يا أمة الله .. صوني نفسك!

أخية! أعلم أنك في غمرة العاطفة والأحلام الوردية تشاهدين المشاهد بحسن ظن واندفاع وشغف! لكن الحقيقة ليست دائما ما تشاهدين وما تريدين، إنما الحقيقة في حدود وضعها الله تعالى لصيانتك وحفظك لأن أذيتك عظيمة ولو لم تكن عظيمة ومهلكة لك لما وضع الله كل هذه الحواجز كي يجعل الوصول إليك مستعصيا.

لا تفكر المرأة كما يفكر الرجل، ولذلك جعلت تحت ولايته وقوامته، فالمرأة قلب رهيف وحس ضعيف وروح تكتمل بقوة الرجل! لذلك كانت محاولة كسر هذه القاعدة تحويل المرأة لفريسة وضحية! وكم من قصص خيال تعيشها الفتيات قد تعلقن بوصف المسلسلات والروايات، فكسرن الحواجز وانطلقن باندفاع يحققن حلما وهما!

ثم تصطدم الفتاة بحقيقة أنها فتاة! وأن الخارج بشع جدا وأن صيانتها ابتداء كان بالفعل ما يليق بها! كثيرات أدركن ذلك بعد أن شاكتهن أشواك خارج الأسوار، وشعرن بمرارة وشجن، وحين العودة وجدن أسرا لا تدرك قيمة صيانة الفتاة، وحفظها من كل ما يكسرها ويؤذيها ويحزنها! فكن بين مطرقة وسندان!

أقول لكل فتاة لم تجد الأب والأخ والزوج الذي يصونها ويحفظ لها مقامها في حصن حصين، أن ابني حصنك بيديك! بالاستقامة كما أمر الله تعالى وجاهدي نفسك حتى تصنعي حولك أسباب الحماية والحفظ، كما أراد الله لك درة مصانة. احفظي نفسك من كل اختلاط وتبرج وانفتاح لعالم الرجال الأجانب، فذلك تمام الفقه.

لا تضعي نفسك إلا في مكانك الذي أمرك الله به، في مكان التقوى وابتغاء ما عند الله، ولا تسأليني كيف أجد الزوج الصالح، فإن أول أسباب الوصول إليه، محرابك، وسجودك، ودعواتك، ولا تقلقي فإن الله جل جلاله قد قدر لك أرزاقك في هذه الدنيا. وما كان لك فسيأتيك بإذن الله. ولكن لا تستعجليه بمعصية!

لا تستعجليه أبدا بمعصية لأن أول أثر لهذه المعصية سيكون عليك أنتِ.

كل رسالة أقرأ فيها قصة مأساة لامرأة مسلمة أتفكر في واقع الأمة اليوم كم هو بعيد عن هدي الإسلام في عصره الأول! ومع كل خسارة نجد أن البعد عن هذا الهدي كان أول تشخيص لمآسينا، فما أن نعيد الموازين للقرآن والسنة، يأتي الحل!

ولأننا قطع متفرقة وأسر مفككة، لن يكون تطبيق الحل سهلا! فكم من فتاة تتوق نفسها للقرار في البيت والستر واختيار حياة تليق بأنوثتها واستقامتها، فلا تجد أسرة تعينها على ذلك، بل تحارب وتنبذ، وهنا تأتي المجاهدة كأول الأسباب لتحقيق طموحاتنا، فالمجاهدة بصدق وتفانٍ، سبيل معيشة طيبة ومعية وتأييد عظيم.

والمجاهدة تتطلب استقامة كما أمر الله بلا إفراط ولا تفريط، وحسنات يذهبن السيئات، وصحبة معينة، وعبادات في وقت الرخاء يظهر أثرها وقت الشدة، وعمل صالح، وتوبة! وكل ما يديم وصال القلب بالسماء، ويجعل من الدنيا دنية لا تعدو قدرها! والله سبحانه يمتحن صدق الإيمان ويغفر لمن تاب وأناب ويعينه!

كل فتاة تحلم بحياة سكينة ووقار، وتجد نفسها تكافح لتحقيقها، هي في جهاد! وهذا أمر يجب أن تحتسبه عند الله وتعظم التوكل عليه، وتصارع عقباتها كما تصارع الشيطان والأعداء! فإنها معركة تمرد على جاهلية العصر، تتطلب إعدادا وصبرا ويقينا، ولاشك فيها خسائر! ولولا القرآن والسنة لهلكنا وجفت قلوبنا.

لن يرحمك أحد إن سقطت أخية في عالم مزدحم بأصناف الجاهلية! لن يرحمك أحد من الناس لأن مقاييسهم دنيوية، ويغلب عليها الهوى! فاجعلي أسمى أهدافك رضا الله جل جلاله وإن سخط كل الناس، ولا تبالي بعدها بكل خناجر الغدر والمكر والكيد، فقد كفاك الله بحسن إقبالك وصدق إيمانك واستعانتك به تعالى.

لن يصونك إلا الإسلام، أشدد على هذا المفهوم جدا، ولا تنتظري من أحد أن يطبق الإسلام معك، بل طبقيه أنت في حياتك، اجعليه الحاكم ومنهجك، ولو بقيت لوحدك تكابدين الغربة، فهذا زمن قد نبأنا به النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت حديثا إلا وفيه الشفاء والبلسم! فكيف تستسملين ومعك هذا الهدي العظيم.

لن يصونك إلا دين الله تعالى، فتمسكي به ولو حاربك عليه العالم كله، وإياك أن تضعفي أو تصدقي لحظة أن تعدي حدود الله فيه نجاتك وفيه راحتك، بل منه البلاء يبدأ ومنه الأذية تأتيك، ومنه تتعثر خطواتك، وبعد أن كنت تحلقين ستشعرين بالكسر والضعف والتراجع، إنها الذنوب أخية فاتقي الله في نفسك.

حديث الرجال إليك في موعظة أو تذكرة لن يكون كحديث امرأة مثلك إليك، تعرف تركيبتك النفسية وخصائصك الأنثوية، تعلم كيف تفكرين وتشعرين، وتعلم جيدا كم أنك بحاجة لمن يسندك ويحفظك. لذلك اسمعيها مني، إن الصبر على الطاعة خير من الصبر على مرارة المعصية، وإن كل الدنيا لا ترفع عنك هذه المرارة إلا التوبة!

فكل فتاة مسلمة، اضطرب مركبها، وتاهت في بحر متلاطم الأمواج، منارتك القرآن والسنة، وإياك أن تفرطي فيهما، سيتزن مسيرك، إلى أن يجعل الله لك مخرجا وينجيك من كل شر يحيط بك. ويدفع عنك كل عدو يتربص بك. ليكن حب الله ورسوله أعظم من كل مطلب في هذه الدنيا، حينها ستبصرين بنور من الله وتسكن نفسك.

الله جل جلاله خلقك أمة لله، فكوني نعم الأمة وسابقي لنيل مرتبة عالية في الجنة، مرتبة يغبطك عليها الأولون والآخرون، ولا تسمحي لشيء في هذه الدنيا أن يعيقك ويعطلك وما رأيت مثل الذنوب عقبة تضيع عليك أعظم الفرص للارتقاء. هذه كلمات لك أبثها في وقت أعلم أنك تكافحين وتضعفين لتقومي أبية.

اللهم احفظ بنات المسلمين، وأيدهن برجال صالحين، واكف أمة الإسلام كل مؤامرات الشياطين، اللهم ارزقهن حلاوة الإيمان وحب الله ورسوله وحب العمل الصالح والتوبة، وثبتهن على سبيل المؤمنين يشهدن شمس النصر بنور ربها، وإقامة الإسلام كما تحب وترضى. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واغفر لنا وارحمنا.

قال الطغرائي:
غالى بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها
فصُنْتُها عن رخيصِ القَدْرِ مبتَذَلِ
وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه
وليس يعملُ إلّا في يدَيْ بَطَلِ

وقال عنترة:
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نازلي أميري

جزاك الله خيرا يا أيتها الدكتورة الفاضلة وزادك الله علما وثباتا..

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x