الإسلام في شرق آسيا: تايوان والتبت وهونغ كونغ وماكاو

عرفت منطقة شرق آسيا الإسلام مبكرًا منذ القرن الهجري الأول للإسلام، ولا يزال الحضور الإسلامي مرصودًا في دول المنطقة، بشكل قويّ في بعضها وضعيف في أخرى. نسلط الضوء فيما يلي على بقية مناطق شرق القارة التي تشترك في تاريخها جميعًا مع تاريخ الصين ولا تزال تتأثر بسياساتها. فقد كانت الصين صاحبة نفوذ تاريخي وثقافي ممتد؛ بصفتها أكبر وأقوى الإمبراطوريات التي عرفها شرق آسيا.

تايوان

الإسلام في تايوان

يفصل تايوان عن الصين مضيق فورموزا، ولا تتجاوز المسافة بينها وبين الصين 140كم. وتتكون تايوان من جزيرة فورموزا وعدد آخر من الجزر الصغيرة أبرزها البكادورس، كيموي، مانسو، براتاس، وعاصمتها “تاييه”.

بقيت تايوان تحت حكم الصين حتى سنة 1323هـ (1895م) فهي تشترك مع الصين في هذه الحقبة من التاريخ[1]، ثم استولت عليها اليابان وفق معاهدة سيمونسكي[2]، لكن بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، رجعت تايوان للصين في عام 1365هـ (1945م)، وزاد النفوذ الشيوعي الصيني فيها قوة.

هاجر إلى تايوان قسم من الجيش الوطني الصيني في سنة 1370هـ (1949م)، حيث تكونت جمهورية الصين الوطنية بزعامة الجنرال “شيانج كايشيك”.

وذلك على إثر هزيمته على يد الشيوعيين الصينيين ثم سيطرتهم على الصين الكبرى في نهاية هذا العام، ولهذا السبب نقل “شيانج كايشيك” حكومته إلى تايوان، وصارت كل حكومة من الحكومتين تعد تايوان مقاطعة صينية، وادّعى كل منهما أنه الحاكم الشرعي لكل الصين، وسعى لاحتلال مقاطعة الآخر.

في عام 1369هـ (1950م) بدأت الحرب الكورية فأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها سوف تحمي تايوان ضد أي هجمات صينية محتملة. وقدمت المساعدات لتايوان للصمود في هذه الحرب، وواصلت دعمها إلى غاية عام 1385هـ (1965م) حين أصبحت تايوان قادرة على الاعتماد على اقتصادها الخاص، ومع ذلك استمر الدعم العسكري الأمريكي لتايوان.

أيدت الولايات المتحدة انضمام الصين للأمم المتحدة في عام 1391هـ (1971م)، وطالبت أيضا بمقعد لتايوان، لكن الأمم المتحدة ما لبثت أن طردت الأخيرة في شهر أكتوبر من نفس العام، معترفة بمقعد الصين فقط.

في عام  1392هـ (1972م) زار الرئيس الأمريكي نيكسون الصين، واتفق معهم على سحب القوات الأمريكية من تايوان. وفي ظل الضغوطات الصينية أوقفت العديد من الدول علاقتها بتايوان واقتصرت على علاقاتها بالصين. ومع أن الولايات المتحدة أنهت علاقاتها بتايوان في عام 1398هـ (1978م) وأنهت دعمها العسكري رسميًا، إلا أنها حافظت في نفس الوقت على علاقات غير رسمية من خلال وكالات غير حكومية. فضلًا عن علاقات اقتصادية قوية حيث بلغت صادرات تايوان إلى أمريكا نحو 40%.

في ثمانينيات القرن العشرين بدأت الحكومة التايوانية في الإصلاحات السياسية، واتجهت نحو الديمقراطية. وألغت العمل بالدستور القديم في عام 1407هـ (1987م) في سبيل التحول للديمقراطية. وفي التسعينيات أجريت انتخابات في البلاد فاز فيها الحزب الوطني، وفي مارس 1417هـ (1996م)، جرت أول انتخابات رئاسية مباشرة، أصبح بعدها لي تنغ-هوي رئيسًا للبلاد.

وفي عام 1421هـ (2000م) فاز الحزب الديمقراطي التقدمي لأول مرة في تاريخ البلاد. وفي عام 1426هـ (2005م) تم تأسيس الجمعية الوطنية كسلطة تشريعية أخرى لتايوان.

توترت العلاقات بين تايوان والصين خلال الحملة الانتخابية عندما بدأت الصين مناورات عسكرية بحرية حول تايوان. حيث تصر الصين على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين الموحدة، بينما تتعامل تايوان باستقلالية تامة وتقيم علاقات مع الدول التي لا تستجيب لتهديدات بكين. ولا تزال العلاقة شديدة التوتر إلى اللحظة (1444هـ /2022م) بتهديدات صينية لاجتياح تايوان وضمها تحت سلطانها، سلطان الصين الموحدة بالقوة العسكرية، في وقت تقف الولايات المتحدة في صف تايوان وتستمر في سياسة الاستفزاز للصين رغم إقرارها بمبدأ “الصين الموحدة”؛ حيث جاء هذا الاحتقان الشديد في العلاقات، في وقت اندلعت فيه الحرب بين روسيا والغرب على الأرض الأوكرانية التي لا تزال مشتعلة إلى لحظة كتابة هذه السطور.

الإسلام في تايوان

تصل نسبة المسلمين في تايوان إلى 0.3 % من مجموع السكان، بحسب إحصاءات 1441هـ (2020م)، ونحو 70 ألف مسلم يسكنون في العاصمة تاييه وبعض المدن الأخرى في شوغلي وتايشنج وكاوثنج. ويشمل المسلمون هناك الصينيين الهوي، الأتراك والإيغور، والكازاك، إضافة إلى عدد من الصينيين. وأكثر من 180.000 مسلم أجنبي يعملون في تايوان من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين، فضلًا عن جنسيات أخرى من أكثر من 30 دولة[3].

ويتوفر لهم مسجد رئيسي بالعاصمة وبعض المساجد الأخرى في تايشنج وكاوثنج حيث تتوفر نحو أكثر من عشر مساجد في البلاد. أبرزها مسجد تايبيه الكبير، وهو أكبر مسجد في تايوان.

يعتنق معظم المسلمين في تايوان المذهب الحنفي ولا يعرفون أي صراعات ما عدا بعض الخلافات في بعض الفروع. يتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم، وقد اندمجت شريحة منهم في السياسة التايوانية ومنهم جنرالات في الجيش لكن الأغلبية وضعها الاقتصادي غير مستقر.

ويخدم المسلمين في تايوان هيئات إسلامية منها الجمعية الإسلامية الصينية في تايييه، وهي تشرف على المساجد والتعليم الإسلامي، ويتبع الجمعية جمعية الشباب المسلم الصيني، وجمعية الثقافة الإسلامية الصينية، ولديها عدة مشاريع منها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة ماندارين الصينية، وترجمة بعض الكتب الإسلامية.

وقد صدرت عدة تراجم لمعاني القرآن الكريم باللغة الصينية (ماندارين) وتكرر طبع بعضها، إلى جانب العديد من تراجم الكتب الإسلامية. ولدى المسلمين في تاييه نشاط دعوي ومجلة إسلامية شهرية بعنوان “المسلمون في الصين” تصدر باللغتين العربية والصينية.

تاريخ الإسلام في تايوان

الإسلام في تايوان

وصل الإسلام إلى تايوان في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) مع انتقال عدد من العائلات المسلمة من المقاطعة الساحلية فوجيان جنوب الصين يقودها القائد كوسينغيا في حملة على تايوان لإخراج الهولنديين من جنوب مدينة تاينان في عام 1071هـ (1661م). فأنشأ مملكة تونغنينغ في تايوان. ومع أنهم أول المسلمين الذين استوطنوا تايوان إلا أن أحفادهم اندمجوا في المجتمع التايواني لدرجة تخلوا فيها عن إسلامهم. وقد أشار الأستاذ “ليان يا تانج” في كتابه تاريخ تايوان (1336هـ/ 1918م)، إلى تواجد عدد قليل من المسلمين في الجزيرة.

لم تترك هذه الهجرة أي آثار إسلامية ولا مساجد ولا معالم للمسلمين، بعد حكم اليابان لتايوان في الفترة 1313-1364هـ (1895-1945م) حيث قمعت اليابان كل ممارسة دينية  فاضطر التايوانيون لإخفاء شعائرهم الدينية. وبعد عودة تايوان إلى الصين في عام 1364هـ (1945م) انبعث حركة الإسلام مرة أخرى وازدادت نشاطاتها.

الهجرات الإسلامية إلى تايوان

قدرت الرابطة الإسلامية الصينية عدد المسلمين القادمين إلى تايوان في الموجة الأولى من الهجرة الإسلامية بحوالي 20.000 شخص. لكنهم تخلوا عن دينهم رغم جهود الجمعية لإحياء الإسلام بينهم.

أما الموجة الثانية من الهجرة الإسلامية لتايوان خلال الحرب الأهلية الصينية في القرن العشرين فكانت بفرار حوالي 20.000 أسرة مسلمة من الصين من اضطهاد الحكومة إلى تايوان في عام 1368هـ (1949م).

ترأس هذه الهجرة الجنرال “باي تشونغسي”؛ الذي ترأس لاحقًا الرابطة الإسلامية الصينية عند تأسيسها حيث انتقلت الرابطة من البر الصيني الرئيسي إلى تايوان مع حركة المهاجرين لتايوان.

كانت هذه الدفعة من المسلمين أكثر تمسكًا بدينهم؛ فأسسوا لدى وصولهم أول مسجد في تايوان عام 1366هـ (1947م) وهو مسجد تايبيه الكبير في العاصمة تايبيه. ومدت الجسور مع العالم الإسلامي لأول مرة بين المسلمين في تايوان والعالم.

وازدهرت الحركة الإسلامية بإنشاء مزيد من المساجد كمسجد كاوهسيونغ في عام 1368هـ (1949م) في كاوهسيونغ، ومسجد تايبيه الثقافي في عام 1369هـ (1950م) في تايبيه، ومسجد تاي شانغ في عام 1370هــ (1951م) في تاي شانغ. ولا يزال هناك اتصال مع المسلمين الهان في الصين لكنه ضعيف.

كما وصل إلى تايوان في عام 1372هـ (1953م) -بعد إدانة الأمم المتحدة لحكومة الصين بسبب حرب العصابات التي شنتها داخل بورما- جميع القوات غير النظامية “الكومينتانغ” تحت قيادة الجنرال “لي مي”. وكانت غالبية هذه القوات مسلمة وهي تقدر بالآلاف، فبدأوا بإنشاء مسجد “لونغانغ” في “زونغلي” في عام 1384هـ (1964م) ولم يكتمل بناؤه إلا بعد 3 سنوات، حيث قدم خدماته لنحو 200 عائلة مسلمة أقامت في هذه المنطقة أغلبها من عشيرة واحدة.

وبرز خلال تلك الفترة العديد من أسماء القادة المسلمين في مجلس اليوان التشريعي الوطني. أو كضباط في القوات المسلحة لجمهورية الصين، فضلًا عن مناصب مهمة في السلك الدبلوماسي.

وأما الموجة الثالثة من الهجرة فحدثت في ثمانينات القرن العشرين، حيث هاجر آلاف المسلمين من ميانمار وتايلاند إلى تايوان بحثًا عن حياة أفضل. استقر العديد منهم في شارع “هواكسين” في منطقة “تشونغخه” في تايبيه الجديدة، ومنطقة “زونغلي” في تاويون وبعض المدن الأخرى.

أما الهجرة الرابعة فهي تشمل غالبية المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا، أغلبهم من النساء التايوانيات اللاتي تزوجن من رجال مسلمين.

وشهدت هذه المرحلة تأسيس عدة مساجد منها مسجد النور في مقاطعة بينغتونغ، الذي افتتح في عام 1439هـ (2018م) من قبل مجموعة من الصيادين الإندونيسيين ومسجد الفلاح، في مدينة هوالين الذي افتتحه مبعوث عن الحكومة الإندونيسية في نفس العام أيضًا. ولدى المسلمين المطاعم الحلال المنتشرة في جميع أنحاء تايوان، ووصلت منتجاتهم إلى عدة مناطق في العالم الإسلامي.

حال المسلمين اليوم في تايوان

الإسلام في تايوان

يفتقد المسلمون في تايوان لتعليم إسلامي رسمي. ومع ذلك تسعى المساجد لتقديم بعض الدورات الإسلامية للمسلمين مثل تعليم اللغة العربية وتعليم القرآن والحديث الشريف وعلوم الشريعة بناء على طلب من الوالدين. وتقام هذه الدورات في عطلات نهاية الأسبوع وخلال العطلة الصيفية، كما تمكنت الرابطة الإسلامية الصينية من إرسال طلاب مسلمين تايوانيين إلى الخارج لتلقي تعليم إسلامي رسمي. وتمكن المسلمون في تايوان من إدارة دورات إسلامية للمعلمين في المدرسة الابتدائية والثانوية خلال العطلة الصيفية.

وخرج أول وفد للحجاج من تايوان في عام 1344هـ (1925م) ولا تزال قوافل الحجاج تصل بيت الله الحرام إلى اليوم من هذه البلاد التي يتمتع فيها المسلمون بحرية إظهار شعائرهم كالصلاة والصيام والزكاة، وامتلاك مقابر للمسلمين، ومؤسسات وجمعيات دعوية، وتلقى نشاطاتهم اهتمامًا وتفاعلًا من المسؤولين الحكوميين والإعلام.

وتبقى من أبرز العقبات في طريق المسلمين عدم قدرتهم على أداء صلاة الجمعة بسبب برنامج العمل الذي لا يعطي إجازة إلا يوم السبت والأحد، ويجد المسلمون صعوبة في ضبط مواقيت صلاتهم مع مواعيد العمل.

أرض خصبة للدعوة الإسلامية

أكثر أسباب اعتناق  التايوانيين الإسلام ترجع لزواجهم من المسلمات. أو بعد مطالعتهم لقصص القادة المسلمين أو بشكل عام للقراءة التي تكشف للقارئ عظمة الإسلام. ورغم توفر المطبوعات الموجهة للعامة في تايوان لتعريفهم بالإسلام يبقى معدل اعتناق الإسلام في تايوان منخفضًا نسبيًا؛ لأن معظم المسلمين التايوانيين بشكل عام لا يدعون لدينهم بشكل نشط كما يفعل أتباع الأديان الأخرى.

وتقدر الإحصاءات أن نسبة المعتنقين للإسلام سنويًا، في مسجد تايبيه الكبير تقدر بمئة شخص كمعدل. أما في مسجد تايبيه الثقافي فتقدر بخمسين شخصًا يعتنقون الإسلام كل سنة. وقد جذبت المعاملة الحسنة للمسلمين في تايوان الكثير من السياح المسلمين عبر العالم.

المعارضة الخفية للإسلام

لا تخلو تايوان كغيرها من دول من فئات تظهر العداء للإسلام كما ظهر من يو تيان، وهو مشرع الحزب التقدمي الديمقراطي في تايوان، الذي أدلى بتعليقات مسيئة بشأن المسلمين، متهمًا إياهم بما يسمى الإرهاب، ثم تهرب بالقول إنها “نكتة خفيفة”، واعتذر بشدة من المسلمين.

ولا شك أن الإسلام غريب بالنسبة لسكان تايوان عن الثقافة الصينية التقليدية وأن التقارب التايواني الغربي كان له التأثير السلبي في طريقة تفكير الساسة التايوانيين تجاه الإسلام، ويبقى أكثر ما يخشاه التايوانيون المسنون المسلمون أن يتكرر تاريخ اندثار المسلمين كما حدث مع أول هجرة للمسلمين.

المؤسسات الإسلامية الناشطة في تايوان

الإسلام في تايوان

أسس المسلمون في تايوان العديد من المؤسسات لتغطية نشاطاتهم الدعوية وإدارتها، ومن أبرز مؤسسات تايوان الإسلامية، جمعية المسلمين الصينيين التي تأسست في عام 1357هـ (1938م) في البر الرئيسي للصين وتدير مسجد تايبيه الكبير. والجمعية الإسلامية لتايوان تأسست في عام 1437هـ (2016م) ورابطة الشباب المسلم الصينية التي تأسست في الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي وتدير مسجد تايبيه الثقافي.

أما المؤسسة الإسلامية الثقافية والتعليمية الصينية فهي أول مؤسسة ثقافية للتعليم الإسلامي في تايوان. تأسست في عام 1396هـ (1976م) ويقع مقرها في مسجد تايبيه الكبير. ثم جمعية مسلمي تايوان التي تأسست في عام 1437م (2016م) يقع مقرها في مسجد التقوى.

وجمعية تايوان لتنمية سلامة الحلال التي تأسست في عام 1432هـ (2011م) في تايبيه كهيئة تمنح شهادة الحلال للمنتجات الغذائية التايوانية. يقع مقرها في مسجد تايبيه الثقافي.

وغيرها من جمعيات ومؤسسات وصل أثرها إلى داخل الجامعات والمؤسسات التعليمية التايوانية. من حيث توفير خدمات للطلاب المسلمين وعقد نشاطات للتعريف بالإسلام.

وإلى جانب المساجد، تتوفر العديد من غرف الصلاة المخصصة للمسلمين، تنتشر في المطارات ومحطات القطار وغيرها. ولا تزال هناك إمكانية لدعم المسلمين في تايوان وربطهم بالعالم الإسلامي مع ما أظهروه من اهتمام بنشر دينهم والعناية بشعائرهم.

الإسلام في التبت

على أعالي الجبال حيث جبال الهيمالايا والقمم العالية يوجد إقليم التبت في جنوب غرب الصين، أطلق عليها  العرب القدامى اسم التبت، ولقب حكامها بالحواقين، وكذلك الجغرافيون حديثًا أطلقوا عليهم اسم التبت. والتبت قسمان خارجي وداخلي، والخارجي هو الأهم فهو منطقة معزولة وسط آسيا يطلق عليها الجغرافيون الغربيون اسم “قلب آسيا الميّت” -لأجل ظروفها الغامضة-.

يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين ونصف المليون نسمة -حسب تقديرات 1435هـ (2014م)-. غالبيتهم من التبت ويدينون بالبوذية، مع أقلية مسلمة وأخرى نصرانية، واللغة الرسمية هي الصينية. والعاصمة تسمى “لاهاسا”.

خضعت التبت لحكم الصين في فترات قوتها، وانفصلت عنها في فترات ضعفها، وبعد الحرب العالمية الأولى انفصل أهل التبت عن الصين، وفي عام 1343هـ (1924م) رجعت لحكم الصين التي طردت حاكمها الدالاي لاما، في عام 1371هـ (1951م)، وأصبحت ولاية صينية في جنوب غربي الصين.

تاريخ الإسلام في التبت

الإسلام في التبت

وصل الإسلام إلى التبت عن طريق المسلمين في تركستان الشرقية ومن الغرب من كشمير، ولا شك أن الإسلام وصل للتبت بعد أن وصل إلى الحدود الغربية لبلاد الصين في نهاية القرن الأول الهجري عندما فتحت كاشغر، فهي لا تبعد كثيرًا عن التبت. وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- حيث أرسل أهل التبت وفدًا إلى الجراح بن عبد الله والي خراسان يسألونه أن يرسل لهم من يفقههم في الدين، ويقال إنه أرسل إليهم سليط بن عبد الله الحنفي، كما قيل إن أحد الملوك التبت أسلم في خلافة المأمون العباسي.[4]  وكل ذلك بتأثير الإسلام في وسط آسيا.

وقويت الحركة الإسلامية في التبت عن طريق كشمير، حينما كانت تحت النفوذ الإسلامي.

في نهاية القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، شن محمد بختيار خلجي، حاكم البنغال والهند، أول غاراته على التبت وكانت أول غارة لحاكم مسلم على هذه البلاد. وتكررت الغزوات لأكثر من مرة حتى أصبح للإسلام قوة سياسية في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وخاصة المناطق القريبة من كشمير حيث تأثرت بالإسلام بشكل أكبر من غيرها.

كما شهدت الحركة الدعوية نشاطًا عن طريق انتقال الدعاة من كشمير وخراسان ووسط آسيا إلى التبت، حتى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). ثم توقف هذا المدد بعد وقوع  الهند بين مخالب الاحتلال الإنجليزي، فكان في ذلك انهيار الحكم الإسلامي وفتح الباب لصعود الديانات الوثنية في التبت.[5] ومع ذلك انتشر الإسلام من التبت إلى الولايات الصينية المجاورة.

ورغم خضوع التبت للحكم الشيوعي الصيني لم يخضع المسلمون لحكمهم بسهولة فاندلعت مقاومة قادها المسلمون في عام 1379هـ (1959م)، وقتل فيها الآلاف منهم، حتى وقعت التبت تحت حكم الصين ودخل مرحلة الاضطهاد في دينهم، وحوربت عقيدة الإسلام في هذه البلاد. وهكذا بقي من بقي من المسلمين التبتيين تحت الحكم الصيني، ومنهم من ترك التبت وانتقل إلى كشمير والهند في الفترة بين 1381 – 1384هـ (1961- 1964م).

واشتكى المسلمون التبتيون في فترة الحكم الصيني من شن السلطات الصينية حملة لمحو ثقافتهم وهويتهم الإسلامية، عن طريق فرض دراسة اللغة الصينية ومنع اللغة التبتية، والتعليم غير المجاني ومطاردة النشاط الإسلامي.

مسجد “السهام بعيدة المدى”

يرجع بناء أول مسجد للمسلمين في التبت بحسب بعض المراجع إلى القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) في عهد البوذي، الدالاي لاما الخامس، الذي حكم التبت لمدة 65 عامًا، وسمي المسجد باسم “السهام البعيدة المدى” لكون قصة بنائه بدأت بمسلم كان يصلي بخشوع فلفت انتباه لاما الخامس فأعجبه ذلك، وعندما انتهى من صلاته سأله عن سبب صلاته في هذا المكان، فأجابه المسلم، بأنهم يفتقدون لمكان خاص بهم للصلاة فيه.

فاستدعى الدالاي لاما أمهر الرماة وطلب منه أن يقف في المكان الذي كان يصلي فيه هذا المسلم، ثم يرمي بسهامه في الاتجاهات الأربعة، شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا ثم يُوصل بين مواقع هذه السهام، لتصبح المساحة بينها قاعدة لبناء مسجد للمسلمين، فحمل المسجد هذا الاسم “السهام بعيدة المدى”؛ ولا يزال إلى يومنا هذا. ويذكر أن القائد البوذي وضع عن المسلمين الجزية، فساعدهم ذلك في تعزيز مصالحهم الاقتصادية. وهذا يشير إلى أن العداء مع البوذيين تمت تغذيته من أطراف خارجية استفادت منه، كما تلخص ذلك قصة تاريخ الإسلام في الهند.

الإسلام في التبت اليوم

الإسلام في التبت

أثر الموقع الجغرافي للتبت بتواجدها في هضبة عالية جدًّا على ارتفاع 4 كيلو مترات عن سطح البحر، حيث يطلق عليها “سقف العالم”، إضافة لصعوبة تضاريسها وصعوبة طقسها، في علاقتها مع العالم؛ لذلك فإن أهل التبت ليس لهم اختلاط بالصينيين أو الهنود.

وتقدر أعداد المسلمين في التبت بحوالي ربع مليون مسلم من أصل 3 ملايين تبتي، لديهم مسجد في العاصمة يسمى “مسجد لاسا” المشهور، وهو موجود إلى الآن، ومبني على الطِراز التبتي.

يطلق اسم “الأرغونيين” على المولودين في ولاية لداخ من أمهات تبتيات وآباء مسلمين من التجار القادمين للمنطقة، بعد إسلامهن، حيث تزوج الجيل الثاني من نساء التبت واستوطنوا المدن الرئيسية، وكما كان هناك تجار مسلمون من كشمير استقروا في التبت وكونوا أسرًا مسلمة. وازداد عدد المسلمين بسرعة تفوق باقي عناصر سكان التبت. ومع ذلك لا يزال حال المسلمين ضعيفًا إلى اليوم.

الاضطهاد الصيني

فلا تزال الصين تطبق سياسة الاضطهاد للمسلمين في أراضيها، التي لم يسلم منها حتى المسلمين في التبت. واليوم ترغم بكين الآلاف من سكان التبت على الالتحاق بمعسكرات العمل الجماعية بحسبما حذرت  دراسة وصفت هذه المراكز بأنها الأقرب إلى معسكرات العمل.

الدراسة نشرتها مؤسسة جيمس-تاون البحثية في العاصمة واشنطن، واعتمدت في ملاحظاتها وخلاصاتها على تقارير إعلامية حكومية، ووثائق متعلقة بالسياسات، وصور الأقمار الاصطناعية التي تم تأكيد صحتها من وكالة رويترز للأنباء وهو عين ما يكابده الإيغور المسلمين في منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية) شمال غربي الصين.

ومع أن التبت تتمتع بحكم ذاتي إلا أن تدخلات الصين لا تزال تلاحق المسلمين هناك، حيث تتهم الصين بقمع الحرية الثقافية والدينية في التبت. وأكد هذه الاتهامات الرئيس السابق للتبت في المنفى، “لوبسانغ سانغاي”، من ضمن آخرين، قائلًا “إن شعب التبت يتم إرغامه على الالتحاق بمعسكرات العمل الإلزامي ومراكز التدريب من أجل “التعليم”.

وبحسب الدراسة فإن 500 ألف شخص، معظمهم من المزارعين المكتفين ذاتيًا إضافة إلى الرعاة، تلقوا تدريبًا في الشهور السبعة الأولى من عام 1441هـ (2020م) وحددت السلطات عددًا من العمال ينقلون بشكل جماعي إلى داخل التبت وأجزاء أخرى من الصين.

وتشدد مشاريع التدريب هذه على “الانضباط في العمل، واللغة الصينية، وأخلاقيات العمل”. وينتهي التدريب بتوظيف المتدربين في وظائف متدنية الأجور، كصناعة النسيج، والبناء والزراعة.

وتكمن خطورة هذه المشاريع في أنها تعتمد على “سياسة إدماج الأقليات الإثنية بشكل متزايد”، مما يتسبب في خسارة الإرث اللغوي، والثقافي، والروحي على المدى البعيد للقوميات المستهدفة، وأيضا لاستغلالهم في تحريك عجلة الاقتصاد الصينية بلا أدنى اعتبار لحقوقهم.

وما يحصل في التبت يشبه مشاريع معسكرات العمل الإلزامي في تركستان الشرقية حيث تحتجز الصين الإيغور المسلمين. وجاء في الدراسة: “تخفيف مظاهر الفقر الذي تشجعه الدولة في كل من شينجيانغ والتبت يكمن في مشروع من أعلى السلم الاجتماعي إلى أسفله يمتد من المراقبة الاجتماعية التي تمارسها الحكومة إلى الوحدات الأسرية”.

وتبرر الصين وجود هذه المعسكرات على أنها مجرد مدارس مهنية تشتد الحاجة إليها “لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني” على حد زعمها. مع أن الدراسة تؤكد على أن مخطط العمل الإلزامي “يحتمل أن يكون أقل إكراها” مما يجري في تركستان الشرقية. وخلصت الدراسة إلى أن “الحضور المنهجي لمؤشرات واضحة للإكراه والتأطير الإيديولوجي، إضافة إلى التغيير الدائم والعميق بشكل محتمل في سبل العيش، ينطوي بشدة على إشكاليات”.[6]

ويبقى واقع المسلمين في هذه المنطقة متصلًا بتاريخهم وبعداء الصين للإسلام، وهو يحتاج لترابط وتعاون لصناعة وعي للمسلمين، وتحسين معرفتهم الدينية وظروفهم الاقتصادية. وهذا يتطلب مد الجسور معهم وتقريب المسافات بينهم.

الإسلام في هونغ كونغ

الإسلام في هونغ كونغ

تقع هونغ كونغ على ساحل الصين الجنوبيّ، بين بحر الصين الجنوبي ودلتا نهر اللؤلؤة، تشتهر بناطحاتها السحابيَّة الكثيرة ومينائها الفَسِيح. ومع أن منطقة هونغ كونغ الحديثة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، إلا أنها بقيت إلى نهاية العصور الوسطى مجرَّد قرية صيدٍ صغيرةٍ مهملة.

وقعت المنطقة تحت النفوذ البريطاني بعد حرب الأفيون الأولى (1255- 1258هـ) (1839-1842م)، وتوسَّعت حدودها من جزيرة هونغ كونغ (التي ترجع لها التسمية) لتشمل شبه جزيرة كولون ثم الأقاليم الجديدة فيما بعد.

احتلت اليابان هونغ كونغ في منتصف القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)، أثناء حرب المحيط الهادئ، لكن بريطانيا استعادتها بعد الحرب، وظلَّت مستعمرةً بريطانيَّة حتى عام 1418هـ (1997م) عندما أعيدت ملكيَّتها إلى الصين. ولم يضطهد الاحتلال البريطاني ثقافة الشعب كما تفعل الصين وفرنسا عادة، فتشكلت ثقافة هونغ كونغ الحديثة ووصفت بأنها ثقافة “الشرق يلتقي الغرب”.

ما زالت هونغ كونغ تتمتع بحكم ذاتي مستقل وإن كانت تحت حكم الصين، إلا أن نظامها في الحكم يختلف عن حكم الصين. يتجلى ذلك في استقلالية قضائية واستقلال سياسي، وذلك كما نص دستورها عند نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز “درجةً من الاستقلالية” في كل جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكريَّة.

الإسلام في هونغ كونغ

تصل نسبة المسلمين في هونغ كونغ إلى 4.1 % من سكان هونغ كونغ، أو حوالي 300 ألف مسلم بحسب إحصاء عام 1437هـ (2016م). منهم الصينيون والأندونسيون والباكستانيون والبقية من مختلف دول العالم، وأغلبهم من السنة.

وصل الإسلام إلى هونغ كونغ مع المهاجرين المسلمين الأوائل من جنوب آسيا الذين اتخذوا زوجات صينيات في نفس المنطقة من شعب تانكا وأنشأوا أطفالهم على الإسلام. ولعب مسلمو الهوي من البر الرئيسي للصين دورًا في تطوير الحضور الإسلامي في هونغ كونغ. كما وصل العديد من المسلمين الهنود وبعضهم كان من الجنود أثناء سيطرة بريطانيا على هونغ كونغ. ثم فتحت المنطقة أبوابها لأفواج المسلمين من جنوب آسيا والصين.

ورافق ازدياد عدد المسلمين الحاجة لمرافقة تخدمهم فبنيت المساجد والمقابر، وتأسست جمعيات ومنظمات إسلامية. فنشطت الحركة الدعوية واعتنق العديد من سكان  المنطقة الإسلام وخاصة من الصينيين الذي ازداد عددهم حتى وصل إلى نحو نصف عدد المسلمين في هونغ كونغ في عام 1425هـ (2004م).

ورافق هذا النشاط توفير المطاعم الحلال والمحلات الحلال التي تبيع منتجات المسلمين. إضافة إلى مدارس إسلامية، منتشرة في كل أنحاء جزيرة هونغ كونغ وكولون والأراضي الجديدة بما فيها رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والكليات. والمدارس الإسلامية المتخصصة.

وخرجت من هونغ كونغ قوافل الحجاج بشكل منفصل عن المسلمين في الصين إلى بيت الله الحرام حيث تخصص إدارة الحج في بلاد الحرمين تصاريح خاصة بالمسلمين في هذه المنطقة بشكل منفصل عن الصينيين.

ومثل إخوانهم المسلمين في بقية مناطق شرق آسيا يعاني المسلمون في هونغ كونغ مشكلة إقامة الصلاة في وقتها وبعد المساجد وصعوبة أداء صلاة الجمعة؛ مما دفع المسلمين لاستئجار شقق بجانب أماكن العمل وتحويلها لمصليات صغيرة.

المساجد في هونغ كونغ

الإسلام في هونغ كونغ

يعتبر جامع الجامع أقدم مسجد في جزيرة هونغ كونغ، تم بناؤه في أربعينيات القرن التاسع عشر (الثالث عشر الهجري) وأعيد بناؤه عام 1333هـ (1915م). كما تحتضن هونغ كونغ مسجدًا قديمًا بني في شارع قولونغ عام 1314هـ (1896م). ومن أشهر المساجد في المنطقة مسجد كولون الذي بُني في عام 1404هـ (1984م) في شارع ناثان ويتسع لنحو 3500 مصلٍ. ومسجد هونغ كونغ السابع، ومسجد شيونغ شوي في الأراضي الجديدة.

ومسجد عمار في طريق أوي كوان في وان تشاي في عام 1401هـ (1981م) والعديد من المساجد الأخرى، وقاعات الصلاة المنتشرة في جميع أنحاء هونغ كونغ، مثل مطار هونغ كونغ الدولي، وجامعة مدينة هونغ كونغ وغيرها.

المنظمات الإسلامية

ينظم حياة المسلمين عدد من المنظمات الإسلامية؛ منها مجلس أمناء صندوق المجتمع الإسلامي في هونغ كونغ، ومجلس أمناء صندوق المجتمع الإسلامي في هونج كونج بمسجد عمار، والاتحاد الإسلامي لهونغ كونغ  وغيرها.

تعمل جميعها على تعزيز الثقافة الإسلامية وربط الجسور مع العالم الإسلامي، كما يولي المسلمون في المنطقة الاهتمام بالمسابقات القرآنية لإعادة الاهتمام بالقرآن الكريم.

ولا يزال الخلاف بين الصين والولايات المتحدة يلقي بظلاله على جميع مناطق شرق آسيا بما فيها هونغ كونغ لعلاقتها الوطيدة بالغرب. والأزمة الصينية التايوانية الحالية سيكون لها تداعياتها على كل المسلمين في المنطقة.  

الإسلام في ماكاو

ماكاو هي مستعمرة برتغالية سابقة، مساحتها صغيرة جدًّا؛ حيث تساوي 29 كم مربعًا، وبينها وبين هونغ كونغ مسافة خمسين دقيقة بالبحر. ولا يوجد فيها إلا مسجد واحد فقط هو مسجد ماكاو.

يعتنق السكان في ماكاو الديانات الشعبية الصينية والبوذية. ورغم فرض النصرانية خلال الفترة التي كانت فيها المنطقة تحت الحكم البرتغالي (964- 1420هـ) (1557-1999م) بضغط من الكنيسة الكاثوليكية إلا أنه سرعان ما تلاشى أثر التنصير بين المكاويين في الوقت الحاضر.

ومن آثار المعتقدات المحلية الوثنية تسمت المنطقة باسم “مكاو” الذي اشتق من النسخة البرتغالية من الاسم المحلي لمعبد “مازو” البارز. وثقافة ماكاو بُنيت على القيم الكونفوشيوسية والطاوية التي عرفتها المنطقة لأول مرة في ماكاو في القرن الثالث الميلادي. والتي انتشرت بشكل كبير مع البوذية بين أهل المنطقة.

المسلمون في ماكاو

عدد المسلمين في مكاو قليل جدًّا؛ حيث لا يتجاوز مجموعهم من مختلف الجنسيات 400 شخص، لكنه يزداد مع قدوم الخادمات الإندونيسيات المسلمات اللاتي يعملنَ في خدمة البيوت، حيث يتجاوز عددهم 3000 خادمة مسلمة.

ولدى المسلمين الجمعية الإسلامية بماكاو ووفقًا للاتحاد الإسلامي في هونغ كونغ؛ يشكل مسلمي ماكاو بإضافة كل من العمال المسلمين الأجانب مجتمعين (مسلمي بنغلاديش والهند وإندونيسيا وباكستان) حوالي 5 آلاف مسلم.

تاريخ الإسلام في ماكاو

وصل الإسلام إلى ماكاو في الهجرة الأولى للمسلمين إليها منذ عهد أسرة يوان التي عاشت في الفترة بين عاميّ (658 – 769هـ) (1260-1368م)، وعلى الأرجح انتقل الإسلام إلى ماكاو من قبل التجار من بلاد العرب وفارس خلال ذلك الوقت وحتى عهد سلالة تشينغ التي حكمت في الفترة بين عاميّ (1053 – 1329هـ) (1643 – 1911م)؛ حيث لا تزال في المنطقة قبور للمسلمين تعود لمئات سنوات الماضية.

أما الهجرة الثانية للمسلمين فسجلت خلال الحكم البرتغالي لماكاو، حيث جاء العديد من المسلمين من جنوب آسيا مع الجيش البرتغالي وأسسوا مسجدًا في ماكاو لأداء صلاتهم.

ثم الهجرة الثالثة وكانت خلال الحرب العالمية الثانية حيث هرب العديد من المسلمين من قومية هوي من الصين إلى ماكاو البرتغالية آنذاك للنجاة من آثار الحرب المدمرة، وأغلبهم من تشاوتشينغ في محافظة كوانتونغ، وكثير منهم انتقل إلى هونغ كونغ بعد نهاية الحرب العالمية.

كذلك سجل قدوم بعض المسلمين إلى ماكاو من شمال غرب الصين بعد نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1368هـ (1949م)، وهكذا أثرت الحروب في حركة انتقال المسلمين وتمركزهم في هذه المناطق من شرق آسيا. مما أثر في التوزيع الديموغرافي للمسلمين.

المسجد الوحيد في ماكاو

الإسلام في ماكاو

المسجد الوحيد في ماكاو.

المسجد الوحيد في مكاو قديم جدًا، وقد جدد بناؤه في عام (1974م) من تبرعات امرأة صينية مسلمة. وقد اختلف في تحديد تاريخ بنائه، فقيل بُني قبل أكثر من 150 عامًا، ومنهم من يقول إن عمره الحقيقي يعود لأكثر من 400 سنة، هذا فضلًا عن الخلاف حول هوية من بناه، فمنهم من يقول إنهم التجار العرب أو الفرس، ومنهم من يقول إنهم الهنود الذين جاؤوا مع الجيش البرتغالي والله أعلم بذلك.

وعلى صغر مساحته التي لا تتجاوز 78م مربعًا، يشهد مسجد مكاو يوم الأحد ازدحامًا شديدًا لاجتماع الموظفين المسلمين فيه خلال إجازتهم الأسبوعية. ويقع المسجد في موقع جميل على جبل تحيط به الأشجار الكثيرة والكثيفة، كما يطل من جهته الشرقية على ساحل البحر، ويقع بالقرب منه الميناء؛ الذي يبعد عشر دقائق مشيًا على الأقدام فقط. مما يجعل موقعه مميزًا.

ومن بين الحضور يوم الأحد الخادمات الإندونيسيات حيث يجتمعن في مصلى النساء في المسجد الوحيد في مكاو منذ الصباح الباكر إلى الليل، وقد أحضرن الأطعمة المختلفة معهن، للاستفادة من عطلتهن الأسبوعية في البرامج التعليمية التي يحتضنها المسجد كتعليم سورة الفاتحة وقصار السور،  فضلًا عن إجراء بعض البرامج الثقافية والمسابقات الدينية، مع توفر مساحة للكتب الإسلامية.

تتكون منطقة المسجد من مسجد ماكاو، ومقبرة ماكاو الإسلامية، وهناك أيضًا مقر لجمعية مكاو الإسلامية، ويحتوي المسجد على مكان للوضوء وملعبين. وتدير الجمعية الإسلامية في ماكاو هذا المسجد، وقد تأسست عام 1354هـ (1935م) كما تتوفر في ماكاو بعض المطاعم ومحلات بيع الطعام الحلال.

يوجد في ماكاو منظمتان إسلاميتان تعنيان بشؤون المسلمين. ويقدم اتحاد مسلمي هونغ كونغ الميزانية السنوية والإعانات إلى الجمعية الإسلامية في مكاو حتى تستمر في نشاطها الدعوي ونشر الإسلام.

ويعاني المسلمون في هذه المنطقة مثل غيرهم من مشكلة توقيت إقامة الصلاة،  كما أن بعض العاملات المسلمات يواجهن في بعض الأحيان صعوبات في الحفاظ على ارتداء الحجاب أثناء وقت العمل، أضف لذلك الحاجة الكبيرة لمسجد آخر ليخفف الضغط على مسجد مكاو الوحيد والصغير. وحين نتحدث عن واقع المسلمين في مكاو يجب الحديث عن حال الفرق الضالة في هذه المنطقة الصغيرة وهو حال البهائية.

البهائية في ماكاو

استهدفت مكاو بسهام الأيديولوجية البهائية منذ عام 1372هـ (1953م)، حيث اعتنقت البهائية فرانسيس هيلر الأمريكية في ماكاو في عام 1373هـ (1954م)، واستمر الاستقطاب لهذه الفرقة حتى وصل عدد البهائيين في ماكاو إلى 30 شخصًا. وانتشر ضلالها إلى جزر تايبا وكولوان. وفي عام 1410هـ (1989م)، أسس البهائيون في ماكاو أول جمعية لهم؛ حيث أصبح عدد البهائيين نحو 400.

ولاشك أن التقصير في تقديم الدعم الدعوي للمسلمين في مكاو، وعدم المساعدة في تقوية نشاطهم الدعوي لنشر الإسلام الصحيح بين الناس ورد شبهات الفرق الضالة؛ سبب في تقوية نشاط هذه الفرق. ويبقى من أوجب الواجبات على الدعاة في زماننا مد يد العون للساحات التي تحتاج لدعم دعويّ وتعتبر ساحات خصبة للدعوة، فلا عذر لنا لما يتوفر من وسائل اتصال سريعة ونقل ميسرة. وقد كان أسلافنا يقطعون الصحاري والبحار والجبال ويشغل ذلك جلّ أعمارهم في سبيل أن يبلغ هذا الدين الناس في كل مكان. فبارك الله في سعيهم وشاهدنا انتشار الإسلام في أصقاع الأرض ولا يزال فيها بعد قرون من تضحياتهم.

وبهذا نكون قد اطلعنا على ما تيسر من أحوال المسلمين في منطقة شرق آسيا وتاريخ الإسلام فيها؛ لنتعلم من تجاربهم وندرك مدى حاجتهم لإخوانهم المسلمين في كل مكان. فالإسلام دين أمة واحدة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي، وهي خير أمة أخرجت للناس ما دامت تقوم بما يوجب استحقاق الخيرية.

المصادر
  1. الإسلام في الصين: صراع وجود لا يزال مستمرًا
  2. هي معاهدة وقعت في شيمونوسيكي في 17 أبريل 1895م (1313هـ) بين إمبراطورية اليابان وسلالة تشينغ، منهية بذلك الحرب اليابانية الصينية الأولى. كان من بنودها: اعتراف الصين بالاستقلال الكامل لكوريا، وتنازل الصين لليابان بشكل كامل عن بسكادورز، تايوان، ولياوتونغ بالإضافة إلى كامل موانئها وممتلكاتها، وموافقة الصين على الدفع لليابان تعويض حرب بمقدار 200 مليون كوبنغ. وافتتاح الصين ساشيه، تشونغتشينغ، سوجو وهانجتشو.
  3. الإسلام في تايوان، ويكيبيديا.
  4. دائرة المعارف ص531. Europa year book vol 2 1982 p 1724
  5. الدعوة للإسلام، ص325.
  6. الصين “ترغم” الآلاف من سكان التبت على الالتحاق بمعسكرات العمل الجماعية
  7. الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا لسيد عبد المجيد بكر.
  8. المسلمون في هونغ كونغ
  9. الإسلام في هونغ كونغ
  10. الإسلام في الصين: صراع وجود لا يزال مستمرًا
  11. مسجد ماكاو
  12. نبذة عن مسجد ماكاو Macau
شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x