الحرب الدينية

دكتورة أعطينا رأيك حول أنه هذه الحرب حرب دينية لو سمحت؟

حياك الله وبارك بك، دعونا ننظر في مشهد الصراع الحالي بدون أدنى محاولة للتعمق فيه أو محاولة التدبر في معالمه، فقط بالتركيز على التصريحات العامة الظاهرة للساسة المغضوب عليهم والضالين، وسنرى التصريحات التي تصدر من حكومات تتغنى بالعلمانية هي أول من تعلنها حربا دينية! بكل صراحة بلا أدنى تردد أو إحراج.

من ذلك تصريح رأس القائمة في أئمة الكفر، القيادة الأمريكية، وتصريح السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام الذي قال بكل وضوح لا يتطلب أي شرح:”نحن في حرب دينية هنا، أنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان”.

فهل بقي مكان لشعارات العلمانية؟

ثم تصريح النتن ياهو الذي تحدث عن تحقيق نبوءة أشعيا بكل صفاقة، وهو يلوح بتهديد مصر في وقت يحارب فيه غزة، وما أشعيا إلا معتقد ديني لدى المغضوب عليهم. ثم لو ألقينا نظرة عن الغرف والقنوات والساحات التي يتناقش فيها هؤلاء المغضوب عليهم ماذا سنسمع كخلاصة للخطاب الذي يتداولونه؟! كله خطاب ديني!

فجميع خطاباتهم ترتكز على أن الصراع الجاري مع المسلمين حرب دينية، وأن سبب هذه الحرب أنهم رفضوا دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأن المقاومة جاءت “لذبح اليهود كما فعل جيش محمد!”. ولا يخفى تصريحات خاماتهم التي تستند إلى نصوص توراتهم في التحريض على قتل الأطفال والنساء وتدمير المدن المسلمة.

والأمر لا يتوقف على الصراع بين المسلمين وتحالف الغرب مع الاحتلال اليهودي إنما يصل إلى كل الصراعات!

فالصراع الدائر في أوكرانيا هو تحالف بروتستانتي يهودي ضد النصارى الأورثوذكس، ولذلك صوت البرلمان الأوكراني لصالح حظر الكنيسة الأرثوذكسية. ونرى الدول التي تغلب عليها الكاثوليكية، كانت أقل تعاطفا مع العدوان من الاحتلال الإسرائيلي في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، فهم يصطفون بمعتقداتهم!

ومعلوم الخلافات بين فرق النصارى فهم يكفرون بعضهم البعض، والغريب أن البروتستانت هم من يعتقد أن قيام ما يسمى “دولة إسرائيل” هو الطريقة الوحيدة التي ستعيد عيسى عليه السلام! ولذلك بدأ الكيان بفكرة من بريطانيا! وهي التي لا تزال إلى الآن ترعى وجوده وتحميه وتدعمه، وكل هذا بدوافع دينية!

ويكفيك من ذلك وصول رئيس الوزراء البريطاني “سوناك” على متن طائرة محملة بالأسلحة والذخائر لتل أبيب لدعم الاحتلال. وتصريحات الدول الغربية والولايات المتحدة التي تؤكد الدعم غير المشروط والكامل للاحتلال، وإعطاء الضوء الأخضر لكل تماديات الاحتلال، دعم لم يستوعبه حتى ما يسمى الأمم المتحدة!

كل هذا نراه الآن من خلال التفاصيل العامة اللحظية التي تمر علينا بشكل يومي منذ اندلاع الحرب، ولكن كيف ستكون الخلاصات إن كان الأمر يتعلق بالتفاصيل الكثيرة الممتدة على محور التاريخ! كيف إن بدأنا نفكك العقد والاستراتيجيات والخطط الماكرة! وإن درسنا طبيعة وحقيقة وتفاصيل التحالف الصهيوصليبي!

سيكون المشهد مذهلا! تفاصيل واضحة جدا لحرب دينية ممتدة في عمق التاريخ! وكل ما تراه من منظمات ودعوات وهيئات وتحالفات وسياسيات ومؤسسات إنسانية وتفاصيل كثيرة، إنما جاءت لخدمة مشروع الصهيوصليبية في العالم! والذي يقوم على إخضاع العالم الإسلامي لقيود الهيمنة لتحقيق أهدافهم بأقل التكاليف!

ولننظر في طرفنا نحن! أليست حربا دينية! هي كذلك، نحن نعلم جيدا أن الأمم تداعت علينا منذ تركنا العمل بشريعة ربنا، ونعلم جيدا أنهم لم يتمكنوا منا إلا بعد احتلالنا عسكريا ثم فكريا وصناعة حاجز فاصل بيننا وبين عوامل الانبعاث والقوة! وما يجري اليوم في غزة ليس مجرد حرب ضد جماعة! هذا استغفال!

فكل حروب الغرب على العالم الإسلامي تتخذ ذريعة الحرب ضد جماعة أوشخص أو “أسلحة دمار شامل” وكل ما يمكن افتراؤه! بينما هي جاءت لحرب الإسلام ويكفيك من ذلك تصريح جورج بوش التاريخي “إنها حرب صليبية”! وهل كانت إلا حربا شاملة على الإسلام والمسلمين! وتفاصيل هذه الحروب تؤكد أنها حرب على الإسلام.

أرني دولة أو جماعة طالبت بتطبيق شريعة الله ولم تقم حرب شرسة ضدها؟! لمجرد مطلب الشريعة حتى لو كان بآليات سياسية، فإما أن يكون على مقاسات أمريكية مفرغا من جوهر الإسلام ومقاصده الجليلة أي إسلاما أمريكيا، وليس بإسلام، ليبقى المسلمون في شباك الهيمنة وإما أن يكون الديمقراطية الغربية!

وهي ديمقراطية ترى من الحجاب ظلما للمرأة وترى في التعدد جريمة! وترى في الامتناع عن الرذيلة والشذوذ، مخالفة للقانون الدولي، وهلم من فساد في الأرض يشرع له النظام الدولي على أنه محرض حريات مكفولة! لذلك مشكلتنا متجذرة في الأعماق، إنها دائما عقدية ودينية ومهما اتخذت من أشكال نصطدم بها.

سنجد في نهاية كل جولة أنهم يريدوننا “كفارا” لا يريدوننا مسلمين! لا يريدون منا أن نلتزم بشريعة ربنا بل بشرائع النظام الدولي! وهنا مفاصلة لا تقبل التهاون. لأنها قضية إيمان وكفر، قضية وجودية، لأمة موحدة، قضية كن أو لا تكن! فلا يجتمع التوحيد والشرك، ولا يجتمع الإسلام والكفر!

لو أن الغرب احترم حقيقة شعاراته وكان صادقا مخلصا لها، لما كان أعلن حربا على المسلمين! لأنه يكفل لهم حرية الديانة والحكم بالنظام الذي يناسب ثقافتهم وهويتهم، لكنه لا يمكنه ذلك لأن معتقداته الدينية تقضي بضرورة القضاء على الفكرة الإسلامية إما بالقضاء عليها عسكريا أو بتحريفها فكريا!

لا يزال الغرب يستخدم السلاحين مع المسلمين، يحاول تطويعهم بالإغراءات والسحر الخبيث، ليتحولوا لمهزومين نفسيا لثقافته وفكره، فإن تمردوا، وهو ما يحدث في العالم الإسلامي بأشكال شتى، تمردات سياسية وعسكرية وثقافية حتى، فإنها تردع بالقوة، وبكل أساليب القمع الوحشية ولو كان في ذلك كل الانتهاكات!

والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأما محاولة جرنا لحصر الصراع بين جماعات وبين النظام الدولي فأكبر أكذوبة يتستر بها الغرب بدليل أن لم يسلم من بطشهم وقمعهم حتى الجماعات السياسية! والتي إما أن تخضع للإسلام الأمريكي اللاإسلامي! أو أن تقمع وتخرج من اللعبة بطريقة أو أخرى باسم الديمقراطية!

فإما أن نحمل الوعي الذي يليق بأمة مسلمة من جهة لكونها عقيدتها التي تملي عليها التمكين في الأرض والاستقلالية عن أعدائها المغضوب عليهم والضالين وكل مشرك وكافر! ومن جهة لكون أعدائها أنفسهم لديهم معتقداتهم الهرمجدونية، التي تنتهي بنا في نهاية المطاف إلى أرض الملاحم! وقد بدأت إرهاصاتها.

فلنجرد المشهد من كل الديكورات الخادعة ولنبصر معالم الحق واضحة، لدينا أمة مسلمة موحدة، وأمم كافرة! لدينا مشروع سيادة في العالم إما أن تكون سيدا أو تكون تابعا لا خيار ثالث! لدينا قضية فريضة وشريعة نحن ملتزمون بها ومحاسبون عليها إما أن ندفع أعداءنا أو نحاسب حسابا عسيرا! الأمر جد!

فليعلنوها حربا دينية، بكل صراحة، فنحن نرحب بهذه الصراحة لأنها تختصر علينا مسافات طويلة لصناعة الوعي، ولنرفعها نحن أيضا بكل إباء وشموخ، توحيدا وسنة، وإقامة لشريعة الله في الأرض، فنخوض الصراع باستقامة وتقوى، وبالتزام بمقاصد الإسلام وأخلاقه، ثم لنبصر النهايات مشرفة! تمكينا مباركا.

لن يكون تحقيق هذا المجد واسترجاع هذا الحق! من التفرد بهويتنا وديننا ومقدراتنا وأرضنا وكل ما لدينا كحضارة متفردة بدون ثمن! لأن طول الفترة التي عاشت فيها الأمة الهيمنة كانت طويلة جدا بعمر الأمم! وكانت مكلفة جدا بتنشئة أجيال على الانهزامية والبعد عن الإسلام والتبعية المزمنة!

فتصحيح كل ذلك سيكون مكلفا لنا، لكنه الحل الوحيد، إما أن نكون أو لا نكون وإلا فإن سنة الاستبدال لنا بالمرصاد. من هنا وجب أن يقوم كل خطاب وكل مشروع وكل دعوة وكل جهد من فرد إلى أسرة إلى مؤسسات ومجتمعات على أسس التوحيد والسنة والارتكاز على حقيقة أننا نخوض صراعا مصيريا، ضد قوى الكفر!

صراع يتطلب ان نخوضه كافة، على أعدائنا كافة، نخوضه في وحدة مهيبة منسجمة متناغمة، كل على ثعره يكمل بعضه بعضا ويشد بعضه بعضا، ضد تحالف لا يدخر جهدا في التضحية لأجل قضيته! ونحن أمة موعودة بالنصر، لا يهمنا متى يحل، بل يهمنا أن نعذر أمام ربنا ونقيم حجة لنا، بإعلاء كلمة الله مهما كان الثمن.

ويكون ذلك بحفظ معالم الحق ونصرته والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر وولاء المؤمنين والعزة على الكافرين والبراءة منهم. وهي عبادات عظيمة جدا، لها بركاتها وأثرها في حياة الفرد والأمة عاجلا وآجلا.وفي الختام، إنما هي امتحانات صدق! وسنن الله في الأرض، فلنكن على قدر المهمة!

دكتورة أريد توضيح بشأن هذا الأمر إذا بعدما ايقنا أنها حروب ودول دينية فلم صدعوا رؤوسنا بالعلمانية والليبرالية وغيرها من أشكال الانشقاق عن الدين ما الهدف من وراء ذلك؟

لأنها من لوازم الصراع ومن الأدوات التي يخضعون بها خصومهم، أتحدث عن العلمانية، فحين تجرد عدوك من عقيدته أصبح فريسة سهلة في يدك وأنت تكتمها في استراتيجيتك! والحرب خدعة، أما الليبرالية فقصة طويلة من نتيجة فساد المعتقدات وتداعيات الضلال الذي يعتنقه هؤلاء.- وتستخدم أيضا للغرض الأول كالعلمانية.

ولننظر في خطابات من يرفع شعارات العلمانية والليبرالية إنهم يحملون معتقدات دينية واضحة، ويدافعون عنها ويقاتلون لأجلها، ولكن طبيعة الضالين أنهم يخضعون دينهم لأهوائهم لذلك أصبح الشذوذ من مخلفات الليبرالية، يفرض على الكنائس ويتساهل معه البابا! ولذلك وصفهم الله بالضالين.

هذا غيض من فيض وباختصار شديد والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x