ماذا عن ظهور النساء المرئي والصوتي في مواقع التواصل؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود منك استفسار بخصوص ظاهرة ظهور الفتيات والنساء أمام الملأ على مرأى الرجال الأجانب في الفيديوهات باللباس الشرعي كاشفات وجوههن بدافع نشر العلم الشرعي …

هل هذا جائز شرعا؟!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دكتورة في ظاهرة منتشرة بشكل كبير..في وسائل التواصل..

أنا كقارئة ومحبة للأدب -ولا الكتابة-رأيت في هذه الوسط ما ساءني حقيقةً..

مثلا إنشاد الكثير من الكاتبات أو الشواعر للقصائد بأصواتهن ولا داعي بأن أخبرك برقة أصواتهن واللحن والتأثيرات التي يستخدمنمنها ووو… ثم يقمن بتصمميها بفيديوهات فنشرها باليوتيوب وتيك توك وغيرها من المواقع..

أيضا إختلاطهن مع الرجال في مَجمعات أدبية حسب قولهن، يتصرفن مع الأمر كشيء أكثر من عادي.

المشكلة أنهن مقتنعات أما ما يقمن به ليس عيبا أو حرام.. وأن صوت المرأة ليس بعورة..ووو..إلخ من حججهن التي لا تنتهي..

أرجو أن تكتبي مقالا عنه.. والله المستعان

حياكم الله وأحسن إليكم،

جمعت الاستشارتين معا، وهناك استشارات مماثلة في الشأن نفسه، فأرجو أن يكون في الإجابة كفاية واستيفاء لتفاصيل كل سؤال وتساؤل،

وهو سؤال وتساؤل يتكرر اليوم مع حجم التداول للنشاط الإعلامي بين النساء، والذي اتخذ أشكالا ووسائل مختلفة، ويحتاج لوقفة.

حال القدوات في الإسلام

دعونا بداية نرجع خطوات للوراء في مراحل التاريخ، لسير قدوات المسلمين، أمهات المؤمنين ونساء السلف الصالح رضي الله عنهن، ونساء المسلمين في القرون الثلاثة الأولى التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:

“خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ – قالَ عِمْرانُ: لا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ – ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذِرُونَ ولا يَفُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.”.

كيف كانت مجالس النساء العلمية في هذه القرون التي هي أفضل القرون؟

لقد حدثت نساء النبي ﷺ والصحابيات رضي الله عنهن، دون أن يراهن أحد، فكل حديثهن كان من وراء حجاب، وهكذا كانت النساء في جميع القرون الأولى من تاريخ الإسلام؛ يحدثن ويروين الحديث دون أن ينظر إليهن الرجال.

وقد ذكر الذهبي -رحمه الله- أنه روى عن نحو أربعمائة امرأة، ولم ينظر لواحدة منهن، وإنما كان ذلك من وراء حجاب.

فمن أين جاءتنا هذه الطريقة المستحدثة في ظهور النساء في المجالس والحديث المصور الذي يصل لآلاف وملايين الرجال؟!

هل له أصل ترغيب وأمر في دين الله تعالى؟

هل له دليل من سير السلف الصالح؟!

بالتأكيد لا، وإنما هو عدوى التقليد التي ابتلينا بها، والتنافس على ما يتنافس عليه الأغلبية، وفي هذه المقارنة كفاية لتترفع المرأة المسلمة التي ترجو ما عند الله تعالى، عن الظهور الإعلامي الذي تبرز فيه أمام الناس بالصورة والصوت فتلفت لنفسها الانتباه وتجذب لذاتها الأنظار في زمن تتلاطم فيه أمواج الفتن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

“وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّظَرُ الَّذِي يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ مُحَرَّمًا إلَّا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ”.[1]

حكم الشريعة

لا شك أن ظهور المرأة وهي متحجبة ساترة لجميع بدنها، بما فيه الوجه والكفين، لا يوجد ما يحرمه في الشريعة. ذلك أن التغطية والستر والحجاب هنا عبارة عن حاجز للفتنة إن شاء الله تعالى، ولا تؤثم المرأة إن افتتن بها رجل وهي في كامل استجابتها للأمر بالحجاب الشرعي، فقد أدت ما عليها في اللباس على أن يكون هذا الظهور بحجاب شرعي كامل، لحاجة، وبشرط عدم خضوع المرأة بالقول فلا تحنن صوتها ولا تجعله مؤثرا ولا تضحك ولا ترقق عباراتها، والأفضل أن يكون حديثها موجها للنساء.

أما أن تظهر المرأة متزينة ومتبرجة، فهذا لا أعلم خلافا في تحريمه، واتفاقا على أنه أمر لا يجوز، لكونها تظهر للرجال الأجانب ومخالفة لأمر الله بالستر والتقوى، وفي ذلك منكر وأذى وفتنة.

وهذا الحديث عن الظهور لحاجة ومصلحة، وليس للظهور لمجرد الحديث في أي شيء ولمشاركة المتابعين يومياتها بظهورها وتصوير حركاتها وتصرفاتها ومشاعرها وهلم جرا مما أحدثه الناس في زماننا لأجل جني الإعجابات والأموال من يوتيوب ومثيلاتها، فهذه طريقة منكرة لا تقع فيها التقية التي ترجو ما عند الله تعالى وتنشد رحمة الله تعالى.

ولست بمغفلة فتوى المعاصرين من حيث أنهم يجيزون للمرأة التي تأخذ بالقول بجواز كشف الوجه من أنه لا مانع من ظهورها في القنوات والتسجيلات المرئية كاشفة وجهها، ما دامت ملتزمة بالحجاب الشرعي، إلا أنني ألتزم هنا النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأقدم الاقتداء بنساء السلف الصالح، وفق قاعدة (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (الزمر : 18)

وأرى زماننا زمان فتن، والحرص فيه يجب أن يكون مضاعفا، ومن أجازوا كشف الوجه لم يختلفوا أبدا بل أجمعوا على ضرورة تغطية المرأة لوجهها في حال الفتنة،  

وإن كانت النساء انتقدن في عصر قريب من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بعصر نعيش فيه التغريب على أشده ودعوات الانحلال والرذيلة والحرب على الإسلام والاستضعاف على يد الذين كفروا! ونشاهد مستويات الاستجابة المأساوية التي تقابل كل ذلك في مجتمعات المسلمين.

 في صحيح مسلم قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لَوْ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَأَى ما أحْدَثَ النِّساءُ لَمَنَعَهُنَّ المَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِساءُ بَنِي إسْرائِيلَ. قالَ: فَقُلتُ لِعَمْرَةَ: أنِساءُ بَنِي إسْرائِيلَ مُنِعْنَ المَسْجِدَ؟ قالَتْ: نَعَمْ.

فلا شك أن المنع والتحريم للحلال يتعلق بواقع المسلمين، ومن أرادت مناقشة هذه الجزئية من حيث أنه أمر مباح فهذا يأخذنا للحديث عن ضوابط تقييد المباح.

والتي من أهمها موافقة الشرع لتقييد ذلك المباح، فلا يجوز في تقييد المباح انقلابه حراما.

وتقييد المباح يقصد به جريان الأحكام على وفق مقاصد الشريعة، ومنع الخلل والضرر الحاصل من الحكم إن قيل بإباحته على الإطلاق.

ونحن نشاهد كيف انتشرت فتنة الإعلام كالنار في الهشيم وتصدر للظهور كل متعلم ونصف متعلم ومتعالم، وأضحى التوسع في أمر ظهور النساء يرافقه زينة وتبرج وخضوع بالقول ومحاولة جذب المتابعين بأي تنازل عن ضوابط هذا الظهور فضلا عن إدخال بعضهن مؤثرات موسيقية ومناقشة بعضهن مواضيع تثير اهتمام الرجال ومنها ما يصل لحد خدش الحياء بل وأكثر!

إذا نحن في واقع مزدحم بالفتن من الشبهات والشهوات.

ضرورة التحصن من الفتن

قال ابن القيم – رحمه الله -: “الفتنةُ نوعان: فتنة الشبهات – وهي أعظم الفتنتين -، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما.
ففتنةُ الشبهات من ضعفِ البصيرة وقلَّة العلم، ولاسيَّما إذا اقترنَ بذلك فسادُ القصد وحصولُ الهوى، فهنالك الفتنةُ العُظمى والمصيبةُ الكبرى، فقل ما شئتَ في ضلالِ سيءِ القصد الحاكم عليه الهوى لا الهُدى، مع ضعف بصيرته وقلَّة علمه بما بعثَ اللهُ به رسولَه، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23]، وقد أخبر الله سبحانه أن اتباعَ الهوى يُضِلُّ عن سبيل الله؛ فقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]  .
وهذه الفتنة مآلُها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنةُ المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ..
ولا يُنجِّي من هذه الفتنة إلا تجريدُ إتباع الرسول وتحكيمُه في دِقِّ الدين وجِلِّه، ظاهرِه وباطنِه، عقائدهِ وأعمالهِ، حقائقهِ وشرائعهِ، فيُتلقَّى عنه حقائقُ الإيمان وشرائعُ الإسلام، وما يُثبِتُه لله من الصفات والأفعال والأسماء وما ينفيه عنه، كما يُتلقَّى عنه وجوبُ الصلوات وأوقاتُها وأعدادُها، ومقاديرُ نُصُب الزكاة ومُستحقِّيها، ووجوبُ الوضوء والغُسلِ من الجنابة، وصومُ رمضان؛ فلا يجعلُه رسولاً في شيءٍ دون شيءٍ من أمور الدين؛ بل هو رسولٌ في كل شيءٍ تحتاجُ إليه الأمةُ في العلم والعمل، لا يُتلقَّى إلا عنه، ولا يُؤخَذ إلا منه ..
وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنةُ الشهوات، وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتَيْن في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} [التوبة: 69]؛ أي: تمتَّعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخَلاَق: هو النصيبُ المُقدَّر، ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، فهذا الخوضُ بالباطل، وهو الشُّبُهات.
فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصُلُ به فسادُ القلوب والأديان من الاستمتاعِ بالخَلاقِ والخوض بالباطل؛ لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلُّم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح؛ فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسقُ الأعمال ..
وأصلُ كل فتنةٍ إنما هو من تقديم الرأيِ على الشرع، والهوى على العقل؛ فالأولُ: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصلُ فتنة الشهوة.
ففتنةُ الشُّبُهات تُدفَع باليقين، وفتنةُ الشهوات تُدفَعُ بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامةَ الدين منوطةً بهذين الأمرين؛ فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فدلَّ على أنه بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين ..
فبكمال العقل والصبر تُدفَعُ فتنةُ الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تُدفَعُ فتنةُ الشُّبهة، والله المستعان”. [2]

فهل تقرأ عاقلة في أبواب الفتن ولا تحصن نفسها في زماننا بكل ما يحفظها من الانجرار لمستنقعات هذه الفتن؟! وهل تعرض عاقلة نفسها لعوامل الانتكاس والتراجع وهشاشة القلوب وضعف الاستجابة لأمر الله تعالى وهي تعمل جدية الامتحان والابتلاء وملاحم الصدق في زماننا؟!

الظهور في القنوات يشبه الظهور في الطرقات

وأجدني هنا أقيس واقعا عرفه الصحابة رضي الله عنهم مع واقعنا ولكن في ميدان الإعلام، وأسوقه هنا من باب المقارنة الهادفة، التي أحاول من خلالها أن أصور إلى أي مدى وصلت بنا الاستهانة بمسألة إبراز النساء وإظهارهن في زمن يعج بالفتن.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت – لا يسمع صوته – ضربت برجلها الأرض، فيعلم الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا، فتحركت بحركة لتُظهر ما هو خفي، دخل في هذا النهي؛ لقوله تعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ): ومن ذلك أيضا أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليَشْتَمَّ الرجال طيبها، ومن ذلك أيضا أنهن يُنهَين عن المشي في وسط الطريق؛ لما فيه من التبرج “.[3]

وورد عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ – وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ:”اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ”.
فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .

رواه أبو داود (رقم/5272)، وبوب عليه رحمه الله بقوله: “باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق”.

وجاء في شرح الحديث في عون المعبود (11/305):”(أن تحققن) هو أن يركبن وسطها، والمعنى أن ليس لهن أن يذهبن في وسط الطريق .
(بحافات) جمع حافة، وهي الناحية .
(ثوبها) أي: المرأة. (من لصوقها) أي: المرأة”.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسطَ الطَّرِيْقِ”.

رواه ابن حبان (12/416) وبوب عليه بقوله: “ذكر الزجر عن أن تمشي المرأة في حاجتها في وسط الطريق “، [4]
قال ابن حبان رحمه الله :
“قوله : (ليس للنساء وسط الطريق) لفظة إخبار، مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه، وهو مماسة النساء الرجال في المشي، إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه، والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذرا مما يتوقع من مماستهم إياهن”.

كيف وصلنا لهذه المقارنة؟ وصلنا لها من كون المرأة مأمورة بعدم البروز والظهور في الطرقات مما يعرضها للأذى، فكيف حين تظهر بشكلها وصوتها وتفاصيلها للناس في طريق إعلامي معروف شهرة الرجال فيه، فلماذا تعرض نفسها للرجال ونظراتهم وتقييماتهم؟! وهناك طرق أتقى وأنقى؟!

فإن احتاجت المرأة إلى وسط الطريق فلا حرج عليها فيه، ولا كراهة .لكن للضرورة اللازمة وبالضوابط الشرعية الملازمة.

وأنصح من ترى ضرورة أن تخرج دروسها مصورة بإمكانية الاستغناء عن الظهور بوجهها ويديها والاكتفاء بصوت حازم تقي، ووسائل تعليمية وخلفيات للشاشة. للمساعدة في الشرح وإيصال الأفكار.

وإلا فالنقاب هيبة وستر وبصيرة لا يفوت لبيبة!

كيف هو الحال مع الأديبات والشاعرات؟

تحتج الأديبات والشاعرات اللاتي يختلطن في غرف مع الرجال ويتبادلن الصوتيات والتسجيلات، بكون صوت المرأة ليس بعورة، لكنهن يتغاضين عن حقيقة أنه إذا خضع بالقول أضحى فتنة ووقع المحذور، وحدثت المعصية لأمر الله تعالى! فصوت المرأة ليس بعورة لكنه قد يتحول لفتنة!

وأغلب الأديبات والشاعرات والمنشدات حين يلقين نصوصهن، يزين أصواتهن ويتأنقن ويتجملن في إخراجها، رقيقة جذابة مؤثرة، يبدين فيه الأنوثة وما يجذب الرجال، وهو من الخضوع بالقول، ومنكر لا يخفى.

قال الله تعالى (يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا).

فكيف بحديث فيه عبارات مثيرة تلقى بترقيق الكلام والتكسر فيه أو الضحك والاستلطاف وما إلى ذلك من خضوع بالقول، خاصة مع النصوص الأدبية والأشعار التي طبيعة إلقاءها تفرض نفسها كذلك؟! ثم كيف حين يكون إلقاء يهدى للرجال الأجانب؟! وتكون معانيه إثارة وفتنة إذا تناولت العاطفة والحب وما إلى ذلك! هذا بعيدا عن خطر الاختلاط في الغرف والاستهانة بذلك والنصوص في تحريم الاختلاط كثيرة لا يسعنا المقام لعرضها كلها، ولكن يكفينا من ذلك خلاصة اتفق عليها المسلمون والكافرون! وهي التي يلخصها ابن تيمية رحمه الله حيث قال:
“فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب” (الاستقامة) (1/361)

وجاء في “الموسوعة الفقهية” (4/ 90): “إنْ كَانَ صَوْتَ امْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ يَتَلَذَّذُ بِهِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً، حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، وَيُحْمَل اسْتِمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصْوَاتَ النِّسَاءِ حِينَ مُحَادَثَتِهِنَّ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ وَتَنْغِيمُهُ وَتَلْيِينُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) “.

فالله جل جلاله لم يحرم على المرأة الحديث، لكنه حرم عليها الخضوع فيه، ولذلك فإن إرسال مقاطع من هذا القبيل على أنه محض أدب وشعر وفيه تكسير صوت وترقيق وفتنة فهذا مما لا يجوز فعله، ولو أرادت المرأة أن تفعل ذلك فيكفيها حيّز النساء، وليكن في دائرة مغلقة للنساء ولا يجوز للرجال التلصص عليهن أو متابعتهن في ذلك.

من واقع التجربة

دعونا ننظر أكثر بعمق في واقعنا اليوم، حيث تتصدر الكثير من النساء التسجيلات المرئية والصوتية، يتحدثن في كل شيء ولا شيء!

ولا أتحدث هنا عن التي تصور يوميات حياتها لأجل جني الإعجابات وزيادة رصيدها في يوتيوب، فهذه كما أسلفنا قد ظلمت نفسها ظلما كبيرا، إنما أتحدث عمن تجد غاية ومقصدا في نشر تسجيلاتها بغرض نفع الناس وتعليمهم أو مدارسة اللغة والشعر.

أغلب من تفعل ذلك يضعف قلبها تدريجيا، حتى يصبح المنكر عندها مستهان به، فيصبح الخضوع بالقول أمرا لا بأس به تقتضيه مصلحة العمل الإعلامي.

والأسوأ من ذلك اعتياد هذا الخضوع في القول، وهو اعتياد لمعصية، تتربى عليها النفس ويصعب بعد ذلك تقويمها. ثم يأتي تعلق النفس بهذا الظهور وعزوفها عن الحديث من وراء حجاب، سيصبح مستعصيا فقد تعودت هذه المرأة أن يراها الناس. وفي ذلك استدراج لصناعة العجب والكبر ومثالب أخرى. ونور الله لا يُهدى لعاصٍ.

فضلا عن أن العالم يعج بالفتن وبمرضى القلوب، فكم من رجل يفتتن بطلة هذه المرأة أو تلك ولو كان متزوجا، قد تجذبه شخصيتها في العرض وتفاصيل وجهها ويديها، وهذا معروف ومشاهد. بل رأينا من الأخوات من كان يعايرها زوجها بالمذيعة الفلانية والمرأة التي تظهر في التسجيلات المرئية في تلك القناة أو المحطة، لشدة تعلقه بها وبطريقتها، فتنغصت معيشتها ومعيشة زوجها.

فلماذا لا نحاول التخفيف من هذه الفتن على الأقل بسد باب فيه شبهة وفيه صناعة للضعف وهشاشة القلب، فنحن بحاجة لكل عوامل تقوي القلب وتثبت أقدامنا في مسيرة على طريق من شوك، نحن بحاجة لكثير من التقوى لتجاوز ما نعيشه اليوم من حملات ضد المرأة المسلمة وللعمل على إعادتها لثغرها ومهماتها المصيرية، ولذلك لا أرى أقوى للقلب وأدعى للثبات من الاقتداء بنساء السلف الصالح، ولي في ذلك قاعدة أراها مهمة جدا وأرى نشرها بين الناس والتواصي بها،

روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوسًا في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت“. (السلسلة الصحيحة).

يستوقفني كثيرا وصف “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” فهو يأخذنا مباشرة لحديث آخر صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “فإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ“.

فأرى من الواجب والضرورة الملحة أن ندعو الناس لما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، والاجتهاد في الاقتداء بهم في كل اختياراتنا وتفاعلاتنا وتعاملاتنا، وأعمالنا، لأن في ذلك تهيئة لعودة الخلافة على منهاج النبوة، ولأن الاختلاف في زماننا بلغ مراتب مخيفة! ولأن التفرق لا يزال يقطّع أوصال هذه الأمة وما لم تجتمع على متين وراسخ، فستبقى ضعيفة مشردة!

وجوهر الإعداد لمرحلة الخلافة – القادمة لا محالة- هو العمل على الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. والاجتماع عليها وبها.

من هنا فإن اقتداء المسلمات في زماننا بالصحابيات هو حكمة وبصيرة وإعداد لما هو آت وأحسبه فضل تنال به المسلمة سهما في إقامة خلافة آخر الزمان.

رسالة إلى حافظات القرآن

وأنتهز فرصة الحديث عن واقع النشاط الإعلامي للنساء لأوجه نصيحة لحافظات كتاب الله اللاتي يتسابقن لنشر أصواتهن مسجلة مرتلة بصوت جميل، بين الرجال الأجانب، فلا يخفى على عاقل أن تلاوة القرآن بتحسين الصوت وتليينه، من النساء الحافظات، يترتب عليه الخضوع بالقول.

 وهو ينافي أمر الله تعالى ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) 

ولا يليق بحافظة القرآن أن تكون أول من يهجر العمل به، بل يجب أن تقدم القدوة والمثل للعمل بما تحفظ، فليست الغاية من حفظ القرآن التباهي به وجذب الاهتمام، بل هو لتقوى القلوب! فمن أحبت أن تسجل تلاوتها الجميلة فليكن بين النساء حصرا وتمنع نشره للعامة من الرجال الأجانب..

وإنه لمشهد مؤلم حقا أن تكون الحافظة لكتاب الله أول من تعصي الله ولا تستجيب لأمر في كتابه العظيم تحفظه، وتكون أول من يلج مستنقع الشبهات والفتن! بل وتكون بحد ذاتها فتنة! وهل الشكر على نعمة الحفظ لكتاب رب العالمين يكون إلا بالاستجابة الكاملة لما في كتاب الله تعالى؟!

لقد منع الإسلام المرأة من الأذان، وأمرها بالتصفيق بدل التسبيح في الصلاة فكيف تجيز لنفسها نشر تلاواتها البهية بين الرجال الأجانب؟! يسمعونها ويكررون وقت ما يشاؤون! تلاوة يطرب لها بعض الرجال لأنها بصوت ناعم لأنثى! ومعلوم فتنة الرجال بالمشندات والمغنيات، لأجل رقة أصواتهن وأنوثة فيها. ومن تنكر ذلك فهي تصادم الفطرة وتنكر حقيقة كالشمس!

بل على الحافظات أن يقدمن القدوة والمثل الأقرب للصحابيات رضي الله عنهن، ويعملن بما في كتاب الله العزيز، ولا يكون شغلهن الشاغل الظهور الإعلامي والمنافسة في تلاوة القرآن أمام الأجانب.

وإنما حفظ القرآن لنيل قبول الله جل جلاله، ومرتبة عالية في الجنة، مرتبة أهل القرآن وخاصته وليس أهل القنوات والشاشات! فلا تكون الحافظة كمن تنقض غزلها بيديها قال تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا).

وأذكرهن هنا بحديث مهيب يبعث الوجل في القلوب عن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أول من تسعر بهم جهنم ثلاثة، ففي جامع الترمذي وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة وهو في الصحيح أيضًا لكن باختلاف لفظ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي صلى الله عليه وسلم قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تبارك وتعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذاك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله بل إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة“.

فاللهم سلم سلم!

وعلى كل مسلمة أن تضع نصب عينيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسمح لنفسها أن تَفتن أو تُفتن. قال صلى الله عليه وسلم: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” (متفق عليه)

‏وقال صلى الله عليه وسلم: “فاتقوا الدُّنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء”. (صحيح مسلم)

قليل من الورع!

فإن لم يكف كل ما سبق لقبول النصيحة من النساء في هذه المسألة، ويتمسكن أكثر بفتاوى بعض المعاصرين ممن لا يجد حرجا في ظهور المرأة بوجهها وتفاصيلها، فأقول، هلا تعاهدنا على قليل من الورع!

جاء في الحديث الحسن عن عطية السعدي رضي الله عنه أنه قال، قال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: “لا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حتَّى يَدع ما لا بَأْسَ بِهِ ‌حَذَرًا ‌لِمَا ‌بِهِ ‌بَأْسٌ”[5].

فـ “ما لا بأس به” يقصد الأمور المباحة التي أصلها الحل، فيتركه المسلم خشية أن يجره إلى إثم أو معصية،   

وبلوغ مراتب التقوى يقتضي ترك الشبهات.

عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بيِّن وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). رواه البخاري ومسلم.

وجاء في مدارج السالكين لابن القيم:”قال الهروي : (الورع على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى: تجنُّب القبائح لصون النفس، وتوفير الحسنات، وصيانة الإيمان .
الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاءً على الصيانة والتقوى، وصعودًا عن الدناءة، وتخلصًا عن اقتحام الحدود .
الدرجة الثالثة: التورُّع عن كلِّ داعيةٍ تدعو إلى شتات الوقت، والتعلُّق بالتفرُّق، وعارض يعارض حال الجميع”.

وقال أبو الدرداء رضى الله عنه: “تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام” [رواه ابن المبارك فى الزهد] .
وقال الحسن:”مازالت التقوى بالمتقين؛ حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام”.
وقال الثوري: “إنما سموا المتقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى. ورُوي عن ابن عمر قال: إني لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها”.


وهذا على زمانهم .. الذي غلب فيه الصلاح فكيف بزماننا الذي كثرت فيه الفتن والشبهات؟!

ولا شك أنها مرتبة جليلة، تسابق عليها السلف الصالح بحكمة وبصيرة، قال أبو هريرة رضى الله عنه: “جلساء الله تعالى غدًا أهل الورع والزهد” [الرسالة القشيرية، للقشيرى] .

وفي الختام

نحن بحاجة ماسة لتقويم أدء النساء في ميادين التواصل والدعوة والإعلام، وترشيده للأتقى والأنفع لهن وللمسلمين، ولسد كل أبواب الفتن والشبهات ولزرع حب الورع والزهد في قلوب المؤمنات، فلن تصل المؤمنة لمرحلة الأمان والسكينة والطمأنينة، حتى تترك بعض الحلال للأخذ بأسباب الثبات فكيف بولوج مستنقعات الشبهات والفتن؟!، كيف تطمع أن يصل مركبها آمنا لشط الأمان ويقوى قلبها في مواجهة ملاحم الدنيا والحرب على الإسلام بمثل هذه المجازفة والتقصير؟!

هذه هي الطريق، مجاهدة ومسابقة، في سبيل الاستقامة كما يحب الله ويرضى، فاختاري لنفسك العدة والزاد أيتها المسلمة، اختاري لها الأفضل والأتقى والأحسن، ولا تعودي نفسك التبرير لما يضعفك ويدفعك للتراجع للخلف، فإن الأمام فيه عظيم الخير والمرتبة، لمن كان ما عند الله خير في قلبها وأبقى!

أما من آثرت الاقتصاد، فهي مراتب، لا نلومها على ذلك .. ولكننا نذكرها بقول الله جل جلاله،

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) (فاطر)

اللهم إنا نسألك فضلك الكبير! وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1]   مجموع الفتاوى”(15/419).

[2]  [إغاثة اللهفان:2/167]

[3]  ” تفسير القرآن العظيم ” (6/49-50) مختصرا.

[4]  “السلسلة الصحيحة” (رقم/856)

[5]  أخرجه الترمذي في السنن، كتاب صفة القيامة، (2451) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه، باب الورع والتقوى، (4215).
 

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x