جَلَد الفاجر وعَجْز الثقة


من أبلغ كلمات الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: “اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر وعجز الثقة”.
وما أكثر الثقات العاجزين في زماننا، مع أنه زمان لا مكان فيه للخامل والكسول، والقاعد والعاجز.
وما أوضح جلد الفاجر، تجده صابرا مقداما، لا يدّخر جهدا في إفساد محيطه.
ثم نتساءل من أين أوتينا!


إن أضعف خطاب هو الخطاب الذي يهمل عوامل الانبعاث في الأمة فلا يحرص على تعزيز حضورها وتقوية تأثيرها وتعظيم شأنها مع كثرة التشويش التي تغلب على المشاهد.
إن عوامل الانبعاث تستنبط من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم دروس التاريخ والعبر من الأمم الغابرة ،فـ(حرض المؤمنين) (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).


المقبل على الله بكله، لا ينفك يأسره كرم الله جل جلاله معه، لا ينفك يستشعر المعية والتوفيق والبصيرة، يزداد إيمانا مع كل خطوة يتقرب بها إلى الله وكل معروف وكل عبادة ودعاء، وكل مجاهدة ولو كان مجرد اعتراف بالذنب أو التقصير سيشعر ببركة فراره إلى ربه، يعيش القوة ويكسو ملامحه نور لا يباريه نور!


من يتبصر في حال الأمة اليوم يصل دائما لنفس النتيجة مع كل تحليل ورصد (وما قدروا الله حق قدره)، وهذا يدفع بشدة لتعليم الصغار تعظيم الله جل جلاله، والانطلاق من معرفة الله سبحانه قبل أي معرفة! إنها معرفة مصيرية ليستقيم الأداء كما يحب الله ويرضى، فمتى عظّمت الأمة ربها، أحسنت العمل واستوجبت النصر.


إذا استقر تعظيم الله جل جلاله في القلب أكسب صاحبه الخشية والتقوى والإخلاص والصدق والأمانة. ولنا أن نتخيل مجتمعات تسودها هذه الصفات، إنها مجتمعات لم تعد بحاجة لرقابة! لأنها تحت عناية قلوب مخلصة، تتفانى في تحقيق مرضاة الله، تتقن عملها وتترفع عن الظلم وتصلح وتحسن إدارة الوقت والجهد فتنال الفتح.


نحن لسنا بحاجة لمن ينتسب للإسلام شكليًا، فما أكثرهم وهم غثاء كغثاء السيل، بل نحن بحاجة لمن يعمل بالإسلام وللإسلام ولذلك يجب أن تتضافر الجهود لصناعة الجدية وتحمل المسؤولية. وإلا فالطريق طويل وطويل جدا لتحقيق أدنى تغيير ملموس.


قال تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}

فـ”العلو على قدر الإيمان.. حقّق الشرط ليتحقق الوعد”.

وتحقيق الإيمان يعني العمل بدين الله، العمل الخالص لله جل جلاله وعلى نهج نبيّه صلى الله عليه وسلم وهذا يستلزم الخروج من الهوّة السحيقة التي تعيشها الأمة بين ترديدها لما في القرآن والسنة وبين ضعف تطبيقه وفقده في واقعها. وإلا فـ (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 3]، وفاقد الجدّ لا يستحق الجدارة. والصدق مهره العمل.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد الغريب

نعم بارك الله فيكم وأحسن إليكم اللهم آمين.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x