كيف يكفّ المرء عن التسخط؟

سؤال: أتمنى تنزلين مقال عن كيف يكف الإنسان عن التسخط ويصير إنسان صابر راضي ليس متسخط.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.

لقد انتشر التسخط بين الناس في زماننا بشكل منذر، وفي ذلك دلالة على شدة تعلق الناس بالدنيا وزخرفها وأمانيهم فيها، وقد اتخذ هذا التسخط أشكالا وطرقا مختلفة بحسب طبع الرجل أو المرأة، وبحسب الوسط الذي ينتشر فيه هذا الداء، من تسخط لفظي إلى تسخط فعلي، من تسخط باللسان إلى تسخط بالقلب، وأول ما يجب التنبيه عليه في هذا الشأن أن التسخط على قدر الله هو من كبائر الذنوب وقد يصل الأمر بالمتسخط إلى الكفر المخرج من الملة؛ فهو بوابة للضلال المبين، وطريق موصل إلى الردة.

قال الله تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (الأنبياء: 23 ).

وقال سبحانه (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص: 68).

له الملك وله الحجة وله الحكمة البالغ، سبحانه هو الخالق رب السماوات والأرض، قال جل جلاله (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران 26-27].

قال السعدي رحمه الله : “أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها”..

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ “. (صحيح الترمذي)

ولا يمكن لمن أقام نفسه على معايشة معاني القرآن والسنة أن ينزل لهذا المستوى من الاعتراض والظلم للنفس. ولكنه نتيجة البعد عن هدي الإسلام العظيم والتعلق المريض بالدنيا.

تصحيح العقيدة

فأول ما يجب ضبطه في حال التسخط هو الإحاطة علما وعملا بعقيدة التوحيد، وإعادة الفهم الصحيح لتعظيم الله جل جلاله وتقديره حق قدره، وهذا يعني دراسة التوحيد ومعرفة صفات الله تعالى وتدبرها. وشروط لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعرفة الأسباب الموجبة لمحبة الله تعالى وغيره مما يدخل في هذا الباب.

وكما جاء في شرح كتاب التوحيد فإن “السخط على قدر الله عز وجل يكون على ثلاثة أنواع: السخط بالقلب واللسان والجوارح.

فأما السخط بالقلب فهو بغض قدر الله عز وجل، أو بغض الله سبحانه وتعالى بسبب هذا القدر الذي حصل، وهذا كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه مناقض للمحبة، وقد سبق أن بيّنا أن من شروط (لا إله إلا الله) محبة الله سبحانه وتعالى، وأن من زالت عنه محبة الله فأبغض الله عز وجل فهو كافرٌ ولا شك في ذلك.

وأما النوع الثاني من السخط على القدر فهو السخط باللسان والكلام، كالصياح مثلاً، أو ذكر محاسن الميت، ونحو ذلك، وهذا يعتبر من الكفر والشرك الأصغر، ووجه اعتبارنا له من الشرك أو الكفر الأصغر هو وصف النبي صلى الله عليه وسلم له بالكفر، فإنه قال: (هما بهم كفر) فالنبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالكفر، وبناء على هذا فإنه يكون من الكفر الأصغر.

وأما السخط بالجوارح فمثل شق الجيوب، ولطم الخدود، فهذا تسخط بالفعل، وهو -أيضًا- يدخل في الكفر؛ لكونه تسخُط على قدر الله عز وجل، إلا أنه ليس من الكفر الأكبر، بل من الكفر الأصغر.قوله: (ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)).قوله: (ليس منا) من ألفاظ الوعيد، فيحتمل أن يكون كفراً أكبر، ويحتمل أن يكون كفراً أصغر، والمقصود به هنا الكفر الأصغر لا الكفر الأكبر، وهذا يدل على أن عكس السخط -وهو الصبر على أقدار الله- واجب؛ لأن عكسه -وهو السخط- محرم، ولهذا عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اعتبره من الكبائر فقال: (ليس منا من ضرب الخدود) وهو واضح، (وشق الجيوب) وهو شق جيب القميص، وهو مدخل الرأس في القميص.قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) يحتمل أن يكون المقصود به ما كان عند الجاهلية من دعاوى في ذكر محاسن الموتى، وقد كانوا يستأجرون نوائح للبكاء على الميت، ويندبونه ويذكرون محاسنه.

وأما حديث أنس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له بالعقوبة في الدنيا) وهذا دليل على أن العقوبة إذا حصلت للإنسان في الدنيا وصبر واحتسب فإنها خير له؛ لأنها تكفير لذنوبه وخطاياه.

قال: (وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)، وهذا من الاستدراج والعياذ بالله.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء)، فمن ابتلي ببلية فلا يعني ذلك بالضرورة أن تكون عقوبة على معصية، وإنما قد تكون رفعة له في الدرجات، وقد تكون تكفيراً لذنوبه، فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عظم الجزاء مع عظم البلاء) معناه أنه إذا كان البلاء عظيماً فصبر فإن الجزاء يكون عظيماً، وليس مجرد وجود البلاء العظيم كاف في عظم الجزاء؛ لأنه قد يبتلى ببلاء عظيم ثم يسخط ولا يصبر”.[1]

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في ذلك:

“يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي: ضيقه، فصار بقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله كَلا أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق: ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل”.[2]

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتسخط المرء؟

هل هو يعترض على حكمة الله وعلمه وقدرته وعدله؟

أم يعترض على ربوبيته وقضائه وقدره؟

فأما إن كان التسخط على القدر بغير شك في حكم الله ولا حكمته فليس كفرا، لكنه من كبائر الذنوب، وقد يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة؛ فهو طريق موصل إلى الردة، قال تعالى ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]، فهو الحكيم الخبير البصير بعباده.

وعلاج ذلك تصحيح مفهوم الإيمان وإقامة النفس على أركانه كاملة، والتي منها الإيمان بالقدر خيره وشره، والاستسلام للقضاء والقدر والصبر عند المصيبة، في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت”.

 قال ابن تيمية رحمه الله في شرح الحديث:”أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس، فنفس الخصلتين كفر؛ حيث كانتا من أعمال الكفار، وهما قائمتان بالناس، لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافرًا الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنًا حتى يقوم به أصل الإيمان”.[3]

وأما إن كان غير ذلك من اعتراض على قدر الله تعالى وحكمته وربوبيته فكفر مخرج من الملة!

لذلك على المتسخط أن يستحضر هذه المعاني الخطيرة جيدا عند لحظة السخط ويتذكر أن الله تعالى أجل وأعظم وأحكم وأخبر به، فليسلم أمره لله تعالى. وليعش هذه الدنيا كعابر سبيل يرجو ما عند الله ويكف عن التذمر والشكوى، فإنها مجلبة للهم والغم والتسخط ومذهبة للنعم والفضل. وليوطن نفسه أن كل شيء ما خلا الله باطل في هذه الدنيا فلا يأسفن على شيء.

وليحذر أن يكون ممن يعبد الله على حرف فيكون من الخاسرين قال تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].

وإنما يثبت نفسه بالصبر والاحتساب واستذكار مصائب أعظم، أصيب بها المسلمون، كموت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم تزدهم إلا تسليما ويقينا وعملا ومثابرة، كما أمر الله جل جلاله.

(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

(وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ)

(وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)

(وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً)

يقول ابن القيم في تفسير هذه الآية: “فلما كان في الصبر خشونة وتضييق جازاهم على ذلك نعومة الحرير وسعة الجنة[4]“.

ولن يرى الصابر إلا كل الخير. فالصبر على الأذى أوله شقاء وآخره رضى وثمرته جنةٌ ونعيم.

إني رأيتُ وفي الأيام تجرِبةٌ    للصبر عاقبةً محمودةَ الأثرِ
وقلَّ من جدَّ في أمرٍ يحاوله   واستصحَبَ الصبرَ إلا فاز بالظَّفَرِ

وعكس الصبر الجزع، وهو منهي عنه، قال ابن القيم رحمه الله:” إن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئًا، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور” .[5]

الصبر عبادة

روى مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له».

قال ابن القيم رحمه الله: “إن للمِحَن آجالًا وأعماراً كأعمار ابن آدم، لا بد وأن تنتهي”[6].

وقال في ذلك أيضا :”مهْمَا طَالَ البَلَاءُ فَسَوْفَ يَزُوُلُ جَعَلَ اللهُ الشَّدَائِدَ وَالشُّرُوْرَ والآلَامَ فِيْ هَذِهِ الدُّنْيَا بَتْرَاءَ لَا دَوَامَ لَهَا”.[7]

ولابن القيم خلاصات مهيبة في هذا الباب أنصح بشدة بالعودة لمؤلفاته فيها وتعلم فقه العبادات القلبية منها، ومن أقواله البصيرة في ذلك قوله: “الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام:

  • صبرٌ على الأوامر والطاعات حتى يؤديها .
  • وصبرٌ على المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها .
  • وصبرٌ على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها”.[9]

“فمن اعتاد الصّبر هابه عدوُّه، ومن عزَّ عليه الصبرُ طمع فيه عدوُّه ، وأوشك أن ينال منه غرضَه “[10]

والصبر يؤتى مع التصبر ..

وكما قال ابن القيم: “لا يزال العبد يتكلّف التصبّر حتى يصير الصبر له سجية كما أنه لا يزال يتكلّف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقًا بمنزلة الطبائع.

وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث وقد يكون قويا ولكن لم ينقل الطبع فقد يعود إلى طبعه إذا قوى الباعث واشتد وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعا ثانيا فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه”[11]

“وما أتي من أُتي إلا من قِبَلِ إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر ـ بمشيئة الله وعونه ـ إلا بقيامة بالشكر، وصدق الافتقار والدعاء، ومِلاكُ ذلك: الصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد”.[12]

“والنفس فيها قوّتان:

قوة الإقدام وقوة الإحجام فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكًا عما يضره”.[13]

(وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ)

 فـ”أكـثر أسـقام البـدن والقـلب، إنما تنشأ عن عــدم الصبر، فــما حفـظت القــلوب والأبدان والأرواح بمـثل الصـبر، فـهو الفاروق الأكـبر، والترياق الأعـظم”.[14]

و”الصَّبر لقاح اليَقِين، فإِذا اجتمعَا أورثا الإِمَامَة فِي الدين، قال تعالى: (وَجَعَلنَا مِنهم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُو ). [15]

فـ “يا أقدامَ الصَّبرِ احملي .. بقيَ القليـل .. [16]

وصية أخيرة

إنها في الواقع عملية متكاملة تنعكس نتائجها في ضبط سلوك المرء، فالإحاطة الكافية بالعقيدة الإسلامية، ومعرفة الله جل جلاله، ومعرفة النفس البشرية وسبل قيادتها، كل ذلك من العلوم التي يجب أن يحمل المسلم نصابا منها، يكفيه لمسيرة على نور من الله تعالى،

لذلك فإن معرفة التوحيد، وتقدير الله جل جلاله بمعرفة صفاته وأسمائه سبحانه، ثم تربية النفس على الصبر والاحتساب ورجاء ما عند الله والزهد في الدنيا والتأسي بالقدوة من السابقين الأولين، ثم استذكار الموت وهادم اللذات واستذكار عظم الأجر والآخرة، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر كل هذا معين للمرء على الثبات وسلامة الصدر والرضا عن قدره.

ويساعد في ذلك التزام جدول السعداء، بالحفاظ على الصلوات في وقتها، والأذكار، في الصباح والمساء، والذكر في حينه، والورد اليومي من القرآن، والتزام السنة واجتناب البدعة، ثم عمل صالح يداوم عليه المرء يكفيه هموم الدنيا ويكون له قربة من الله تعالى، فهذه أسباب معينة ومساعدة على الثبات والتصبر عند الضيق والشدة.

إضافة إلى الابتعاد عن العلاقات التي تنقل دعوى التسخط والحديث والمشاهدات والقراءات التي لا تتأدب مع الله تعالى ولا أقداره، والبحث عن وسط يعين على النعيم بالرضا واليقين والاستقامة.

وللأسف فإن عدوى التسخط أضحت كالمرض، تتنتشر سريعا، فتتسخط المرأة على أي شيء ولا شيء، والرجل كذلك بل وينتقل ذلك للأبناء! وكل ذلك تسخط على دنيا زائلة فانية، ولو استذكر المؤمن لحظة السخط حقيقة أن هذه الدنيا دار امتحان وابتلاء، لكفّ النفس عن الهوى والظلم.

وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها
ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن العدو إذا نأى
وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي
لها أضحت الأعداء فينا تحكم

فلابد من وضع حد لهذا التسخط، والتقوى!

فإن الاستمرار في التسخط سبيل ضلال مبين فضلا عن سبب من أسباب حرمان النعم ومن يقدر على مثل هذا الخسران إلا من أمن مكر الله تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )[الأعراف:99]،  ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56]

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله”.

فهذا باب لا يجب الاستهانة به، والتذكرة فيه واجبة وإنكاره فقه وبصيرة.

والتوبة إلى الله منه وبداية جديدة ترجع فيها الدنيا لحجمها الحقيقي، وعلو الهمة قائدا ومهيمنا، لا تفوت تواقا لنيل فضل الله تعالى وتصحيح المسيرة.

نسأل الله أن يجعلنا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ويجنبنا التعلق بالدنيا والسخط فيها، وينور قلوبنا بحب الآخرة، ورجاء رحمة الله جل جلاله.


[1]  شرح كتاب التوحيد – عبد الرحيم السلمي

[2]  تفسير السعدي (924) .

[3]  اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 237)

[4]  روضة المحبين لابن القيم : ص480

[5]  زاد المعاد لابن القيم (4/173)

[6] مدارج السالكين( 374)

[7]  مُخْتَصَرُ الصَّوَاعِقِ المُرْسَلَةِ (ص268).

[8]  زاد المعاد 255/4.

[9]  عدة الصابرين [55]

[10]  عدة الصابرين 54

[11]  عدة الصابرين 21.

[12]  الفوائد 142

[13]  عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

[14]  زاد الـمــعاد (4/306)

[15]  [(الفوائد) (199)]

[16] بدائع  الفوائد 3/ 1181

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x