مشروع مصيري لا يزال ينتظر!

حين تشاهد كمّ المتعلمين والخبراء في العالم الإسلامي مقابل عدد المشاريع التطوعية اللازمة لنهضة إسلامية مهيبة لا تجد أمامك إلا حديث النبي ﷺ “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن”.

إلى متى التخلف!

النظام التعليمي والتربوي هو أساس صناعة الأجيال الواعدة في الأمم، في عالمنا الإسلامي هذا النظام يترنح، فاقد للهوية مسلوب القوة خاضع للهيمنة، وقد رأينا مردوده الضعيف والمضطرب، وما لم نصلح ميدان التعليم والتربية طريقنا طويل جدا، في الغرب انتبه لذلك بعضهم فوفر برامج تعليم عن بعد حرة ونحن نكسل!

لدينا مخزون كبير من الأخصائيين في التعليم والتربية، لدينا ملايين الخريجين الذين لا ينقصهم علم ولا همة، لكن ليس لدينا إلى اللحظة برنامج تعليمي تربوي متكامل لجميع المستويات يتوفر للأسر عن بعد، بحيث يمكنهم تعليم أبنائهم وتربيتهم بأفضل البرامج دون الرضوخ لنظام تعليمي ضعيف في بلادهم.

مشروع كهذا أجدني مضطرة لعرض فكرته هنا، وإن كنت عزمت على إعداده في أقرب فرصة، لأنه في الأخير مشروع يتطلب سعيا مضاعفا وما لم أتمكن من ذلك قد يأخذ الفكرة موفق، فيسقيها ويجعلها حقيقة وواقعا، نحن بحاجة لمواقع خاصة بالتعليم عن بعد لجميع المستويات بمنهج دراسي رفيع يليق بالانبعاث الإسلامي.

جميع التجارب التي رأيتها مثمرة لهذا النوع من التعليم كانت في الغرب، وقد أظهر الطلبة مستويات علمية ونضوج، لا يقارن بما نراه في التدريس النظامي المحلي، من ذلك يجب الاستفادة من هذا المسار الذي يصنع الهمم بشكل متحرر من أثقال الهيمنة وإلزامات النظام الدولي الذي لن يرضى بصعودنا ولن يسمح به.

نحن بحاجة ماسة لمشاريع تعليمية وتربوية تنتشل الجيل من مستنقعات العلمانية والتيه وضياع الهوية والبوصلة، نحن بحاجة لصياغة مشاريع مؤسساتية منظمة ومتكاملة تركز على عوامل الانبعاث في الأمة وتصحح الأخطاء الكارثية السابقة، وتصنع وعيا يليق بالمرحلة المقبلة، إننا بحاجة لصياغة جيل مسلم مسؤول.

لا يسع المقام لعد نقاط ضعف المناهج التدريسية في بلاد المسلمين فهي أكثر من أن تعد أو تحصى وخلاصتها في “ضياع وقت كبير” على “صناعة وعي ضعيف” و”مردود علمي لا يكفي”. التعليم والتربية أول عامل لانبعاث الأمم ونراه يترنح في الغرب بحرب الفطرة ويزداد الاهتمام به في الشرق للمنافسة على الريادة.

من هنا وجب أن يكون للمسلمين خطتهم ومشاريعهم ورؤاهم البعيدة المستقلة عن كل هيمنة وتأثير خارجي، وهذا يتطلب حقا استشعار المسؤولية بشكل مضاعف، والمبادرة، فكل صاحب علم في هذا الميدان ليترك أثرا، صدقة جارية، تكون له سهما في انبعاث إسلامي واعد، هو قادم لا محالة فطوبى لمن عمل له وساهم فيه.

الأسر بحاجة ماسة لناصح أمين في زماننا لمن يوجهها لأفضل طرق التربية والتدريس، بحاجة لمشكاة يجدون فيها كل ما يبحثون عنه بدل البحث المرهق لساعات في مواقع لا يصطادون بعد ذلك إلا القليل ويعجزون بعده في صياغته، توفير كل شيء جاهز ومدروس بشكل ذكي، أولى أولويات العاملين اليوم، فأين المسابق!

تتوفر لنا ثروة تقنية، وسهولة الوصول لكل المسلمين في أصقاع الأرض في لحظات، فأي فرصة تتوفر لنا، فكيف سنقابل الله تعالى ونعتذر له من ضعفنا في الهيمنة، ونحن لم نحرك ساكنا يكسر هذه الأغلال ويتمرد على جاهلية تخلفنا فيها عمرا طويلا عن ركب الريادة، الهمم العالية لا تعرف المستحيل لعودة مهيبة.

لكل من يجد في نفسه القدرة على توفير موقع كامل متكامل بكل البرامج الدراسية والتربوية لجميع المستويات التعليمية، وفق منهج يراعي صناعة القوة والانبعاث الإسلامي على منهج النبوة، فلا يتردد في العمل عليه ولتتعاضد الجهود بشكل تكاملي تراكمي، كلّ يساعد بما يقدر عليه علميا وتقنيا وماديا.

سيكون واعدا جدا توفيره للمسلمين في العالم وتوفير ترجمات للأقليات والشعوب الأعجمية، ويا لروعة العمل التطوعي في سبيل الله! لقد اجتمع الدعاة الذين انطلقوا من زوايا الأرض لنشر الإسلام في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا، فهل نعجز على بناء مشروع كهذا على الأنترنت حيث لا يتكلف الأمر إلا فزعة!

هذا تحديدا ما أسلط الضوء عليه، لا بد من تمرد على هذا الواقع الذي يفرض علينا التبعية، لأن الأمة الإسلامية على امتداد تاريخها لم ترضخ لمحتل ولو استمر عقودا ينهبها ويسلبها الاستقلالية، مدار الأمر كله في الإرادة واليقين أن الله مولانا وناصرنا، وكل خطوة بالتعاون على البر والتقوى حل بإذن الله.

خلال الاضطهاد الشيوعي الوحشي للمسلمين في آسيا كانت المدارس تحفر تحت الأرض والقرآن يدرس في السر فما أن خرج الاحتلال حتى ظهرت حركة إسلامية كبيرة، تعجب لها الشيوعيون، من أين خرجت؟، كانت هناك خطة طوارئ حفظت الهوية للأجيال فاستمر الحضور الإسلامي وإلا فكان الاضطهاد الشيوعي كفيلا بوأده.

الثغر لا يزال لم يسد، والحاجة له تزداد إلحاحا كل يوم، وهو مشروع سيحقق تغييرا عظيما إن تكاتفت فيه الجهود وتحول لمرجعية واحدة للأسر والمربيين وتطورت أفكاره ووسائله وسعة وصوله لتستوعب الحاجات التعليمية والتربوية الراهنة، وإنما أخط الفكرة هنا لله وأسأل الله أن يعيننا على وضع لبناته والمساهمة فيه.

وفي الختام إن لم تقتطع من حياتك لعمل للإسلام، فما جدوى حياتك! لابد من صدقات جارية ومن عمل تطوعي ومسابقة بالخيرات وإلا فلا معنى لحياتنا، خاصة في مرحلة استضعاف، ويقين راسخ أن وعد الله حق، فطوبى لمن سابق لمرتبة العاملين لله، والله الموفق، عليه نتوكل وبه نستعين، وصلّ اللهم على نبينا محمد.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x