

هذا غيض من فيض ولو لخصت المشاكل التي تصلني لعلم القارئ سبب حرقتي، وأذكر مرة أخرى أمامنا فتن أعظم، فلنعد لها ما هو أهم! تقوى الله وصلاح القلوب، وابتغاء ما عند الله، لنصلح علاقتنا بالله! لتصلح حياتنا كلها وأعمالنا كلها، لأن خسارتها وضعفها، خسارة وضعف في كل الميادين والأعمال. والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x