كيف أبر أمي التي تخطئ؟

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم ، هل نصحتينى نصيحة شاملة عن بر الوالدين ، و ماذا تفعل الابنة التى تعانى أحيانا معهما ، ماذا تفعل إذا كانت تجد فى والدتها صفات قد تضر بها كابنة مثل الكذب ( أن تكذب الوالدة أو تحكى الموضوع خلافا لما يحدث بما يحدث ضررا على الأطراف المقابلة ) و ماذا تفعل عندما تستغل الوالدة موضوع البر فى تحميل الأبناء ما يضيقون به إلى أن يصل بهم إلى رفع الصوت عليها من الغضب، اعلم أنه يجب التحمل و الصبر و لكن ماذا نفعل عندما تتغلب علينا بشريتنا و نحاول الانتصار للنفس خصوصا إذا كانت غير مخطئة؟

أعتذر للإطالة بارك الله فيكم، و اسألكم الدعاء .

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله وبارك بك،
بر الوالدين فريضة، وقد ذكره الله تعالى بعد التوحيد حيث قال سبحانه في كتابه العزيز (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)،
ولا خلاف في أنه بر وطاعة في سبيل الله بما لا يجلب معصية لله تعالى ولا يكون فيه مخالفة لأمره عز وجل وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وللأسف نحن في زمان هجرت الأسر هدي الإسلام العظيم واحتكمت لأهوائها وحظوظ نفسها وللدنيا! فانتشر الكذب والأشد من ذلك الاستهانة بالكذب، وغيره من قبيح الصفات التي كانت تعد في زمن مضى عند الصالحين مثلبة عظيمة وخطرا شديدا، وطعنا في الدين والتقوى.
وفي مثل حالتك أنصحك بداية أن تبحثي عن مفاتيح قلب أمك، ما الذي تحبه وما الذي يؤثر فيها، فكل نفس بشرية لديها مفاتيح للتعامل معها، تفرسي في طباع أمك وانظري ما أكثر ما تحبه وحاولي الدخول من هذه الأبواب، فإن كانت ممن يحب الهدية، أهدها وترفقي بها، وإن كانت ممن يحب الثناء والمدح فلا تبخلي بهما، وإن كانت ممن يحب أن تفتحي معها مواضيع الناس، فكوني ذكية وافتحي مواضيع القصص الواعظة والتي فيها عبرة، وهكذا تبدئين بفرض وجودك مصلحة في حياتها بدون أن تشعر وبدون مصادمة،
في الواقع أنت بحاجة لكثير من الصبر والحلم، واستشعار مسؤولية الابنة البارة الصالحة التي تريد الخير لأمها، وهذا يتطلب منك التخطيط للوصول إلى التأثير الكبير في أدائها، فكري في عمل صالح تتشاركانه، فكري في مشروع خيري أو حتى فكرة طيبة تشاركك فيها، فإن مثل هذه الأعمال الصالحة مذهبة للهم والغم وجالبة للخير والسكينة،
حاولي أن تصنعي الشغف فيها للأعمال الصالحة واضربي لها أمثلة لنساء صالحات، ويا ليتك تجدين في محيطك وحتى في الواقع بشكل عام أمثلة لذلك، لتحركي فيها نخوة المسابقة،
أما حين ترينها تخطئ وتظلم وتكذب وتقع فيما نهى الله تعالى عنه فلا تصادميها في الموقف نفسه بل تحيني الفرصة حين تكونان معا وقدمي لها الدليل من القرآن والسنة ووضحي لها أنك تحبينها وتحبين رؤيتها معك في مراتب الجنة العالية ولا تحرمان الخير بسبب ما تفعله .. وترفقي في العبارات وإن استعصت عليك، رسالة تصلها من مجهول ناصح أمين قد تكون أنفع مما تتصورين!
وكذلك إن رأيت ظلمها تعدى وكان فيه الأذى فأصلحي بطريقة أو بأخرى، ولا تكتمي الحق، والمهم لا تسمحي بهذا الظلم قدر المستطاع أن يمضي، خاصة إن كان فيه سلب للحقوق وعدوان وأذى. وستتعلم أمك منك بثباتك على الحق الكثير مع الوقت ودعاة الحق يفرضون احترامهم لأن الحق الذي ينشدون بحد ذاته هيبة تنعكس عليهم وتسهل مهمتهم.

تعلمي فن البر، وهو تطييب قلب أمك ومودتها .. ولكنه لا يكون على حساب نصيحتها في الله وإعانتها على نفسها وعلى الشيطان، ولا يكون بمعصية الله عز وجل. لذلك انكري ما تفعله أمك من ظلم في نفسها ولو في قلبك فذلك أضعف الإيمان.

وإن اضطرتك أمك للمواجهة، فأوضحي لها بهدوء دائما وقدر المستطاع في حوار بناء، مبادئك وماذا تنشدين، ولماذا تنكرين عليها، كل ذلك بهدي الإسلام العظيم، كي تتعرف عليك أكثر وتتعلم منك، وتحسب حسابك في كل حدث ومصادمة، ستتعلم منك بهذه الطريقة برسوخ لن تنساه! فالصراحة والصدق في معالجة النقص والنقد نجابة!

ومن جهتك، ولأنك تتعبين أيضا وقد تصلين لمرحلة من عدم الصبر، فاستعيني بالقرآن والصلاة، فهما الوسيلة الأنجع لتعلم الصبر، والتصبر، وهو يؤتى مع تدريب النفس عليه، تعلمي كظم الغيظ والعفو، تعلمي التحكم في لحظات الغضب، وقيادة النفس قدر المستطاع.

يمكنك أيضا الخروج من هذه الأجواء بصناعة جوك الخاص، من القراءة النافعة والتفكر في خلق الله والاشتراك في عمل صالح مع صحبة صالحة، والأهم أن تجعلي لنفسك مساحة خاصة لا تختلطي فيها مع أحد فنحن أحوج ما نكون للخلوة مع الله عزو وجل لنستقوي ونستزيد لمسيرة المجاهدة في الحياة.

في الأخير، نحن لا نختار أهالينا ولا واقعنا، ولكنه قدرنا الذي يمتحننا الله فيه، فاستقيمي كما أمر الله تعالى ولا تهني ولا تحزني، وألحي على الله في الدعاء أن يصلح حال أمك وحالك وحال كل الأمة المسلمة، ولن تري إلا خيرا بإذن الله تعالى، وإن كان من درس خرجت به من هذه التجربة فهو أن تكوني أما أكثر وعيا وتقوى في تربية أبنائك بإذن الله، لذلك استفيدي من رصيد تجاربك مع أمك لتتفادي كل خطأ تربوي وكل أداء منتقد، حتى تقدمي بنفسك أفضل قدوة أم في المستقبل القريب بإذن الله تعالى، رضي الله عنك وأرضاك وأقر عينك بصلاح أمك وأمتك.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x