الاستجابة الخاطئة وتهميش التوحيد في قضية المرأة يؤزمها

عندي تعليق حول الموضوع المنشور بصورة عامة (منشور يتحدث عن عناد المرأة وأن سببه هو الندية) … ما هو رأيك فضيلة الدكتورة ؟ مشكورة.
(التعليق يتحدث عن ظلم المرأة من الرجل في مجتمعاتنا)

الجواب:

حسنا، عند الحديث عن قضية المرأة وكل قضية نود علاجها، أشدد دوما على ضرورة الابتعاد عن “التشخيص المجتزأ” الذي يكبر العدسة على جزء من المشهد ويهمل بقية العوامل المتصلة، وهو ما يحدث للأسف مع ملف المرأة، ففي الواقع المرأة ليست هي أصل المشكلة بل جزء من مشكلة كبرى نعاني منها وهي غياب شريعة الإسلام عن حكم بلاد المسلمين، وذهنيات تعايشت مع المنكر والضعف وسلطة الثقافة الغالبة المحاربة، رجالا ونساء.

ليس التركيز على عوج في المرأة قد بينته المعرفة بالدين والفطرة هو الذي سيحل مشكلة المرأة بل في إعادة الرجل لموقعه الصحيح ليجبر كل ضعف بقوامته ولا يكون ذلك بالاستجداء بل بموجبات القيادة.

فمن يريد أن يعيد المرأة لموقعها بفقه وبصيرة ليس له أن يعدد عيوبها وقصور فيها بل بتعظيم التوحيد والاستقامة في نفسها فتختلف النتائج تماما.

فالمرأة حين تؤمن وتستقيم تتحول لقلعة حصينة، ومصنع عطاء وخير مبارك. تربي الأجيال قوية ويخرج أفضل ما فيها، لكن أن تعاير كي تستقيم وتُحقر كي تستجيب! فهذه من طرق التعامل الخاطئة ومن سوء الفهم لطبيعة النفس البشرية وهي طريقة تريد الإخضاع الأعمى وليس الاستقامة بإخلاص وفرق كبير بين المقامين!

فرق بين طاعة لشعور نقص وبين طاعة لعظمة التوحيد في القلب!! الأولى تصنع لنا الهشاشة في التربية وعدم الرضا في عمق النفس وهو موجب للغش والمداراة، والثانية تصنع لنا القوة في التربية والرضا الموجب للعطاء والبذل.

لذلك التركيز على شخص المرأة وعيوبها دون النظر في بقية التفاصيل المصيرية في واقعنا يحدث الكثير من الجدل ولا يقدم حلولا. ولا يخرج عن دائرة التنظير. لأنه لا يستوعب حقيقة النفس البشرية بل يهمش التوحيد كأصل أول للعلاج فيتخبط في الهوامش ويدخل في مستنقعات جدال وتضييع للجهود والوقت.

والحل هو في تبيان موجبات التوحيد للرجل والمرأة معا، وتعظيم العقيدة في النفوس، وإعادة مرجعية الإسلام في كل نفس وبيت.

ولو حولنا هذه العدسة من مشهد نساء فاسقات أو مستكبرات أو متمردات على شرع الله تعالى .. إلى مشهد آخر مهم في واقعنا ويتم إهماله كثيرا للأسف، وهو لنساء صالحات ملتزمات، كيف هو حال الكثير من البنات اللاتي انتقبن أو تحجبن أو طلبن القرار في البيت؟ كيف هو حال من تريد أن تستتر وتحفظ نفسها من اختلاط أو ظلم للنفس في زماننا؟ إنها الحرب، حالات مبكية لبنات يتجرعن الأسى كل يوم فقط لأنهن اخترن الالتزام!

فمصابنا جلل في ضعف كفاءة أسر برمتها وآباء بكثرة في التربية وتولية مسؤولياتهم الشرعية. وليس فقط في هذه المرأة!

وإن شئت الحقيقة ما فسدت النساء إلا لتفريط الرجال في إقامة شريعة الله في بيوتهم والحكم بالعدل والتقوى، ومن يريد أن يصلح المرأة فيجب أن يصلح الرجل في أسرتها، ويصلح واقع أمته بإقامة سلطان الشريعة أو يخفف من تداعيات فقده، وغير ذلك فهو كمن يدور في حلقة مفرغة.

يقول المنفلوطي في خلاصة ثاقبة:”هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نسائكم.. فاِن عجزتم عن الرجال .. فأنتم عن النساء أعجز”.

فالمرأة خلقت من ضلع أعوج، وهي تحت ولاية رجل يصونها ومجتمع يحفظها، واليوم تبدلت الفكرة فأصبحت – وهي مستهدفة من منظومة دولية كافرة – تعامل معاملة من يجب أن يحل مشكلة عجز الرجل عن ولايته عليها.

بل إن من أهم صفات الرجل القيادية هي قدرته على سياسة زوجته بكل صفاتها السيئة والحسنة. وولاية الرجل ليست مجرد وصف أو حق، بل هي مفروضة في الواقع لتوازن طبيعي، فهي تضعف بقدر ضعف التزامه بها ثم النتيجة ما نراه من تفكك الأسر المستهدفة.

ومما يجب التنبيه إليه أن الله تعالى جعل المرأة أمانة تحت ولاية الرجل، ولم تكن ولايته الوحيدة ولا مسؤوليته المنفردة، ولكن منذ أضاع موقعه وولاياته، كان سهلا أن يفقد سلطته في بيته.

من يريد إصلاح الأسر والمجتمعات عليه إصلاح الرجل وإعادته لموقعه في القيادة ليس بانتظار أن تعطيه المرأة هذه السيادة بل يفرضها بنفسه، ولو ركزنا الجهود على تصحيح موقع الرجل وتقويته لما اشتكى رجل من زوجته، لأنه يملك مقومات استيعابها وإصلاحها شرعا فإن أبت فالصالحات رزق لمن يسعى له.

وما دمنا نفتقد لسلطان إسلامي يحكم بالعدل بين الناس ويفرض الفضيلة وأسبابها، بل على العكس عملية التفسيق يفرضها القانون وتمرد النساء يشجعه مؤسسات ودول، فإن الدخول في تفاصيل شخصية المرأة وعيوبها ليس هو أولويتنا، بل أولويتنا صناعة رجال قادرين على استلام زمام أمورهم وانتزاع ولاياتهم. وتوجيه خطاب يرسخ التوحيد في قلب المرأة وتربيتها تربية إيمانية تقية، يكفي لأن يخفف الكثير من الجدل الذي يثيره عد عيوبها وقصور فيها.

كما أن شغل الرجل بتفاصيل عيوب زوجته ظلم له، وإيغار لصدره بدل تقديم مفاتيح القيادة في يده!

ولو نقلنا قصص نساء صالحات من عصر مضى كيف كن يتصرفن بفطرة فيهن في مشاكل أسرية، لاعتقد البعض أن هذه امرأة عاصية وغير صالحة وهن قامات في الصلاح، فهناك خلط يحدث بين تشخيص النسوية واعوجاج فطري في المرأة من أراد أن يقومها فيه كسرها!

ثم هل رأيت من يلقي باللوم على الرعية ويترك من يحكمها! هذا باختصار ما يحدث في علاج قضية المرأة، التركيز على قصورها وعيوبها بدل تعظيم التوحيد والعقيدة في نفسها وصناعة القوة في زوجها ليصونها ويصون نفسه!

والحديث يطول لكنه يلخص سبب استمرار حالة الجدل والاستجابة الخاطئة في معالجة ملف المرأة. ولا شك أنه ملف يعاني الإطلاقات التي يدخلها الظلم والإجحاف، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار حالات الظلم والطغيان وتعدي حدود الله تعالى حين تكون من الزوج، لذلك فهي تطلق إطلاقات لا تستوعب جميع حالات المجتمع وتهمل حالات الظلم التي تقع على المرأة وهذه الحالات هي التي تستفيد منها النسوية وتضخمها وتصنع منها سمها.

وحين نتحدث هنا عن المرأة نحن لا نهمل خطورة النسوية ولا واجب التصدي لها ولمدخلاتها، ولكن نشدد على ضرورة علاج مشاكل المرأة بفقه التوحيد، بدون تهميش للإيمان، وانشغال في الهوامش على حساب الأصل، بضرورة تعظيم الله في النفوس ومعرفة بالنفس البشرية، لا تضييع الوقت في عد عيوب والتعامل معها كحال من يحاول علاج مرض يعلاج أعراضه مهملا مسبباته!

بل نعالج مسببات المرض تختفي الأعراض!

رسخوا التوحيد في القلوب – للرجال والنساء- تختفي مشاكل التمرد والعجز، وتستقر الأسر. والله يهدينا لما يحب ويرضى.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أم جليل مهني

لقد قلتِ كلّ ما يجول في خاطري. مقال يوزن بالذهب
الله يرضى عليك أستاذتنا الحبيبة ويرضى عن قلمك

Last edited 3 أيام by أم جليل مهني
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x