الإسلام في جنوب آسيا: كشمير

لا يزال إقليم كشمير الذي عُرف باسمِ جامو وكشمير، منطقة صراع تاريخي ممتد، بين دوليتين من كبريات دول آسيا، وهما باكستان والهند، ويزيد من أهمية هذا الصراع، موقع الإقليم الجغرافي المحاذي لبعض أكبر دول العالم وهي: روسيا، والصين، اللتان تتخذان مواقف براغماتية تخدم مصالحهما من الصراع الهندي الباكستاني، ولعل أكثر ما يميز تاريخ وحاضر كشمير، هي تلك المجازر الدامية التي تعد معلمًا بارزًا في محطات الزمن، والتي بلغت سقف الإجرام الهندوسي بحق المسلمين في شبه القارة الهندية على اختلاف مراحلها.

وتعود نشأة الصراع على إقليم كشمير إلى ما يسمى “قانون استقلال الهند” الذي أصدره البرلمان البريطاني في 29 شعبان 1366هـ ( 17 يوليو/تموز 1947م) وأنهى الاحتلال البريطاني للبلاد، ثم تم على أساسه تقسيم شبه القارة الهندية في 28 رمضان 1366هـ (15 أغسطس/آب 1947م) إلى دولتين هما الهند وباكستان التي كانت تضم بنغلاديش ثم انفصلت عنها مطلع سبعينيات القرن العشرين، وكان من المفترض أن تضم باكستان كشمير أيضا، وهو ما لم تسمح به الهند على الرغم من أن التقسيم تم على أساس ديني وأن كشمير ذات أغلبية مسلمة من الطبيعي أن لا تكون تابعة للهند الهندوسية وفق قرار التقسيم.

المحتوى أخفي

كشمير بلغة الجغرافية

كشمير منطقة جبلية تقع في القسمِ الشماليِّ من شبهِ القارةِ الهندية، بين الصين شرقًا وباكستان غربًا، وبين باكستان والهند جنوبًا، والصين وأفغانستان شمالا، تنتصب في شرقها جبال “قرة قورم” التي ترتفع قممها إلى أكثر من ثمانية آلاف متر، كما ترتفع جبال “لداخ” و”زسكار” في الجنوب الشرقي إلى ستة آلاف متر، وجبال “هيمالايا” التي ترتفع في هذه المنطقة إلى خمسة آلاف متر، وتمتد في الشمال الغربي جبال “هندكوش”، وفي الغرب يتواجد وادي كشمير شمالًا، ووادي جامو جنوبًا، وبينهما جبال “باتجال” حيث يعد هذان الواديان تتمة لسهول باكستان.

مناخ كشمير بارد جدًا في فصل الشتاء لطبيعة البلاد الجبلية، إذ تغطي الثلوج الجبال أكثر أيام العام أما خلال الصيف فمعتدل في الجبال وحار في الأودية.
وتجري الأنهار في هذه المنطقة متأثرة بمعدل هطول الأمطار، فإن كانت كثيرة، فاضت الأنهار وإن شحت، انخفض منسوب المياه فيها.

وأشهر هذه الأنهار نهر السند الذي يخترق منطقة لداخ وزسكار ويتجه نحو الشمال الغربي فيرفده نهر جلجلت، ثم يدخل باكستان ويتجه نحو الجنوب الغربي، ونهر جهلم، الذي يمر في وادي كشمير ويدخل باكستان ويرفد نهر السند.

ثم نهر شناب الذي يمر في وادي جامو ويدخل باكستان ويرفد أيضا نهر السند.

وتبلغ مساحة كشمير الكلية 86023 ميلا مربعًا (نحو 223000 كيلومتر مربع)، يقسمها منذ عام 1368هــ (1949م) خط وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، ويُعرف بـ”خط الهدنة” منذ توقيع “اتفاقية شملا” بين البلدين في عام 1392هـ (1972م).

وتبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلا مربعًا ويسمى جامو وكشمير، عاصمته الصيفية سرينغار وعاصمته الشتوية جامو، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلا مربعا يُعرف باسم ولاية كشمير الحرة “آزادي كشمير” وعاصمتها مظفر آباد.

السكان في كشمير

يعيش في كشمير بحسب الإحصاءات لعام 1440هـ (2019م)، ما يقارب 13 مليون نسمة، ويمثل المسلمون نحو 90 بالمئة منهم، أي نحو 10 ملايين كشميري مسلم.

يعيش هؤلاء السكان على الزراعة بالدرجة الأولى حيث تنتشر المساحات المزروعة في الأودية وعلى سفوح الجبال، وأشهر منتوجاتهم الزراعية: الأرز الذي يعد الغذاء الرئيسي للسكان كما تعتبر كشمير والبنغال والسند أهم مناطق زراعة الأرز في شبه القارة الهندية.

وبعد الأرز، تأتي منتوجات القمح والشعير والذرة والقطن والتوت الذي تُربى عليه دودة القز لإنتاج الحرير، ثم الزعفران والتبغ فضلا عن أنواع مختلفة من الفاكهة التي تحتاج إلى منطقة باردة كالتفاح والدراق والخوخ، وهي المنتجات التي تستقبلها باكستان كواردات رئيسية من كشمير.
وتقدم الغابات التي تغطي مساحات لا بأس بها من البلاد، 21 بالمئة من مجموع واردات كشمير، إذ تصدر 90 بالمئة من أخشابها وتستهلك 10 بالمئة فقط، وترسل الفائض بواسطة الأنهار إلى غربي البنجاب.

يرافق النشاط الزراعي نشاطًا صناعيًا يدويًا، حيث يشتهر الكشميريون بالحياكة والنقش على الخشب وصناعة الفضة ونسج الحرير ولهم في ذلك شهرة عالمية، كما يوجد في “سرنقر” معمل حرير من أكبر مصانع العالم.

ويتحدث الكشميريون باللغة الكشميرية وهي لغة جبلية خاصة تشبه لغة البنجاب إلى حد ما، وهي من أصل سنسكريتي، ويظهر فيها أثرٌ واضحٌ من اللغة الفارسية. كما يتحدثون لغات أخرى مثل الهندية والأردية والصينية. ويستخدمون الحروف العربية في كتابتهم.

ويتكون الشعب الكشميري من أجناس مختلفة أهمها الآريون والمغول والأتراك والأفغان، وينقسمون إلى أعراق متعددة أهمها كوشر ودوغري وباهاري.

من أشهر قبائل كشمير الإسلامية: الشيخ، السيد، المغول، الباتان، أما الهنادك فأشهر قبائلهم: البانديت، وريشي، وقبائل البنديت متعصبون جدًا للبراهمية (الهندوسية).

والكشميريون يختلفون تماما عن الهنود، في ملامحهم ولون بشرتهم البيضاء وطبيعة بلادهم وعاداتهم وثقافتهم، فلا يوجد ما يوحدهم مع الهند لا عرقيًا ولا دينيًا ولا ثقافيًا ولا تاريخيًا.

كشمير بلغة السياسة

تدير “آزادي كشمير” (الشطر الباكستاني) حكومة وبرلمان محليان يتوليان تسيير شؤونها باستثناء شؤون الدفاع والأمن اللذين يشرف عليهما النظام الباكستاني.

أما جامو وكشمير (القسم الهندي) الذي يعتبر عقدة المنشار في الصراع، فتعتبره الحكومة الهندية جزءًا لا يتجزأ من البلاد طبقًا لنصوص الدستور الهندي الصادر 1372هـ (1953م) وتديره -مثل كل ولايات البلاد- عبر حكومة محلية تابعة للهند، رئيسها من أهل كشمير نفسها.

وتمثل هذا الشطر شعبيًا عدة تنظيمات تنضوي تحت عنوان “المقاومة الكشميرية” التي يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين: مقاومة من داخل الأراضي الكشميرية ويغلب عليها الطابع السياسي ويمثلها “مؤتمر عموم الأحزاب الكشميرية”، الذي يضم أكثر من 13 فصيلًا كشميريًا يمثلون كافة الاتجاهات السياسية ويطالبون بالاستقلال.

أما القسم الثاني فهو المقاومة التي تنطلق من خارج الحدود الكشميرية وخاصة من باكستان، وهي متنوعة ما بين عسكرية وسياسية ودينية وعلمانية، وتتوزعها خريطة حزبية معقدة ومتشابكة كتشابك الأعراق والقوميات والمذاهب الفكرية في باكستان.

كشمير بلغة الدين

انتشر الدين الهندوسيّ في كشمير حتى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، إلى أن حكمها المسلمون منذ عام 720هـ لغاية عام 1234هـ (1320 لغاية عام 1819م)، حيث انقسم حكمهم على ثلاث فترات مختلفة:

  • فترة حكم السلاطين المستقلين: 720 – 994هـ (1320 – 1586م).
  • فترة حكم المغول: 994 – 1166هـ (1586 – 1753م).
  • وأخيراً فترة حكم الأفغان: 1166 – 1234هـ (1753 – 1819م).

وبذلك أصبح الإسلام الدين الرئيسيّ الحاكم للكشميريين على مدى 5 قرون متتابعة، ليستمر بعد ذلك في صراع وجودي تحت حكم غير إسلامي لا يزال مستمرًا إلى اليوم.

وعُرف الإسلام الكشميري بالصوفية التي تعظم الأولياء وتقدم القرابين لأضرحتهم المنتشرة بمدن الإقليم، إضافة إلى رفع عرائض على الأضرحة تتضمن ما يحتاج إليه الزائرون لها.

وفي مدينة سريناغار يوجد ما يعتقدون أنه رداء لآدم عليه السلام، وشعرة من النبي صلى الله عليه وسلم، كما توجد بأضرحة أخرى عصا موسى وقرن أضحية إسماعيل التي هبطت من الجنة. بل ويعتقدون اعتقادات غريبة جدا تدل على عمق جهلهم واستغلال المبتدعة لسذاجتهم.

ويرى بعض الباحثين أن تلك المزارات في كشمير تؤدي دور مؤسسات تخفيف المحن. حيث بدأت في أوقات لم تكن توجد فيها مؤسسات تقدم المساعدة أو آليات للتصحيح العقدي، ثم أصبحت ثقافة متوارثة. وساعد ضعف الدعوة وتفشي الجهل والبدع في استمرار هذه الممارسات المخالفة للإسلام.


وقد رصد بعض الرحالة هذه الممارسات العجيبة في كشمير والتي منها أداء صلاة الجمعة بالتلاوة والتواشيح.

حيث سجل الرحّالة السعودي محمد بن ناصر العبودي في يوميات رحلته إلى كشمير نهاية السبعينيات، تفاصيل صلاة الجمعة بأحد مساجد مدينة سريناغار، العاصمة الصيفية لإقليم كشمير. وقال في ذلك:

“وكانت خطبتهم عجيبة حقًا إذ يتخللها ما يشبه الأناشيد والأصوات المنغمة الجماعية فهي بالأوردية أو الكشميرية لا أدرى ولكن الخطيب يورد آيات قرآنية. فيقرأها بألحان عجيبة غريبة جميلة حتى إذا بدأ فيها شاركه في تلاوتها بالألحان جماعة من الحاضرين في الصلاة وقد تكرر منه تلاوة الآيات الكريمة ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِيي ) ثم إذا أتم هو ومـن مـعـه تلاوتها بالألحان أخذ يفسرها بلغته دون أن يشاركه أحد ثم عاد يتلوها بألحان جميلة لا تشبه الألحان التي تقرأ بها في البلدان العربية وإنما قد يقال إن فيها شبهًا قليلاً من ألحان القراءة عند الفرس فيتابعه القوم بأصواتهم وهم مثلها يتلونها بالألحان ..
ثم يعود ليتكلم بلغته حتى يأتي على شعر أو ما يشبه الشعر في تلك اللغة فيقرأه بلحن يتابعه عليه المصلون حتى يظن المرء أنه يسمع تواشيح دينية جماعية وليست خطبة في مسجد جامع ثم يعود فيورد آية قرآنية أخرى بلحن منغم يتابعه عليه بعض المصلين وهكذا.”

وفي الكتاب العديد من المشاهدة المهمة التي تقدم تفاصيل وافية عن طبيعة الحياة في كشمير.

أهل الحديث الحركة الإصلاحية في كشمير

لكن الحركة العلمية في كشمير لم تخمد، ونشطت جماعة أهل الحديث، أقدم الحركات الإسلامية في شبه القارة الهندية، في كافة مناطق كشمير، تدعو لتصحيح المناهج والاستقامة على هدي القرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح، وكان لجهود الشيخ محمد حسين شاه تلميذ العلامة نذير حسين المحدث الدهلوي، ورفيق دربه الشيخ أنور شاه شوبياني أكبر الأثر في نشر دعوة أهل الحديث في المنطقة.

وفي عام 1341هـ (1923م) تمكن مؤتمر عموم الهند لأهل الحديث والذي عرف فيما بعد باسم الجمعية المركزية لأهل الحديث من تنظيم حركة أهل الحديث تحت اسم مؤتمر أهل كشمير لأهل الحديث والذي عرف في عام 1945م، باسم “بزم التوحيد” أي دعوة التوحيد.

وبعد سنوات تم تغيير اسم الجمعية إلى الاسم الحالي: الجمعية المركزية لأهل الحديث جامو وكشمير ونشطت فروعها في التعليم والتربية والإفتاء والأوقاف والمساجد والبحوث العلمية والدعوة والإعلام. وأنشأت الكلية السلفية كأول كلية عربية إسلامية في سرينجار العاصمة بالإضافة إلى العديد من المدارس والمعاهد الإسلامية، بالإضافة إلى بناء ما يزيد على 500 مسجد. كما اهتمت الجمعية بعقد الدورات المتعدة لإعداد الدعاة والمربين، وكذلك تسيير القوافل الدعوية في جميع أنحاء كشمير وعقد المؤتمرات لترسيخ المفاهيم العقدية، وفي وسط العاصمة أنشأت مكتبة المسلم العامة التي تم تعميم فكرتها على جميع الوحدات الإدارية التابعة لها وكان لها. ولا تزال جهودها في الدعوة من خلال المساجد والمراكز الإسلامية التابعة لها مستمرة على الرغم من القمع الهندي.

وواقع كشمير اليوم العديد من المدارس الفكرية والمذهبية الدينية، أنتجت كذلك جماعات وأحزاب سياسية وجهادية مختلفة في مناهجها متفقة في هدف تحرير كشمير.

تاريخ الإسلام في كشمير

وصل المسلمون إلى شمالي بلاد الهند منذ القرن الثاني للهجرة وتمكنوا من فتح أكثر المناطق الشمالية باستثناء كشمير التي استعصت عليهم بسبب تضاريسها الجبلية، واستمر الهنادك يحكمونها وينشرون فيها البوذية وثقافة الصين إلى عصر التتار. وفي هذه الأثناء حاول محمود الغزنوي أن يفتح البلاد لكنه لم يتمكن من ذلك، لكن في القرن الثامن الهجري، اعتنق ملك كشمير البوذي، “رينجن شا” الإسلام على يد الداعية بلال شاه المعروف أيضا باسم “بلبل شاه”، وهو رحَّالة مسلم من تركستان، وتلقب الملك باسم “صدر الدين”، وكان أول حاكم مسلم لكشمير، وأسلم معه عدد غير قليل من كبار القادة والزعماء في الميادين المختلفة، وأسلم معهم كذلك عدد كبير من السكان.

وبدأت أنوار الإسلام تنير ظلام كشمير، فانتشر في جميع أرجائها ولقي قبولا سريعًا، وقدِ انْخَرَط الدعاة المسلمون في صفوف الناس لتبليغ دين الله، ومعظم هؤلاء الدعاة قدموا من وسط آسيا، ومن بَيْنِهم بلال شاه، وجلال الدين بُخاري، وعلي الهمداني، وابنه مُحمَّد الهمداني،وكانت جهود علي الهمداني (المعروف باسم شاه همدان) الأكثر تأثيرًا بين الكشميريين،

وقد تمكن ابنُه مُحمد الهمداني من إقناع الحاكم المسلم آنذاك سلطان إسكندر (791 – 816هـ) (1389 – 1413م) بتطبيق الشريعة؛ وفي نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) كان أغلبيَّة سكان كشمير قدِ اعتنقوا الإسلام عن اقتناع كامل، وليس قسرًا أو إكراهًا؛ ولعل أبرز الأسباب في ذلك رغبة الطبقة الدنيا من الهندوس في إحراز المساواة الاجتماعية والفرص العادلة للازدهار، مِمَّا جعلها ترى في الإسلام أفضلَ بديلٍ عنِ الحياة التي كانت تَحياها.

ورافق انتشار الإسلام التخلص من اضطهاد الهنادك للناس الذين عاشوا تحت الحكم الإسلامي إلى غاية عام 1234هـ (1819م) في استقرار وأمان حتى استولى السيخ على البلاد عنوة.

ومما سجله تاريخ البلاد خلال عصر تيمور، دخول الأخير إلى الهند في عام 801هـ (1399م)ـ إبان حكم سلطان إسكندر، لكن تيمور لم يغز كشمير، وبدلا من ذلك أرسل هدية لحاكمها لما وصله من حسن معاملته لرعيته.

وعندما حكم الملك “أكبر” الهند في عام 963هـ (1014م)، بسط نفوذه على كشمير، وأصبحت مدينة سرينغار عاصمة كشمير عام 963هـ (1557م) مقرًا لنائب الملك، واستمر حكم المغول لكشمير حتى عام 1164هـ (1752م) وازدهرت البلاد خلال هذه المرحلة وعاشت أفضل أيام تاريخها.

وكما هي حياة الدول، يضعف السلطان بعد أن يبلغ ذروته، فقد ضعف الحكم المغولي، وجاء الأفغان بعده وسيطروا على كشمير، واستمر حكمهم لها مدة 69 سنة، منذ 1164 إلى 1234هـ (1751 إلى1819م)، لكن ما لبث أن ضعف حكمهم أيضا، بسبب تدخل الإنجليز في شؤون الأفغان مما مكّن السيخ من فرض سيطرتهم على كشمير بمساعدة الإنجليز الماكرين. وبصعود السيخ في كشمير انتهى العصر الذهبي للمسلمين.

حكم السيخ لكشمير

وحكم السيخ كشمير لمدة 28 سنة منذ 1234 إلى 1262هـ، ( 1819 إلى 1846هـ) ـ فكانت حقبة مظلمة جدُا في حياة الكشميريين، تفشى خلالها الظلم والفساد، والحقد والعدوان على المسلمين، فسطرت المجازر بحقهم، وأحرقت مساجدهم واستخدمت بعضها اصطبلات للخيول، ولكن المسلمين لم يستسلموا لهذا الطغيان السيخي فاستجابوا له بعدة ثورات، إلى أن جاء الإنجليز واستولوا على كشمير من يد السيخ، وكان ذلك في عام 1262هـ (1846م).

واشتملت الهند البريطانية (الهند وباكستان وبنغلاديش) على 580 إمارة لها استقلال ذاتي يحكمها الأمراء والمهراجات وما شابههم من حكام محليين، تركهم الإنجليز يحكمون مناطقهم بعد نزع معظم سلطاتهم وتجريد أسلحتهم إلا ما يلزم بحجة المحافظة على الأمن.

وتصرف الإنجليز في كشمير كأنها ملكهم الخاص تماما كما تصرفوا في فلسطين وباعوها لليهود، فبعد سيطرتهم على الهند سنة 1262هـ (1846م) وبعد الحرب الأولى التي نشبت بين الإنجليز والسيخ، قاموا ببيع كشمير بمبلغ 7 ملايين ونصف المليون روبية إلى “غلاب سينغ” وهو من أسرة الدوغرا السيخية، فرع من قبيلة الراجبوت، كانوا يقطنون مقاطعة جامو، عمل أكثر أفراد القبيلة كمرتزقة في الجندية.

وقدِ استطاع غلاب سينغ بمزيج من الغزو والدبلوماسية أن يسيطر على جامو وكشمير، بِما في ذلك مناطق لاداخ وبلتستان وجلجت، وأنشأ نظام حكم لعائلة “دوغرا” التي حكمت كشمير حتى سنة 1366هـ (1947م). وأعقب غلاب سينغ ثلاثة حكام؛ هم: رانبير سينغ (1274هـ) (1858م)، وبارتاب سينغ (1302هـ) (1885م)، وهاري سينغ (1344هـ) (1925م)، الذي كان آخر حكام هذا النظام إلى تاريخ انقسام شبه القارة في 1366هـ (1947م).

وعلَّق “بريم ناث بزاز” على صفقة بيع كشمير للدوغرا – وهو أحد الوجوه السياسية المعروفة في كشمير – بقوله: “مليونان من البشر في وادي كشمير وجلجت بيعوا كما تباع الشياه والأغنام لمقامر غريب، دون أن يكون لهم أدنى رأي في الموضوع”!.

ووقع الإنجليزي الاتفاقية مع أسر الدوغرا لمدة مائة سنة ميلادية منذ 1846 إلى 1946م، أطلق عليها اسم اتفاقية “أمريتسار”، حيث تم توقيعها في مدينة أمريتسار التي كانت تعد قاعدة للسيخ.

وفزع الشعب الكشميري الذي كانت غالبيته مسلمة لهذه الاتفاقية، فحاول الإنجليز كما هي سياستهم الخبيثة، التظاهر بمطالبة الدوغرا بالعدل في حكم رعيتهم المسلمة، ولم يكن سوى تعهدًا من حبر على ورق، فكلما تولى حاكم من حكامهم الحكم، يعلن التعهد بالعدل مع المسلمين وفي الوقت نفسه، تكون ترجمة هذا التعهد بالبطش والظلم للمسلمين.

وهكذا عاش المسلمون طيلة قرن كامل، في أغلال الاستعباد لحكام أسرة الدوغرا، أولئك الحكام الذي شكلوا حكومة لخدمة أغراض وأطماع الحاكم الهندوكي الذي كان يطلق عليه اسم “المهراجا”، ولذلك فرضت الحكومة ضرائب أثقلت كاهل الشعب الكشميري، واستنزفتهم دون مراعاة لحالة الفقير منهم أو الضعيف أو المحتاج، فقد فرضت ضرائب على النوافذ والمواقد وحفلات الزواج، وعلى قطعان الماشية, بل وحتى على مداخن بيوت المسلمين، وفي الواقع لقد عوضت أسرة الدوغرا الأموال التي دفعتها للأنجليز من جيوب وقوت الكشميريين المسلمين، بدون رحمة فكانت مرحلة من الاستضعاف المهين للمسلمين في كشمير.

عاش المسلمون تحت حكم الدوغرا أشد أنواع الاضطهاد والتنكيل، ولم يكن يسمح له بتقلد الوظائف الإدارية سواء الكبيرة أو الصغيرة لكونهم لا يعتقدون ما يعتقده المهراجا ولا ينتمون لجنسه، وفي المقابل استقوى الهنادك، وحملوا السلاح، الذي كان الحصول على رخصة لحمله من المسلم عملية مستعصية جدًا وتوضع أمامها العراقيل الكثيرة.

واستمر الهندوكي في الاستمتاع بامتيازاته تحت حكم الدوغرا إلا إذا أسلم، تتغير المعاملة فيفقد أملاك آبائه، ويضطهد مثل المسلمين، بينما المسلم إذا ارتد عن دينه حصل على تحسين في معيشته وفتحت له أبواب أحسن الفرص وأفضل التعاملات.

وعاش المسلمون في تضييق شديد حرمهم حتى أداء شعائرهم الدينية، ومنعوا من ذبح البقرة وإن كان لأضحية عيد الأضحى، واعتبر فعل ذلك جريمة كبرى، يحكم على مرتكبها بالإعدام، وبقي هذا الحكم حتى عام 1353هـ (1934م)، حيث خفف إلى السجن عشر سنوات من الأشغال الشاقة. وكذلك كان قتل الهندوسي جريمة كبرى بينما قتل المسلم، ليس بذلك الأمر المهم.

وسحقت جميع مظاهر الاحتجاج السياسي بوحشية، ولذا فقد شهدت المنطقة حوادث عديدة تمّ فيها حرق عائلات مسلمة بأكملها بحجة انتهاك قوانين النظام، كما تم إغراق عمال مصنع الحرير التابع للحكومة – في النهر- بأمر من المهراجا، عندما احتجوا على انخفاض الأجور سنة 1342هـ (1924م).

وعاش المسلمون الذين كانوا يمثلون 80 بالمئة من الشعب في كشمير تحت حكم المهراجا في بؤس وشقاء وفقر مدقع، واضطهاد وطغيان وظلم، ورسمت مشاهد هذه الحقبة بالدموع والدماء مما اضطر آلاف السكان إلى الهجرة من مواطنهم إلى ولاية البنجاب ينشدون الاستقرار والأمان وحياة مزدهرة بعيدًا عن الجحيم الذي كانوا يعيشون فيه.

ولم يكن حصار المهراجا، للمسلمين يقتصر على نشاطهم الديني بل حتى الثقافي والسياسي فقد منع صدور الصحف وعطّل الناشطة منها وطارد الشعراء والأدباء والمثقفين ووجهاء المجتمع المسلم، وأجبر بعضهم في سياسة إذلال مهين، على السجود للأصنام قسرًا، ما أدى إلى اندلاع ثورة عام 1350هـ (1931م) وأقبل المتطوعون إلى كشمير لنجدة إخوانهم، لكن ما لبثت أن هدأت هذه الثورة بسبب تدخل الجيش الإنجليزي الذي جاء لينقذ وكيله المخلص ويمنع سقوطه، تماما كما يفعل المجتمع الدولي بقيادة أمريكية مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين وكل وكيل للهيمنة في قطر مسلم.

لقد توالى على حكم كشمير، ثمانية وعشرون رئيس وزارة خلال قرن كامل حكمت فيه أسرة الدوغرا، لم يكن بينهم مسلم واحد، وكان الجيش مؤلفا من 13 فوجا ولا يضم سوى فوج ونصف من المسلمين رغم أن نسبتهم 80 بالمئة من مجموع سكان الولاية.

ومع ذلك ورغم انشغالهم بمآسيهم، كان المسلمون في كشمير يحفظون طموحاتهم في العالم الإسلامي، فعندما أسس محمد علي جمعية الخلافة، نشأت لها فروع في ولايات الهند كلها، وناصرها ميرواعظ يوسف شاه، أحد أشهر علماء كشمير الذين ساهموا في ظهور تلك الجمعية، ما يعكس رؤية المسلمين في كشمير لأنفسهم كجزء من الأمة المسلمة، ويشير أيضا لطموحاتهم السياسية آنذاك.

واستمرت في الأثناء استفزازت الهنادكة، كهدم بعض المساجد ومنع المسلمين من أداء الصلاة وتدنيسهم المصحف الشريف، فضلا عن الاعتقال التعسفي وأساليب القمع والاضطهاد التي اجتمعت كلها لإشعال حمية المسلمين.

الحركة الشعبية الكشميرية للتحرير

اندلعت الحركة الشعبية الكشميرية في 1350هـ (1931م)، حينما قام ضابط شرطة بمنع إمام مسجد من إلقاء خطبة الجمعة، وهو الأمر الذي دفع الكشميري عبد القدير خان، بإلقاء خطاب حماسي حول القرارات التي يصدرها الملك الهندوسي ضد المسلمين.

وفي حادثة تناقلتها كتب التاريخ الكشميري, ولاقت اهتمامًا بالغًا، في 4 ربيع الأول 1350هـ (13 يوليو 1931م) اجتمع عدد كبير من المسلمين الكشميريين في فناء السجن لإعلان التضامن مع عبد القدير خان، وحين حان وقت صلاة الظهر، قام أحدهم يرفع الأذان، وأثناء ذلك أطلقت عليه القوات الأمنية النار فأُردي شهيدًا، فقام آخر ليكمل الأذان، فأطلقوا عليه النار، ثم قام ثالث ورابع، وما تم الأذان حتى استشهد (22) شخصًا، وتعرف هذه الحادثة في تاريخ (كشمير) باسم معركة مؤتة.

وكانت حركة تحرير كشمير حركة إسلامية؛ حيث كانت تستهدف تحرير ولاية جامو وكشمير المسلمة من حكم عائلة دوغرا الهندوسيَّة، وإقامة الحكم الإسلامي فيها، غير أنَّ هذه الحركة قدِ انقسمت إلى قسمين، أحدهما مال قادته إلى تبني النظرة العلمانية القومية التي ينطلق منها الكونجرس الوطني الهندي، وقسم عارضه بشدة.

حزبان رئيسيان لا يجتمعان

خلصت جهود الحركة الشعبية الكشميرية السياسية إلى تشكيل المؤتمر الوطني الإسلامي، برئاسة الشيخ محمد عبد الله ولكنه مؤتمر غلبت عليه الوطنية على الإسلام وضم العديد من الهنادك، ومع أن المؤتمر حاز على اهتمام جماهري كبير يدل على درجة استياء الناس من حكم المهراجا، إلا أن المسلمين ما لبثوا أن اكتشفوا حقيقة أن المؤتمر كان مجرد فرع من حزب المؤتمر الهندي وأن الشيخ محمد عبد الله ليس سوى منفذ لتعليمات الزعيم الهندي جواهر لال نهرو.

فدفعتهم هذه الحقيقة إلى تشكيل المؤتمر الإسلامي الكشميري، الذي انبثقت عنه “جبهة تحرير جامو وكشمير” أو أنها كانت الجناح العسكري له، واختير “تشودري غلام عباس” رئيسًا للمؤتمر الإسلامي، والذي دعا من أول يوم إلى تحرير هذه الولاية من الملك الهندوسي “هاري سينغ” وضمها إلى دولة باكستان التي قدم فكرة إنشائها الشاعر محمد إقبال في مؤتمر الرابطة الإسلامية في مدينة إله أباد، عام 1349هـ، (1930م). وقدم المؤتمر الإسلامي الكشميري، خدماته لكافة الناس بما فيهم غير المسلمين، حيث وزع المساعدات على الطلبة الكشميريين المستحقين بغض النظر عن ديانتهم مما أكسبه شعبية وقبولا في كشمير بين المسلمين وغير المسلمين.

وقد أفزع الهندوس هذا النجاح والانتشار السريع للمؤتمر الإسلامي الكشميري، فسارعوا إلى تأسيس فرع لحزب المؤتمر الهندي في كشمير، وذلك بالتفاهم بين الحاكم الهندوسي “هاري سينغ” وحزب المؤتمر الهندي المركزي الذي كان برئاسة جواهر لال نهرو، ذلك عام 1358هـ (1939م)، وكان أول أهداف هذا الحزب الهندي ضم ولاية كشمير إلى الهند في حال انفصلت باكستان واستقلت، وفي الواقع هذا الحزب الجديد لم يكن سوى المؤتمر الوطني برئاسة الشيخ محمد عبد الله، الذي حمل شعار “اخرجوا من كشمير” في إشارة إلى أسرة الدوغرا وهي محاكاة لشعار حزب المؤتمر الهندي “اخرجوا من الهند” والذي كان يقصد الإنجليز.

وهكذا ساد الساحة السياسية في كشمير في عام 1363هـ (1944م) حزبان رئيسيان متنافسان هما:

  1. حزب المؤتمر الإسلامي برئاسة “تشودري غلام عباس” وهو على صلة مع حزب الرابطة الإسلامية.
  2. حزب المؤتمر الوطني برئاسة الشيخ محمد عبد الله، وهو يأتمر بأوامر حزب المؤتمر الهندي أو هو فرع منه.

وفشلت محاولات الدمج بين الحزبين، وفي عام 1365هـ (1944م) قامت الثورة في كشمير، وقاطع الحزبان المهراجا، وحكم على الشيخ محمد عبد الله بالسجن مدة 3 سنوات.

القاديانية العميلة

عرفت كشمير في هذه الفترة الانقسام بشأن القاديانية الضالة التي كانت تنشط في المنطقة وتخدم أهداف الاحتلال، ووقع هذا الانقسام في الحكم على هذه الفرقة الفاسدة بسبب الانقسام بين أشهر علمائها حيث اتخذا أبرز عالمين في كشمير آنذاك، مواقف متضادة بشأن هذه الفرقة الضالة، فكان ميرواعظ محمد يوسف شاه، الذي أسس جمعية نصرة الإسلام وهي أكبر جمعية تعليمية، شديد الكراهية للقديانية، لفساد منهجها المخالف للإسلام بل والمحارب له، حيث كانت متعاونة مع المحتل الصليبي الإنجليزي، ولم يكن هذا غريبا عليها.

بينما تعاطف “ميرواعظ همداني” مع القاديانية لسذاجته وجهله بحقيقتهم، ودعمه في هذا الاتجاه الشيخ محمد عبد الله، رئيس حزب المؤمتر الوطني، واستغل عفلته وقدمه أحيانًا كي يتمكن من خداع بعض الناس بوجود عالم إلى جانبه، وهذا أمر يتكرر في زماننا، فكثيرًا ما يُستغل العالم ويسيّر لمآرب فاسدة ويحسب نفسه على خير. بسبب فقده للوعي السياسي والفهم لطبيعة الصراع في واقعه وسهولة انجراره. وهذا ما يحكمه الظاهر والله تعالى يتولى السرائر.

المضي في الانقسام والاحتلال الهندوسي وسلسلة المجازر

وافق الهندوس ظاهرًا على قرار تقسيم الهند ولكنهم أضمروا رفضهم للمشروع برمته، وإن كان قد ظهر رفضهم في تصريحات سياسية موازية بدون مواراة.

وعندما حان موعد التقسيم في 27 رمضان 1366هـ (14 آب 1947م) أسرع ملك الولاية الهندوسي من باب الخديعة والمكر، لعقد اتفاقية مع باكستان تقضي بأن يبقى الوضع على ما هو عليه من التعاون بين ولاية كشمير والدولة الناشئة “باكستان”، وتكون باكستان مسؤولة عن الدفاع عن كشمير وعن شؤونها الخارجية وعن المواصلات، حيث كانت كشمير قبل التقسيم تتبع السلطات المحلية الموجودة في مدينة لاهور التي بقيت ضمن الأراضي الباكستانية بعد التقسيم، وكان من المفروض أن تكون هذه الاتفاقية توطئة للضم التام لكشمير إلى باكستان.

ولتكتمل أركان المكيدة، أفرج المهراجا عن الشيخ محمد عبد الله ولكنه في الوقت نفسه ألف عصابات قتالية من الهنادك الكشميريين ومن الذين جائوا من الهند لتحقيق أهدافه.

وأطلقت هذه العصابات هجمات وحشية ضد المسلمين، وقتلت منهم 237 ألفًا، وثار المسلمون على إثر ذلك وخرجوا في مظاهرات ساخطة، قادها جودري حميد الله خان، في 19 شوال 1366هـ (5 أيلول 1947م) للمطالبة بضم كشمير لباكستان، لكن الشرطة أطلقت على المحتجين النار واعتقلت أعدادًا منهم فغيبتهم في ظلمات السجون، واستجاب المهراجا للمطالب السياسية بضم كشمير إلى باكستان، بتوزيع الأسلحة على الهنادك ما أدى إلى اندلاع ثورة كبيرة، وتدفق المجاهدون لمساعدة إخوانهم في كشمير.

وهنا حان دور الشيخ عبد الله محمد الذي ما أن رأى الأمور كادت تفلت من يد الهنادك، حتى سارع لإعلان وقوفه بجانب المهراجا، فسلمه الأخير رئاسة حكومته وقتل يومها من المسلمين 62 ألف مسلم! ثم فر المهراجا هاري سينغ إلى دلهي.

وأوشك المجاهدون على الوصول إلى عاصمة الولاية “سرينغار” وكانوا قد أعلنوا عن إقامة حكومة ولاية “جامو وكشمير الحرة” في 9 ذي الحجة 1366هـ (24 تشرين الأول 1947م). ما أجبر الملك الهندوسي للولاية (هاري سينغ) على الفرار من سرينغار.

وبعد ذلك عقد المهراجا الفار في دلهي حيث كان يقيم، اتفاقية مع الحكومة الهندية تتضمن ضم كشمير إلى الهند وذلك في 12 ذي الحجة 1366هـ (27 تشرين الأول 1947م)، لكنها كانت اتفاقية لا قيمة لها سياسيًا ولا قانونيًا.

ولذلك حتى الاحتلال الهندوسي نفسه كان يدرك عدم جدواها، فلجأ لحيلة جديدة، وهي أن يعد الشعب الكشميري المسلم بإجراء استفتاء لتقرير مصير الولاية. وأكد جواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند آنذاك، وعده هذا في برقيته التي بعث بها إلى رئيس وزراء باكستان، ليقات علي خان في 16 ذي الحجة 1366 هـ، (31 تشرين الأول 1947م)، قائلا: أننا تعهدنا أن نسحب قواتنا العسكرية من كشمير بعد عودة السلام إليها على الفور، وأن نترك مواطنيها ليمارسوا حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم وهذا التعهد لا نعلنه أمام حكومتكم فحسب بل نعلنه أمام أهالي كشمير وأمام العالم كله.

وأعقب هذه الاتفاقية الخادعة، إرسال الحاكم الهندوسي جيشه للسيطرة على كشمير لينضم إلى قواته في كشمير، ليطلق بعد ذلك حملة دموية ضد أهل كشمير المسلمين، الذين لم يكونوا يدركون أي حد من المكر والمكيدة بلغه أعداؤهم!

فقد شجعت تصريحات الحكومة الهندوسية الصريحة، الذين يرغبون بالهجرة إلى باكستان بالتحرك فورًا، مع وعود بتقديم المساعدة والتسهيلات من الحكومة لإتمام سفرهم إلى باكستان بل وتزويدهم بالسيارات الحكومية، وطلبت منهم الاجتماع في مكان واحد، ولكنهم عندما اجتمعوا في المكان المحدد في 21 ذي الحجة 1366هـ (5 تشرين الثاني 1947م) أطلقت عليهم القوات الهندوسية النار بشكل متعمد ومباشر، فاستشهد حوالي نصف مليون من المسلمين وتمكن من الوصول إلى باكستان الناجون بحياتهم هلعًا، وهم حوالي نصف مليون آخرين.

جرائم الهندوس الفظيعة

لم يكتف الهندوس بالقتل المتعمد للمسلمين بل زادوا على ذلك عدوانًا شنيعًا باعتقال آلاف النساء المسلمات الشابات لهتك أعراضهن، وكان من ضمن هؤلاء الشابات المسلمات ابنة القائد المؤسس لحركة تحرير كشمير “تشودري غلام عباس”.

وهكذا اجتمعت العصابات الهندوسية القادمة من دلهي مع تلك التي في كشمير، وبدأت عملية قتل وإبادة، فبعد أن أدرك المسلمون أن عليهم اللجوء إلى باكستان، واجتمعوا وركبوا السيارات التي توجهت بهم إلى خارج القرى والمدن باتجاه باكستان، قطعت طريقهم القوات، بل العصابات الهندوسية التي كانت تتعمد اعتقال الفتيات الشابات وقتل البقية، أمام أعين الجميع.

واستمر حال المسلمين على القتل واختطاف النساء مدة طويلة، وكانت التقارير عن مصير القوافل المتجهة إلى باكستان مؤلمة جدًا وعصية على الاستيعاب:

فقد خرج من منطقة بندور، ألفان من المسلمين، ولم يصل منهم إلى باكستان سوى 150 رجلا.

وخرجت قافلة من بلدة جهني روديان، وكان عدد أفرادها 7 آلاف، وصل منهم إلى باكستان 500 رجل، بينهم 300 من الجرحى.

وخرجت مجموعة من بلدة “كوهته” عددها 500 مسلم، قتلوا جميعهم عدا الفتيات الشابات فقد اختطفن.

وخرج من بلدة بدهي وتالاب موله، 3 آلاف مسلم، ووصل منهم إلى باكستان 7 أفراد فقط!

وخرج من بدلة نجري ورنب وجهته، 6 آلاف مسلم لم يصل منهم إلى مأمنهم سوى 3 رجال.

وخرج 8 آلاف مسلم من منطقة “سلني وهيرا نجو وجاندي” بعد أن وعدوا بالمساعدة على الهجرة فجردوا من أمتعتهم وكل ما يملكون ولم يصل منهم إلى باكستان سوى ألفين أكثرهم جرحى.

وخرج من منطقة راج بورة وكجودال، ألفان من المسلمين لم ينج منهم سوى 100 إنسان!

واجتمع في منطقة واحدة حوالي 10 آلاف مسلم وصلوا من كل الأنحاء، ولم يبق منهم سوى 35 فردًا، ورأى هؤلاء بأعينهم كيف اختطفت فتيات القافلة واعتدي عليهن ثم قتلت أسرهم أطفالا وشبابًا وشيوخًا بعد أن رأوا ما حل ببناتهم.

الجهاد ضد العدوان الهندوسي

لم يستسلم المسلمون للعدوان الهندوسي وفظائعه فنظموا أنفسهم في مناطق تمكن المجاهدون من بسط نفوذهم عليها، وألف محمد إبراهيم حكومة كشمير الحرة “آزادي كشمير” في 19 ذي القعدة 1366هـ (4 تشرين الأول 1947م) وأنشأ الجيش الكشميري.

واندلع الصراع بين القوات الهندوسية المتحالفة وبين المجاهدين الذين لم يكونوا يحملون من عدة وعتاد سوى أسلحة خفيفة أو يتحركون بأسلحة بيضاء، ومع ذلك فقد تمكنوا من الحفاظ على  أرض حكومة كشمير الحرة ومنع توغل الهندوس المدججين بأنوع وكميات الأسلحة الآلية وبقي قسم من الولاية تحت سيطرة الهند.

وبدأت الهند في حشد قواتها في كشمير عن طريق الجو لتشن بعد ذلك هجوما واسع النطاق مما عرض باكستان نفسها للخطر فأرسلت الأخيرة تحذيراتها للهند ووضعت عددًا من جنودها لأول مرة في شهر رجب 1367هـ (أيار 1948م) فيى كشمير في وضعية دفاع.

لقد كان الصراع على امتداد تاريخ الصراع في كشمير، يدور بين الجيش الكشميري الذي يتبع حكومة كشمير الحرة (أزادي كشمير) والمجاهدون الذين يدافعون عن حق المسلمين الكشميريين في أرضهم، وبين الهندوس، بقيادة جيش الملك الهندوسي، وقوات الهند الغازية المتحالفة معه، كما تدخل على خط الصراع الجيش الباكستاني الذي أحسّ بالخطر يحدق به مع استمرار تدفق المشردين من مسلمي كشمير، واقتراب النار المشتعلة إلى باكستان.

ولم تستطع قوة من إحراز النصر الحاسم، ولا ضم كشمير إلى إحدى الدولتين.

وفي الواقع كان وجود قوات جهادية في كشمير من أبرز الأسباب التي تصدت للعدوان الهندوسي في كشمير، والتي أبقت الوعي يقظًا بواجب الحفاظ على الهوية الكشميرية مستقلة عن الهند. فكان ذلك مؤرقًا لمشاريع الاحتلال الهندي للإقليم.

الأمم المتحدة لنجدة الهند المتورطة

ولأن نشاط المجاهدين أحبط الكثير من تخطيط الهند ومكيدتها لكشمير، وأعجزها عن التقدم، عرضت الأخيرة الأمر على الأمم  المتحدة، في 18 صفر، 1367 هـ (31 كانون الأول 1947م) والتي بدورها بعد طول مماطلة وتضييع للوقت وحياة المسلمين، أصدرت قرارات للجنة الأمم المتحدة في 12 صفر 1368 هـ (5 كانون الثاني 1949م) وتنص على:

  • وقف القتال وتحديد خط وقف النار.
  • تجريد ولاية جامو وكشمير من القوات العسكرية.
  • إجراء استفتاء محايد تحت إشراف الأمم المتحدة لتقرير مسألة انضمام كشمير إلى الهند أو باكستان.

وكما هي عادة الدول الطاغية، أبدت الهند موافقتها على هذه القرارات شفويًا، ولكنها بقيت متشبثة بالمنطقة التي دخلتها من كشمير.

وبقيت الهند تؤكد التزامها بقرارات الأمم المتحدة المتكررة ما يقرب من عشر سنوات تأكيدًا شفويًا دون إظهار أية بوادر للتنفيذ، ولكنها منذ عام، 1377 هـ (1957م) أخذت تتملص تدريجيًا من التطبيق، وأخيرًا رفضت وجود قضية اسمها كشمير.

وفي هذه الأثناء من استمرار الحقن المخدرة بالأمم المتحدة، كانت الهند قد سيطرت على أكثر أقاليم جامو وبونغ وكشمير، ولم يبق تحت نفوذ حكومة كشمير الحرة سوى مناطق ضيقة تساير الحدود الباكستانية، كما بسطت الهند سيطرتها على إقليم لداخ كله، وأما حكومة أزادي الحرة فتبعتها مناطق ولاية الحدود وجلجلت وأستور،

استمرار لغة الجهاد في كشمير

أدرك المسلمون في كشمير أن لا حل لهم غير الجهاد خاصة مع استمرار العدوان الهندوسي الوحشي والقذر ضدهم، وتواطؤ المجتمع الدولي والأمم المتحدة معه، وسطروا بالفعل طولات تاريخية وأعمال فدائية قلبت موازين القوى في الإقليم، وحين خشيت الهند من أن تفقد زمام الأمور، شنت حربًا واسعة النطاق على باكستان، واستمرت تلك الحرب مدة أسبوعين فقط، وانتصرت باكستان، فلجأت الهند إلى الأمم المتحدة من جديد لتحفظ ماء وجهها، فرفعت القضية إليها، وعرضت الإمبراطورية الروسية الوساطة، وتم عقد مؤتمر طاشقند، الذي لم يكن في صالح باكستان.

وبعد وقف إطلاق النار قام الهندوس باعتداءات وحشية غدرًا وحقدًا على أهل كشمير، فقتلوا الأبرياء وهتكوا أعراض الحرائر وقتلوا الأطفال أمام الأمهات والآباء وقطعوا أثداء النساء أمام ذويهم وارتكبوا كل أعمال الخسة والدناءة وأكثر . وكل ذلك لم يزعزع قناعات الكشميريين في حقهم في الاستقلال عن الهند.

الغزو الفكري الهندي

اقتعنت الهند أن محاولة إخضاع كشمير بالقوة العسكرية استراتيجية فاشلة، وأنا مزيدًا من الإبادة والتمثيل بالأحياء، والقذارة وهتك الأعراض كان يغذي المزيد من الجهاد والثبات والوحدة بين المسلمين الكشميريين. لذلك لجأت الهند لخطة جديدة مستلهمة من أساليب الإسبان ضد مسلمي الأندلس للخلاص منهم، وأرسلت بالفعل أحد مخبريها لإسبانيا لاستنساخ تجارب الموريكسيين بحق أهالي الأندلس، فرجع رجل المخابرات وفي جعبته أفكار خبيثة للتطبيق.

ولكنها لم تكن كافية في نظر الهند فأرسلت مخبرها من جديد كسفير لها إلى موسكو حيث استنسخ وسائل الروس ضد المسلمين في قمعهم الوحشي لكل ما يتصل بالإسلام، وبناء على هذه التجارب الشرسة والمحاربة للإسلام قررت الهند:

  • تغيير مناهج التعليم في ولاية كشمير حيث يعمم المنهج التعليمي الهندوسي الذي يشمل على المعتقدات الوثنية الهندوسية، والأساطير والخرافات وفلسفة وحدة الأديان.
  • جعل التعليم مختلطًا ومحاولة نشر الفساد بتعليم الرقص والغناء في المدارس.
  • تشجيع الزواج بين المسلمين والهندوس لمخالفة العقيدة الإسلامية ومحاولة التأثير عن طريق العائلة.
  • محاولة تغيير اللغة لفصل الحاضر عن الماضي.
  • إباحة الخمر وتوزيعه مجانًا على حساب الدولة.
  • إثارة الخلافات القبلية والإقليمية والطائفية.
  • بث فكرة القومية الهندية واستخدام وسائل الإعلام لنشر الإباحية والفاحشة.
  • الدعاية لفكرة تحديد النسل بين المسلمين بغرض وقف زيادة المسلمين.
  • تشويه التاريخ الإسلامي،
  • الحرص على إيجاد قيادة كشميرية عميلة تأتمر بأوامر الحكومة الهندية وتتلقى التوجيهات منها.

لكن الحركة الإسلامية في كشمير لم تقعد مكتوفة اليدين فاستجابة لهذا المكر، باستراتيجية مضادة:

  • تأسيس مدارس إسلامية أهلية لا علاقة للحكومة بها.
  • تأسيس قرى إسلامية أنموذجية.
  • القيام بنشر الدعوة والتوعية والعمل على توحيد المسلمين حيث تأسست الجبهة الإسلامية التي ضمت أكثر من عشرة أحزاب سياسية وجمعيات دينية.
  • المناداة بإجراء استفتاء عام لتقرير المصير.

وكانت ثمرة هذه الجهود، إنشاء جيل مسلم واعٍ بحقيقة الصراع، وتزامن تخرج هذا الجيل من المدارس الإسلامية الكشميرية مع صعود الجهاد في بلاد الأفغان، واشتداد عوده مع استمرار هزائم الجيوش الروسية في أفغانستان حتى أخضعت موسكو لسحب قواتها من البلاد.

وقامت خلال هذه الفترة أكثر من 15 منظمة جهاد ضمت أكثر من 50 ألف مجاهد، واتحدت أخيرًا باسم الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير، كما اتحدت عشر منظمات سياسة باسم حركة تحرير كشمير وترأسها علي الجيلاني.

وبدأت حركة الجهاد في حملة مضادة للمكر الهندوسي، فاستهدفت مراكز الجيش الهندوسي، وحانات الخمر وأماكن الفاحشة ما أدى إلى إغلاق عدد منها.

لقد كانت مرحلة تلاحم للجهود بين فئات المجتمع الكشميري، حيث رافق النشاط العسكري في ردع الهندوس، إعلان عدد من وسائل الإعلام قطع علاقتها بحزب المؤتمر الهندي والحكومة الهندية، وكذلك قررت النساء المسلمات الالتزام باللباس الإسلامي كوسيلة للتصدي للاحتلال والاعتزاز بالهوية المسلمة، وحدث ذلك كله ولم ينتصف عام 1410هـ (قبل نهاية عام 1989م).

وارتفعت أصوات المطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى إجراء استفتاء في الولاية لتقرير المصير.

الرد الوحشي دليل الفشل

وقام الاحتلال الهندوسي برد فعل غاشم إذ أعلن منع التجول في أكثر من عشرين مدينة وزاد من وحشيته في الإبادة والقتل والسجن وهنك الأعراض وحرق الناس أحياء وخلال أربعة أشهر (جمادى الآخرة وحتى نهاية رمضان 1410هـ (الأول من كانون الثاني وحتى نيسان 1990 م) ارتكب الهندوس الأعمال الوحشية التالية:

  • قتل 21490 شهيدًا
  • جرح 20 ألفا
  • إحراق 618 إنسانًا وهم أحياء
  • تشريد 20 ألف إنسان لجؤوا إلى كشمير الحرة.
  • قتل 357 امرأة بعد هتك أعراضهن والتمثيل بهن.
  • إلقاء القبض على 50 ألف أنسان وإيداعهم السجن.
  • هتك أعراض عشرات الآلاف من النساء، ولم يفتضح أمرهن في سبيل المحافظة على الشرف.
  • عزل الآلاف من الوظائف الحكومية.

هذا بالإضافة إلى تدمير آلاف المحلات وإتلاف المزارع، وإحراق البيوت وهدم المدارس والمستشفيات وأعمال النهب وقتل الحيوانات.

وكما هي عادة المجتمع الدولي، وقف يتفرج على هذا الفساد في الأرض، وخرست ألسنة من نصبوا أنفسهم أوصياء على العالم وعلى الحرية والسلام والعالمي، فالضحية مسلمون!

ومما يزيد من مأساة هذا الواقع المتكرر، وجود شريحة كبيرة لا تزال في غفلتها سائرة، ووراء شهواتها لاهثة، وبتخدير غفلة علمائهم يتحججون، وأما قيادات العمل الإسلامي فكانت في ذلك الوقت وكل وقت، بين سجين ومضطهد وشريد ومنتكس.

وفي هذه الأثناء اعتبرت الهند كشمير قضية داخلية ولا يحق لأحد أن يتدخل في شؤونها، مدعية أن انضمامها للهند تم في سنة 1366هـ (1947) م، وعلى أنها دولة علمانية ترفض إجراء الاستفتاء. كل ذلك بالاستناد إلى اتفاقية الملك الفار من الموت، هاري سينغ، الذي ادعى فيها ضم ما لا يملكه إلى الهند كما ضمت بريطانيا فلسطين لليهود! وأعطت ما لا تملك لمن لا يحق له. وبهذه الاتفاقية المزورة، تدخلت الهند عسكريًا واستمرت في قمع واضطهاد الشعب الكشميري وحرمانه حقه في الاستقلال.

وثيقة مزورة

وقد ذهب بعض المؤرخين مثل المؤرخ البريطاني الشهير ألاسترلامب في كتابه (كشمير)؛ إلى أن الوثيقة التي جعلتها الهند مبررًا لاحتلالها للأراضي الكشميرية هي وثيقة مزورة؛ لأن مندوب الحكومة الهندية “وي.بي.منين” الذي جاء بالوثيقة لم يتمكن من لقاء الملك لكونه مسافرًا، ولم يصل الملك إلا بعد عودة المندوب إلى نيودلهي، ولم يوقع عليها.

ولو لم تكن هذه الوثيقة مزورة فإنها تعتبر وثيقة غير شرعية لعدة وجوه أخرى أهمها:

أولاً: لكون هذه الوثيقة تتنافى مع قرار تقسيم شبه القارة إلى دولتين مستقلتين: (الهند) و(باكستان)، الذي وافقت عليه الدولتان؛ وبالتالي لا قيمة لها من الناحية الشرعية أو القانونية.

ثانيًا: أن الوثيقة تتعارض مع رغبات أغلبية سكان الولاية أي المسلمين الذين اتخذوا قرار انضمام الولاية إلى (باكستان) قبل ذلك في 1 رمضان 1366هـ (19يوليو 1947م)، وبذلوا جهدهم من أجل تحقيق هذا الهدف.

ثالثًا: إن الملك الذي حملت الوثيقة المزورة توقيعه وجعلتها (الهند) مبررًا لدخول الولاية لم يكن حاكمًا شرعيًّا للولاية؛ لأن اتفاقية أمريتسار لعام 1262هـ (1846م) والتي أصبحت أساسًا للسيطرة الغاشمة لهذه العائلة على الولاية لم تكن اتفاقية شرعية على الإطلاق.

رابعًا: قبل تلك الاتفاقية وقّع الملك اتفاقية لإبقاء الوضع كما كان مع (باكستان)؛ وبالتالي لا يجوز له أن يوقع أي اتفاقية مع أية دولة أخرى بهذا الخصوص قبل إعلان إلغاء الاتفاقية الأولى.

ونظرًا لهذه الوجوه فهذه الاتفاقية المزورة ليس لها أي قيمة من النواحي الدستورية والقانونية والخلقية، وهذه حقيقة يعلمها الاحتلال الهندوسي نفسه جيدًا؛ لذلك خدع الشعب والعالم بالوعد بإجراء استفتاء تقرير المصير.

مكر كبير وتجاوب إسلامي ضعيف

وأغفلت الهند كما نلاحظ على طول تاريخ المنطقة، حقيقة أن تقسيم شبه القارة الهندية تم على أساس ديني وأن كشمير غالبيتها مسلمة فكان من المنطقي أن تنضم إلى باكستان. ولا عجب أن استمر التعصب والجشع الهندوسي يطيل في أمد معاناة كشمير إلى اليوم.

وعقد مؤتمر في مدينة مظفر أباد عاصمة كشمير الحرة، في 22 شوال عام 1410 هـ (17 أيار 1990م) وحضره ممثلون عن كل الدول في العام الإسلامي، إضافة إلى ممثلي الجماعات الإسلامية والسياسية في باكستان وكشمير الحرة وكشمير المحتلة، وانتهى بإصدار بيان يستنكر فيه الأعمال الوحشية التي يقوم بها الهندوس، ويدعو الحكومة الهندية إلى اجراء استفتاء في الولاية لتقرير مصيرها كما أعلن التضامن التام مع الحركات الجهادية في كشمير وبقية المناطق الإسلامية مثل فلسطين وأفغانستان وأريتريا والفلبين وكان هذا أقصى ما تمكن المؤتمر من تحقيقه!.

الصراع الداخلي في كشمير

كانت حكومة كشمير الحرة “ازاد كشمير” تشرف على أكثر من ثلاثة أرباع مساحة كشمير ولكنها مساحة قليلة السكان لأن أكثرها جبلية وتشمل هذه المنطقة جزءًا من إقليم جامو وآخر من إقليم كشمير وجزءًا من إقليم بونغ وإقليم جلجلت وأستور كاملا، وإقليم مناطق الحدود بحدودها جميعها، بينما احتلت الهند القسم الأعظم من إقليم جامو وكشمير، وبونغ ومنطقة لداخ كلها، وتبلغ مساحة هذه الأجزاء 44 ألف كم مربع فقط، ولكن هذه المساحة هي المهمة ويتجمع فيها أكثر السكان.

كان عدد السكان في كشمير عام 1360 هـ (1941م) أربعة ملايين ونسبة المسلمين 77 % والهندوس 20%، وأصبح عددهم عام 1391هـ (1971م) أربعة ملايين و563  ألفا. ونسبة المسلمين 65.73% والهندوس 30.7%.

وقد اختلفت الأرقام التي تتحدث عن عدد سكان كشمير تبعًا للجهة التي تصدرها؛ فطبقا لإحصائية هندية أجريت عام 1401هـ (1981م) فقد بلغ عدد سكان الولاية ستة ملايين نسمة تقريبًا، شكل المسلمون منهم 64.2% والهندوس 32.25% والسيخ 2.23% والبقية ما بين بوذيين ومسيحيين وأقليات أخرى.

ويلاحظ أن عدد المسلمين قد تناقص بسبب القتل والهجرة، أما الهندوس فقد زاد عددهم بنسبة 75% وذلك بسبب انتقال أعداد من الهندوس ليحلوا محل المسلمين الهاربين من القتل، وحرصت الهند على رفع نسبة الهندوس للعمل في جهاز المخابرات التابع لها في كشمير وفي الجيش الهندي، وشغل وظائف تساعد في استمرار الاحتلال الهندي لكشمير. أما السيخ والبوذيون فقد تزايدوا بشكل طبيعي وارتفعت نسبة كل فريق على نسبته العامة بالنسبة إلى مجموع عدد السكان في ولاية كشمبير بشكل طفيف.

وقدر عدد سكان كشمير عام 1412هـ (1992م) بخمسة ملايين، المسلمين بنسبة 66% والهندوس 30.4%

لم تكن هذه الزيادة الطفيفة في نسبة المسلمين وانخفاضها النسبي بين الهندوس لتدل على تحسن الوضع، وإنما يعود ذلك إلى زيادة الولادات لدى المسلمين بالنسبة إلى غيرهم. وكذلك استمر الوضع على ما هو عليه في السنوات التالية.

الصراع الحزبي الكشميري يغذيه العدو

حاول المسلمون تنظيم أنفسهم، وقد انضم بعضهم إلى جمعية الخلافة في حين انضم البعض الآخر إلى المؤتمر الوطني الإسلامي برئاسة الشيخ محمد عبدالله، وكيل الهند. وقد انضم لهذا المؤتمر حتى هندوس.

وكما سبق أن أشرنا، فقد شكل المسلمون بعد افتضاح أمر المؤتمر الوطني الإسلامي، منظمة جديدة هي المؤتمر الإسلامي الكشميري برئاسة تشودري غلام عباس وأوجد له جناحًا عسكريًا كان يطالب بالانضمام إلى باكستان.

واستمر الصراع الحزبي بين المؤتمر الوطني الذي يريد البقاء مع الهند والمؤتمر الإسلامي الذي ريد الاستقلال عن الهند. ورافق هذا الصراع صراعا آخر على المستوى العلمي، بين میرواعظ يوسف شاه الذي أسس جمعية نصرة الإسلام التعليمية، وعمل على محاربة القاديانية، الفرقة الضالة، بينما استمر میرواعظ همداني في تعاطفه مع القاديانية يدعمه المؤتمر الوطني الإسلامي بقيادة الشيخ محمد عبد الله.

وهكذا وجد المسلمون أنفسهم في مواجهة التحالف المحلي الهندوسي القادياني، وعلى إثر هذا التصادم تشكلت الجبهة الإسلامية التي ضمت عشرة أحزاب وتجمعات دينية وتشكل الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير وضم خمس عشرة منظمة، كما ترأس علي الجيلاني حركة تحرير كشمير التي شملت عشر منظمات سياسية. ومن هؤلاء أيضًا تشكلت حكومة كشمير الحرة (آزادي کشمير) برئاسة محمد إبراهيم وكلها تدعو للاستقلال عن الهند والانضمام لباكستان.

الصراع الدولي والاستقطابات تعمّق الضعف

استمرت حكومة كشمير الحرة “أزادي كشمير” ضعيفة الإمكانيات لذلك فقد كانت تحت إشراف حكومة باكستان، هدفها ضم ولاية كشمير إلى باكستان بعد إخراج الهند من الأجزاء التي تحتلها.

ومع أن المسلمين كان يجمعهم الانتماء إلى الإسلام إلى أنهم لم يكونوا كتلة واحدة، كما كانوا يعانون من وجود الجهل بينهم والاستقطابات من أصحاب المصالح، من الهندوس والبوذيين والسيخ، وكل من يقربهم من الإنجليز، خاصة أعوانهم القاديانيين. ولذلك كانت كلمة المسلمين متفرقة.

ووجد المسلمون الملتزمون الذين يحملون وعيًا كبيرًا بواقعهم ومحبة لدينهم، وجدوا أنفسهم أمام جبهات متعددة، الاحتلال الهندي من جهة، وصفوف المسلمين المتفرقة التي تعذي تفرقتهم الوطنية من جهة أخرى ثم الخذلان العالمي لقضية كشمير.

على عكس الهندوس الذين اجتمعوا على معتقداتهم ككتلة واحدة، فمع كل إجرامهم لم يطلق عليهم اسم “إرهابيين” و”متطرفين” و”أصوليين” كما يحلو للمجتمع الدولي تسمية المسلمين الذين يسعون للتحرر من قبضة الاحتلال والهيمنة. وكانت تلك الصفات ملاصقة لحركات التحرير الكشميرية على الرغم من كونها كانت دفاعية في منهجها.

وأما موقع البوذيين والسيخ في مشهد الصراع فقد كانوا أعداء للهند وأعداء لباكستان في آن واحد، وإن كانوا أقرب إلى الهند أو أن حقدهم عليها أقل، لذلك فهم يعملون على إثارة الفتن ويعملون لإشعال نار الحرب بين الفريقين وإذا سنحت لهم الفرصة عملوا على قتل ما يستطيعون من المسلمين سرًا وفي والخفاء. فكان مشهد مطرقة وسندان!

ملخص الحروب التي عرفتها كشمير

شهد تاريخ كشمير القتال بين الكشميريين والقوات الهندية في عام 1366هـ (1947م) وهو القتال الذي أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارًا في 8 شوال 1367هـ (13 أغسطس 1948م) ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم. وبقي الأمر معلقًا ببقاء قوات الاحتلال الهندي في مناطقها التي احتلها حتى حان موعد الحرب التالية.

واندلع القتال مجددًا في عام 1385هـ (1965م) حيث حاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين، لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتحولت إلى شكل حرب بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في جمادى الأولى 1385هـ (سبتمبر 1965م) على طول الحدود بينهما، في كل من لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان، واستمر الصراع 17 يوما لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.

واستمر الوضع على ما هو عليه معلقًا، إلى أن اندلع القتال من جديد في حرب عام 1391هـ (1971م) إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلادش) في محاولتها الانفصال عنها، وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند، حيث تمكنت من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض دفعت بالبلدين إلى سباق تسلح، كانت أبرز محطاته إعلان كل من الهند وباكستان امتلاكهما للسلاح النووي، وانتهت حرب عام 1391هـ (1971م) بانفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلاديش.

اتفاقية شملا

وعلى إثر هذه الحرب دخلت الدولتان المتجاورتان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية أطلق عليها “اتفاقية شِملا” عام 1392هـ (1972م)، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 29 شوال 1391هـ (17 ديسمبر 1971م) هو خط هدنة بين الدولتين.

وبموجب الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1391هـ (1971م) في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة، في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.

حقبة التسعينيات وما بعد الألفية الثانية

لم تنفع أي سياسة أو اتفاقية في كبح الطغيان الهندوس الذي تسلط على أهل كشمير، فمنذ عام 1410هـ (1989م) قتل أكثر من 100 ألف كشميري، واغتصبت أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص بحسب تقارير تبقى غير دقيقة، فما خفي أعظم.

وأدى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تغيير موازين القوى وخريطة التحالفات مع كل من الهند وباكستان، وسمح بظهور حركات تمرد جهادي داخلية في كشمير تطالب باستقلال الإقليم عن الهند وباكستان، مثل حركة “المجاهدين”، و”حركة تحرير كشمير” و”تحالف الحرية لكل الأحزاب”.

وفي شعبان 1407هـ (أبريل/نيسان 1987م) اندلاع انتفاضة مسلحة في كشمير إثر “تزييف” الهند لانتخابات 1407هـ (1987م) مما أفشل التوقعات بفوز “الجبهة الإسلامية المتحدة” التي كانت تتمتع بشعبية واضحة، وهو ما دفع بهذه الانتفاضة إلى اتجاه الكفاح المسلح.

وشهد عام 1410هـ (1990م) تمردًا مسلحًا ضد الحكم الهندي في كشمير على أيدي مقاتلين كشميريين شباب ينشدون الاستقلال عن الهند، قد تلقوا دعمًا عسكريًا وسياسيًا من باكستان.

واستمر الصراع الهندي الباكستاني متوترُا إلى أن وصل حد سقف الردع النووي، حيث أجرت الدولتان في شهر محرم 1419هـ (مايو من عام 1998م) تجارب تفجير نووية. ومنذ ذلك التاريخ لا يزال منحنى النشاط الجهادي يتصاعد وينزل، داخل كشمير بعمليات مسلحة ضد القوات الهندية. ويرى المراقبون أن اندلاع حرب رابعة متوقع لاستمرار التوترات في منطقة تعد أكثر المناطق حشدًا عسكريًا في العالم.

ومع ذلك لم تتوقف الجهود الدبلوماسية في محاولة إيجاد مساحة اتفاق بين الهند وباكستان، كما كان في 5 ذو القعدة 1419هـ ( 21 فبراير/شباط 1999م) بتوقيع رئيسيْ الوزراء الهندي والباكستاني على “إعلان لاهور” الذي اتفقا فيه على تسوية كل الملفات العالقة بما فيها قضية كشمير.

ولكنه اتفاق لم يكن مرضيًا للحركة الجهادية الكشميرية، ففي العام نفسه في شهر يوليو/تموز (ربيع الثاني 1420هـ) تسلل مسلحون كشميريون إلى الجزء الهندي من كشمير واحتلوا قمم كارغيل، واعتبرت الهند ذلك “طعنة باكستانية في الظهر” لاتفاقية لاهور الموقعة بين الطرفين.

وفي الواقع كان من الصعب أن تتفق الهند وباكستان على ملف كشمير، كما أظهر تصريح للرئيس الباكستاني بروزير مشرف في 23 ربيع الثاني 1422هـ ( 14 يوليو/تموز 2001م) خلال قمة تصالحية بين زعيميْ البلدين في آغرا بالهند، حيث قال الزعيم الباكستاني بعد نهاية القمة: “لن يكون هناك أي تقدم في المباحثات ما لم يتم قبول أن كشمير هي القضية الرئيسية بين البلدين”، وهو ما تعارضه الهند بشدة.

واستمر بعد ذلك النشاط الجهادي، الذي كان أبرزه هجوم مسلحين كشميريين على البرلمان الهندي في سرينغار (عاصمة كشمير الهندية) وذلك في 28 رمضان 1422هـ ( 13 ديسمبر/كانون الأول 2001م) وهو الهجوم الذي دفع الهند إلى تصعيد عسكري بلغ حد التهديد بمواجهة شاملة مع باكستان بحجة القضاء على القواعد “الإرهابية” بكشمير الباكستانية.

واستمرت الجهود التصالحية في محاولة إيجاد مساحة اتفاق، وفي عام 1426هـ (2005م) تم إطلاق “خدمة الحافلات” التي تيسّر التنقل ما بين شطريْ كشمير، وهو ما كان محظورا منذ عام 1385هـ (1965م).

وتوالت التصريحات السياسية المبتذلة بين البلدين، بشأن الملف الكشميري، وجميعها تصريحات شكلية لم تقدم شيئا للكشميريين. وهو ما دفع أهل كشمسر للاحتجاج في مظاهرات سلمية في رجب 1431هـ ( يونيو/حزيران 2010م) قادها الشباب في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من إقليم كشمير، واجهتهم القوات الهندية بإطلاق النار مما أدى لمقتل المئات. أعقبها محاولات هندية لتهدئة الكشميريين بالدعوة الخادعة إلى الحوار .

الجماعات الجهادية الكشميرية

وفر الموقع الجيوسياسي لكشمير التأثر بالنشاط الجهادي الأفغاني، فخاض الشباب الكشميري المعارك إلى جانب المجاهدين الأفغان، وأداروا معسكرات تدريب خاصة بهم، وكانت أعينهم من ذلك الوقت على كشمير، من بين هؤلاء حافظ سعيد الذي أسس مبكرًا جماعة لشكر طيبة أو جند طيبة كما سميت في أواسط الثمانينيات.

ولم تكن الجماعة الوحيدة التي حملت السلاح فقد نشأت بجانبها جماعات كشميرية جهادية أخرى التي اختلفت على أساس المدارس الفكرية المعروفة في كشمير، فالمدرسة الجهادية السلفية أسست جماعة طيبة بزعامة حافظ سعيد، والجماعات الديوبندية الحنفية التي تشكل روح باكستان منذ التأسيس مثلتها حركة الأنصار التي تحول أسمها لاحقًا إلى حركة المجاهدين بزعامة فضل الرحمن، وقد صنفت ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، ما اضطرها إلى تغيير اسمها لتفادي تداعيات التصنيف الدولي، إضافة إلى حزب المجاهدين بزعامة صلاح الدين التابع فعليًا للجماعة الإسلامية الباكستانية.

وبصفة عامة يمكن القول إن معظم الجماعات والمدارس الدينية الباكستانية لها امتداد بشكل أو بآخر داخل كشمير.

فالجماعة الإسلامية الباكستانية الأقرب إلى فكر الإخوان المسلمين، مثلها”حزب المجاهدين”، والسلفيون مثلتهم جماعتا “لشكر طيبة” و”تحريك المجاهدين”، والمدارس الدينية التقليدية مثلتها “حركة المجاهدين” التي انشق عنها “جيش محمد”، وهناك الصوفيون الذين أسسوا “حركة انقلابي إسلامي في كشمير”.

وأدرجت الولايات المتحدة الجماعات الكشميرية التي تدعمها باكستان ضمن لائحة “الحركات الإرهابية” عقب هجمات ( 11 سبتمبر/أيلول 2001م) – 13 شوال 1432هـ والذي اعتبر تغيرًا جذريًا في موقف واشنطن الذي كان في صف باكستان بتأكيده ضرورة حل الأزمة الكشميرية بما يتناسب مع طموح الشعب الكشميري، أي حق تقرير المصير.

وهذه أبرز الجماعات الجهادية الانفصالية، التي عرفتها كشمير وحملت السلاح مطالبة باستقلال وطنها.

جبهة تحرير جامو كشمير

وهي جماعة تسعى لانفصال كشمير عن كل من الهند وباكستان. وقد تخلت عن الخيار العسكري عام 1415هـ (1994م) وأعلنت وقف إطلاق النار لأجل غير مسمى، وحلّ جناحها العسكري، والتزمت بالنضال السياسي.

حركة المجاهدين، حركة الأنصار سابقًا

تأسست عام 1418هـ (1997م) على يد فضل الرحمن خليل، الذي أصدر فتوى في 1419هـ (1998م) دعا فيها لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية. وهي تتمركز في عاصمة الجزء الباكستاني من كشمير، مظفر آباد، وتتبنى التوجه السني، وتقاتل القوات الهندية في منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان.

عسكر طيبة، أو لشكر طيبة

جماعة تُصنف على أنها سلفية جهادية، تأسست عام 1411هـ (1990م) على يد أستاذ الهندسة السابق في جامعة بنجاب الباكستانية، حافظ سعيد، وكانت ترسل مقاتلين عبر خط السيطرة إلى كشمير الهندية. وبحسب بيانات قوات الأمن الهندية، فإن هذه الجماعة لديها أكبر وجود للمقاتلين في شطر كشمير الخاضع لإدارة الهند. ورغم الإجراءات الصارمة ضدها، فإن الأجنحة الخيرية للجماعة -مثل جماعة الدعوة ومؤسسة فلاح إنسانيات- تواصل العمل بحرية في جميع أنحاء البلاد. وقد حافظت على نشاطها الدعوي والخيري والجهادي بشكل متوازي في محاولة للتخلص من التصنيف الإرهابي.

تُرجع بعض المصادر تأسيس جماعة لشكر طيبة إلى ثمانينيات القرن الماضي ببادرة من الجيش والمخابرات الباكستانيين لضرب الوجود الهندي في كشمير.

جيش محمد

جماعة أسسها مسعود أظهر، العضو السابق في حركة المجاهدين، وبحسب التقارير من المرجح أن تكون له صلات بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتشير التقارير أيضا إلى أن جيش محمد كان يعمل على إرسال مقاتلين إلى أفغانستان لمحاربة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.  وقد أدرجته واشنطن في قائمة الجماعات الإرهابية التي تسعى لتفكيكها.

وارتبط اسم “جيش محمد” بعدة هجمات، وقع أبرزها في 1440هـ (بداية 2019م) بتفجير حافلة تابعة للشرطة العسكرية الهندية.

حركة الأنصار

تأسست عام 1406هـ (1986م) وانشقت إلى جناحين.. حركة المجاهدين التي يقودها الملا فاروق كشميري، وحركة الجهاد الإسلامي التي يقودها سيف الله أختر، وتعتبر أقل عدداً من الأولى.

مجاهدي بدر

انشقت عن حزب المجاهدين التابع للجماعة الإسلامية، وقادها بخت زمين.

القاعدة في شبه القارة الهندية

قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية هو تنظيم مسلح سلفي جهادي أعلن عن تأسيسه في 8 ذو القعدة 1435هــ (3 سبتمبر 2014م) من قبل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وتزعمه الملا عاصم عمر حتى مقتله في 24 محرم 1441هـ ( 23 سبتمبر 2019م) ويهدف التنظيم أساسًا لإقامة الخلافة الإسلامية في دول شبه القارة الهندية وهم الهند وباكستان وبنغلاديش وبوتان ونيبال وسريلانكا وجزر المالديف وبورما. في مشروع القاعدة الجهادي العالمي، فهو فرع مباشر لتنظيم القاعدة.

ومن أبرز قادة القاعدة، إلياس كشميري أو مولانا إلياس كشميري، الذي كان أحد كبار قادة التنظيم وزعيم حركة الجهاد الإسلامي. وأحد الأطراف المشاركة في الحرب السوفياتية الأفغانية، والصراع في كشمير، والهجمات ضد الهند، وباكستان، ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وقتل الكشميري في قصف أمريكي استهدفه في جنوب وزيرستان في عام 1432هـ (2011م).

الأحزاب السياسية الكشميرية

ولم تكن الجماعات الجهادية المعلم البارز في واقع كشمير بل كان يوازيها نشاط أحزاب سياسية متعددة، وهي على ثلاثة اتجاهات.

الاتجاه الأول: أحزاب تؤيد الانضمام إلى الهند

وهي أحزاب يغلب عليها الطابع القومي العلماني وتهدف إلى الانضمام إلى الهند ومن أهمها:

المؤتمر القومي الكشميري: يترأسه الدكتور فاروق عبد الله، ويؤمن بأن كشمير جزء من الهند غير أنه يطالب بحكم ذاتي موسع.


المؤتمر القومي الهندي: لا يختلف في توجهاته السياسية عن المؤتمر القومي الكشميري حيث ينادي بانضمام كشمير إلى الهند.

وكلا الحزبين ضعيفين ولا يكادان يذكران، فهما لا يملكان شعبية في الشارع الكشميري.

الاتجاه الثاني: أحزاب ذات رؤية مستقلة

وتنادي بالاستقلال وعدم الانضمام لا إلى الهند ولا إلى باكستان ومن أبرزها:

جبهة تحرير جامو وكشمير: يترأسها ياسين ملك، وقد أسست عام 1385هـ (1965م) وهي تطالب باستقلال كشمير عن كل من الهند وباكستان، وأفرادها ينشطون على جانبي خط الهدنة. ولها جناح عسكري يسمى جبهة التحرير يترأسه رفيق دار.


المؤتمر الشعبي: يترأسه عبد الغني لون، ويطالب بالاستقلال عن كل من الهند وباكستان، وله جناح عسكري يدعى البرق برئاسة بلال رحيم، ويلاحظ انخفاض شعبية هذا الحزب في كشمير.

الجبهة الشعبية الديمقراطية: يترأسها شبير أحمد شاه. ويدعو هذا الحزب إلى الاستفتاء العام وبضرورة قبول نتيجته. وله جناح عسكري يسمى (مسلم جانباز فورس) يقوده محمد عثمان. وكسابقيه فإن شعبيته محدودة.

الاتجاه الثالث: أحزاب تؤيد الانضمام إلى باكستان

وتقوم برامجها السياسية على هذا الأساس، ويعتبر تجمع (تحالف) جميع الأحزاب الكشميرية للحرية أهمها، ويضم هذا التجمع حوالي 26 حزبا منها:

الجماعة الإسلامية: يترأسها غلام محمد بت، وتركز -إضافة إلى نشاطها السياسي- على التربية والتعليم للحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الكشميري. ولها حضور عبر فروع نشيطة في معظم أنحاء كشمير. ومن أبرز قادتها محمد علي الجيلاني الرئيس السابق لتحالف جميع الأحزاب الكشميرية للتحرير, وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.


مؤتمر مسلمي كشمير: أسس سنة 1408هـ (1987م) يترأسه عبد الغني بت، ويهدف إلى تخليص كشمير من الاحتلال الهندي وضمها إلى باكستان.

حزب رابطة المجاهدين: يترأسه نصرت عالم. وله جناح عسكري يدعى حزب الله يقوده اشتياق أحمد، ولا يتمتع بشعبية كبيرة في كشمير.

اللجنة الشعبية القومية: يترأسها مير واعظ عمر فاروق، ولهذا الحزب شعبية في سرينغار, كذلك له جناح عسكري يسمى “العمر مجاهدين”.

الرابطة الشعبية (فاروق رحماني): يترأسها فاروق رحماني, ولها جناح عسكري صغير.

الرابطة الشعبية (شيخ عبد العزيز): يترأسها شيخ عبد العزيز, ولها شعبية في معظم أنحاء كشمير, كما لها جناح عسكري يسمى الجهاد يقوده سمير خان.

اتحاد المسلمين: يترأسه عباس أنصاري, وينتسب إليه شيعة، وليس له جناح عسكري.

الحركة العمومية: يترأسها فريد بهنجي، ولها جناح عسكري يسمى الجبهة الإسلامية, ويلاحظ عليها قلة النشاط عموما.


جمعية أهل الحديث في كشمير: يترأسها مولانا طاهري, ولها جناح عسكري يسمى تحريك المجاهدين برئاسة الشيخ عبد الله غزالي والشيخ جميل الرحمن, غير أن عملها العسكري محدود.


حركة تحرير جامو وكشمير: يترأسها سعد الله تانتري, ويزداد نشاطها في إقليم جامو.


حركة المقاومة الشعبية: يترأسها غلام أحمد مير، وبالرغم من توجهها العلماني إلا أنها تهدف إلى الانضمام إلى باكستان.

وكثرة الجماعات يعكس حقيقة كثرة وتعدد المدارس الفكرية المختلفة في كشمير ويدل أكثر على أن المنطقة عصية على الاحتلال على الرغم من اختلاف مشارب مكوناتها السياسية والجهادية.

جرائم الاحتلال الهندوسي في كشمير مستمرة

وأمام عجز دولي وإسلامي عن إعطاء الكشميريين حقهم في أرضهم، استمرت الممارسات الإجرامية للهندوس في الإقليم، وقد أظهرت إحصائية صادرة عن وكالة “كشمير ميديا سيرفس” أن عدد الشهداء الذين سقطوا خلال عام 1424هـ (2003م) بلغ (2828) شهيدًا فيما بلغ عدد الجرحى (6009) جريحًا، ومن بين الشهداء (294) قضوا تحت التعذيب، فيما استشهد (46) طفلاً و(135) امرأة، وحسب إحصائية مركز المعلومات والبحوث التابع لوكالة (كي إم إس) بلغ عدد الأيتام (2169) يتيمًا خلال عام، نتيجة لعمليات القتل الإجرامية التي تمارسها قوات الاحتلال الهندية.

 وفقدت (651) امرأة أزواجهن، وتعرضت (300) امرأة للاعتداء عليها على يد قوات “راشتريا رايفلز” التابعة لجيش الاحتلال الهندي والمتخصصة في قمع الانتفاضة الكشميرية، وأفاد التقرير أن (349) شابًّا خطفتهم قوات الأمن التابعة للمخابرات الهندية (راو) في (جامو وكشمير) المحتلة، وهؤلاء عادة ما تتم تصفيتهم ميدانيًّا في عمليات اغتيال غير قانونية دون تقديمهم للمحاكمة أو توجيه تهمة إليهم.

 ومن جهة أخرى وحسب التقرير فقد وصل مجمل عدد الأسرى في كافة مراكز الاعتقال داخل جامو وكشمير المحتلة وفي مختلف السجون الهندية خلال عام 1424هـ (2003م) إلى (4188) أسير وتعرض (460) منزلاً ومتجرًا للتدمير الكلي أو الجزئي من قبل قوات الاحتلال الهندي.

وأظهرت إحصائية عن وكالة ” كشمير ميديا سيرفس” أن عدد الشهداء الذين سقطوا خلال شهر (صفر-ربيع الأول) 1425هـ (إبريل 2004م) بلغ (160) شهيدًا فيما بلغ عدد الجرحى (800) جريحًا، ومن بين الشهداء حسب إحصائية مركز المعلومات والبحوث التابع لوكالة “كي إم إس” أن (150) رجلاً من ضمنهم (18) شابًّا سقطوا ضحية عمليات الاغتيال غير القانونية، تحت التعذيب في المعتقلات.

وهذه الإحصائيات خاصة بعام واحد وشهر واحد، ولا تزال معدلات الجرائم الهندوسية مرتفعة إلى يومنا هذا. فالاعتقالات والقتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري والمطاردات والحصار والقمع سياسة المحتل الطاغي.

ومن ممارسات الاحتلال الشنيعة، تعليق الحكومة الهندية جوازات السفر الخاصة بعدد من سكان كشمير ومن ضمنهم الصحفيون، وذلك في تحرك وصفه المراقبون بأنه خطوة غير مسبوقة لخنق المعارضة في الإقليم الذي تقطنه أغلبية مسلمة، وقد أضرت سياسات الاحتلال بالكشميريين الذين يعيشون خارج الهند ضررًا بالغًا، إذ وجد كثير من الصحفيين الكشميريين أنفسهم منفيين بسبب تقليص مساحات التغطيات الصحفية النقدية في بلادهم، وبسبب تهديدات التعرض لمضايقات على يد السلطات الهندية.

التغيير الديمغرافي لكشمير

ومستفيدة من الصمت الدولي، تواصل الهند سياساتها في التغيير الديمغرافي للسكان في كشمير، ويسعى رئيس وزراء الهندي الحالي، مودي، إلى تشجيع الهندوس على الهجرة إلى كشمير بهدف تغيير الهوية الديموغرافية للإقليم الوحيد ذي الغالبية المسلمة في الهند. ولأجل تحقيق ذلك تقوم الحكومة الهندية بتحفيز الهندوس على الشراء والتملك والإقامة في كشمير. وتوفير الوظائف وفرص الدراسة الجامعية في كشمير للهندوس من خارج الإقليم، بالموازاة مع فتح باب التطهير العرقي للمسلمين.

واستفادت الصين من الصراع الدولي الأمريكي الصيني لجذب الدعم الأمريكي لسياساتها، وقد كان ذلك واضحا خلال فترة حكم الرئيس الأسبق، دونالد ترامب، الذي أراد أن يشغل الصين بصراع حدودي مع جار قوي مثل الهند، وأن يقوي موقفه الانتخابي بصفته الرئيس الذي يعرقل الصعود الصاروخي للتنين الصيني.

ودعمت الولايات المتحدة الهندوس بشدة باسم الديمقراطية في الهند وكشمير في حرب على الإسلام اتخذت أشكالا وأساليب مختلفة بين القوة الناعمة بالغزو الفكري لتبديل الإسلام وإضعاف دعوته وتأثيرها في الشعوب، أو بالمواجهة العسكرية وبقوة القمع والاضطهاد والمجازر المخزية.

إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير في 1445هـ

وأيدت المحكمة العليا في الهند في الأيام الأخيرة سحب الوضع الخاص من ولاية جامو وكشمير السابقة. في تأييد لقرار حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسية التي قامت بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي في عام 1441هـ (2019م)، والتي كانت تتمتع المنطقة بموجبها بقدر كبير من الحكم الذاتي. وتم تقسيم الولاية المسلمة الآن والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة، إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.

وأضافت المحكمة أنه يتعين على الحكومة إجراء انتخابات في الإقليم بحلول 28 صفر 1446هـ (سبتمبر 2024م).

وقال رئيس المحكمة العليا دي واي تشاندراتشود أثناء تلاوته الحكم أن “ولاية جامو وكشمير لا تتمتع بسيادة داخلية تختلف عن الولايات الأخرى”.

ما يجعل من واقع الكشميريين أكثر بؤسا وشقاء. حيث يرى الكثير من الكشميريين أن السبب الحقيقي للتغييرات وإلغاء الحكم الذاتي هو تمهيد الطريق أمام التحول الديموغرافي، وعملية تطهير عرقية ودينية وفتح البوابات أمام “الغرباء للامتلاك والتوطين”.

ويزداد قلق المسلمين الكشميريين من الوجود العسكري الساحق للهند في بلادهم، الأمر الذي يؤدي إلى احتكاك مستمر يتسبب في تعرضهم للإهانة والمضايقة بشكل روتيني من قبل قوات الأمن.

“يعيشون في سجن كبير، وفرضت الأحكام العرفية، وتقييد على الذهاب لصلاة الجمعة في المساجد القريبة فقط، حتى ماكينات الصراف الآلي (ATM) لا تعمل”، هكذا يصف رئيس تحرير صحيفة ميللي جازيت الهندية ظفر الإسلام خان في حديثه مع موقع الحرة، الوضع في كشمير الهندية.

الصهيونية والهندوسية: تحالف قديم بين التعصب والاحتلال

 هناك أوجه تشابه كبير بين الصراع في فلسطين والصراع في كشمير، فمن حيث طبيعة الاحتلال، الصهيوني والهندوس وطريقته في تسطير المجازر والتباكي للمجتمع الدولي، ثم من حيث المماطلة والتهرب من القرارات الدولية، حيث يعد التواطؤ الدولي في ملفي فلسطين وكشمير صفة مشتركة، وفي الواقع فإن قرارات الأمم المتحدة لا تفرض بالقوة حين يكون الضحية مسلمون، ولكنها تفرض بكل أشكال القوة حين تكون المصلحة غربية!

ولذلك لا عجب أن كان قادة الهندوس معجبين بالحركة الصهيونية واستمروا في تغذية كراهية الإسلام العميقة الجذور للحركة الهندوسية لإبقاء المسلمين في حالة عدم الأمان.  

والتشابه بين فلسطين وكشمير يصل حتى إلى التواريخ، حيث تقبع كشمير تحت الاحتلال الهندوسي منذ 1366هـ (1947م) بينما تقبع فلسطين كذلك تحت الاحتلال الصهيوني منذ 1367هـ (1948م).

وتعتبر الصهيونية، مثل الطبقية الهندوسية، أيديولوجية تفوق تمنح بعض الناس حقوقًا حصرية على أساس الدين؛ حيث تسعى الصهيونية إلى إقامة دولة يهودية عرقية، أو أرض “إسرائيل”، في فلسطين التاريخية، خالية من جميع الأعراق أو المعتقدات الأخرى. وكذلك الهندوتفا، بالمثل، ترغب في إنشاء أمة هندوسية راسترا أو أمة هندوسية في شبه القارة الهندية، وتشترك الأيديولوجيتان في الكثير من الأمور المشتركة، وبالتالي أصبحا حليفين طبيعيين يباركان منهجية المجازر والإبادرة للفلسطينيين والكشميريين.

ولا عجب أن أظهر الهندوس تعاطفًا مع الاحتلال اليهودي لحد إرسال جنود يقاتلون في صفوفه في الحرب على غزة، فضلا عن حملات إعلامية شديدة الخبث والإفك والبهتان لصالح اليهود ضد الإسلام والمسلمين، هدفها “شيطنة” كل ما هو على علاقة بالإسلام والعالم الإسلامي، وبالموازاة، تم اضطهاد المسلمين ومنعهم من إظهار النصرة لفلسطين وحوصرت محاولاتهم لإعلاء صوت التنديدات بجرائم الاحتلال في غزة. واعتقل المئات لمحاولتهم قيادة احتجاجات لنصرة فلسطين.

بل إن الاضطهاد الهندوسي وصل لحد منع أهل كشمير من نصرة أي مسلمين بحاجة للدعم مثل ما يفعل في حملات مطاردته للعائلات الكشميرية في جامو التي تأوي اللاجئين الروهينجا الفارين من الموت وبؤس المعيشة.

ومما قد يجهله البعض أن الهندوس لديهم مشروع قومي يصل إلى عمق العالم الإسلامي، مثل الصهاينة، إذ تقول الأساطير الهندية إنَّ الإمبراطورية الهندية كانت تمتد – في يومٍ من الأيام – من سنغافورة شرقًا إلى نهر النيل غربًا، ومرورًا بالجزيرة العربية، ولذلك فإن المطامع الهندوسية منذ اليوم الأول تستهدف إقامة “الإمبراطورية الهندوسية العظمى”؛ لتستعيد مكانتها المزعومة.

ومع ذلك كله تبقى حقيقة أن اليهود ينظرون للهندوس نظرة احتقار، على الرغم من تفانيهم في تأييدهم على جرائمهم بحق المسلمين.

سياسات الاحتلال الصهيوني والهندوسي في قمع المسلمين واحدة

هدمت الجرافات مسجدا تاريخيا يعود تاريخه إلى القرن الـ16 في مدينة براياغراج في ولاية أوتار براديش الهندية في 16 جمادى الآخرة 1444هـ (9 يناير 2023م) في إطار مشروع لتوسيع الطريق. وليس الوحيد فلا تزال الجرافات الهندوسية الصهيونية تهدم المساجد ومنازل المسلمين في الهند وكشمير بلا أدنى رحمة. لإرضاء سعار الهندوس المتطرفين الذين يدعون ملكية شرعية للأرض ويزعمون أن مساجد المسلمين كانت بالأساس معابد هندوسية حولها الحكام المسلمون لمساجد.

وعلى الرغم من افتقادهم لأدلة على ذلك دعم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي على نحو متزايد الأهداف القومية الهندوسية، والتي منها هدف الهند في إخراج الهند، متجانسة ثقافيًا بإعادة تسمية الأماكن بمفردات هندوسية علنية وتجريف الآثار الإسلامية والحفريات الأثرية للعثور على جذور هندوسية في المواقع الدينية الإسلامية. وبضم كشمير إلى حكم الهندوس فإن معالمها الإسلامية مهددة بالاندثار.

وهي السياسات العدوانية نفسها التي يستخدمها الاحتلال اليهودي ضد فلسطين المسلمة.

في الختام

لقد حصدت آلة الاحتلال الهندوسي لكشمير أكثر من 70 ألف روح مسلمة خلال 7 عقود ولا تزال مستمرة منذ اندلاع الصراع بين الهند وباكستان على كشمير، إلى هذه اللحظة في حصد المزيد من الأرواح وترويع المسلمين وهدم أحلامهم وطموحاتهم قبل مبانيهم ومصالحهم، حيث يخوض الهندوس حربًا مسعورة ضد المسلمين لم تسلم منها حتى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تطارد الهندوسية المتطرفة كل فكرة إسلامية بالطغيان والظلم، وفي الوقت نفسه لا يزال هناك أكثر من700 ألف جندي ينتشرون في وديان كشمير، على استعداد لأي شرارة حرب. في منطقة تعد الأشد عسكرة على وجه الأرض نتيجة فشل جميع الحلول في انتشال كشمير من مخالب الضبع الهندوسي.

ومع استمرار تعثر الحلول الدولية والمحلية، يرى البعض اليوم أنه لا بديل أمام الباكستانيين إلاّ العودة لسياسة دعم الجماعات الإسلامية المسلحة في كشمير بعد أن أحرقت الهند كل الجسور مع باكستان، والاستفادة من حالة الخوف التي تعيشها الهند من أن يؤدي الانتصار الطالباني على الأميركيين بانسحابهم من أفغانستان إلى عودة حالة ما بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان حيث نشطت الجماعات الجهادية الكشميرية واستقوت عزائمها على تحرير البلاد المسلمة.

وفي الواقع فإن السياسات الحكومية الهندوسية لا تبشر بالخير، لكونها تقوم على طموحات عنصرية لا تقوم إلا على جماجم وحقوق المسلمين المغتصبة، فحسب مجلة “ذا هندو” فإنه من المرجح أن يتخذ مودي العديد من الخيارات المثيرة للجدل خلال الخمس سنوات القادمة، والتي قد يؤثر الكثير منها أيضًا على باكستان.


وعلى هذا فإن نصرة المسلمين في كشمير واجب لا يسقط بالتقادم ولا بالانشغال ولا بالتسويف! والنصرة أبواب وفصول، ونتائجها تراكمية تكاملية يظهر أثرها حتمًا في مستقبل الأمة الواعد. من الميدان الدعوي والتربوي إلى الإعلامي والسياسي إلى العسكري والجهادي .. ومن ذلك دعم الجماعات والجمعيات الإسلامية التي تعمل على دحض العقائد الباطلة ومقاومة حملات المذاهب المضللة لتقوية قلب الأمة الكشميرية وحفظ وحدتها وانسجامها وتلاحمها في كشمير مسلمة موحدة، حرة مجاهدة.

ولتحقيق ذلك، لا ينبغي أن يُغفل ذكر اسم كشمير في أدعية وخطابات ومشاريع المسلمين كافة.

المصادر:

التاريخ الإسلامي، التاريخ المعاصر، القارة الهندية، محمود شاكر.

المقاومة الشعبية في كشمير: الجذور، التطور، الخيارات، د. طاهر أمين، معهد الدراسات السياسية، إسلام آباد، باكستان، الطبعة الأولى 1996

الجزيرة: كشمير.

الجزيرة: كشمير والجهاد الأفغاني.. مصدر إلهام سعى الكشميريون لاستلهامه

الجزيرة: خريطة الأحزاب الكشميرية

عربي بوست: البقعة الأشد عسكرة على وجه الأرض.. كشمير على الحافة النووية

الآلوكة: كشمير المسلمة على خطى كوسوفا

تقارير صحفية مختلفة.

وصل: غضب كشمير على غزة يغلي مع استمرار الهند في السيطرة على الاحتجاجات

وصل: الشرطة الهندية: بلاغات وصلتنا ضد مسلمي جامو الذين يوفرون المأوى للاجئين الروهينجا

وصل: لماذا يحب الهندوس اليمينيون المتطرفون شيطنة الفلسطينيين؟

مداد: جماعة أهل الحديث (في الهند وكشمير)

كتاب سياحة في كشمير لمحمد بن ناصر العبودي

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x