الطلاق امتحان للتقوى


(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)
إن كان من وصية في هذا الزمان فهي وصية الأجداد “هن قرشك ولا تهن نفسك”،
ما نشاهده من تعليقات بعد الطلاق في مواقع التواصل لا تنفك تدور حول المال والماديات وكأنها أكبر خسارة في انهيار الزواج!
كل ما كان يقاس بالمال وتصبح النفس أرخص شيء! فكم تمكنت الدنيا من الناس!

لو أن التقوى استقرت في القلوب كما يجب، لما اضطر الزوجان المسلمان لجلسات المحاكم، ولسلمت الحقوق بدون استجداء ولم نر الظلم والانتقام الذي نشاهده.
مؤسف بشدة الحال التي يصل لها زوجان كان يجمعهما ميثاق غليظ! يقفان على تفاصيل مادية زائلة وينسيان أن خسارة مسلم أكبر خسارة!
ولا ناصح أمين!


يتنازعان على المال والماديات وكأنها دلالة الفوز في الفشل!
قيمة كل زواج وحقيقته نراها في لحظة الفراق، هناك تظهر المعادن الحقيقية للأزواج، لا يمكن لأصيل ونبيلة التنازع على فتات الدنيا، فهناك حقوق وواجبات وأحكام تُصان وهناك عزة نفس ومعذرة! لكن الدنيا من أسباب هدم البيوت والقلوب! إلا من رحم الله.


(وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) آية فيها تربية عظيمة!
تعمى القلوب عن كل خير لحظة الانفصال ويظهر الكيد!
مؤسف بشدة أن تذم المرأة زوجها وتصف حياتها معه على أنها جحيم ثم تدفعه للطلاق بكل حيلة فقط لكي لا تضطر لخلع تخسر فيه ماديا!
ومؤسف بشدة أن يعلم الرجل حق المرأة شرعا في مال ثم يتحايل لنهبه!


إن ما نراه من تنازع بين الزوجين عند الطلاق يكشف درجة انتكاس المفاهيم، إن هذه البيوت تقوم بأركان وشروط وتنتهي بأركان وشروط، فاحفظوا حدود الله ولا تعتدوا، ووالله إن الكريم والكريمة ليقدمن الحق قبل أن يسأله. ويهين قرشه ولا يهين نفسه.
ولعل من أفضل ما يعين على التقوى الانتهاء عن التكلف!


التكلف في متطلبات الزواج وإرهاق الزوج بأكثر مما يطيقه، والتنافس في مظاهر الدنيا في الأعراس وتفاصيل الزواج، حرم الكثير من الأزواج بركات الزواج السعيد بل وبركات الانفصال التقي!
فنحن نشاهد كيف أن الأموال والتفاصيل المادية انقلبت نقمة بعد هدم البيت! وهذا يكفي للاتعاظ وبدايات أكثر تقوى..

ما يجب تصحيحه بشدة في الأجيال اليوم هو تلك النظرة المادية للزواج التي تحصر قيمته في تفاصيل العرس وشكلياته! وإهمال جوهر الزواج والحقوق والواجبات في شريعة الله.
إن تصحيح هذا الفهم يضبط الكثير من الضعف في العلاقات، وحين يكون الزواج بتقوى الله وفي سبيله، لا تخشى على نهاياته فهي تقية.

أيها الأب ابحث بنفسك عن الزوج الصالح التقي، اشتري رجلا وقلب مؤمن ولا تبالي بالتفاصيل المادية وانظر كيف فعل سعيد بن المسيب مع ابنته العالمة! لقد كان رجلا يعرف قيمة الرجال.
وأيتها الأم لا تدفعي بابنتك إلى الأغنى بل الأتقى، فإن الغنى غنى النفس! ولو كان العرس زاهدا والبداية على البركة.

الذي رأيته من العديد من استشارات الطلاق، أن المرأة في هذه اللحظة يدفعها الجميع للطلاق، لأجل أسباب هينة، ولا أحد يذكرها بفضل الزوج أو حسناته، ومحاولة الإصلاح. تجتمع عليها كل الأفكار المبكية، وتجد نفسها تمشي في طريق الانفصال تفتقد ناصحا أمينا، فليتق الله المستشارون، فإن المستشار مؤتمن لا يغش!

على الأزواج محاولة حل مشاكلهم قدر المستطاع دون أن يتدخل أحد بينهما ولا يكون التدخل إلا في حال تعدي حدود الله أو حاجة ملحة، ويكون آخر حل، لأن التدخلات في زماننا، زمن فتنة الدنيا، التي يصبح فيها الزوج تارك الصلاة محبوبا والزوج شديد الغيرة مذموما، ليست إلا هدما.
أقيموا البيوت بالعقيدة.

اليوم أكثر من أي وقت مضى يجب إقامة البيوت على العقيدة، يصبح فيها حفظ حدود الله ميدان مسابقة بين الزوجين!
ويصبح فيها جبر ضعف الأداء في حق أو واجب .. بالعشرة بالمعروف والمودة والرحمة.
كم من البيوت سنحفظها من الهدم وكم من النفوس سنوفر عليها تبعات العناد والندية والعدوانية والانتقام!

ومما ابتلينا به في مواقع التواصل “نشر الغسيل” فما أن يقع الطلاق حتى تهب الزوجة في أغلب الأحيان لتقديم تقارير مفصلة عما كان وحصل، وكأن المتابعين مطالبين بالتعاطف معها واستشعار مظلوميتها، وهي في الواقع محاولة يائسة لطرد أي محاسبة أو شعور تقصير، والأصل الإنكار على من تخرج تفاصيل طلاقها.

نحن بحق مع انتشار مواقع التواصل بحاجة لنشر”آداب الطلاق” والانفصال، آداب دينية وخلقية، لا يليق التنازل عنها أو إهمالها، وليكن شعار المرحلة بعد الانفصال مهما كان قاسيا (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) وهذا امتحان تقوى لمن أبصر.

فشل العلاقة لا يعني المطاردة “للشيطنة” فمن فشل معك قد ينجح مع غيرك وهذه أرزاق وأقدار وامتحانات… والطلاق امتحان تقوى آخر، ومن أراد بداية جديدة أفضل فليطوي الماضي بتقوى، وفي ذلك تخفيف من الخسائر النفسية وراحة نفسية!
والطلاق حل، عند استحالة الاستمرارية فلم يتحول لعداء وحرب لحظ نفس؟!

الحقيقة أن افتقاد الناصح الأمين أكثر ما ينقص الأزواج، ولذلك احذروا الصحبة الخائنة، وابحثوا عن من يذكركم بالله ويعينكم على التقوى، فللأسف المسارعة للهدم أكبر من المسارعة للإصلاح، والأحقاد يحملها الأهل قبل الزوجان! ومقاييس الدنيا غلبت على مقاييس الإسلام، فلتكن معاملة على الكتاب والسنة.

تختلف النفوس هذا واقع، ولكن ليكن اختلافا برقي! اختلافا بتقوى، هناك قاعدة في البدايات ..”قد ملكت فأحسن الصحبة”، وقاعدة أخرى في النهايات “قد أعذرت فأحسن الفراق”، وحفظ ما كان من خير شيمة النبلاء، والخسائر من الجانبين شئنا أم أبينا، وتخفيفها بحفظ حدود الله واللسان من الاعتداء والبغي!

عندما يصل الزوجان للطلاق بعد استنفاد كل الطرق، يكون أخف ضررا من طلاق يقع مصادمة، وأكثر الطلاق في زماننا المستعجل المصادم، لأن النفوس مشحونة وضعف الوعي بطرق الإصلاح متفشٍ والأكثر من ذلك أن الأنانية سبقت الإيثار، والحقد غلب الإعذار، وحظوظ النفس أصبحت أولوية عن مقاصد الزواج والشرع!

إن العدوانية التي تشتعل فجأة في علاقة زوجية لم تكن بلا سبب ولا دوافع، وكلما كانت العدوانية شديدة فخلفها الكثير من الأسباب التي منها المقبولة ومنها المرفوضة وللأسف أكثر العدوانية في زماننا خلفها “التخبيب” أو “حب المال والحياة الدنيا” ولو سكنت القلوب التقوى وخشية الله لانصلح الحال!

أولى الإسلام اهتماما بالغا بمنظومة الأسرة وأحاطها بأحكام ووسائل لحفظها وصيانتها وسد جميع الثغرات التي يمكن أن تضعفها، لكن ما يحصل أننا استغنينا عن الشريعة في إدارة الأسرة وركنا لقوانين وضعية وتقاليد عميّة، فما بني لله وبتقواه يدوم ويثمر وإن انتهى فنهايته بأقل الخسائر، وغيره اضطراب وهدم!

إن إقامة الأسرة على الكتاب والسنة يتطلب وضوحا وصراحة وصدقا، يتطلب حوارا بناء وتبيانا لحدود الله ورضا، يتطلب استعانة بالله وتعاونا على البر والتقوى،والحياة ليست عملية حسابية من الحقوق والواجبات بل هي عشرة بالمعروف ورحمة وإقالة للعثرات وإعانة على صلاح الدين والدنيا. وغير ذلك أوهام!

بعد كل ما كان.. وكل الأسباب التي تبرر الطلاق وبغض النظر عن الظالم والمظلوم .. ليترك الزوجان شيئا لله .. فراقا تقيا .. وردا للحقوق لا بخس فيه ولا تحايل، وترفعا عن سفاسف الأمور وفتات الدنيا، فما عند الله خير وما بعد ذلك مرحلة تحكمها درجة التقوى في الطلاق .. فالله لا يضيع أجر المحسنين!

في الختام، إنما الزواج امتحان .. فمن صدق الله صدقه، ومن اتقى الله حفظه ونصره، ومن نسي الله نسيه! وكما تدين تدان.
نجاح الزوج نعمة نحفظها بالشكر والتقوى قولا وعملا.
وفشله امتحان نتجاوزه بالصبر والتقوى قولا وعملا.
ودون ذلك غش للنفس والغير.
فلا تجمعوا بين فشل الزواج وفشل الطلاق معا!

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نرمين الكعبي

لا فض الله فوك كلام يكتب بماء الذهب

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x