على أي أساس يتم قبول الخاطب زوجا؟

من فضلكم لدي سؤال: ما هي الصفات الضرورية تواجدها في زوج المستقبل، والصفات التي يجب تجنبها؟

أهم أسباب نجاح الحياة الزوجية؟

جزاكم الله خيرا.

حياكم الله .. هذا سؤال يتكرر كثيرا في الآونة الأخيرة .. وهذا إن دل فإنما يدل على حرص نساء المسلمين على زواج ناجح تستقر معه حياتهن وهو من علو الهمة.

هناك صفات أساسية لا يمكن التهاون معها وهناك أخرى مستحبة وهناك أخرى مكروهة وهناك صفات تفرين منها فرارا. لكن لنكن صريحين، لا تظهر حقيقة هذه الصفات في الأغلب إلا بعد العشرة ولكن يمكن أن نحصل على نسبة لا بأس بها تساعد في أخذ القرار وذلك، بالتحري عن حال الخاطب، وسؤال معارفه ومن تعامل معه وليكن السؤال من مصادر متعددة لكي لا يحصل الظلم، وسؤال أهل الفضل والدين أفضل. ولا بأس من السماع منه، لكن لا يكون هذا السماع المصدر المعتمد الوحيد، فكل خاطب، سيظهر أفضل ما فيه! وهذه طبيعة في النفس لا يلام عليها.

الصفات الأساسية

أما الصفات الأساسية التي لا يمكن تجاوزها، فأولها العقيدة، عليها يُبنى البيت، وعليها تبنى الحياة الزوجية، ولذلك لا تتهاوني في قضية اختيار زوج عقيدته سليمة، ولا تتسامحي مع خاطب عقيدته فاسدة أو منحرفة، فإن تكلفة ذلك ستدفعينها في حياتك طال الزمن أو قصر، وسيدفعها أبناؤك أيضا ولا تضمنين أن تفتني بها وتسلكي سبل البدع. ولا يبنى البيت على عقائد مختلفة، ومتعارضة، سينشأ من ذلك الاضطراب والانحرافات والضعف وتفرق السبل والغايات.

وحين أتحدث عن العقيدة فأنا أتحدث عن عقيدة ورثناها ميراثا أمينا من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن صحابته الكرام رضي الله عنهم والسلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فالعقيدة ليست من الأمور الاجتهادية التي يجوز التغيير فيها والتبديل، إنها أصول راسخة، أجمع عليها أئمة أهل السنة، فهي التي نحفظها ليكون بعد ذلك الخلافات في الفروع الفقهية لها مساحتها التي يستوعبها الشرع، ولا مشكلة أن يكون الخاطب من مذهب فقهي مختلف أو منهجية مختلفة عنك في الفقه لأنها أمور يتم الاتفاق عليها، لكن العقيدة فهذا عيب لا يمكن تجاوزه وهو أول ما تبحثين عنه في الزوج المستقبلي. لأن سلامة الأصول العقدية هي رأس المال.

وكل كسر فإن الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبران

نونية البستي

بعد الاطمئنان على أمر العقيدة يكون السؤال عن الالتزام بفروض الدين، فهو انعكاس أول عن حقيقة المعتقد، وأرى أول ما يجب أن تعرفينه عن الخاطب، التزامه بالصلاة، وخاصة صلاتي الفجر والعشاء، وكيف حرصه على صلاة الجماعة في المسجد بالأخذ بعين الاعتبار ظروف المغتربين وعدم توفر مساجد أو ظروف طارئة تمنعه من المداومة على صلاة الجماعة. لكنه يعلم فضلها ويحرص باجتهاد على أدائها. وابحثي متى بدأ الصلاة في حياته، لأننا ابتلينا بشباب لم يسجدوا لله إلا بعد سن الثلاثين والله المستعان، ولذلك يجب النظر في درجة تمسكه بالصلاة، ولا يعني ذلك رفض من بدأ الصلاة متأخرا لكن على الأقل يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، بالنظر لبقية الصفات.

وبالعموم فإن الصفات الأساسية التي لا يمكن التهاون معها هي العقيدة والالتزام بفروض الدين، ويدخل في ذلك، مصدر رزقه هل هو حلال أم حرام، وهل يتعامل مع الربا، وهل يهتم بإخراج الزكاة، وأنصحك ألا تفكري في حالته هل هو غني أو متمكن ماديا، إنما الأهم هل هو قادر على أن يكفي أهله وإعالة أسرته، هل هو رجل قوام من حيث الإنفاق، ولا يعني ذلك أن يتكلف أكثر من طاقته فإنك هنا تشترين رجلا لا حسابا بنكيا! ويدخل في ذلك قدرته على الإدارة المالية والتصرف واعيا لما عليه وما له.

ثم النظر في غايته من الزواج وكيف ينظر إليه، وما هو هدفه في هذه الحياة، فإن رأيت أهدافه أرضية بحتة، فهذا لا يناسبك. وهذا يعني ما هي مرجعيته في العلاقة الزوجية والأسرة، هل هي التوحيد والكتاب والسنة أم كتب الفلسفة والروايات! من المهم جدا الاتفاق وتثبيت المرجعية، شريعة الله لا نحيد عنها.

صفات مستحبة ومهمة

نأتي بعد ذلك إلى الصفات المستحبة والتي يفضل أن تكون في الرجل، مثل عنايته بصلة رحمه، وكيف هو بره بوالدته وأخواته، فغالبا الرجل الذي يحرص على صلة الرحم جدير بتحمل مسؤولية البيت ويعرف قدر القوامة.

ثم النظر في علاقاته مع أصحابه، وكيف هم أصحابه، وكما يقال قل لي من صاحبك أقل لك من أنت، هل هي صحبة خير ودين وعمل في سبيل الله، أم صحبة دنيا وانشغال بملذاتها وغيره.

ثم النظر في طبيعة اهتماماته، هل هو صاحب همة عالية يهتم بمعالي الأمور أم صاحب اهتمامات دنية تشغله بسفاسف الأمور.

ثم النظر في غيرته، هل يقبل لك الاختلاط مع أصحابه واللباس المتبرج؟ أم لديه غيرة تمنعه كرجل أبي فلا يرضى ذلك لزوجه.

ثم النظر هل غيرته محمودة مطلوبة أم غيرة مرضية تحول كل تصرف إلا محضر اتهام وطعن في الدين والنوايا والتتبع والتجسس بلا سبب أو قرينة تستوجب ذلك، فالحياة مع رجل كثير الشكوك والملاحقة لا يحفظ الثقة لا تستقر.

ثم النظر في صفاته الخلقية، هل هو حسن الخلق أم سيء الخلق، وألخصها في 4 معالم أساسية، صدقه وأمانته وكرمه وشجاعته، إن توفر النصاب الكافي من هذه الأخلاق فأنت بأمان بإذن الله، وإلا فإن الكذب والخيانة والبخل والجبن إذا اجتمع أحدها أو كلها في رجل، فهي الكارثة. وبعض الطباع سيئة مثلبة في سيرة الرجل، مثل الكبر وعدم التواضع خاصة لذوي الشيبة والفضل في التعامل، وفحش القول واللسان غير التقي، والفاقد لآداب الحديث والتعاملات الإسلامية.

وأذكر حديث والدي كان يقول: إياك والرجل البخيل وثقيل الدم وقليل الأدب، فهذا الصنف لا يمكن أن يُعاشر. وكما يقال الأرواح جند مجندة ستدركين ذلك من خلال أول لقاء ثم التعاملات ستجدين أن بعض الأرواح تنساب وأخرى لا تنسجم منذ البداية. فهذا فيه دلالة وإشارة في كثير من الأحيان.

ثم النظر في طبيعة شخصيته، هل هو سهل لين يألف ويعاشر بالمعروف أم هو مصادم غضوب شديد في تعاملاته فظ لا يعرف الحلم والأناة. والأفضل هو الحازم في حينه والرحيم في حينه، يحسن إدارة المواقف فلا يكون ضعيفا في موقف قوة ولا شديدا في موقف لين.

هل يحب الأطفال أم يبغضهم، هل يحسن التعامل مع الصغار برفق ورحمة.

فهذا معيار مهم لاستمرار العشرة بالمعروف ولرجل ينتظر منه أن يكون أبا، فأنت لا تبحثين عن زوج فقط بل عن أب لأولادك، وعادة الرجل الغضوب كطبع فيه لا يهدأ يجعل الحياة عسيرة والتربية أعسر!. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” متفق عليه.

ثم النظر في مطالبه منك، هل هي حق أم باطل، هل هي دلالة على نبله وصدقه وحبه للخير والدين أم هي غير ذلك، فالزوج الذي يطلب منك العمل وتقديم الراتب لا تنتظري منه الكثير .

ثم النظر في نظرته لطريقة الزواج، هل سيتساهل مع المحرمات والموسيقى والاختلاط، أم يهمه جدا أن تكون البداية تقية.

ثم النظر في طريقة تعامله مع النساء، هل هو منطلق يطلق النظر في النساء الأجنبيات، هل له استهانة بالاختلاط وعلاقات سابقة لا يجد فيها بأسا، هل يجاهد نفسه على الاستقامة في قضية النساء. هذه نقطة مهمة جدا، وإن كان معددا فانظري لطريقة حديثة عن زوجته الأولى أو زوجاته، فالنبيل الأمين لا يمكن أن يذكر مساوئ زوجته أمامك، بل يصونها ويحفظها ومن لم يفعل ذلك في زواج جديد فاعلمي أنه سيفعل الشيء نفسه معك! وكما يقال من لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس.

وأضيف صفة مهمة هي الارتياح النفسي والقبول الشكلي له، فالمرأة تحتاج لمن يعفها وتسكن له، فإن أكبر مشكلة تواجه المرأة في الزواج هي الزواج من رجل لا يعفها ولا يسد حاجتها، لذلك من المهم القبول النفسي والشكلي والقدرة على إعطائها حقها الشرعي، وهو نسبي لا يعتمد على نموذج واحد إنما على ميولاتك النفسية وحاجاتك الفطرية. ولا يعني أن تشترطي الوسامة والتفاصيل الشكلية الدقيقة إنما الارتياح فهو أول خطوة نحو السكن، وهو إن شئت الحقيقة انعكاس لما في قلب الإنسان وهو نتيجة لحقيقة “الأرواح جند مجندة”، لا تجبري نفسك على رجل لم ترتاحي له منذ البداية وأوجس قلبك منه خيفة، لأن الأرواح المتنافرة لا يمكن أن تأتلف للأسف.

عنِ المغيرةِ بنِ شعبةَ أنه خطب امرأةً فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “انظُرْ إليها فإنه أحرى أن يُؤدَمَ بينكما”، فأتيتُها وعندها أبوها وهي في خِدرِها قال فقلتُ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمرني أن أنظرَ إليها، قال: فسكتا، قال: فرفعتِ الجاريةُ جانبَ الخِدرِ فقالت أُحَرِّجُ عليك إن كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمركَ أن تنظرَ لما نظرتَ وإن كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يأمرْك أن تنظرَ فلا تنظرْ، قال: فنظرتُ إليها ثم تزوَّجتُها فما وقعت عندي امرأةٌ بمنزلتِها ولقد تزوَّجتُ سبعينَ أو بضعًا وسبعين امرأةً”. (السلسلة الصحيحة).

صفات احذري منها

كل ما تعارض مع ما سردته فوق الأصل أن تحذري منه وأضيف لذلك، سيرته بين الناس إن كان سيء السمعة والسيرة فهذا احذري منه، وأيضا إن كان كثير الطلاق، وقد طلق عدة نساء قبلك فعادة الرجل المطلاق لا تصمد عنده امرأة.

ومن ذلك صفة الانشغال بالناس والقيل والقال، والغيبة فهذه من أقبح ما يمكن أن يتصف به الرجل، وكما يقال من راقب الناس مات هما.

ثم الزاهد في الأبناء تجدينه لا يريد أن يكون له أبناء منك، فهذا عادة يفتقد لصفات الأب، وستكون الحياة معه عسيرة خاصة إذا حدد عدد الأبناء بواحد أو اثنين لا أكثر، قد تأثر بالفكرة الغربية والحياة المرفهة على حساب إعداد جيل مسلم يحمل الأمانة.  ولا يعني أن يريد جيشا من الأبناء لكن مجرد التفكير الجشع بتحديد عدد الأبناء بداية فيه خلل في التفكير الإسلامي اللازم لكل رجل قوام وأب وحامل همّ أمته.

الرجل الذي يتحدث بيده وتظهر عليه آثار طبعه العصبي، أي أنه يضرب لأي سبب، ولا يمسك أعصابه، فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقول “ليسوا بخياركم”، ولا نتحدث عن الضرب للناشز، فهذا له موقعه، إنما عمن يضرب لأي سبب وصفته ضراب للنساء فهذا لا ينصح به فهو لا يترك مكانا للمودة والرحمة بينكما.

وهناك صنف في زماننا للأسف قد يكون ممن يتناول الأدوية النفسية وله سوابق مرضية فيجب الانتباه لأن بعض النساء تتورط بالزواج من رجل لديه انفصام أو اضطراب نفسي أو يتعالج من إدمان، وتتكبد معه تكاليف التعايش مع رجل غير مستقر. وهذا يعرف من خلال سيرته مع الناس وأهله، وإن كان ممن يرتاد العيادات النفسية. بعض الأمراض المرحلية الهينة يمكن التعايش معها كحال بعض أنواع الوسواس، لكن بعضها الحياة ستكون عسيرة جدا كحالة الانفصام.

صفات فري منها فرارا

وأولها العقيدة الفاسدة والمنحرفة، فهذه لا تلتفتي له ولو كان يحمل كل الصفات الأخرى التي تبحثين عنها في الرجل.

وصاحب الخلق السيء وقلة الأدب، فري منه فرارا.

والبخيل والجبان والديوث الذي لا غيرة له، فلا يناسبك أبدا.

والذي عليه سوابق في الجرائم، كجرائم سرقة واحتيال وغيره من جرائم تدل على ضعف دينه وتقواه وجرأته على تجاوز حدود الله.

الذي عليه مظالم كعقوق الوالدين، ودعوات المظلومين فإياك أن تقربيه.

الذي يجاهر بالمعصية بكل أشكالها فهذا لا يلتفت له أبدا.

الذي يريدك عارضة أزياء تسامرين أصحابه بحجة التحرر والتقدم .. إياك وهذا الصنف.

وكل من يبعدك عن سبيل المؤمنين والتقوى، لا تقربيه.

كلمة مهمة

لاحظي أن كل هذه المعلومات لا تكفي لتزكية الخاطب لكنها تقدم صورة عن طبيعته، ووحدها العشرة التي ستكشف درجة صدق الخاطب وصلاحه، وما تشاهدينه هنا من مواصفات ما عدا العقيدة والتزام الفروض يرجع الأمر إليك تقديرا للتغاضي عن فقده، فإن كنت مستعدة للتعامل مع رجل غضوب فهذا أمر فيه سعة لأنه يتطلب فهم طبعه وتجنب ما يغضبه ومحاولة التعايش معه، وكذلك بعض الصفات التي فيها سعة كما في الحديث: “إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه”. (السلسلة الصحيحة). فإن ارتحت للرجل وأصوله سليمة، فالباقي يرجع إليك وإمكانية صبرك على ما يفتقده.

وكثير من الطباع تتبدل في الرجل بمعاشرة طيبة فهو يتعلم منك وتتعلمين منه ويكون لثمرة هذه العشرة تغيرات تطرأ فيصبح أكثر صبرا وأكثر قدرة على التفاعل مع واقعكما، وهذا ضعيه في ذهنك دائما أن هناك ما يتعلمه كل من الزوج والزوجة من بعضهما البعض. فهذه حياة تربيهما. ولا يوجد رجل كامل ومثالي، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، اجعلي ميزان الحسنات والسيئات هو الحكم، فإن غلبت حسناته سيئاته، توكلي على الله مستعينة بخالقك.

وكخلاصة جامعة، عليك بالدين والخلق، والباقي تفاصيل وفضل.

روى الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي” .
قال القاري: ” (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ: طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ : تَسْتَحْسِنُونَ ( دِينَهُ ) أَيْ : دِيَانَتُهُ ( وَخُلُقَهُ) أَيْ: مُعَاشَرَتُهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ: إِيَّاهَا ( إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ ) أَيْ: لَا تُزَوِّجُوهُ (تَكُنْ) أَيْ: تَقَعُ (فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ: ذُو عَرْضٍ أَيْ كَثِيرٍ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ ، رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ ، وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ ، فَيَكْثُرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا، وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ ، فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ ، وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ -: ” وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ ” انتهى من ” مرقاة المفاتيح ” (5/ 2047) .

لذلك إن رأيت في الخاطب الدين والخلق الحسن، فاستخيري الله وتوكلي عليه سبحانه.

وقد تقول قائلة هل يهم أن يكون متعلقا بي ويحبني، أقول أهم صفة في الرجل أن يكون تقيا، يخشى الله فيك، رجلا قواما لا يكسرك ولا يهينك، قال رجل للحسن البصري رحمه الله: “من نزوج بناتنا؟ قال: زوّجها التقي فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها؛ لأن التقوى تمنعه من ذلك”.

فما فائدة رجل يحبك وحياتك معه كلها جحيم وحزن وخلافات وانهيارات، فالحب لوحده لا يكفي لا بد أن يحمل الرجل صفات الرجولة والقوامة والتقوى، هذه فقط التي تحفظك زوجة مصانة. أما الحب لوحده فهذا لا يكفي أبدا في علاقة زوجية. وكم من زوج أحب زوجته لكنه يفتقد لصفة الرجولة أو القوامة أو التقوى، فكانت حياتها تعيسة بائسة. وقيمة الحب إنما في الحب الذي يأتي من رجل قوام وتقي وامتحانه الحقيقي العشرة وليس لحظة الإعجاب والاتفاق الأولي. وهذا الصنف فضل من الله.

تذكري أنك تريدين رجلا يعينك على سبيل الاستقامة، يكون قواما عليك، يمكنه أن يستوعب أنوثتك وحاجتك النفسية، يمكنه أن يعفك. رجل يأخذ بيدك إلى الجنة ويحسن تربية أبنائكما، لذلك استخيري وابحثي جيدا عن سيرته قبل أن تغامري في رحلة أنت فيها كالأسيرة عند الزوج. فحين يكون الاختيار لرجل تقي محسن كريم النفس، فأنت بخير بإذن الله .. وإذا ملكت فأحسني الصحبة وأسعديه طاعة لربك وبناء لسعادتك.

فإن اجتهدت في بحث هذه الصفات وبعد الزواج اصطدمت بحقيقة مخالفة، فلا تقلقي، من استخارت الله في بداية زواجها لا يصيبها إلا كل الخير، وأوكلي أمرك لله جل جلاله، فالأقدار ماضية والابتلاء سنة ولكن اخرجي من كل امتحان بالصدق والتقوى وإقامة حكم الله في كل ما تذهبين إليه والترفع عن الظلم، ولا تبالي بعد ذلك، فلكل أجل كتاب وقد كتب الله لك من سيكون زوجك أو أزواجك في الدنيا، ولمن ستكونين في الآخرة. فأعظمي التوكل على الله تعالى وتمسكي بحبل الله المتين وأحسني الظن بخالقك، أمة لله موحدة، عابرة سبيل، وأبشري بكل خير.

لاحظي أنني لم أتحدث عن صفات دنيوية من حيث مرتبته العلمية أو شهادته أو مكانته بين الناس، لأن هذا أمر غير فاصل في اختيار الزوج، وليس سببا لرفضه لدى العاقلة. بل اعلمي أن الرجل حين يتزوجك لا يبق معك إلا دينه وخلقه في غرفة مغلقة، هنا تبقى كل شهاداته وممتلكاته وسمعته خارج الجدران، هنا سيتعامل معك بجوهره وحقيقة تقواه وصدقه، فهو رأس المال في كل رجل، فلا تغرنك الألقاب ولا المراتب التي يشار عليها بالبنان ولا الغنى والثراء، وإنما ابحثي عن الجوهر في كل ما ترين. وما جاء بعده من خير ففضل من الله نحفظه بالتقوى وخشية الاستبدال.

وعلى اتصال بهذا السؤال، وصلني سؤال آخر، عن ما هي الأسئلة التي يمكن أن تطرحها المرأة في الرؤية الشرعية؟ وأقول، الرؤية الشرعية هي في الواقع للنظر في الشكل وطبيعة الشخصية والروح، لذلك هي ليست تماما لطرح الأسئلة إنما للنظر في إمكانية الانسجام والقبول الذي يقع بالنظر، وأراه مهم جدا، فهو أول خطوة للقبول النفسي، وإن كان لديك أسئلة فلتكن الأسئلة في الأمور الأساسية التي ذكرنا فوق، ثم مطالبه في الزواج، فالمسلمون على شروطهم، وهذا هو الأهم أما الباقي يتحرى عليه أهلك ليطمئن قلبك.

أهم أسباب نجاح الحياة الزوجية

أهم أسباب نجاح العلاقة الزوجية تحديد المرجعية التي تسير عليها الأسرة على نور من الله، وهي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منذ البداية يجب أن يكون الاتفاق على أن شريعة الله هي التي تحكم هذه الأسرة، والاحتكام لها في كل ما يقع من خلافات بتسليم ورضا، وهذه أول الأركان التي يقوم عليها الزواج الناجح. فأسرة قامت على التوحيد وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مباركة، حتى في أحلك الظروف والنهايات الأليمة، سيخرج كل منهما ببركة وخير لا ظلم فيه. ولا يظلم في فراقهما الأبناء إن قدر الله هذا الفراق.

ثانيا أن يكون هناك معرفة بفن العشرة بالمعروف، واستعدادا له ويكون ذلك بتزكية النفس وتعلم طباع الزوج والزوجة، ومحاولة استيعاب الضعف والنقص، والاكتمال بينهما. فلا يوجد حياة تمضي مثالية .. سيقع الخلل والخطأ، وهنا يأتي الجبر، والتضميد للجراحات، هنا تظهر حقيقة تمسك كل منكما بالآخر، فلن يتخلى عنك ولن تتخلي عنه في النوازل والأزمات، بل تصمدان معا، يسند كل منكما الآخر. والزمن يتقلب والأيام تتداول، والمحن والمنح تتوالى عليكما، لتمحص قلبيكما، فاثبتا وتعاونا على البر والتقوى وعلى المودة والرحمة، ولتكن علاقتكما حبا في الله، يصون كل منكما إيمان الآخر وتقواه ويعينه على الثبات لا الفتن!

ثالثا: أن تكون النفوس طيبة، فلم أر مثل صفة الطيبة سببا لدوام العشرة، فما أن يتسلل الخبث لقلب أحد الزوجين حتى يحدث التنافر والبغضاء، ولذلك، قال الله تعالى  ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) فالطيب يخفض الجناح ويسامح، سليم الصدر لا يحقد، والطيبة، سريعة المصالحة والتواضع والتودد وطلب الرضا من زوجها، لا تتكبر عليه، الطيب والطيبة ينسجمان بطيبة قلبيهما، ولا يمكن لخبث أن يحدث معه الانسجام والالتحام والتكامل بل أقول أن أصالة المعدن وطيبة القلوب هي السبب الأول في استمرار العلاقة مباركة، ولكن على أن تكون المرجعية واحدة كما أشرنا، شريعة الله، وعلى أن يستفيدا من أخطائهما فيحفظان بعضهما البعض من كل خطر داخلي أو خارجي. ويفضل أن يحلان مشاكلهما دائما بينهما بعيدا عن التدخلات الخارجية ولو كانت من الأهل، فما دامت المرجعية هنا فلا يخشى كلاهما ظلما ولا تجاوزا. والطيبة بحاجة لحمايتها بالشريعة والعقل.

فإن توفرت الطيبة والمرجعية (المنهج الذي يقوم عليه البيت وتستمر به المسيرة إلى وجهتها) وتوفرت المعاشرة بالمعروف وسلامة الصدر والرحمة والقدرة على الاستدراك والتصحيح، فأبشري بحياة هانئة مطمئنة، يمضي قاربكما يتهادى به وبك!

وإن كان من نصيحة أشدد عليها في هذا المقام، فالحوار البناء والصدق والصراحة بين الزوجين، لا تدعي التراكمات تكبر فتتحول لجبل يصعب تحريكه! تعلمي فن التغاضي عن الأمور الجانبية وأما الأمور المصيرية، فأصلحيها، وكل ما تم فك العقد في حينه، تحركت العجلة بيسر وانسجام، وأما العقد التي تهمل، فتعرقل مسيرتكما وتوقفها في النهاية. لا تتركي المشاكل بينكما تكبر، ولا الجفاء يمتد، أحيي العلاقة دائما، بروحك وإلهامك ورجاء ما عند الله .. والإصلاح، اسقها بماء المحبة والصدق والمسابقة للخيرات. والله مولاك وناصرك.

نسأل الله أن يرزق كل صالحة برجل صالح يصونها ويعينها على أمر دينها ودنياها، ويجعل بينهما مودة ورحمة وعشرة بالمعروف وخاتمة المؤمنين الموقنين بنصر الله.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أجزل

توجيه جيد، بوركتم.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x