كلمة للناصحات في الله ..

أخت ليلى فضلاً إن أمكن توجيه رسالة للأخوات الناصحات في تثبيتهن وإرشادهن لأننا نلاحظ في الفترة الأخيرة هجمات ممنهجه ضدهن بهدف إرهابهن لمنعهن من النصح والإصلاح وأنتِ تعلمين أن الإناث يتأثرن بالكلام بشكل كبير فإن أمكن رسالة لهن بارك الله فيكم.

حقيقة نخجل من اعتبار ما نعانيه اليوم من حرب على الناصحات في الله عاملا مثبطا، ونحن أكبر جهدنا كتابة حروف، نخجل من ذلك بشدة حين نقرأ السيرة وقصص نساء الصحابة في العصر المكي، يعذبن ويطاردن ويضطهدن ويرملن ولا يتراجعن! فأين نحن مما قدمن ومما دفعنه من ثمن، بل البخل بالصبر بخل على أنفسنا!

يكفي قراءة سيرة صحابية واحدة ونبصر كم نحن بخلاء في نصرة دين الله تعالى، كم نستعظم الصبر على الصدام مع من هم أجلد منا في الصبر على باطلهم، ولن أذهب لأسرد الأمثلة المهيبة المزلزلة من السيرة وسير السلف الصالح فهي كثيرة وغزيرة المعاني وعظيمة المثل، ولكنني سأعرفكم على حقيقة قد يجهلها الكثيرون أو يغفلون عنها وهي كافية لأن تصنع النفير فينا!

ألقوا نظرة على نساء الغرب، في المراكز القيادية ومشاريع العمل، لن تجدوا امرأة تتخاذل في عملها، يتفانين في تقديم الأفضل لأجل مجد أمتهن، لقد رأينا ذلك في الجيش الأمريكي والحكومات الأمريكية، نساء يصلن النهار بالليل لأجل مجد أمريكا!

رأينا نساء من الشعب الأمريكي يتطوعن بدون أدنى راتب، لخدمة بلدهن، وقدمن الدعم الإعلامي لنصرة دعوتهن!

رأينا الداعيات للتنصير يقطعن الصحاري والبحار لأجل نشر الكفر والشرك في أدغال إفريقيا، رأينهن يتسترن بزي الطبيبة والممرضة والمعلمة والصحافية ويتوددن للناس الفقراء والمحتاجين، لتنصيرهم طوعا أو كرها!

رأينا من الداعيات للبوذية، من تتحمل جميع الامتحانات المذلة والمهينة ويسافرن لأجل ذلك لدول أخرى ويتكبدن التكاليف لأجل ممارسات كفرية جاهلة!

رأينا من اليهوديات من تربي جيشا من الأبناء على كراهية الإسلام والمسلمين لا يفتر لها لسان ولا هم لأجل صناعة جيل محارب!

رأينا الهندوسيات يحرضن رجالهم على حرق المسلمين ويصنعن لهم الطعام والعصي وكل فكرة خبيثة لاضطهاد المسلمين والإبادة!

رأينا معسكرات المعتقلين في الصين التي يحتجز فيها المسلمون الإيغور وغيرهم لإجبارهم على الردة، رأينا فيها نساء صينيات يتفنن في تلقين الشيوعية بأقذر الأساليب وأحطها، رأيناهن يتسلطن على المسلمات بالتعقيم القسري وعلى أطفال المسلمين بانتزاعهم من هويتهم ودينهم! بكل تفاني!

رأينا الروسيات والأوكرانيات في الحروب، يناضلن ويتوعدن أعداءهن، رأينا في كل أمة، نساء يدافعن عن معتقداتهن ويسعين لبناء مجد أممهن، لا تفتر لهن همة ، رجالا ونساء، لا يكلون ولا يملون، ويدفعون الثمن من صحتهم وأعمارهم وأموالهم وذرياتهم!

فكيف بالمسلمات، كيف بالمؤمنات، كيف بالتي تقرأ القرآن وتقرأ الحديث وتعلم أن دين الله محارب ولكنه منصور، دين الله مرهب أعدائه ومحاط بمكرهم وكيدهم وعدوانهم، ولكنه موعود بالظفر والتمكين طال الزمن أو قصر.

لدينا كل ما يجعلنا نثبت ويجعلنا نجتهد ويدفعنا للتحديات الكبرى بشجاعة البطل! فكيف نبخل!

تأمل قول الله تعالى (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)) (آل عمران)

ما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا .. أوصاف آسرة تصنع الهمة بل تشعلها، إنهم قوم يسألون الله المغفرة من ذنوبهم وإسرافهم في أمرهم مثلنا جميعا، نضعف ونحتاج لتوبة ومغفرة، ولكنهم عرفوا من أين يؤتى الصبر والنصر، إنه من الاستعانة بالله جل في علاه، ومن المضي بالذكر والعمل.

على الناصحات في الله معايشة معاني القرآن بقوة وباستمرار فلا يمكن أن يمر يوم على إحداهن بدون فتح المصحف وتدبر آياته، ستجدن الآيات كالزاد اليومي والعلاج الذي لا غنى لعامل في سبيل الله عنه!

ولا أشك أن كل ناصحة في الله ضعفت واستكانت أو تراجعت إنما لضعف أخذها بأسباب الثبات ومنها الصحبة الصالحة والملهمة التي تتعاون على البر والتقوى، لكونها تكافح لوحدها أو لأنها لا تجد من يذكرها بعظم المسؤولية وأهمية الثبات على سبيل المؤمنين. فقد اعتادت أن تكون هي دائما الناصحة! بينما هي أيضا بحاجة لصدق نصيحة!

الناصحات في الله لسن بحاجة لكثير شرح، لكن التذكرة تنفع المؤمنين، وهنا لا أذكر فقط بواجب تحمل أعباء الدعوة لله تعالى، بل أقول، إنه جهاد! إن العمل الدعوي في زماننا ليس مجرد دعوة وإلقاء كلمة وانتهاء للمهة، بل هو ملحمة، ستتعرضين للأذى هذا أكيد، ستتعرضين للكذب والافتراء والبهتان، وهل أنت أفضل مقاما من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لم تسلم وهي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم والعدوان فنزلت فيها آيات تنصرها وتنصر كل مؤمنة تتعرض للظلم والعدوان!

لا بد أن نثبت ليس لأجل أنفسنا فحسب، بل لأجل أبنائنا والأجيال المقبلة، لأجل أن نترك الميراث مصانا بدون تبديل ولا تشويه ولا إفراط ولا تفريط، كما تركه لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، إنها قضية عهد وبيعة مع الله لآخر رمق، فلا نكل ولا نمل حتى نسلم الأمانة لمن بعدنا، وإلا فبطن الأرض أرحم لنا.

يقول ابن تيمية رحمه الله: “اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة)”. (السياسة الشرعية ص 15)

ولذلك من وصلت لمرتبة النصيحة في الله، فلتؤدها بحقها كاملا، بقوة وأمانة ولا يجب أن تبخل في أحدهما ولا أن تزهد في أحد منهما، بل عليها أن تستعد لكل معركة بإعداد الملحمة!

نحن لم نخلق لكي نضيع أمانة الإسلام، ولا أن نتراجع لقول منافق أو زنديق أو فاسق أو أي ظالم معتدي كان، نحن هنا لنعلي صوت الإسلام فوق كل الركام المتراكم، ولنعلي كلمة الله تعالى، لا تأخذنا في الله لومة لائم. لأننا على حق لا يقبل إلا الاستعلاء بالإيمان المهيب! ولأن سنة الاستبدال بالمرصاد لكل متخاذل ومفرط!

قال الله تعالى يحذرنا من سنة الاستبدال ويوضح لنا صفات المصطفين الأخيار : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54)

من هنا، إن أردت أيتها المسلمة الموحدة الاستمرار في سبيل النصيحة في الله، والدعوة لله، فأحبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأقيمي نفسك على موجبات محبة الله ورسوله! وهنا مقالة عن حب الله تعالى لا تفوتك فمنها البداية وبها الاستمرار: حب الله جل جلاله.

وجاهدي في الله حق جهاده، بما مكنك الله، فاليوم رد المنكر، والأمر بالمعروف، من جنس الجهاد ولا شك ، لكثرة الباطل ولغلبته ولقوة نفوذه وانتشاره، فلا يليق بك التراجع عن ثغرك ولا يرهبنك جاهل أو متعالم، قفي وأخواتك منارات شامخات، قدمن القدوة في زمن الذلة والمهانة والانهزامية للغرب، قدمن للعالم أجمع مثالا كيف تكون المسلمة الموحدة، عزيزة أبية، سندا للأمة المسلمة، بالدعوة لدين الله تعالى والاجتماع على ثوابته.

سنة التدافع ماضية، والتمييز لا يتوقف إلى أن يشاء الله تعالى، فقدمن لأنفسكن ما يقيكن غدا من النار، قدمن ما تعذرن به أمام الله عز وجل، وإياكن أن تكون حجة التراجع عن نصرة دين الله: التعب، الانزعاج، المرجفين، المنافقين، فهذه حجج لا تليق بهيبة التوحيد في قلوبكن ولا أمانة التبليغ في سيركن!

الحمد لله لا ينقصنا الزاد ولا العدة، ولكن تنقصنا التذكرة، ولذلك أحسبكن والله حسيبكن أشد الناس حرصا على المسابقة، وعلى الاستدراك، فحيا الله على ساحات الجد والعمل، لا تتركنها للهمّل، وكن ملجأ لكل تائهة وسبب هداية لكل ضالة وحضنا دافئا لكل تائبة!!

إياكن والتقصير، فإننا نرى الله يستعمل نساء من أمم أخرى، يدخلن الإسلام بين يوم وليلة، فتحمل الواحدة منهن هم تبليغ رسالة الإسلام بين قومها بصدق وإخلاص يدعو للتأمل!

اقتدين بهن، وإن كن حديثات عهد بالإسلا م إلا أن مسارعتهن لنشر رسالته وتحديهن لمجتمعاتهن الكافرة وعاداتهن المتوارثة، يعد حجة عليكن يا من ولدتن في الإسلام!

هذا غيض من فيض، وسنستمر بإذن الله الواحد الأحد في تحريض المؤمنين حتى نشاهد صفوفهم واحدة كالبنيان المرصوص، تجتمع على القرآن والسنة وما كان عليه السلف، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

حي على الفلاح! حي على العمل! فلا وقت لدينا لغير العمل!

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)) (التوبة)

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x