الإسلام جنوب شرقي آسيا: سنغافورة

يطلق عليها اسم سنغافورة، ويرجع أصل هذه التسمية لكلمتي “سنغا” و”بورا” السنسكريتيتين، بمعنى: مدينة الأسد. وهي تعد من من بين الدول الأكثر غلاء في العالم، ولكن اقتصادها متقدم بشكل بارز. ومعدل دخل الفرد السنوي فيها هو الأعلى في كل العالم.

تقع جمهورية سنغافورة على جزيرة في جنوب شرقي آسيا، كأصغر دول هذه المنطقة من القارة، وهي تتمركز عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة ملايو، يفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور، وعن جزر رياو الإندونيسة مضيق سنغافورة.

سكان سنغافورة

يعيش في هذه البلاد بحسب إحصاءات عام 1442هـ (2021م)، 5.454 مليون نسمة، وهي دولة ذات كثافة سكانية عالية في العالم بالنظر لصغر مساحتها وارتفاع عدد سكانها.

يتحدث سكانها أربع لغات رسمية، وهي: الإنجليزية والصينية (الماندرين) والماليزية والتاميلية، حيث تشغل الإنجليزية الدوائر الحكومية والتعليمية، بينما تعتبر اللغة الماليزية هي اللغة القومية لسنغافورة. ويرجع ذلك إلى أن سنغافورة قد استقلت عن اتحاد ماليزيا بتاريخ 12 ربيع الثاني 1385هـ (9 أغسطس 1965م).

ولكون سكانها من أصول وثقافات مختلفة، فإن سنغافورة بلاد متعددة الديانات، مع نسبة أكبر من البوذيين تصل إلى 34% من إجمالي السكان، وتشهد البوذية نشاطًا لافتًا في هذه البلاد بسبب المهاجرين من تايوان الذين ينشطون في الدعوة إليها.

ويلي البوذية الإسلام والنصرانية -بطوائفها المختلفة- والهندوسية والطاوية واليهودية والبهائية واللادينية.

وتصل نسبة المسلمين في سنغافورة إلى 16.2% بحسب إحصاءات عام 1400هـ (1980م) لكنها نسبة لم تشهد تصاعدًا كما هو معتاد في الدول التي ينشط فيها المسلمون بدون اضطهاد، وإنما انخفاضًا حيث نزلت إلى 15% عام 1431هـ (2010م) واستمرت منحنياتها في الانحدار حتى عام 1436هـ (2015م) بنسبة 0.7%، وقد تباينت النسب المشيرة لعدد المسلمين في سنغافورة بين 13.9% و14.7% و16%، و20% بحسب اختلاف المصادر. أغلبهم يتبعون المذهب الشافعي أو الحنفي.

ورغم هذا التناقص والتباين في نسبة المسلمين في سنغافورة فإن الإسلام يمثل المرتبة الثانية من حيث الانتشار في هذه البلاد بحسب بحث أصدرته مؤسسة “يورومونيتور إنترناشيونال” في عام 1436هـ (2015م) في حين تصنفه مصادر أخرى في المرتبة الثالثة بعد البوذية والنصرانية وأخرى تجعله في المرتبة الرابعة بينما تذهب مصادر أخرى إلى أنه سيصبح في سنة 1472هـ (2050م) في المرتبة الثانية نظرًا لكونه أسرع الأديان انتشارًا في العالم.

خلفية تاريخية

تعتبر جمهورية سنغافورة مركزًا حيويًا للمهاجرين، فقد قصدها المهاجرون من أصول مختلفة، فوصلها الصينيون والمالاويون والهنود والآسيويون والقوقازيون وغيرهم ممن سكن بلاد سنغافورة، وحمل معه ثقافته المختلفة.

وتشير الإحصاءات إلى أن 74.3% من سكان سنغافورة من أصول صينية، و13.3% من أصول ماليزية، و9.1% من أصول هندية، و3.3% من أصول أخرى متنوعة.

كما يقصد سنغافورة نسبة كبيرة من الوافدين للعمل والدراسة، باعتبارها رابع أهم مركز مالي في العالم، وللدور المحوري الذي تلعبه في الاقتصاد العالمي.

تاريخ الإسلام في سنغافورة

ترجع أصول غالبية مسلمي سنغافورة إلى ماليزيا أو الهند. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، حوالي 14% من السكان المقيمين في سنغافورة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة فأكثر هم من المسلمين، أغلبهم من قومية الملايو، و17% من المسلمين في سنغافورة من أصل جنوب آسيوي، إلى جانب المسلمين في المجتمعات الصينية والعربية والأوراسية.

ووصل نور الإسلام هذه البلاد تزامنًا مع وصوله إلى البلاد المجاورة كماليزيا وإندونيسيا ومنطقة الملايو كلها كما سبق أن أوضحنا في تاريخ وصول الإسلام لأرض المالايو، عن طريق التجار العرب الأوائل في القرن الأول الهجري.

وزاد نشاط الدعاة للإسلام في سنغافورة في القرن التاسع الهجري.

وكانت سنغافورة أثناء حقبة ازدهار السلطنات والممالك الإسلامية في أرض الملايو تحت حكم سلطنة “جوهر” الإسلامية تنعم بنظام إسلامي مستقل حتى بِيعَتْ بثمن بَخْس للإنجليز.

وبانهيار وسقوط الإمارات الإسلامية بمنطقة الملايو سقطت جزيرة سنغافورة تحت الاحتلال البريطاني عام 1239هـ (1824م).

ثم عايشت جميع مراحل التخلص من الاحتلال في بلاد الملايو لتنتهي تحت مظلة اتحاد ماليزيا ثم الاستقلال عنها.

المؤسسات الإسلامية في سنغافورة

يعد الإسلام الدين الأكثر تنظيمًا في هذه الجزيرة الصغيرة حيث يحرص المسلمون في سنغافورة على تطبيق الشريعة الإسلامية في أحوالهم الشخصية والأسرية، ولأجل ذلك أسسوا لهم محكمة شرعية في عام 1378هـ (1958م) ويتوفر لديهم عدة أفرع لها تلبي حاجاتهم أينما وجدوا في البلاد.

كما أسسوا لأنفسهم في عام 1388هـ (1968م) المجلس الإسلامي السنغافوري لإدارة ومتابعة شؤون المسلمين في سنغافورة. ويصدر هذا المجلس الإسلامي بعض النشرات باللغة الملاوية، والإنجليزية.

وتهتم هذه الهيئة الإسلامية بكل ما يتعلق بالنشاط الدعوي والشرعي والزكاة والحج والمساجد، فضلا عن توفير شهادات الزواج والطعام الحلال وإدارة المدارس الإسلامية وتقديم الفتاوى لمسلمين هناك وخدمات ما يتعلق بالوفاة والدفن.

وقد أسست أغلب المساجد والمدارس الإسلامية بسنغافورة بجهود خيرية من المسلمين المقيمين فيها، حيث وصلها من أول من وصل من المسلمين، تجار في مقدمتهم أسرة “السقاف” التي كانت من أوائل الواصلين إلى سنغافورة منذ عام 1239هـ (1824م). ومن آثار هذه العائلة تأسيس مدرسة في عام 1331هـ (1912م) في “حي قلام” ومسجد السلطان، ومسجد “الحاجة فاطمة الزهراء”.

إضافة إلى تأسيس هيئة اتحادية للأعمال الخيرية عام 1322هـ (1904م) لخدمة حاجات المسلمين ولإدارة شؤونهم الدينية، واشترك في هذا المشروع العديد من الأسر المسلمة الأخرى المقيمة في سنغافورة.

وعمل هذا الاتحاد الأول من نوعه في سنغافورة على عمارة المساجد والمقابر والتعليم، والإنفاق على دار الإحسان للبنات، وأخرى للبنين وللفقراء، وبناء منزلين لسُكْنى أيتام المسلمين وتجهيز الموتى وتربية اللُّقطاء وغيره من الأعمال الخيرية في سنغافورة.

كما لدى المسلمين هيئة الأوقاف الإسلامية. حيث أوقف فيها العديد من المسلمين أموالهم وممتلكاتهم لتغطية نفقات المؤسسات الإسلامية والمساجد والنشاطات الدعوية والتعليمية في البلاد.

ويهتم المسلمون في سنغافورة بالنشاط السياسي بشكل لافت حيث انخرطوا في الحركة السياسية في البلاد بنشاط، ومن الأدلة على ذلك أن اثنين من أقلية الملايو المسلمة وصلا لمنصب رئاسة الدولة. فقد وصلت حليمة يعقوب سنة 1438هـ (2017م) إلى الحكم كرئيسة للجمهورية السنغافورية لعدم وجود منافسين، لتصبح ثاني ممثل للمسلمين في تاريخ سنغافورة يحتل هذا المنصب من أقلية الملايو المسلمة،[1] بعد يوسف إسحاق الذي طبعت صورته على أوراق النقد في البلاد.

وتولى يوسف إسحاق الرئاسة السنغافورية بين عامي 1385 و1390هـ (1965 و1970م) وهي أولى سنوات الدولة بعد الاستقلال ولكن هذه الرئاسة مجرد منصب فخري في سنغافورة، حيث تبقى السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء.

المساجد

مسجد السلطان

من أشهر مساجد سنغافورة مسجد “ملقا” الذي بُنيَ عام 1246هـ (1830م)، ومسجد “فاطمة الزهراء” الذي بني عام 1261هـ (1845م)، وأكبر مسجدين في البلاد هما مسجد “السلطان” ومسجد “المهاجرين”.[2]

وتضم بعض المساجد المدارس والمستشفيات والمستوصفات لخدمة المسلمين في سنغافورة.

والمدارس القرآنية ملحقة بجميع المساجد الموجودة في البلاد.

وتلعب المساجد دورًا حيويًا في حياة المسلمين في سنغافورة، فهي ليست مجرد دور للعبادة، بل تساهم بشكل مباشر في تنظيم الحياة الاجتماعية للمسلمين وتقدم خدمات التعليم والتوجيه لهم، وتعمل على دعوة غير المسلمين.

المدارس الإسلامية في سنغافورة

يرافق العدد الكبير من المساجد في سنغافورة عدد كبير من المدارس الإسلامية – بما فيها الملحقة بالمساجد- يصل لأكثر من 90 مدرسة، منتشرة في كافة أنحاء البلاد، من أشهرها المدرسة التهذيبية الإسلامية، ومدرسة الإرشاد الإسلامية، ومدرسة الجنيد الإسلامية، ومدرسة السغوف العربية، والمدرسة الدينية في رادين ماس، ومدرسة واق تانجونغ الإسلامية، والمدرسة العربية الإسلامية، ومدرسة المعارف الإسلامية.[3]

وهي مدارس تفصل فيها الإناث عن الذكور ويعتنى فيها بأداء الصلاة ونشاطات تربوية وتعليمية جذبت لها عدسات الإعلام تعكس تفاني المسلمين في سنغافورة في العناية بالتعليم الإسلامي في هذه البلاد.

ولا تركّز هذه المدارس على تعليم العلوم الإسلامية فقط، بل تدرس أيضًا دراسات أكاديميّة أخرى.

ويدرس الطلاب في مدارس سنغافورة الإسلامية لمدة ستّ سنوات في التّعليم الابتدائيّ، وخمسة في التّعليم الثّانويّ، ويأخذون الدراسات الإسلاميّة على رأس الموضوعات الأخرى بما في ذلك الرياضيات والعلوم، مما يجعل اليوم الدراسي أطول ممّا هو عليه في المدارس الحكوميّة العادية.[4]    

كما يرتاد المسلمون دار للعلوم لتخريج الدعاة، وينتقل الطلاب والدعاة والمشايخ إلى إندونيسيا وبقية البلاد العربية لمواصلة تعليمهم في مستويات أعلى.

واقع المسلمين اليوم في سنغافورة

يحرص المسلمون على العودة للمحكمة الشرعية في كل شؤونهم الشخصية والأسرية والاجتماعية، في مسائل الزواج والطلاق وأيضا للفصل في نزاعات المسلمين وتعاملاتهم بالأحكام الإسلامية.

وينشط المسلمون بشكل منظم بفضل مؤسساتهم وإداراتهم المتصلة، في المساحة التي تسمح بها الحكومة السنغافورية من حرية الاعتقاد. على ألا تمس بقوانين الدولة ونسيجها الاجتماعي متعدد الأعراق، حيث حظرت الحكومة 4 كتب إسلامية باعتبارها مثيرة للكراهية والتنافر الاجتماعي مع الديانات الأخرى لمجرد أنها تدعو لدين الله تعالى. كما أنها سعت لحظر الحجاب في بعض المؤسسات ومن ذلك حظر حجاب الممرضات. وعارض المسلمون هذ القرار.

وتمد الجمعيات الدعوية في سنغافورة جسورًا مع المنظمات الإسلامية في ماليزيا وإندونيسيا وبروناي وباكستان وغيرها.

وتوجد بسنغافورة جمعيات إسلامية منها “جمعية الدعوة الإسلامية” التي تلقت الدعم من بعض الدول العربية، كما توجد جمعية “التاميل المسلمة” وجمعية “المسلمين الجدد” وجمعية “تثقيف النشء” وجمعية “الشبان المسلمين” وجمعية “الملايويين” وجمعية “دار الأرقم” وجمعية “الشابات المسلمات” وجمعية “الطلاب المسلمين” وجمعية “منداكي” وغيرها مما يعكس درجة العناية بالنشاط المؤسسي الإسلامي في سنغافورة.

وأكد الدكتور يعقوب إبراهيم، وزير الاتصالات والمعلومات في سنغافورة، ومسؤول الشؤون الإسلامية – أن أوضاع المسلمين “الملايو” المقيمين بسنغافورة شهِدت تحسُّنًا كبيرًا خلال العقود الخمسة الماضية، مشيرًا إلى أنهم أصبحوا يمتلكون المنازل والأعمال، ويتمتعون بمستوى تعليمي أفضل. وجاءت تصريحاته ردًّا على استفسار رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد حول أوضاع مسلمي الملايو في سنغافورة مقارنةً بإخوانهم في “ماليزيا بحسب ما نشرت شبكة الألوكة.

الحركة الدعوية في سنغافورة

وانعكس النظام الجيد للمؤسسات الإسلامية ونشاطاتها في سنغافورة على نشاط الحركة الدعوية والتعليمية الدؤوب في البلاد، ورافق ذلك نشاط في حركة الترجمة، حيث تمت ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغتين الماليزية والجاوية، وترجمة الأحاديث النبوية الشريفة إلى اللغتين الإنجليزية والتاميلية، إلى جانب الجهود المبذولة لنشر اللغة العربية بين المسلمين هناك.

من مشاكل المسلمين في سنغافورة

شارع العرب في سنغافورة

على الرغم من الوضع المعيشي الجيد للمسلمين في هذه البلاد، إلا أن مدارسهم تعاني نقص الكفاءات وتواجه صعوبات مالية، كما يفتقد المسلمون هناك إلى حفظة للقرآن الكريم، لكون تحفيظ كتاب الله يقتصر على جهود المجلس الإسلامي بسنغافورة.

ويعد النشاط التنصيري من أبرز تحديات المسلمين في سنغافورة حيث يستوجب خططًا واستراتيجية تتصدى له، وتصنع الوعي واليقظة لأساليبه وطرقه الخبيثة.

خلاصة الرحلة

وفي الختام إن كان من درس يستحق أن نسلط الضوء عليه بشدة في تاريخ الإسلام وحاضره في سنغافورة فهو أهمية علو الهمة والعمل والتخطيط لخدمة الإسلام ونشره ببذل المال والجهد والوقت، وأن تفاني المسلمين في هذا الاتجاه كانت أهم ثمراته بقاء الإسلام منارة يُشار لها بالبنان واستمرار دعوة الناس إليه رغم شدة الاستقطاب بين باقي الديانات.

ًلقد تمكن المسلمون في سنغافورة من تقديم نموذج عملي واقعي للصمود أمام تحديات العمل الإسلامي. ونموذج عن كيف يكون تضافر الجهود والنفقات والأوقات مثمرًا في تحسين الوضع المعيشي للمسلمين في بلد غير إسلامي، ونموذج عن كيف يكون حرص المسلمين على حفظ الجيل بتربية إسلامية راشدة، ودليل على بعد نظرهم ودرجة وعيهم بدور الأجيال في حفظ الرسالة.

وبعرض تاريخ وحاضر الإسلام في سنغافورة نكون أنهينا جولتنا في دول جنوب شرقي آسيا للنتقل بعدها إلى آخر ما تبقى من مناطق آسيا في جنوبها وغربها، فاللهم يسر وأعن.

 المصادر

سنغافورة

المستودع الدعوي الرقمي: سنغافورة

الآلوكة

محاولات رفع الحظر عن الحجاب

 الإسلام في سنغافورة وأحوال المسلمين فيها

سنغافورة: الإشادة بتحسن الأوضاع المعيشية للمسلمين الملايو

كتاب الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا – سيد عبد المجيد بكر.

[1] حليمة يعقوب.. مسلمة تتولى رئاسة سنغافورة

[2]  الإسلام الأسرع انتشارًا بين أتباع الأديان الوضعية (حوار مع مفتي سنغافورة الشيخ محمد فطيرس بكرام)، قام به: جمال سالم، المصدر: صحيفة الخليج: 9 يوليو 2014م.

[3]  البيئة العربية في مدرسة واء تنجونج الثانوية الإسلامية سنغافورة وأثرها النفسي في تنمية مهارة الكلام، ضياء الدين الزيتاوي، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية مالانج، 2014 م، صـ5.

[4] سنغافورة… سيدة مسلمة على رأس الدولة المعجزة

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
المنصور

متشوق لاكمال السلسلة، تعلمت الكثيرمنها.
استمر بارك الله فيكم

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x