كيف أكون زوجة صالحة؟

سؤال: كيف أكون زوجة صالحة؟

سؤال يتكرر في الكثير من الاستشارات، وإنما يدل طرحه على علو الهمة وصدق الطلب وسمو الأهداف وحب التعلم، ولذلك خصصت له مقالة لعل الله ينفع بها في زمن أضحت تحارب فيه الفضيلة وكل ما يعين على الصلاح أشد ما يحارب، وأضحت نماذج القدوات في الأسر مهمشة والكثير من الزبد والفتن والخلط والجهل والتعالم يشغل الساحة.

ميثاق غليظ

الزواج ميثاق غليظ، ميثاق يشهد عليه الله عز وجل، ومن دخله تحمل مسؤولية الوفاء به، والإحسان فيه، والترفع عن الظلم فيه، أيا كانت حالته من نعمة أو ابتلاء، من رزق أو محنة، من هنا يجب أن يكون بداية الفهم الصحيح لمهمة الزوجة الصالحة، إنها زوجة قادرة على الوفاء بمتطلبات ميثاق غليظ!

ومن يتأمل الهدي الإسلامي في الزواج، يبصر الحكمة العظيمة منه.

قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(النساء: 1)

وقال سبحانه (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور:32)
قال السعدي رحمه الله : “قوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) أي : الأزواج والمتزوجين . (يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ؛ فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر ، بسبب كثرة العائلة ونحوه .
وفيه حث على التزوج ، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ) : كثير الخير ، عظيم الفضل. (عَلِيمٌ) بمن يستحق فضله الديني والدنيوي ، أو أحدهما ، ممن لا يستحق ، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه “.[1]

وعن أبي هريرة قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» (رواه الترمذي وغيره).

وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصَنُ للفَرْجِ ومَن لم يستطِعْ منكم الباءةَ فلْيصُمْ فإنَّه له وجاءٌ» (متفق عليه).

وقال صلى الله عليه وسلم: «حَقٌّ علَى اللهِ عونُ مَنْ نَكحَ التِماسَ العَفافِ عمَّا حرَّمَ اللهُ» (صحيح الجامع).

وقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ، ولَا تكونوا كرهبانِيَّةِ النصارى» (ًصحيح الجامع).

والأحاديث على معانيها واضحة جلية تختصر علينا الكثير من الشرح في الحكمة من الزواج وتوضح المعالم التي يقوم عليها، الصلاح والتقوى لتحقيق الاستقرار والعفة والذرية الصالحة، ومنفعته وبركاته معلومة في حياة الفرد والمجتمع.

كما أن الزواج يخفف من فتنة النساء للصالح التقي، قال صلى الله عليه وسلم: “ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء”[2]. وفي ذلك إعانة على صيانة الأعراض وحفظا لحدود الله تعالى.


وقد شاهدنا في زماننا تداعيات تأخير الزواج وتعسيره لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان والدفع بالرجال والنساء لمستنقعات الاختلاط ثم فتح أبواب الفتن والدعوات الغربية على مصراعيها، مع تراجع دور المصلحين والدعاة، فكان الواقع فتنا كقطع الليل المظلم!
وهو هذا الواقع البائس البعيد عن هدي الإسلام العظيم الذي يدفعنا لإعادة إبراز المعاني الجليلة وتصحيح المفاهيم السائدة بشأن دور المرأة والرجل في صناعة الإصلاح في الأمة، وهو ما نحاول تحقيقه من خلال تلخيص كيفية صناعة نموذج المرأة الصالحة.

ماذا على الفتاة المسلمة قبل الزواج؟

لأن الزواج مشروع حياة كاملة ومصنع للأجيال، ولأننا نعيش في زمن تحارب فيه الأسرة ليس فقط بقوانين الغرب الفاسدة التي تمكّن النسويات والدعوات التي تشبعت من الفكر الغربي الهدام للأسرة، إنما أيضا لأن الخطر أصبح أكبر بكثير، مع استهداف الحرب على الفطرة الأسرة تحديدا بمكر وخبث وتدرج، فتفككها وتهدمها هدما لا يجبر، ما يجعل الرد على هذا العدوان الصائل فريضة وأولوية، ويجعل البداية الفعالة المؤثرة، تكون بتقوية دفاعات الأسرة، بما يليق بأمة مسلمة، وإعادة المرأة والرجل لثغورهما بكل وعي ويقظة، وإعداد واستعداد لا يقبل الغفلة والضعف.

نحن بحاجة لإعادة الفهم الصحيح لدور كل من الزوج والزوجة ولصيانتهما من الفتن والشبهات والزلل ولتقوية الأواسر بينهما وتعظيم العهد بينهما، بحيث نحفظ خلية من خلايا نسيج المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. فنطمع في جيل سوي!

ومخطئ من يعتقد أن صلاح المرأة يكون بمجرد توجيه الخطاب لها، بل لا بد من إصلاح شامل للرجل والمرأة معا، للأسرة وللعلاقة بشكل كامل، فهما متكاملان ومؤثران في بعضهما البعض، ومحاولة تحميل المرأة مسؤولية الإصلاح كاملة تشخيص قاصر لذلك لا أزال أشدد، لا تصلح النساء بدون الرجال وبدون صناعة وعي لائق بالرجال على هدي القرآن والسنة وميراث السلف الصالح لا ترهات النظرية الغربية القاصرة ولا أفكار النسوية الفاسدة. إنما نصلح بترسيخ معاني التوحيد ونفلح بالاحتكام لشريعة الله تعالى هديا ومرجعية.

من هنا تظهر لنا أهمية أن تعد الفتاة نفسها لتكون زوجة صالحة، وتكون البداية بمعرفة معنى الزوجة الصالحة؟ ودورها في الإسلام، وأهدافها في الحياة،

الزوجة الصالحة

والزوجة الصالحة هي مرتبة جليلة ومنقبة مهيبة! فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير متاع الدنيا، كما في الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم:”الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة”. أخرجه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم :” تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين ترِبت يداك”. أخرجه البخاري ومسلم.

وعندما سأل زياد بن أبيه جلسائه: من أنعمُ النّاس عيشهً؟ قالوا: أمير المؤمنين!

قال: لا، ولكن رجل مسلم له زوجٌه مسلمةٌ لهما كفافٌ من العيش، قد رضيت به ورضيّ بها لا يعرفنا ولا نعرفه. فتأملي هذا الفضل الذي يوجب الغبطة!


إذا الزوجة الصالحة هي سكن وصحبة وطيبة ودعوة صالحة! إنها صناعة للجمال والبر والتقوى والعفة والسعادة اللازمة، إنها ركيزة أساسية في استقرار ورفاهية الأسرة، إنها عامل إصلاح وانبعاث في الأمة! إننا نتحدث عن مشروع أمة واعد بالحديث عن المرأة الصالحة، وليس مجرد صناعة سيرة ذاتية مرحلية محدودة التأثير!

ما هي مواصفات المرأة الصالحة؟

نتعلمها من القرآن والسنة ومن ميراث السلف، لذلك نصيحتي الأولى رابطي على هذه الذخائر فهناك تنتظرك الفتوحات الربانية والهدي الذي لا تضلين معه ولا تشقين، قفي عند كل آية عن الزواج وعند كل حديث وأثر، وسيرة قدوة، وتفكري فيها وأقيمي نفسك عليها.
قال تعالى ( فالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ) (النساء: 34) فهي صالحة في دينها، قانتة لربها، عابدة، مخلصة، تحفظ نفسها وعرضها في حضور زوجها ومغيبه، وتحفظ ماله وعهده وبيتهما وذريتهما.

وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [البقرة: 221].

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تُطغيهن”[3]

ونحن نرى وصف الحديث اليوم بكل وضوح بعد أن أصبحت نسب الطلاق المرتفعة أكثر بروزا بين النساء العاملات، أكثر من غيرهن، لاستقلالهن المادي الذي صنع الاستقلال عن الأسرة وضعف دور المرأة فيها، فتسبب في اختلال الأدوار، كما سبق أن وضحت في مقالة سابقة عن المرأة والعمل والطلاق.

لقد جعل الله عز وجل العقيدة والدين أول مطلب في المرأة قبل حسنها وجمالها ومالها، وهذا من أهم أسباب حفظ البيوت على نور من الله تعالى.

ولا يعني ذلك إسقاط شرط الجمال أو الحد المقبول من الجمال الشكلي الذي يعف الرجل به نفسه، ولكنه فضل ونعمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:”خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة، تسرُّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في غيبته وماله ونفسها”[4].

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:”فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”[5].

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا خطب أحدُكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل”[6].

فالمراد بالجمال هنا هو الجمال الذي يعف المرء به نفسه عن الحرام، ويقصر به نظره عن غير زوجته من النساء الأجنبيات وهو يختلف من رجل لآخر.

 وهذا يقودنا إلى أهمية أن تعتني المرأة بشكلها وأنوثتها ومظهرها الخارجي، فهذا من الفقه والبصيرة، والجمال أمر نسبي، ولا يجب التكلف في ذلك حتى يصل الأمر إلى تغيير خلق الله أو خداع الخاطب، بل المقصود العناية الطبيعية بالجمال وصحته، وما تتزين به المرأة من كحل وحناء وغيره مما أحل الله تعالى.

وهذا بحد ذاته علم أنصح النساء بتعلمه، وتربية النفس على حسن التبعل للزوج. وكنت تحدثت عن أهمية ذلك في العلاقة الزوجية في مقالة بعنوان حسن التبعل والتودد من الإيمان.

فصلاح قلب المرأة إن رافقه القبول النفسي لشكلها يحقق الاستقرار النفسي في الزواج.

قيل لعائشة رضي الله عنها: أي النساء أفضل؟ فقالت: التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها[7] .

والمرأة الصالحة محافظة على خلقها وأدبها وحيائها فهو رأس مالها في العلاقة الزوجية، قال الأصمعيّ: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة، تعين أهلَها على العيش ولا تعينُ العيشَ على أهلِها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى غُلٌ قملٌ، يضعه اللّه في عنق من يشاء، ويفكّه عمن يشاء”.

وقال بعضهم: خير النساء التي إذا أُعطيت شكرت، وإذا حُرمت صبرت، تسرك إذا نظرت، وتطيعك إذا أمرت .

ولين المرأة موجب لطاعتها لزوجها ومطاوعتها له، فالعنيدة والمتكبرة والمعاكسة للرجل لا يسكن معها البيت وينفر منها الزوج، لأن طبيعة الرجل أن يكون القائد والظل، الذي تسكن تحت جناحه المرأة وبشعور الاستعلاء على الرجل كيف تتحقق المودة والرحمة المرجوة؟!، بل فقط المرأة المحافظة على فطرتها وأنوثتها وأخلاقها وأدبها وطاعتها لزوجها هي التي يسعد معها الرجل وينسجم وتكتمل صفاته الرجولية وتكتمل هي معه. فإن حصل الخلل فإما أن يختل توازن البيت واستقراره وصفاؤه وإما أن الرجل يفقد شيئا من صفاته وشخصيته، وفي كل خسارة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:” قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ ؟ قال : التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ”.[8]

 وعن ابن عباس قال: لما نزلت الآية وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة:34]. انطلق عمر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله،إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال صلى الله عليه وسلم : ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته.[9]

وجاء فى مرعاة المفاتيح بشرح مشكاة المصابيح: (المرأة الصالحة) أي الجميلة ظاهرا وباطنا. قال الطيبي: المرأة مبتدأ، والجملة الشرطية خبره، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف. والجملة الشرطية بيان (إذا نظر) أي الرجل (سرته) أي جعلته مسرورا بجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها (وإذا أمرها) بأمر شرعي، أو عرفي (أطاعته) وخدمته (حفظته) أي حقوقه في نفسها وماله، وولده وبيته. قال القاضي: لما بين لهم – صلى الله عليه وسلم – أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة، ورأى استبشارهم به، ورغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهي المرأة الصالحة الجميلة، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد الذهاب عنك وهي ما دامت معك تكون رفيقك تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحامي مالك، وتراعي عيالك ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك، فيحصل لك بسببها ولد يكون لك وزيرا في حياتك، وخليفة بعد وفاتك لكان بذلك فضل كثير”.

وحين نتحدث عن طاعة الزوج يجب ألا تتحسس المرأة المسلمة لأنها طاعة في ما أحل الله تعالى لا في معصية، ولأنها طاعة لشراء راحة البال وسعادة البيت، ولإعطاء الرجل مكانته وقوامته التي جعلها الله تعالى ركيزة في بناء الأسرة، ولأن الأنثى بتركيبتها النفسية والخلقية تجد نفسها وتزهر وتشرق روحها تحت جناح رجل يصونها ويحفظها ويدلها على الخير ويحفظ لها مصالحها الدينية والدنيوية، يحفظها كدرة يغار عليها وذلك دلالة رقي ومحبة ومودة تشترى ولا تباع! وتجلب الرضا لا الندية والسخط! قال الله تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء: 32).

وكل من عاندت فطرتها عاشت في شقاء، فلا هي سعدت بأنوثتها وسكنت ولا هي كسبت قلب زوجها وأمنت، فعاشت معاناة وعذابا وإن كابرت.

إن المرأة الصالحة هي أيضا المرأة التي تعيش مشاعر زوجها، ومن سير السلف الصالح نتعظ، فحين بكى عبد الله بن رواحه وبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ قالت : بكيت لبكائك !قال: أنى قد علمت أني وارد النار وما أدرى أناج منها أم لا؟[10]

خلقها الوفاء استجابة لصدق محبة زوجها، فها هي أم الدرداء رضي الله عنها قالت لزوجها أبو الدرداء: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوني, وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة! فقال: فلا تنكحي بعدى! فخطبها معاوية فأبت![11]

ولا يعني ذلك تحريم زواجها بعد وفاة زوجها، بل يعني أن صفة الوفاء من حسن العهد، وهي صفة نبيلة جليلة في العلاقة الزوجية بل وفي كل الحياة.

والمرأة الصالحة ودود بطبعها والتودد خلق وفن، وهو يتعلق بقدرتها على الوصول لقلب زوجها من خلال ما يحب.

قال صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أُوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضًا حتى ترضى”[12].

والمرأة الصالحة أم ومدرسة، تحمل حب الأطفال وهم تربيتهم تربية فذّة ونجيبة، لذلك تتعلم فن التربية وتهتم له شغفا ومسؤولية، تربي ذريتها على التوحيد والسنة وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والعمل الصالح، تنشئ صغارها على حب القرآن والتعلق به والعمل به، والتنافس في ميادين البر والتقوى، ولا تعلقهم بالدنيا ولا تجعل أكبر همهم المال والجاه والشهرة والشهادات، بل التقوى والإمامة في العلم والدين. إنها امرأة تدرك المهمة التي تقوم بها، من إخراج جيل مسلم أبي مستعلٍ بإيمانه، قادر على حمل أمانة دين الله تعالى في زمن الغربة مهما كانت تكاليف ذلك!

ولا تزال العديد من الفوائد الجميلة والنافعة تستلهمينها من القرآن والسنة وميراث السلف، فلا تبخلي على نفسك فإنما هي أسباب مصيرية لرقيك وعلو همتك وحسن قيادتك لحياتك مهما كانت الظروف قاسية والامتحانات شديدة .. فتستحق منك كل التركيز والتفاني والبذل! واحتسبي كل ذلك من الإعداد لإتقان مهمتك .. وابتغاء ما عند الله تعالى .. وفي ذلك معنى من معاني الإخلاص.

وإن كنت سألخص صفات المرأة الصالحة باختصار نجيب، فلن أجد أفضل من تلك الوصية الذهبية التي قدمتها أعرابية لابنتها ليلة عرسها وهي معروفة في كتب التاريخ والأدب.

الوصية الذهبية

قالت أم لابنتها ليلة زفافها وهي تودعها .. أي بنيّــة .. إنك قد فارقت بيتك .. الذي منه خرجت .. ووكرك الذي فيه نشأت .. إلى وكر لم تألفيه .. وقرين لم تعرفيه .. فكوني له أمة .. يكن لك عبدا .. واحفظي له عشر خصال .. يكن لك ذخرا ..

أما الأولى والثانية .. فالصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ..

أما الثالثة والرابعة .. فالتعهد لموقع عينيه .. والتفقد لموضع أنفه .. فلا تقع عيناه منك على قبيح ولا يشمن منك إلا أطيب ريح والكحل أحسن الحسن الموصوف والماء والصابون أطيب الطيب المعروف

وأما الخامسة والسادسة .. فالتفقد لوقت طعامه .. والهدوء عند منامه .. فإن حرارة الجوع ملهبة .. وتنغيص النوم مكربة ..

وأما السابعة والثامنة .. فالعناية ببيته وماله .. والرعاية لنفسه وعياله ..

أما التاسعة والعاشرة .. فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سرا .. فإنك أن عصيت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره .. ثم بعد ذلك .. إياك والفرح حين اكتئابه والاكتئاب حين فرحه .. فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير .. وأشد ما تكونين له إعظاما .. أشد ما يكون لك إكراما .. ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكي .. وهواه على هواكي .. فيما أحببت أو كرهت .. والله يصنع لك الخير واستودعتك الله.

لقد جمعت هذه الوصية الذكية كل مفاتيح قلب الزوج، والموفقة التي أخذت بها بمحبة للخير واحتساب للأجر وبصيرة وفقه. ومن تواضعت لله رفعها! ومن بخلت فإنما تبخل على نفسها،

وشتان بين نصيحة المؤمنين النصحة وبين نصيحة المنافقين الغششة!

دليل إعداد الزوجة الصالحة

ألخص في نقاط مختصرة ومركزة دليلك لكيف تكونين زوجة صالحة وتصلين للوصف المهيب الذي يذكره القرآن والسنة ونراه في سير السلف الصالح:

  1. تحصيل نصاب من العلم الشرعي لتعبدي الله على نور من الله تعالى، وتتعلمي التوحيد والسنة، وتثبتي عليهما، وتتعلمي عباداتك وكل ما يتعلق بسبيل المؤمنين، فحتى لو تزوجت رجلا ضعيف التقوى تكونين له سندا ومنارة، وحتى لو تزوجت رجلا فيه بدعة تكونين على علم بالسنة فتعينينه على الاستقامة، فهذا النصاب من العلم هو الذي يحقق لك الخشية والتقوى والاستقامة كما يحب الله ويرضى وبه بإذن الله تردين المال الحرام وتساعدين زوجك على الثبات وأبواب الحلال. ستكونين مذكرة بالله مبشرة بالخيرات أمة له أبية عزيزة.
  2. القراءة المفيدة النافعة وخاصة في سير القدوات من نساء السلف، أمهات المؤمنين والصحابيات والتابعيات وكل صالحة، والاقتداء بهديهن، فهن خير نساء الأمة في القرون الثلاثة الأولى. وهذا يغنيك عن كمّ التوصيات والتوجيهات والاقتباسات التي تنتشر في مواقع التواصل بدون تمحيص ونقد ولا منهجية علمية.
  3. العناية بخلقك وأدبك ومظهرك، فهذا جمال الروح والجسد متكامل بعضه من بعض، وهذا يعني أن تبحثي عن الصفات التي تنقصك، كالحلم، والصبر وغيره فتربي نفسك عليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم :” إنما العلم بالتعلُّم ، وإنما الحلم بالتحلُّم ، ومَن يتحر الخير يُعْطَه ، ومَن يتقِّ الشرَّ يُوقَه “[13] وتعتنين بجمالك وأنوثتك، وهذا يعني الرضا على ما قسمه الله لك في هذا الأمر، وعدم التكلف وتعلم ما ينفعك لا يضرك وما يرضي الله لا يجلب سخطه مما حرم سبحانه.  كما يدخل في ذلك حفظ اللسان عن قول الزور، والكذب، والغيبة، والنميمة، واللغو، وسائر ما ذمَّه الشرع قولا وعملا. والالتزام بكل ما أمر، في مقدمته حجابك الشرعي وتقواك، وخلاصة كل ذلك: صوني قلبك ليبقى سليما! وصوني أعمالك لتلقى القبول!
  4. تعلم فنون إدارة البيت، وهذا للأسف من أكثر ما يتم إهماله في زماننا، لدرجة الاستهانة بوظيفة ربة بيت، وهو يستوجب معهدا متخصصا له لو كنا على قدر المسؤولية، وفي الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته”. متفق عليه.
    وكيف تكون المرأة راعية على بيتها إن لم تملك العلم اللازم لهذه الرعاية، من حسن إدارة لشؤون البيت المالية، بالاقتصاد وحسن التدبير، ومن حسن إدارة لزينة البيت ونظافته وترتيبه، وترتيب زواياه ومكتبته وكل ما هو نافع وملهم لأهل البيت، ومن ترتيب سكينته وأجوائه الإيمانية والتعبدية، ومن تنظيم لشؤونه الحياتية والمعيشية، من حسن مأكل بلا إسراف ولا تبذير ومن حسن إسعاد وإحسان وإكرام للزوج والأبناء، من قدرة على تحويل البيت لجنة، بالعلم والعمل، بالصدق والإحسان بالروح المرحة المحبة المذكرة بالله تعالى، هذا عطاء لا يؤتى بدون إسلام و إيمان وإحسان، بدون مسابقة للخيرات واحتساب، بدون صبر وتعلم وترتبية النفس على البذل والإيثار، بصناعة النفس لتكون منارة وحضنا وخير قدوة. ويدخل في ذلك تعلم الطبخ والتجميل والتزيين والاهتمامات المنزلية كلها بحسب الحاجة لها، وعدم الاستهانة بهذه العلوم فغدا إن لم يجدها ابنك في بيته سيغبط ابن الجارة الذي توفر له أمه كل ما يلزمه ليصبح رجلا قويا قدوة! وأنصح بشدة أن تبدأ الفتاة في تعلم هذه الأمور منذ سن صغيرة، فستصبح خبيرة مع سن البلوغ وما بعده بشكل ملهم ومبشر. وستكون بالتالي قادرة على تحويل هذا الميراث لبناتها، وهذا كان دأب من سبق، كانت الفتاة تعد لتحمل مسؤولية البيت لأنه ثغرها الأول وأولويتها في الأمة، واليوم تعد لتحمل مسؤولية الشارع!  والبيوت لا بواكي لها ولن تجد اختصاصا دراسيا واحدا يتحدث عن شهادة ربّة بيت، كل ذلك من إملاءات الهيمنة لنقبع تابعين لا قادة!
  5. العناية بفن التعاملات والمعاملات وحسن العشرة، وتقوية المعرفة بالنفس البشرية لفهم نفسك وفهم زوجك وفهم أبنائك، وهو من العلوم المهملة في زماننا، ويكفيك لتحقيق ذل قراءة كتب ابن القيم عن النفس والقلب وغيره مما يصنع وعيا وحسن أداء وتصرف.
  6. الابتعاد عما يعكر صفو فطرتك من متابعة حسابات مثيرة للجدل والشبهات والقلق والخوف والضيق والتي عادة تثير القضايا بلا منهجية علمية ولا فقه ولا بصيرة وما أكثرها في زماننا، فلا تتشوشي عن هدفك الأول ولا تفقدي الثقة في نفسك ولا الرضا عن ربك كما لا تفسدي أهدافك بوصايا جشعة وأنانية تخرجك عن طور الصفاء والعمل إلى طور التيه والعبث. انتقي مراجعك ومرجعياتك بنجابة، فلا تقبلي بغير هدي القرآن والسنة والسلف الصالح. احفظي وقتك الثمين واستثمريه فيما يصنعك همتك.
  7. الصحبة الصالحة التي تنمي فيك صفات الأنثى، وتحفظ فيك الصلاح وتنصحك في الله لا تغشك، وإن لم تجديها فيكفيك القرآن وصحبة كتاب ملهم.
  8. تعويد النفس على حس البحث وتطويره، لكي تكوني قادرة غدا على حل مشكلات أبنائك التعليمية والتربوية، حددي موضوعا تريدين تعلمه وابحثي بنفسك في المراجع المحترمة، واصنعي خلاصاتك في أي مجال تحتاجين إليه، حتى الطبي، عن الحمل عن الولادة عن تربية الرضيع عن أبرز المشاكل الصحية التي قد تواجهك، كوني طبيبة وتثقفي في هذا الجانب فتجنبي نفسك الكثير من الأخطاء التي تعاني منها الأمهات أثناء التربية. ويساعدك هذا البحث أيضا في بحث اهتمامات زوجك وإثراء اجتماعكما بما يحب ويهوى وهو من وسائل النجيبة للتقرب من زوجها وإن كانت من قبل لا تحيط خبرة ولا علما باهتمامته فستصبح بعد الزواج من أهداف بحثها النافع. والشاهد اجعلي من نفسك مرجعا للمعلومات التي تنفع الأسرة، ومصدر إلهام وسعادة وتعليم للجميع. وفي ذلك صناعة للسعادة لا تخفى.
  9. استعدي للزواج بهمة المؤمنة الطموحة لأن تقدم أفضل مثال وقدوة للزوجة الصالحة بعيدا عن المعايير التي يرسمها الوسط والإعلام، ليكن مقياسك هو الإسلام، فمرجعيتك شريعة الله، وتحاكمك للقرآن والسنة ولا تترددي أبدا في الاستجابة لأمر أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فالموفقون هم الذين سلكوا سبيل المؤمنين باتباع لا لجلجلة فيه فنالوا بركات حسن الاتباع في حياتهم ووعدهم الله بخير من ذلك في آخرتهم. أعدي نفسك لكل الأزمات والحوادث، تجهزي لكل الظروف والتغييرات، وكوني الزوجة الصالحة لزوجك وإن كان معددا أو مقصرا.
  10. احذري التفكير بندية، إياك ومعاملة المثل والصاع صاعين، إياك أن تنزلي لمستوى أن تساومي زوجك على خدمته وخدمة ضيوفه وحسن العشرة، لا تحرمي نفسك بركات الإحسان. فأنت أمة لله حرة عزيزة أبية.
  11. وانتبهي جدا على تعويد نفسك حفظ الأسرار وعدم البوح بكل ما يجري في حياتك ولو لأقرب الصديقات خاصة فيما يتعلق بالحياة الزوجية وجنبي نفسك أن تعوديها الحديث عن كل ما لا يلزم كوصف صديقتك لزوجك أو حديثك عن زوجك لصديقتك! عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا”؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
  12. الزواج قدر ورزق وامتحان، قد تتساءلين كيف أقدم كل هذا الاجتهاد مع زوج سيء أو قبيح الخلق أو فيه من المساوئ أو الخبث أو غيره من المنغصات ولا يغني حذر من قدر، وهنا قاعدة مهمة جدا لو اقتصر المقال كله عليها لكانت كافية، أنت تدخلين علاقة زوجية بميثاق غليظ من الله تعالى ليس لأجل سواد عيون الزوج، لنكن واضحين جدا هنا، إنما لتنجحي في امتحان الزواج أمام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكي لا تجعلي عليك حجة غدا، من زوج مهما بلغ به السوء والفساد أن يقول: لم تكن بارة بي، لم تكن صالحة! بل أقيمي الحجة على كل زوج أيا كان معدنه فأنت بيعتك لله تعالى تتعاملين في سبيل ابتغاء مرضاته وهذا الفهم حين تدخلين به علاقة زوجية مهما شعرت من نفور من الزوج، مهما لم تتقبله نفسك ولا يفتح له قلبك، مهما عانيت فقدان السكن والمودة والرحمة، ستشعرين بارتياح ضمير كبير! لأنك أديت واجبك ولا عليك بعدها في النتائج، فإن أكرمت الكريم ملكته، وإن أكرم اللئيم تمرد، فيجزيك الله الأجر في الأولى والأجر المضاعف في الثانية، أجر الإحسان والصبر على طبع اللئام! ولا تقلقي أبدا، فكل زواج مقدر .. ونتائجه ليست بيدنا، بل عند الله تعالى، فلا تقفي موقفا أمام الله يقول فيه زوج سابق قد كنت سبب هدم البيت بتقصيرك وسوء خلقك وأدبك وفهمك للعلاقة الزوجية، بل قدمي كل شيء لله وحده لا شريك له، ثم سترين كيف تصلح الأمور إن شاء الله لها ذلك وكيف ستنتهي بخير ما يكون إن شاء كذلك الله ذلك! ستخرجين براحة بال وصدر منشرح لأنك نجحت في الامتحان حتى لو كانت نهايته طلاق أو خلع، لأن العبرة بالأداء أثناء الزواج، ثم عند الله لا يضيع مثقال ذرة من خير أو شر، وهكذا أي علاقة زوجية جديدة لن تكوني آسفة على شيء، ولا متأثرة بالتجربة السابقة ولا مستنزفة! لأن من تقدم لله تتجدد طاقتها ولا تشعر بالسخط ولا بالبخل، ولا بأي شيء يعكر صفو العطاء والمسابقة في حياتها، بل هي تتعامل بعقيدتها وخلقها وطيبة وأصالة معدنها، وكذلك كانت حال الصحابيات يتسابق خيرة الرجل للزواج منهن بعد ترملهن وطلاقهن، وشتان بين من تتعامل بذلك الهدي وتلك البصيرة وبين من تتعامل بحظ نفسها فتبكي على ما ليس من حقها وتعود نفسها الجشع والانتقام والحقد وهلم جرا مما يهدم الهمة ويفسد بركات المعية وتأييد الله لها.
    لذلك أشدد هنا، أنت تتعاملين مع الله تعالى، تحسنين لأجل الله، فإن كان زوجك يستحق الإحسان ملكته، وكان صاحب معروف وإحسان بالمقابل، وإن كان لئيما فظا غليظ القلب، فقد أقمت عليه الحجة، وإن حرمك فالجزاء من جنس العمل، وسبحان من جعل استقامة الرجل تنعكس على بيته وزوجته، قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عن الفضيل بن عياض رحمهما الله: “إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي”. فتأملي!
  13. الاستعداد للزواج يعني أيضا المعرفة بصفات الرجل الصالح وعدم الرضا بالطالح ولا بالفاسق ولا بتارك الصلاة ولا بمن سيرته مؤذية! هذا يعني أن لا تقبلي بأي رجل لا يخشى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ولو بقيت عمرك بلا زواج، لا تتنازلي عن مطلب الزوج الصالح، ولا يعني ذلك طلب شروط تعجيزية، بل يعني أن الصالح ترضين دينه وخلقه بما يعينك على التقوى والاستقامة ولا يستهين بالمحرمات، وبداية ذلك من طريقة زواجكما إلى آخر رمق! وكنت فصلت صفاته في مقالة سابقة على أي أساس تقبلين الخاطب؟
  14. المرأة الصالحة لها أهدافها في الحياة أهداف سماوية فكوني واضحة منذ بداية الزواج، أن هدفك رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجنة، إنه الفردوس الأعلى، وهذا العهد الذي تمضيان عليه، دعيك من كل مطالب الدنيا فكلها لا شيء أمام مطالب الآخرة تحت ميثاق غليظ، وإذا كان الحال كذلك فأنتما بخير عميم، فقد كفاكما الله كل شر! ولا يعني ذلك إهمال أهداف الدنيا ولكن لتكن لله وليس لحظ نفس قاصر. والطيب ذو المروءة لا يخذلك!
  15. نحن نعيش لله تعالى، ومن الفقه أن يكون للمرأة الصالحة عمل صالح تدخره لآخرتها، وخبيئة. وهذا أمر تحفظينه لما بعد الزواج، يبارك الله لك فيه، وعودي نفسك الدعاء النافع، بالزوج الصالح والذرية الصالحة، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
  16. أنت في مرحلة بناء وصناعة وعي وإعداد، فاحفظي وسائلك ومصادرك، وجميل أن تعدي مبكرا مكتبة بكل العلوم التي تحدثنا عنها، وهكذا حين يحين موعد الزواج تكونين قد تجهزت لبداية مهيبة ملهمة، تأسر زوجك!
  17.  أعدي نفسك لتحقيق الغاية من الزواج  قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ولكن أعدي مع ذلك نفسك على أنه فضل من الله تعالى وليس كل زواج يتحقق فيه هذا الفضل، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ : اليتيمُ ، والمرأةُ”.[14] ولذلك جاءت الآيات بالوعيد لمن يتعدى حدود الله في الزواج وأمر الله تعالى الرجل بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولذلك شرع الله تعالى الطلاق، وهذا فقه يجب أن تتعلمه المرأة المسلمة وكل فقه في الزواج وأحكام النساء يجب أن تتعلمه، قبيل دخول بيت الزوجية. وتعظم التوكل على ربها وتسأله من فضله العظيم ولا تيأس أبدا من قدر مؤلم وابتلاء مؤذي. فإنما الدنيا امتحانات صدق وثبات وحسن استجابة لأمر الله تعالى ابتغاء ما عند الله عز وجل، واسم زوجها الذي يمسك بيدها للجنة، معروف عند الله تعالى، فلتبذل أسباب القبول والمراتب السامقة ولا تبالي بفقد أو حرمان أو ظلم. والشاهد مهما كانت احتماليات الزواج غير مشجعة، فهذا لا يؤثر أبدا في أداء المرأة الصالحة وفي صفاتها الآسرة!
    فالمرأة الصالحة صالحة قبل الزواج وأثناء الزواج وبعد الزواج، صالحة أيضا في مرحلة الطلاق والحضانة وتؤدي دورها بمعدنها الأصيل حتى في حالات الفراق والوحدة والخلاف والظلم! لأنها أمة لله لا تقبل التراجع عن مراتب الصادقين، صالحة لله إلى آخر رمق!.

كتب مقترحة

  • لتلبية طلبات أخوات يسألن عن مراجع للقراءة في شأن المرأة والزواج والتربية، هنا بعض العناوين النافعة، المقترحة لعلها تفيد ولا يفوتني التنبيه للقراءة بعين فاحصة في كل ما نقرأ مرجعيتنا دائما القرآن والسنة وهدي السلف:

    كتاب ” تحفة العروس ” لمؤلفه محمود مهدي الاستانبولي.
    كتاب ” الزواج في ظل الإسلام ” لمؤلفه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
    كتاب ” الزواج الإسلامي السعيد ” لمؤلفه محمود المصري أبو عمار .
  • كتاب “جامع أحكام النساء ” لمؤلفه الشيخ مصطفى العدوي .
  • كتاب ” فتاوى المرأة المسلمة” ، من جمع وترتيب : أشرف عبد المقصود .
  • تربية الأولاد في الإسلام لمؤلفه عبد الله ناصح علوان.
  • وقفات تربوية في ضوء القران الكريم للشيخ عبد العزيز الجليل
  • تربية الأطفال في الحديث الشريف لمؤلفه خالد الشلتوت.
  • مناهج التربية الإسلامية والمربون والعاملون فيها لمؤلفه الكيلاني
  • قواعد تكوين البيت المسلم لمؤلفه د/ أكرم رضا.
  • أدب الحياة الزوجية لمؤلفه خالد العك.
    أخطاء ومخالفات في الحياة الزوجية لمؤلفه سلمان عبد الله الشهري.
    أخطاء الزوج وأخطاء الزوجة وأخطاء الزواج لمؤلفه محمد بن إبراهيم الحمد.
  • المفاتيح الذهبية في احتواء المشاكل الزوجية لمؤلفه نبيل محمود.
  • التربية الدعوية لمؤلفه فريد الأنصاري
  • حقوق المرأة في الزواج لمؤلفه د.محمد بن عمر العتين
  • من أخطاء الأزواج لمؤلفه محمد بن إبراهيم الحمد
  • أسس استقرار الحياة الزوجية لمؤلفه د. سعيد بن سالم الدرامكي
  • زاد المربّي لمؤلفه محمد بن صالح المنجد
  • كوني صحابية لمؤلفته د.حنان لاشين
  • صالحات عرفتهن لمؤلفته شيخة القاسم
  • صور مضيئة من حياة نساء السلف
  • الصِّديقتان لمؤلفه وجدان العليّ
    بالإضافة إلى كتب السنة في أبواب عِشرة النساء، والكتب المؤلفة عن الصحابيات وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وزاد المعاد لابن القيم بل وكل كتب ابن القيم المهمة كالداء والدواء ومدارج السالكين والروح والفوائد وغيرها، وكتب التفسير عند الآيات المتعلقة بالحياة الأسرية وكتب أحكام النساء.
  • أنصح أيضا بأشرطة الشيخ المنجد في حقوق الزوج وحقوق الزوجة والأسرة والتربية.

وفي الختام ..

لا أخفيك .. لقد اختصرت الكثير مما يمكن عرضه في هذا المقام واكتفيت بالأساسيات ومعالم الحق والفلاح، ووصيتي الأخيرة أحدثك بها بكل صدق وأمانة في سبيل الله: إن مشروع الزواج مشروع صدق وتقوى، فادخليه بكامل الإخلاص، لا نصفه ولا ربعه ولا تبيتي الغدر وسوء الظن! أقبلي على الزواج بحسن ظن بالله تعالى لا تدخلي بالتخوين وكثرة الحسابات إن أردت أن تحفك معية الله عز وجل وتأييده وتوفيقه، أقبلي فيه بكل نية إحسان وعشرة بالمعروف، وإيثار، بكل إعداد من حسن تودد وتبعل ومعرفة وتقوى، بكل نية إنجاح لهذا المشروع مهما كلف الثمن! بكل إخلاص، وإن لم يفتح قلبك قط لهذا الزوج، وإن لم تعرفي معنى الحب معه، ولا حتى السكن! لأنك تزوجته لله سبحانه وبميثاق غليظ يشهد عليه الله تعالى ولأن نجاحك في هذا الامتحان يعتمد عليه نجاحك في الامتحانات المقبلة في الحياة، لذلك عاشري بالمعروف وأحسني ولا تظلمي، ثم لا تبالي بعدها بالنتائج، فإما نصر أو شهادة!


[1]   “تيسير الكريم الرحمن” (ص/567).

[2]  أخرجه البخاري ومسلم.

[3]  أخرجه ابن ماجه، والطبراني في المعجم الكبير

[4]  أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وبنحوه البيهقي في السنن الكبرى

[5]  أخرجه أحمد، والترمذي وقال: حديث حسن، وابن ماجه.

[6]  أخرجه أحمد وأبو داود

[7]  انظر “محاضرات الأدباء” الراغب الأصفهاني (1/410) وعيون الأخبار لابن قتيبة (1/375)

[8]  رواه أحمد

[9]   رواه أبو داود.

 (10) ( سير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 236)

[11]  ( الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر74/8 )

[12]  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، وفي شعب الإيمان، والطبراني في المعجم الكبير،

[13]  – رواه الدار قطني في ” الأفراد ” وهو في ” صحيح الجامع “

[14]  صحيح الجامع

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أنسام

ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x