وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ

أرى ضرورة تقديم توضيح هنا بشأن هذه النصيحة (التشريف لا يسقط التكليف ولا يبرر التقصير) التي أخذها البعض على أسوأ محمل، واستغلها البعض للطعن في الدين والنوايا، واستهان البعض ببعد نظرها، وأما من جهل وأظهر سفاهته فليس له علاج إلا الإعراض عن الجاهلين، وإنما أجيب هنا على من طلب المزيد من التوضيح حتى لا يتسلق الجهلة والأغرار وضعاف النفوس.

الأصل الثابت في الإسلام هو الطاعة الكاملة لله تعالى والاستجابة التامة لأمره، قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)

والأمر هنا ليس خاصا بجنس الرجال دون النساء أو جنس النساء دون الرجال بل هو أمر للرجال والنساء معا، وهذا يعني التأدب مع أوامر الله وعدم التعامل معها بإفراط وتفريط، سواء كان الأمر يتعلق بالرجل أو بالمرأة، وقد أفرزت لنا مصيبة النسويات استجابات، منها الصائبة الفقيهه ومنها الخاطئة الضعيفة.

وتصدر على المنابر كل من يحمل غيرة أو يحمل جهالة تتستر بالغيرة، ولا ينكر عاقل متابع أن الكثير من الخلط تم ضخه في هذه الساحة، وتكبدنا الكثير من الخسائر، فافتقاد النهج الرباني في معالجة القضايا لا بد أن له تداعياته ومن لم يبصرها لا يعني أنها لا توجد، ولذلك وجب التنبيه على ما يلي:

التسليم لحقيقة أن الله تعالى قد فضل الرجال وكلّفهم بالولايات والمسؤوليات وجعل النساء تحتهن بمسؤوليات تناسب طبيعتهن الفطرية والخلقية، لا يعني أن كل امرأة اشتكت إفراطا يرصد على منابر الردود على النسوية أنها نسوية، بل هذا من الاستغفال والتدليس ووسيلة للهروب لا أكثر ولا تعالج بل تفسد!

حديثي كان واضحا وشديد التأكيد على أن المخاطبات في هذه الرسائل هن النساء المؤمنات اللاتي ليس لديهن أي مشكلة مع التسليم لأمر الله تعالى لكنهن يتأذين من أسلوب خطاب مطفف ومدلس يخفي نصف الحقيقة لأجل الانتصار بطريقة غير صادقة لحق كفله الله للرجال. وسأضرب مثالا واقعيا يتكرر.

ينطلق بعض أصحاب الحسابات من قاعدة أن للرجل أفضلية على المرأة، وهذه نقطة لا غبار عليها، لكنه كيف يدلل على هذه الحقيقة الثابتة؟ يدلل عليها بتدليس جائر، فهو ينتقي من النصوص ما يبتره وما ينتزعه من سياقه وما يجعله كقرآن، ويقول، هذا ما عليك التسليم به أو أنت نسوية:”المرأة سفيهة على الإطلاق”.

ويكرر المسكين على مسامع النساء الضعيفات والجاهلات، أن النساء سفيهات وعليهن طاعة الله في أمر أفضلية الرجل، فتخرج المرأة التي تؤمن تماما بالطاعة فيبرز في داخلها تناقض وتدافع أفكار غير متسقة مع كونها مكلفة ومحاسبة، فكيف تحاسب وهي سفيهة، ويصبح شعور عدم الرضا وفقدان الشغف للمسابقة ينطفئ!

ولو رجعنا للنصوص التي يستشهد بها هؤلاء سنجدها مبتورة، وناقصة وانتزعت من سياقها الخاص، وعممت على كل النساء، وطالب العلم الذكي لا ينسخ ويلصق بل يحسن الجمع بين النصوص وتنزيلها والتعامل بها ليهدي الناس لا ليستكبر على المسلمات ويقول، هذا دين الله وإلا فأنت نسوية! حنانيك ما هكذا تورد الإبل!

فإن من النساء من كيدهن عظيم، ومن النساء ما تحمل من الخبث والمكر ما يدمر حياة مجتمع، ومن النساء من تحمل عقلا يفوق الكثير من الرجال، وكثير من النساء فيهن سفاهة أو سفيهات ولكن هل هو أصل في الدين تؤمن به المسلمة أو كفرت أو خرجت من الملة! لا، بل الأمر يتطلب تفصيلا لا إطلاقا مدلسا.

إذا فالخلاف مع هؤلاء ليس في التسليم للنص الشرعي بدون مراء، بل في إثبات أن هذا هو حقا النص الشرعي، فيقول أن النساء سفيهات على الإطلاق، وهذا إفساد وانتصار لحظ النفس لا غير، إن لم يكن جهلا وتعالما واستكبارا في الأرض لا يروم صاحبه الإصلاح، والإصلاح يقضي إثبات النصوص كما جاء بها الشرع.

لذلك استنكر بعضهم التغريدات التي كانت تتحدث عن الحالة التي وقعت فيها بعض المسلمات، وأقول، المرأة ضعيفة بطبعها فكيف حين تكون ببضاعة مزجاة وتجاهد للثبات وتسلم عقلها لكل من يحقر منها ليثبت أفضليته، ولطالما حذرت من هذا النهج من عد عيوب النساء بدل ترسيخ التوحيد الأصل الراسخ العظيم!

من كان يريد إصلاح النساء فليشعل الخشية في قلوبهن ويرسخ التوحيد بصدق وإخلاص، ولا يستعمل أسلوب التحقير وعد العيوب الخلقية والتي هو مطالب باستيعابها وهي وصية نبينا بل أرى رسالتي جاءت من باب الأخذ بوصية النبي،صلى الله عليه وسلم “استوصوا بالنساء خيرا”، فاحفظوا عليهن دينهن ورضاهن عن ربهن.

الشيء إذا زاد عن حده انقلب لضده، هذه قاعدة علمية معروفة، ومن يريد أن يثبت أفضلية الرجال، فليس بحاجة لأن يقنع النساء أنهن سفيهات وأن هذا أصل في الشريعة، لأنه يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل ويعصي الله ورسوله، ومن لم يتحمل مسؤولية الكلمة والنصح للمسلمين والمسلمات فليتنح!

نحن بحاجة لنساء قلاع، ينجبن لنا فوارس وقادة نجباء، والمرأة بنفسية منكسرة ضعيفة هشة لا تدرك قيمتها وقيمة الإيمان في نفسها لن تخرج لنا إلا أجيال هشة ضعيفة جبانة! فهذا ما يصنع الخطاب الذي يحاول ترسيخ فرية أن كل النساء سفيهات! وينتصر لحظ نفسه بحجة الدفاع عن الشريعة والتصدي للنسوية!

وصدق من قال، من المعضلات توضيح الواضحات فإن الانكباب على الرد على النسويات الكافرات بشرع الله، والتعاطف مع كل من يرد عليهن دون ضبط مقياس الإسلام في الخطاب يفرز لنا صناعة الجبن والهشاشة ونخسر شريحة من النساء تفقد شعور المسؤولية والتكليف وشغف المسابقة، بل المرأة المؤمنة لها عقل وتحاسب.

لقد دخلت المرأة النار في هرة حبستها، فلو كانت سفيهة كيف تحاسب! بل تحاسب وتسأل عن كل ما عملته في دنياها، لذلك أشدد وأكرر، على النساء اللاتي تأذين من هذا الخطاب الذي يهدم الهمة، أن ينفضن غبار الكسل ويقبلن على القرآن حفظا ومدارسة وقراءة السيرة وسير الصحابة والصحابية تستقيم الرؤى!

أعلم أن ثمن الكلمة التي ننشد بها الإصلاح مكلف جدا في زماننا، ومن كان يرجو إرضاء الناس فعليه أن يبيع دينه، وأصحاب المبادئ والعقيدة في زماننا محاربون بل في القبور! فهذه نهايتهم إن لم تكن أشلاء في سبيل الله. ولذلك من أخذ هذه الكلمات بحسن ظن وتقديم مصلحة الإصلاح على الظلم، فهو خير.

ومن اختار طريقة الإجحاف والعدوانية وسوء الفهم والشتم والسب والطعن في الدين والنوايا، فسنن الله ستضبط له فهمه يوما ما، لأن دين الله أعظم وأجل من أن يساء التعامل به وتوظيفه بلا تقوى وخشية من الله تعالى. ومن أراد النصوص الشرعية فهي هنا حاضرة لكل صاحب عقل وبصيرة، ومن أراد المراء فليس لنا وقت له.

ستجد في كثير من نصوص أئمة أهل السنة حفظا لفضل النساء المؤمنات وصيانة لهن ودفاعا عنهن فمن أهمل هذا الحق وهذا الواجب، فما أدرك بعد بُعد وعظمة ولاية الرجال على النساء، ومن اختار أن يجعل كل مسلمة نسوية، واستباح عرضها ودينها، فلا تأس عليه لأنه قد ظلم نفسه ظلما عظيما! وفي الشريعة الدليل.

قد يقول قائل لماذا تثار هذه القضايا الآن ودماء إخواننا تسفك والقصوفات على رؤوسهم لا تهدأ أقول، لأجل كل مسلمة موحدة كانت سبب ثبات الرجال في المعارك، لأجل كل مسلمة أنجبت الرجال الفوارس لأجل كل مسلمة حملت أمر هذا الدين عظيما فلم تزل فيه منارة وقلعة! سنحفظ هذه القلاع لتخرج حمما على الكافرين.

والله جل جلاله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وحسبنا الله ونعم الوكيل، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x