حين يتحول الترفيه لمعول هدم

يعتقد البعض أن السينما خطوة نحو الأمام ودليل تقدم واستقرار ومحطة ترفيه محببة، وفي الواقع هذا استنساخ للفكرة الغربية الهدامة لمجتمعات المسلمين لأن ما نحتاجه اليوم ليس سينما لمشاهدة الأفلام بما فيها من محظورات، إنما مدارس ومعاهد ومؤسسات ملهمة وإن لزم الترفيه فبفقه الإسلام لا الغرب!

الترفيه الذي تحتاجه الأجيال ليس مشاهدة الأفلام في قاعات فخمة، فنكرر نفس الفشل الذي تربت عليه أجيال تربت تحت وطأة الهيمنة الغربية، الترفيه يمكن أن يكون نوادي رياضية وثقافية وصناعة وعي بالتعليم المسلي. إن تكرار نفس الأخطاء السابقة يدل على درجة الإفلاس التي نعاني منها والتبعية المزمنة.

حين تقرأ خبرا بعنوان: “بعد انقطاع دام أكثر من 20 عاما..عودة سينما “الزهراء” في إدلب للعمل بجهود فردية”. تشعر بالأسى والحزن! لأن الهيمنة معششة في العقول وطرق التفكير وليس فقط في طرق العيش ومساحة الحركة! لأن التغيير ما لم يصل لعمق الفكرة، فلن يحقق شيئا في أي أرض مهما امتلكت من مقومات.

مما يغيب عن الأذهان أن الفن والدراما والأفلام هي بالفعل تعكس درجة الفشل التي تعاني منها الأمة، فحجم التمويل الذي يذهب لهذا القطاع كان كفيلا بتأسيس مراكز بحث علمية جبارة ونوادي لصناعة همم الأطفال تشفي صدور قوم مؤمنين، لكن العجز والكسل يصنع فينا ما ترى! الكارثة أن يشاد بها في قلب صراع وجودي!

إن عملية التغيير تبدأ من الفكر قبل أي خطوة أخرى على الأرض، لتنعكس مشاريع مجددة ملهمة لا تتماهى مع باطل انتشر بقوة الهيمنة إنما تهدمه وتقدم بديلا لائقا للأجيال ولدينا ما نفخر به في ثقافتنا الإسلامية. أما البناء بنفس طريقة “حقبة الهيمنة” فليس إلا تكرار الفشل مرة أخرى، وسوء نظر في العواقب.

أعتقد بالتأمل في واقعنا اليوم أننا بالفعل بحاجة لمجلس شورى للأفكار، لطرح المشاريع الملهمة التي لم يسبق أن طرحت، لتطوير رؤانا لكيف نربي الأجيال بالتخلص من طريقة “التقليد الأعمى”، نحن بالفعل بحاجة لمشاريع تطرح الأفكار والأفكار فقط وتطورها، لأننا بالفعل نفتقد للأفكار الملهمة لذلك نقلد بسذاجة!

نحن بحاجة لتجديد كامل لطرق التفكير في كيف نحفظ الأجيال من “العجز والفشل” الذي عانت منه أمتنا طويلا، نحن بحجة لصدقة العلم والإلهام، للنصيحة في الله وجبر الكسر والضعف، لأن قوانا مشتتة والكثير من طاقات الأمة لم تجتمع لتتفجر عبقريتها ونستفيد من قدراتها في صناعة التغيير. لا بد من تغيير الذهنية.

قليقم كل صاحب فكرة نيّرة ومشروع ملهم ونظرة لطرق تحقيق التغيير المطلوب، ببث علمه بين الناس لعلها تكون البذرة التي تنبت في تربة الإخلاص والصدق فتثمر لنا نجاحات قدوة! كم نحن بحاجة لها، لنتخلص من الأحلام المستوردة، فحتى أحلامنا مستوردة! ولنرجع لهويتنا لنعتز بها فمنها بإذن الله يكون الصعود.

وكل صعود لا ينطلق من جوهر ثقافتنا الإسلامية ليس إلا هبوطا وانهيارا يتكرر! وما لم نستوعب هذه الحقيقة فنحن كمن يدور في دائرة من التيه والعبث. إن لم يكن هذا الزمان زمن البناء على قواعد التغيير! فلن يتغير حالنا أبدا، إن لم نقدم لهذا التغيير الأسس والأسباب والعوامل سنقبع في الأسفل.

يقولون نريد “الترفيه” والترفيه الذي يتحول لمعول هدم للهمم وفرص النهوض ليس إلا “سلاحا” ضدنا. يبدو أننا بحاجة للكتابة عن الترفيه البناء، الترفيه النهضوي، أما الترفيه الذي يطمس هويتنا ويمحق البركة فينا فلا أدامه الله ولا أبقاه!

إن النهضة الحضارية لكل أمة ترتبط بكل تفصيل فيها بما فيه طرق الترفيه.

وهنا نكشف مرة أخرى على أزمة قيادة وأزمة نخبة! لأننا لا نشاهد أثرا للقيادة والنخبة في حياتنا، ومع ذلك يمكننا تحقيق شيء من التأثير في هذا الباب، ولو ببث الفكرة ولو بالإنكار على منكر ولو بتقديم بديل ولو بمشاريع مصغرة لكنها مباركة، فلله در الهمم التواقة التي تدرك كيف تصنع التغيير.

في الختام، هذا غيض من فيض، فمصابنا جلل حين يكون لضعف في طرق التفكير وحين يكون في الإصرار على الذهنية نفسها التي كانت السبب في بقائنا في ذيل الأمم! نتجرع الذلة والهوان حتى من عبدة البقر!! فوالله لا يليق بالمسلمين إلا نهضة رجل واحد يدوس على كل فكرة أذلته ويستبدلها بفكرة تعزه وتنصره.

ما لم يقع هذا التغيير المنشود في ذواتنا في طرق تفكيرنا، فطريقنا طويل جدا ولن يهون من حجم المأساة كثرة الخطب!

فاللهم ارفع عنا كيد الهيمنة وأغلالها وارزقنا البصيرة والفقه ومحبة الإسلام وحسن الفهم له، وحسن التطبيق له، اللهم حطم صنم التبعية والانهزامية وأيقظ حس العزة فينا ودبر لنا أمرنا فإننا لا نحسن التدبير.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد الغريب

ذكرني ما ورد في هذا المقال القيم بتعبير الشيخ الجليل محمود محمد شاكر عليه رحمة الله حينما وصف الحياة المعاصرة بالحياة الأدبية الفاسدة، فاسدة عبر فساد قادتها ونخبتها، وإنما عنى بلفظه الحياة الأدبية الفاسدة كما بين في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ، الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية وسحب اللفظ على كل مناحي الحياة إذ فصل كيفية محدودية وضيق أفق النخبة والقيادة وتتبعهم لبهرج الغرب الخداع بزعم التطور الحضاري تحت شعارات براقة وهي في حقيقتها خاوية على عروشها ومجرد شعارات بكلمات رنانة أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا…
والأبلغ مما قام بوصفه الشيخ شاكر هو قول رسولنا صلوات ربي عليه: (وتنطق الرويبضة)…
إنها مرحلة تتسم بنخبة فاسدة سطحية الفهم محدودة الإدراك والأفق، وأكثر الناس للأسف قد تشربت أنفسهم سموم الحضارة الغربية الزائفة ومناهج التجهيل المتعمد والبرمجة النفسية التي أنتجت هذا الجيل المشوه…
مقالكم يفصل تلك الحالة النفسية بدقة ونشكر لكم جهدكم المبارك في العمل على غرس وتنمية عوامل الانبعاث ونسأل الله أن يبارك في الخييرين وأن ينمى جيل صالح على أيديهم إنه سبحانه القادر على إحياء الأرض بعد موتها نسأله عز شأنه أن يحيي هذه الأمة من ثباتها وأن يرزقنا الأسباب والإخلاص في القلب والقول والعمل…
حفظكم الله تعالى وبارك فيكم دكتورة ليلى اللهم آمين.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x