من تلبيسات إبليس: “حسن الظن” و”الثقة” لتهوين الاختلاط!

قال الله جل جلاله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور: 21).

في تفسير الطبري لهذه الآية الجليلة: “يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه، ولا تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة في الذين آمنوا وإذاعتكموها فيهم وروايتكم ذلك عمن جاء به، فإن الشيطان يأمر بالفحشاء، وهي الزنا، والمنكر من القول”.

وأضاف:”ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته لكم، ما تَطَهَّر منكم من أحد أبدا من دنس ذنوبه وشركه، ولكن الله يطهرُ من يشاء من خلقه”.

لطالما سلطت الكتابات الضوء على المنكر البيّن الذي ينتشر بيننا لكن قليلا ما تسلط الضوء على “خطوات الشيطان” التي يستدرج بها الصالحين والصالحات – ممن يحملون الوعي بحدود الله تعالى- إلى هذا لمنكر، لطالما تشاغلنا عن الحذر مما يوصل للمنكر الذي ننكره بعد حدوثه. ولذلك يقول المثل، الوقاية خير من العلاج، فكثير من المنكر والضرر يمكننا تفاديه بأخذ الأسباب التي تحفظنا من الوقوع فيه، وهو ما يجب العناية الفائقة به في زماننا لشدة تفشي وتوالي الفتن وسرعة انتشارها وهدمها، ولخسائرها التي لسنا بحاجة لها في مرحلة استضعاف وعمل لنهضة الأمة، وخاصة حين يكون هدف الشيطان “الصالحون” و”الصالحات” ممن يعوّل عليهم لإقامة بينان الإسلام في الأرض!

حديثي اليوم عن تلك الطبقة التي يُنظر لها نظرة التزكية والثقة، نظرة حسن الظن والأمان! فلا يتوقع منها الزلل ولا الفتنة! وهذا من أخطر الأبواب التي يُستهان بها في زماننا. حديثي عن تهوين الاختلاط بين الصالحين والصالحات واعتبار “حسن الظن” و”الثقة” كافيان لحفظهما من الوقوع في الفتنة!

قال تعالى ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 2-3).

خطورة الاستهانة بالاختلاط

مع اتساع مساحة وصول مواقع التواصل بين الناس، كان لابد من وضع ضوابط تحفظ فيها التعاملات من اتباع خطوات الشيطان، ولم يقصر أهل العلم في التحذير من تداعيات الاستهانة بالاختلاط بكل أحواله بما فيه الاختلاط “الإلكتروني” الذي تقع فيه خلوة إلكترونية، ويخضع فيه بالقول، ويسهل معه الوصول للألفة بين الرجال والنساء من غير المحارم.

وكان التشديد دائما على ضرورة تقوى الله وتفادي هذا النوع من الاسترسال فيما لا حاجة له، من حديث مع الأجنبيات، وفتح أبواب الحديث معهن بدون تقوى. ولعل أخطر الخطوات التي يزين بها الشيطان هذا الأمر، هي تزيين التواصل على الخاص بحجة، أن المتحدث من الثقات، وممن نحسن الظن بهم، ومن قامات أهل العلم والدعوة والسمعة الحسنة. وأن الثقة توجب التسليم والأمان. وكأنه في الأخير ليس رجلا وليست امرأة!

لذلك تجد طالبة العلم التي تعي جيدا أن التواصل مع الرجال من غير محارم والانبساط معهم منهي عنه، تجد نفسها في هذا التواصل مع شيخها أو الداعية الذي تتعلم منه أو طالب العلم الذي تشاهده يكتب أجمل العبارات والمواعظ، تأمن نفسها، وتقدّم حسن الظن به، فتتخلى عن بعض الضوابط، وتدريجيا، يصبح بعض الخضوع في القول معه لا بأس به، وبعض الألفة في الحديث معه والبوح لا تهمة فيه،  ويصبح الحديث عن الضوابط الشرعية مقتصرا على غير أهل العلم! وعلى العامة، وعلى من ندعوهم على منصات الدعوة لله!

حدثتني طالبة علم واقعة تحت الصدمة كيف تفاجأت حين تواصل معها “الداعية الفلاني” ممن يحسن الظن به، حين بدأ الحديث معها بطريقة مائعة! طريقة التودد والعناية الفائقة، طريقة الاستدراج للفتنة والشغف بمعرفة كل شيء عن حالها! تقول الطالبة: لقد كنت أدفع كل فكرة سيئة عنه على الرغم مما أشاهده، بسبب شهرة لقبه وسمعته وحسن ظن فائق به! لقد كنت أقول لا يعقل أن أسيء الظن به وإن قال كلاما متهما ومريبا ويدفعني للخوف منه! هذا واقع لا أشك البتة أن العديد من طالبات العلم والصالحات قد عرفنه في مواقع التواصل!

والكارثة التي تقابل حسن الظن، هي الثقة بالنفس الزائدة! فكثيرا ما تتهم الفتاة التي تريد أن تصون نفسها من هذا الخطر، بضعف الثقة في نفسها، وقدراتها على الثبات، وهذا من أعجب ما عرفناه في هذا الزمان، وقد كان السلف الصالح يفرون من شبهات الفتن فرارا من قسورة، ونحن اليوم نفتح باب الفتنة ونقف أمامه بغرور وكبر! قد وفرنا على الشيطان جهدا جهيدا للإغواء والدفع للوقوع في المنكر!

لذلك إياك أخية أن تزكي أحدا على الله فتزيلين الضوابط الشرعية لأجله، بحجة حسن الظن والثقة! فهذه من تلبيسات إبليس، إن الضوابط الشرعية في التعامل مع الرجل والمرأة لابد أن تبقى وتحفظ وتنتشر بغض النظر عمن هو هذا الرجل ومن هي هذه المرأة! ولو كان  كلاهما من خيرة الناس وأشدهم صلاحا وتقوى!

أول ضحايا الاختلاط النساء

قال الشيخ محمد الخضر حسين عن الاختلاط:”وأرتنا المشاهدُ رأيَ العين أنه أقربُ الوسائل إلى تلويث الأعراض، ونكدِ العيش، وهو إلى ابتذال المرأة أقربُ منه إلى كرامتها، وإلى عنائها أقربُ منه إلى راحة بالها”.

وقال أيضا:”ولو كان اختلاط الطلاب بالطالبات مما يأذن به الدين لكان للنساء أن يجلسن مع الرجال في مجلس رسول الله ﷺ ولَمَا قلنَ له: غلبنا الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، ولما وعَدَهن يوماً لقيهن فيه وحدهن”.

وقال عن الاختلاط أيضا:” وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي، فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم، وجاهدوه من طرقه الحكيمة أماطوا أذاه، وغلبوا على أمره”.

وقال أيضا:”وليس في حماية الفتاة من الاختلاط بغير محارمها، تضييق لدائرة الحياة في وجهها، وإنما هو احتفاظ بكرامتها، وتوفير لهنائها، إذ بصيانتها عن الاختلاط تعيش بقلب طاهر ونفس مطمئنة، وبهذه الصيانة تزيد الصلة بينها وبين زوجها، وأولي الفضل من أقاربها متانة وصفاء”.

وأختم بقوله في هذه المسألة:” ولا إغراق في الشهوات أكثر من تخلية السبيل للنساء يخالطن الرجال، ويبدين لهن ما بطن من زينتهن، دون أن تلتهب في نفس أبيها أو أخيها أو زوجها غيرةٌ حامية”.

والنصوص والأدلة الشرعية في ذلك كثيرة جدا ولا تغيب عن محب ومحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعني حديثهما من وراء حجاب في التواصل أن يتماديان ويغامران بالخلوة الإلكترونية وحديث الخاص وكسر حواجز الخصوصية! فهذا كله من خطوات الشيطان التي يستدرج بها الصالحين والصالحات فيوقعهم في هم وغم وظلم للنفس والغير! ولا ينجو من ذلك إلا المخلص! قال تعالى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: 24).

نسأل الله أن يلطف بعباده.

أهمية الضوابط الشرعية

لقد نص الفقهاء على منع الكلام مع المرأة الشابة، وإلقاء السلام عليها؛ لأنه بطبيعتها فيها خضوع بالقول، قال ابن العربي في قوله تعالى ﴿ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ (الأحزاب:32):  أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع”. من كتاب أحكام القرآن.

ويدخل في ذلك الانتهاء تماما عن كتابة المرأة ليومياتها وأخبارها الخاصة ومشاعرها وما يجول في خاطرها من عواطف آسرة ولافتة، ومزاح و”دلع” وما يثير الرجل، قال الله تعالى  ﴿لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ (النــور: 31) فما فائدة أن تكتب المرأة عن كل تفاصيلها للعامة وتكشف ما لا يجب أن يعرفه إلا الخاصة، فتفتن بها الشباب الذين ينشدون زوجة ويضعفون أمام وقع الكلمات والأوصاف! هذا إن لم نتحدث عن جذبها للصوص الأعراض ومن في قلبه مرض.

ويدخل في ذلك الانتهاء عن النظر في صور الرجال ممن يعرضون صورهم في حساباتهم، وتتبع أخبار الرجال ومناقشاتهم الخاصة.

ثم عدم ولوج باب المراسلات الخاصة فقد انتشرت قصص مأساوية بدأت باستشارة وموعظة وانتهت بما لا يحمد عقباه من خسائر نفسية لا تجبر، والمرأة ضعيفة بطبعها فلا تعرضي نفسك للأذى وصوني نفسك فإن القلوب الجافة الفارغة من الإشباع العاطفي -وما أكثرها في زماننا- ما أسهل وقوعها.

قال عمر بن أبي ربيعة:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى .. .. فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا!

وكم من الفتيات والشباب تعلقوا ببعضهم البعض على مواقع التواصل بلا جدوى سوى تكاليف التعلق والألم!

أما ما كان من حديث على العام والملأ فبتقوى الله وضبط الحياء والأدب والحديث بحدود حاجة إظهار الحق وإنكار المنكر والأمر بالمعروف والنصح في الله.

وفي الواقع هذا أمر يجب أن يضبطه الرجال والنساء معا، فليصن كل منهما الآخر بتقوى الله ما استطاعوا .. والله يفتح عليهم ويوفقهم لما يحب ويرضى.

وقد يكون الشابة والشابة قد تورطا بالفعل في هذا الأمر فلا أفضل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ‏قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ‏فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”، وروى ابن ماجه في ” سننه” عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لم نر للمتحابين مثل النكاح”. فالاستدراك والتصحيح خير من التسويف والغفلة.

ولا ننسى من تنبيه الرجال في هذا المقام، إلى أن يتقوا الله في بنات المسلمين ويخشوا عليهن كما يخشون على أخواتهم وبناتهم، فكيف يجيز الرجل لنفسه معاملة بنات المسلمين بما لا يجيزه لابنته وأخته وزوجه. ومن كان يخشى على من تحته من نساء فليكن لهن المحرم في هذه المواقع، وليحفظهن وليصنهن بحكمة وبصيرة. فإن المرأة جُعلت تحت قوامة وولاية لحكمة ربانية، فالمرأة بدون رجل عرضة لتسلط مرضى القلوب والضعف.

كيف يستدرج الشيطان الصالحين؟

قال الله جل جلاله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ (النور: 21).

قال الحسن بن صالح -رحمه الله-: “إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابًا من الخير يريد به بابًا من الشر”، [حلية الأولياء: 7/ 331].

لا تتوقع من الشيطان أن يصدمك بدفعك للمنكر مرة واحدة، كأن يدعوك للكفر بشكل مباشر أو للمعصية بشكل مباشر! بل يتدرج للوصول إلى هدفه، ويبحث عن نقاط الضعف فيك، ولا يستثن من ذلك أحدا ولو كان أشد الناس صلاحا وتقوى.

فحتى إن كان المستهدف قويا في دينه سيأتيه من جانب المباحات في الدين، فيحرضه عليها لكي يصرفها عن غيرها وقد يصل إلى أن يزين له التهاون في السنن، في سييل حفظ أدائه للواجبات، أو يشغله  بالعبادة المفضولة عن الفاضلة.

وقد يهون في نظره الصغائر ويشجعه على المباحات، فيكثر من ذلك كله حتى يجد نفسه في الكبائر ومن دون أن يشعر!

وقد يوصل من خلال نقاط الضعف في الإنسان من نزعات غلو أو تمييع لدفعه نحو البدع، التي سيتحول المرء مدافعا عنها بكل إخلاص وتفاني وهو يحسب نفسه يحسن صنعا.

وأخطر ما يعمل عليه الشيطان هو تزيين الباطل، فلا يجعل المرء يشعر بتأنيب الضمير، فيعد له المبررات الكثيرة التي تهون عليه المصاب والفجيعة، قال تعالى ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:43)

ولا تعجب أبدا فإن صياغة المبررات يجيدها الشيطان باحترافية خبيثة جدا، ويكفيه في ذلك “الوسوسة” في صدور الناس وهل أخرج آدم – عليه السلام – من الجنة إلا وسوسة إبليس، وهل أغوى أكثر الخلق – والعياذ بالله – إلا بالوسوسة.

فأي عاقل يضع نفسه في مثل هذا المكان من المجازفة بثباته ليقع في حبال الشيطان!

قد يقول قائل لكن الله تعالى قال ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ (النساء:76)

نعم إن كيد الشيطان ضعيف، ولكن النفس البشرية تضعف أيضا أمام مغرياته، وكلما ضعفت النفس البشرية ازداد كيد الشيطان قوة!

ولذلك جاء الخطاب القرآني عظيما وحكيما، حين لم يحذر من الشيطان فحسب بل حذر من أساليبه ووسائله في غواية الناس، وحين نبه الناس إلى ضرورة قطع الطريق عليه وتحصين النفس ابتداء من كل أساليبه!

من أهداف الشيطان

ومن أهداف الشيطان: قال الله تعالى ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ﴾ (البقرة:268)، فهو يركز على أمرين يوصل الناس إليهما: الفقر والفحشاء!
ولذلك هو يأز على التبذير والإسراف: على صرف المال في الفساد، أو في السفاسف واللذات، قال  تعالى  ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ (الإسراء:27).

والفحشاء هي المعاصي وما قبح من القول والفعل، عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: “الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد والسوء من الذنوب ما لا حد فيه”. وقال السدي: “هي الزنا”.

وليس هذا فحسب بل وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ (المائدة:91).

إنه يعمل على إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين في ما نهى الله عنه، ويصدهم عن الذكر والصلاة، ونحن نعلم جيدا كم هو متفشٍ بيننا ترك الصلاة والذكر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال تعالى ﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:175)

فتأمل أين تصل أهداف هذا الشيطان! نجد منها حتى التخويف من الذين كفروا!

ونحن نرى كيف وصل الشيطان إلى أن جعل الكافرين يغيرون خلق الله  قال تعالى: ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ فلم يحارب دين الله فحسب بل أيضا فطرته!

ولا يدع فرصة يفوتها دون إحزان المسلم والإضرار به وأذيته، قال تعالى ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المجادلة:10)

ويوحي الشيطان لأوليائه ليحاججوا الذين آمنوا بالباطل ليشغبوا على الحق، قال تعالى:﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ (الأنعام: 121)، وما هذه المحاججة إلا للتشويش على الحق وتنفير الناس عنه والتشكيك فيه! ليقعوا في الكفر والشرك.

ويتعاون الشيطان مع شياطين الإنس، من كهنة وسحرة ومشعوذين وعرافين، ممن يفسدون على الناس حياتهم وآخرتهم، قال تعالى ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ (الشعراء:221-222)،  

ولا شك أن أعظم ما يعمل عليه الشيطان ولا يكل ولا يمل لتحقيقه، هو دفع التشكيك والارتياب والكفر بالله العلي العظيم في قلوب المسلمين، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك؟ فيقول: الله تبارك وتعالى، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه”.

قال المناوي في “فيض القدير”: ” أي قل: أخالف عدو الله المعاند وأؤمن بالله، وبما جاء به رسوله ( فإن ذلك يذهب عنه ) [ وإنما أرشد إلى الإعراض عن الوسوسة في هذه الحالة ]؛ لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها، ومنها ما يندفع بقلعه من أصله، وذلك يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة، والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها؛ فلذا أحالهم على الإعراض عنها”.

ولا يسلم من غواية الشيطان حتى العلماء أما سمعت قول الله تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ (الأعراف:175).

وهذه الآية خطيرة جدا فهي تؤكد على أن العلماء وأهل العلم مطالبون بالحذر المضاعف والتشديد المضاعف لقطع طريق الشيطان عليهم! فلا حسن ظن ولا ثقة في مواطن الشبهات وأبواب الفتن، بل التقوى.

قال تعالى للشيطان ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ (الإسراء:64)

وقال جل جلاله ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فاطر: 6).

وفي صحيح مسلم عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة”.

فلا يستهين أحد بعداوة الشيطان وتربصه! قال الله جل جلاله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (النساء:83).

وفي الواقع فإن الشيطان يبذل كل جهد وكيد، ليحرمك الجنة ويدخلك النار، وإن لم يتمكن من ذلك فأقل ما يسعى له أن يحرمك مرتبة أعلى في الجنة، فلا تكن همته الفاسدة أكبر من همتك!

في القرآن كل تشخيص وحل!

 لقد جمع لنا القرآن كل الإجابات وكل التفسيرات لما نعيشه في صراعنا مع الشيطان من الآيات الجليلة التي يقف عندها القلب خاشعا ومنيبا لخالقه، قال الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ (الأعراف:201).

تأمل كيف يصف الله جل جلاله حال الشيطان، وهو يطوف حول الناس طوافا! ثم يسدد عند أو لحظة غفلة وينفث فيهم خواطر المعصية والسيئات.

وهذا ما يجعل الرباط على القرآن شفاء لما في الصدور وتحصينا من كيد الشياطين فلا يهجره عاقل يرجو ما عند ربه وهو مدرك تمام الإدراك أن طريق الله محفوف بالمكاره، وطريق الشيطان محفوف بالشهوات، قال تعالى ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْر وَأَبْقَى ﴾ (الأعلى: 16- 17).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”، رواه مسلم.


لسان الحال أبلغ من لسان المقال

إن لسان الحال أبلغ من لسان المقال، وإنها لكارثة أن يكون لسان حال الداعية والشيخ العالم وطالب العلم في جهة ولسان مقاله في جهة معاكسة. وهذه قاعدة مع كل مسلم يتكلم في منابر التوجيه والدعوة والتبيان عليه أن يقدم النموذج الأصدق في حياته قولا وعملا، فأما الأقوال فما أسهلها وأما الأعمال فهي الامتحان.

لقد كان إبليس لعنه الله ولا يزال، يحاول إغواء الصالحين قبل غيرهم، قال تعالى ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ (الأعراف: 16-17).

عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر دينك، ودين آبائك، وآباء أبيك؟” قال:”فعصاه، فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك، وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول”، قال:”فعصاه فهاجر”، قال: “ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جهد النفس، والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال، قال: “فعصاه فجاهد”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فمن فعل ذلك منهم فمات، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة”.  (صحيح رواه النسائي).

عقبات الشيطان

أمام كل ما نرى، فإن التصدي للشيطان يتطلب معرفة بأساليبه، ولا أجد أفضل مما ذكره ابن القيم في هذا المقام في كتابه”مدارج السالكين”، فقد ذكر – رحمه الله- العقبات التي يحرص عليها الشيطان الرجيم ليهزم ابن آدم. فقال ابن القيم:

العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله وبدينه ولقائه، وبصفات كماله، وبما أخبرت به رسله عنه، فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، فإن اقتحم هذه العقبة ونجا منها ببصيرة الهداية، وسلم معه نور الإيمان، طلبه على:

العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة، إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين، التي لا يقبل الله منها شيئا…

فإن قطع هذه العقبة، وخلص منها بنور السنة، واعتصم منها بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهيهات أن تسمح الأعصار المتأخرة بواحد من هذا الضرب! فإن سمحت به نصب له أهل البدع الحبائل، وبغوه الغوائل، وقالوا: مبتدع محدث.

العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر، فإن ظفر به فيها، زينها له، وحسنها في عينه، وسوف به…

فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها، طلبه على:

العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر، فكال له منها بالقفزان، وقال: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللمم، أوما علمت بأنها تكفر باجتناب الكبائر وبالحسنات، ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يصر عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم، أحسن حالا منه، فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “إياكم ومحقرات الذنوب، ثم ضرب لذلك مثلا بقوم نزلوا بفلاة من الأرض، فأعوزهم الحطب، فجعل هذا يجيء بعود، وهذا بعود، حتى جمعوا حطبا كثيرا، فأوقدوا نارا، وأنضجوا خبزتهم، فكذلك فإن محقرات الذنوب تجتمع على العبد وهو يستهين بشأنها حتى تهلكه”.

العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزود لمعاده، ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن، ثم من ترك السنن إلى ترك الواجبات، وأقل ما ينال منه تفويته الأرباح، والمكاسب العظيمة، والمنازل العالية، ولو عرف السعر لما فوت على نفسه شيئا من القربات، ولكنه جاهل بالسعر.

فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها، وقلة المقام على الميناء، وخطر التجارة، وكرم المشتري، وقدر ما يعوض به التجار، فبخل بأوقاته، وضن بأنفاسه أن تذهب في غير ربح، طلبه العدو على:

العقبة السادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها، وحسنها في عينه، وزينها له، وأراه ما فيها من الفضل والربح، ليشغله بها عما هو أفضل منها، وأعظم كسبا وربحا، لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب، طمع في تخسيره كماله وفضله، ودرجاته العالية، فشغله بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحب إليه، وبالمرضي عن الأرضى له.

ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فهم الأفراد في العالم، والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول.

فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها وسافلها، ومفضولها وفاضلها، ورئيسها ومرءوسها، وسيدها ومسودها، فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا، ورئيسا ومرءوسا، وذروة وما دونها، كما في الحديث الصحيح (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت…) الحديث، وفي الحديث الآخر (الجهاد ذروة سنام الأمر)، وفي الأثر الآخر ( إن الأعمال تفاخرت ) فذكر كل عمل منها مرتبته وفضله، وكان للصدقة مزية في الفخر عليهن، ولا يقطع هذه العقبة إلا أهل البصائر والصدق من أولي العلم، السائرين على جادة التوفيق، قد أنزلوا الأعمال منازلها، وأعطوا كل ذي حق حقه.

فإذا نجا منها لم يبق هناك عقبة يطلبه العدو عليها سوى واحدة لا بد منها، ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه، وأكرم الخلق عليه، وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى، باليد واللسان والقلب، على حسب مرتبته في الخير، فكلما علت مرتبته، أجلب عليه العدو بخيله ورجله، وظاهر عليه بجنده، وسلط عليه حزبه وأهله بأنواع التسليط، وهذه العقبة لا حيلة له في التخلص منها، فإنه كلما جد في الاستقامة والدعوة إلى الله، والقيام له بأمره، جد العدو في إغراء السفهاء به، فهو في هذه العقبة قد لبس لأمة الحرب، وأخذ في محاربة العدو لله وبالله”.

اللهم اجز ابن القيم عن أمة الإسلام خير الجزاء، فقد فصّل عقبات الشيطان تفصيلا بصيرا وافيا.

صراعنا مع الشيطان جهاد!

يقول في ذلك ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: “وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :إحداهما: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .

الثانية: جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات؛ فالجهاد الأول يكون بعده اليقين .

والجهاد الثاني يكون بعده الصبر؛ قال تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ (السجدة: 24).

فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات”.

في الختام لابد من الحذر من خطوات الشيطان والاستدراج، والترفع عن تبرير أي تجاوز أو استهانة بالضوابط الشرعية بحسن ظن أو ثقة! فإنما هي نفوس في معركة لا تثبت فيها إلا بإعداد وحذر، فلنكن عونا للمسلمين على الثبات!

اللهم نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن شر الشيطان وشركه وأن نقترف على أنفسنا سوءًا أو نجُرُّهُ إلى مسلم.

اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من كيد الشيطان الرجيم، اللهم إنا نسألك أن تقينا من وسوسته، ونسألك أن تعيذنا من نفخه ونفثه، إنك سميع عليم.

يمكن تحميل المقال بشكل ملف بي دي أف من هنا:

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x