وقد يكون الداعية جزءًا من المشكلة!

مما خلفه الخطاب غير المدروس في تناول قضايا المرأة، شحن الشباب الجاهل والمتعالم على كل النساء وتعويدهم الجرأة على الاعتداء وقلة الأدب، ورد كل نصيحة ونقد وتصويب ولو كان بدليل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بتهمة النسوية المعلبة، هكذا يستمر الخلل بغرور وتتعطل عجلة الإصلاح بعقلية “ما أريكم إلا ما أرى”.

لماذا نشدد على ضرورة الخطاب المتوازن الذي لا يغفل عاملا من عوامل تخلفنا وهي مترابطة؟ لأننا نصنع تصورات خاطئة في تحميل طرف بعينه كل مشاكل الأمة، وهذا ما يفعله بعض الدعاة، تتحول حملاتهم من صناعة وعي وتصحيح مفاهيم إلى تحويل المرأة لعدو، ثم كيف سترد السفهاء ممن لا يراعي فهما ولا مروءة!

في الواقع إن الخطاب الذي يلغي واقع المنظومة الفاسدة برمتها الذي نعيشه ويهمّش مسؤولية الرجل في المشهد ويحمل المرأة كل ذنب وتهمة وجريمة، إنما هو مجرد وسيلة للتملص والتهرب من تحمل أعباء الإصلاح كاملة، فيرميها على عاتق النساء، ويا له من مخرج لكل رجل مقصر وظالم! هذه نتيجة الاجتزاء والتطفيف.

مؤلم جدا لبعضهم أن تذكره بواجبه كرجل في تربية بنت وزوجة صالحة، لأن حديثه المفضل هو سرد قائمة العيوب في النساء ليل نهار! وكأن الأمة لا مصاب لها إلا تلك المرأة التي اجتمع عليها حملات التغريب والنسوية، وأسرة منهارة تتحاكم لأعراف الجاهلية لا الإسلام ورجل تملص من واجباته وحملها كل مسؤولية، ثم نتحدث عن إصلاح؟ إنه الهدم!

أيها الدعاة، إن لم تحسبوا حساب الرجل في خطاب المرأة، فلن تحققوا أي تغيير غير مزيد تثبيط للرجال وتهوين لحجم مسؤولياتهم ومزيد تمرد للنساء واستعداء لهن، فإما أن تعيدوا دراسة خطاباتكم وتوازنوها بعقل وحكمة وإلا فإن في الرجال سفاهة لا تقل عن سفاهة النساء.

علاج مسببات المرض لا أعراضه

إن للرجل الولاية والقوامة وهو أول مسؤول عن المرأة ابنة وزوجة، وإصلاح المرأة بدون إعادة الرجل لموقعه الصحيح مهمة مستحيلة، ولذلك تركيز الخطاب الدعوي في قضايا المرأة على هذه المرأة حصرا من دون النظر في بقية الحلقات المرتبطة بها، بحجة أن النظام أعطاها الصلاحيات التي تظلم الرجل وبالتالي فإن دعمنا لهذا الرجل بخطاب يذم المرأة ويحملها المسؤولية على الإطلاق، سيقيم التوازن، خطأ يجلب تبعات تساهم في استقواء النسوية وصناعة النسوية بل ويصل لحد تقزيم مكانة الرجل وهدمه بصناعة نسخة تكثر التظلم والتشكي بدل صناعة همته وتوجيهه لانتزاع حقوقه بذكاء والقيام بدوره لاستحقاق القيادة، وكثيرا ما يغفل الداعية عن ذلك وإن كان مقصده طيبا وحسنا.

فمعالجة القضايا تنطلق من معالجة الأصول وتصحيحها لا اختزال العلاج في التعامل مع الأعراض، وتجاهل مسببات المرض فتستمر الحالة المرضية!

فتقديم خافض حرارة فقط لمريض مصاب بالملاريا لن يعالجه بل يوهمه أنه يتحسن، بينما المرض يفتك بحشاه!

وإن شئت الحقيقة فالأصل التركيز على رأس المنظومة التي تغذي النسوية وتفرض قوانين هدامة للأسرة، فهي أصل الداء لمن تبصّر في المشهد، وهي التي يجب استبدالها لتأمن الأسر وتستقر بحق، فعملية التفسيق والتضليل والهدم والسلخ من الدين تقودها قوى أكبر من هذا الرجل وأكبر من هذه المرأة التي في كثير من الأحيان ليست إلا هدفا وضحية! وأخشى ما أخشاه أن افتعال معارك مستعرة بين الرجل والمراة لا يخدم في نهاية المطاف إلا هذه الأنظمة ولا يساهم إلا في تشتيت الوعي وشغل الرجل والمرأة على حد سواء عن أهم معركة في حياتهما، هي إعادة الإسلام حاكما ومنهج حياة.

وإن كنا نروم إنقاذ هذه المرأة فيجب علينا أن ننقذها بعلم لا بعاطفة وسطحية وآراء شخصية تتغير بتغير المواقف وعناوين الأخبار وتجاربنا الشخصية المحدودة، بل باستراتيجية مدروسة وبخطاب واعٍ قادر على تجنب المساهمة في نشر النسوية بأثره السلبي وإن كان يحاربها. بخطاب يولد مناعة تحصّن النساء من داء النسوية والفساد وتصنع منهن قلاعا تدافع عن الأمة لا مدافع في صفوف الأعداء تهدم هذه الأمة! والحاجة لذلك أصبحت ملحة مع ما يتوعدنا من كوارث تحارب الفطرة، بتنا نرى إشاراتها على أبوابنا.

وللأسف الخطاب المنتشر اليوم ضعيف ويغفل أهم عوامل الانبعاث في الأمة، وبدل أن يساعد في إشعار الرجل بأهمية العودة إلى موقعه وهو القيادة وسياسة الأسرة وحفظ النساء وانتشالهن من مستنقعات الجاهلية كأوجب واجباته. يعوّده على الاستسلام وتبرير الفشل والتهوين من واجبه وتسليط العداء على النساء والانشغال بالردود والتفاعلات الفرعية واللحظية على برامج وخطط الهدم المدروسة بعناية لمعسكر النسوية! مع أن الإسلام سلمه القيادة لخصائص فيه لا توجد في المرأة. وأوضح له ضعف المرأة وعوجا فيها!

وما القيادة إلا النجاح في إدارة الأزمات وحسن التصرف في النوازل والمدلهمات! ووضع أفضل الخطط للإصلاح وتخفيف الخسائر مهما كانت المعطيات محبطة، وإلا فقيادة الدعة يجيدها الجميع!

بين إفراط وتفريط

وفي الواقع نشاهد الضعف في الخطاب غير المدروس الموجه للمرأة من جهتين تدفعان بعضهما البعض لمزيد هشاشة في الطرح!، جهة من يحمل المرأة كل المسؤولية في فسادها وفساد المجتمع وبالتالي لا يرى الإصلاح يتحقق إلا من خلال المرأة حصرا ويحشد لذلك جميع الحجج السليمة وغير السليمة، وجهة من ينتصر للمرأة انتصارا مطلقا فيغض الطرف عن واقع النسويات والمفسدات في الأرض وما أكثرهن!، ويحمل الرجل المسؤولية الكاملة ويطالبه بغض الطرف والتساهل مع الانحرافات والخلل العظيم في حياة الأسر بعيدا عن هدي الإسلام، ويحشد لذلك أيضا جميع الحجج السليمة وغير السليمة، وكلاهما يبتعد عن أصل القضية وينحرف لإفراط وتفريط. وأصل القضية الاستقامة كما أمر الله تعالى.

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:

“ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين”.

وهو واقع مشاهد في طرق معالجة القضايا بين فريقين استند كل منهما إما لإفراط أو لتفريط، وأهم ما على الداعية العناية به هو الخطاب المستقيم المنضبط الذي يسد ثغرات هذا الإفراط وثغرات هذا التفريط فيحكم بين الناس بالعدل ويقيم الحجة ويعيد الجميع للجادة على منهج النبي صلى الله عليه وسلم.

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء: 32)

خطورة الفتن

أيها الدعاة حين يعتلي أحدكم منبرا فهو يخاطب جماهير تأثرت بجاهلية العصر، وفيها الصالح والطالح وفيه المتعلم والمتعالم، فلا ترمى الكلمات بلا ميزان عدل يضبطها، وصياغة تسد مداخل الشر وسوء التأويل لها، والإصلاح ليس التحامل، وليس إثارة الحماسة والعواطف، وليس إرضاء المتابعين، وليس على سبيل الديمقراطية بالنظر للأكثرية، أو على طريقة حقوق الإنسان بغلبة الأقلية، وإنما الإصلاح تعليم الناس الحق وتحذيرهم من الباطل، بالأدلة من الكتاب والسنة، بشمولية وعدل، ووالله ما استقام الخطاب على نور الكتاب والسنة، إلا ونفع وأصلح، وما ارتكز على اجتهادات العقل بعيدا عن هدي القرآن والسنة إلا واضطرب وأفسد! وربما كان له تداعيات لا يحمد عقباها، فإشعال الفتن أول ما يبدأ من المنابر، وتضليل الناس أول ما يبدأ من كلمة باطل أريد بها حق وكلمة حق أريد بها باطل!

وإذا أردت أن تشاهد الفتنة فانظر لغلبة السفهاء فيها، رجالا أو نساء!

فطوبى لمن وقف حاجزا منيعا أمام الفتن! وذلك مفهوم الإصلاح الحقيقي.

وهذا فضل يناله الحكيم، فمن هو الحكيم؟ قال ابن تيمية رحمه الله في “العقيدة الواسطية”:”ليس الحكيم من يعلم الخير من الشر ولكن الحكيم من يعلم خير الخيرين وشر الشرين”.

تضافر الجهود في سبيل تحكيم الشريعة

وإن كان من كلمة أخيرة أختم بها هذا الطرح، فإن الحكمة تقتضي بأن تركز جميع الجهود على إقامة سلطان إسلامي يعين الناس على الاستقامة ويعلمهم دينهم ويحميهم من الغزو الغربي “التتاري” المفسد، المهلك للحرث والنسل! الذي يزحف إلى ديار المسلمين في كل يوم، ويستعمل أساليب بالغة المكر والخبث تستهدف الجنين في بطن أمه والطفل في مدرسته! يدعمها النظام ويفرضها قوانين تحكم حياتنا، وهذا هو الحل الجذري لكل قضايانا.

وأول خطوة لتحقيقه تبدأ بالتمرد على جاهلية هذا العصر وإقامة الإسلام حاكما لحياتنا الفردية والأسرية، وهذا يعني التحاكم للإسلام فقط، لا نقبل غيره حاكما ومنهج حياة، وتربية النساء والرجال على هذا المفهوم لهدم المرجعية التي يقيمها النظام وإحباط خططه، وإعادة الاعتبار لمرجعية الإسلام خالصة وإن بقيت محصورة داخل جدران البيت، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا!

وهذا يعني أن يراعي الخطاب هذا الأصل كأولوية، أصل إعادة الإسلام لحياتنا، وتعظيم الاتباع لله ورسوله وترسيخ الإيمان والتوحيد رسوخا يتحمل ضربات الفتن المقبلة! ولا يكون ذلك إلا بتعليم الناس هدي الكتاب والسنة لهدم كل جاهلية وحفظ الخطاب من سوء التأويل والتوظيف على حساب الحق الذي حمله لنا سلف هذه الأمة. ثم (ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 42)

قال الله جل جلاله (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50)

اللهم أصلح حال أمتنا برجالها ونسائها.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x