إما أن نكون أو لا نكون!

تشخيص ثاقب لخصه مالك بن نبي في قوله: “قبل خمسين عاماً كنا نعرف مرضا واحدا يُمكن علاجه، هو الجهل والأمية، ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضا جديدا مستعصيا هو التعالم”.

هذا التشخيص قبل 73 سنة من تاريخ نشر كتابه “شروط النهضة” لأول مرة، فتأمل كيف تطور مرض التعالم مع تطور وسائل الاتصال في زماننا!

إن أخطر ما يعمل عليه الغرب في إطار استراتيجية هيمنته على العالم الإسلامي ليس تفوق القوة العسكرية، بل هو “القوة الناعمة” التي يتسلل بها من خلال “مناهج التعليم” و”الثقافة” و”الفن” وكل مداخل الفكر التي يصل بها إلى تشكيل ذهنيات الأجيال المسلمة. نتائج هذه القوة الناعمة إن لم يتم التصدي لها كارثية!

التصدي للقوة الناعمة الغربية يتطلب استراتيجية عالية التخطيط والإحاطة بأساليب الاختراق الغربي للمجتمعات المسلمة لتوفير دفاعات تتصدى لهذا الاختراق وتصنع مناعة داخلية عند الطفل والمرأة والرجل على حد سواء. وهذا يتطلب قادة أمناء أقوياء بإعداد عقدي وخلقي رفيع وتجربة وذكاء وشجاعة وتضحية.

صراعات الأمم ليست مجرد معركة عسكرية في ميدان حرب ولا صورة من صور الصراع المادي، إنها صراع أفكار بالأساس، صراع عقائد، ولذلك لا يمكن أن نخوض هذه المعركة ونتصدى لسموم الغرب واستراتيجيته التي تهدف “لاستعبادنا” إلا بقوة العقيدة وقوة الإعداد وقوة الأخلاق وقوة الوعي. من هنا نحقق النصر.

صراع الإسلام مع الغرب ليس مجرد التصدي لـ”عملية النهب والاسترقاق” و”النسوية” و”تشويه فكر الأجيال” و”الحصار الاقتصادي” و”التحكم في السياسات” وغيره مما يعاني منه العالم الإسلامي، بل هو صراع وجود! إما أن نكون أو لا نكون، فالقضية فريضة على كل مسلم ومسلمة الثبات في هذا الصراع لتثبت الأجيال وننتصر.

أيها المسلم أيتها المسلمة لا تسمح لهم أن يشغلوك عن قضيتك الأكبر: “إعلاء كلمة الله” و”إقامة شريعته في الأرض”، بمعارك داخلية بينكما، فالرجال والنساء في صف واحد ضد حملات التغريب والسلخ من الدين، ولا يليق أن يتنازع المؤمنون والمؤمنات ويتعاملون كأعداء يحذرون من بعضهم البعض. إنما بعضهم أولياء بعض.

دراسة الخطاب الدعوي الموجه في هذه المرحلة من الضرورة الملحة التي لا يجب التهاون معها، فالانجرار لما يريده الغرب من استعداء الرجال والنساء بعضهم بعضا، هو عين ما يفكك الأسرة ويفكك الصف الإسلامي، بل احفظوه بوحدة مباركة أساسها التوحيد وروحها العشرة بالمعروف والمودة والرحمة وما عند الله خير!

للأسف لا بد أن نعترف أننا نعاني فقرا في كفاءة “القيادات” وأن العجز على مستوى القيادة نتيجة طبيعية للعجز في محاضن التربية! لذلك فإن حفظ الأسرة وحفظ انسجامها وتكاملها وتركيز الجهود على تعزيز ميدان التربية لانتشال الأجيال من قاع الاستعباد الغربي لهم! من أنبل وظائف الدعاة وهذا يتطلب حكمة!

ولأنه صراع طويل الأمد، وأنت كمؤمن لبنة في مشروع نصر الإسلام الواعد، فلا يجب أن تكل أو تمل أو تحبط أو تُستغفل، واحذر أن تهمل أسباب الثبات في حياتك، عليك العناية الفائقة بعقيدتك وعباداتك خاصة القلبية منها، وأن لا تُسلم عقلك لمصدر واحد في فضاء التواصل، بل المسلم كيّس فطن، يتبيّن ويتمسك بالراسخ.

لن ننتصر في معركة “وجودية” قبل أن نحفظ داخلنا من الانهيار والهشاشة والغش، ونحصن القلوب بالإخلاص والتقوى، ونرفع من وعينا ويقظتنا بالتواصي بالحق والصبر، حتى نتخلص من كل أسباب الضعف والانهزامية ونعيد الاستعلاء بإيماننا أصلا أصيلا في حياتنا. لتحقيق ذلك، لنحذر من قيادة “المتعالمين” و”الهمم المغشوشة”.

والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x