ثلاث وصايا مُلحّة للمسلمات على مواقع التواصل

بالنظر لكمّ الاستشارات التي تصلني في مسألة واحدة تتكرر وتدعو للأسى، وهي مسألة التعلق بشخصية إلكترونية والتورط فيها، أرى من الواجب أن ألخص هنا ثلاث وصايا مهمة جدا للمسلمات على مواقع التواصل، لعلنا نحد من خسائرهن النفسية ونتجنب الأسوأ.

 أنت تتعاملين مع عالم افتراضي

بداية اعلمي أخية أنك تتعاملين مع عالم افتراضي، فالرجل صاحب المنبر، الشيخ والداعية وطالب العلم النشط الذي يجذبك سلوكه وتفاعله مع قضايا دينه وأمته إنسان يظهر على الشاشة أفضل ما يحبه لنفسه ويخفي أقبح ما لا يروق لك. فهو على ثغر دعوة ونصرة، وليس ليعرض نفسه للزواج. لذلك ما يظهره هو ما يتعلق بجانب الدعوة والنصرة لا ما يتعلق بصلاحيته كزوج.

ثم حين تنظرين لحسابه وترين شخصية ملتزمة قوية الأسلوب والأثر، أنت لا تعلمين الجانب الآخر فيه، جانب الضعف وجانب الإنسان، فلذلك لتكن نظرتك واقعية، لا يوجد “رجل حلم” و”شخصية متفردة”، و”رجل لا مثيل له” و”رجل مثالي”، بل هو رجل في الأخير يجتهد، له حسناته وله عيوبه أيضا، فإن أردت تقييمه فقيميه بعقل وليس بعاطفة ساذجة.

وهذا يعني أن تعتدل مشاعر الإعجاب لديك، وتكُفي من الانبهار العظيم بكل مشهد ترينه لشاب ملتزم على التواصل، وتضعي في ذهنك أنه شخصية افتراضية، ولا يعقل أن تتعلقي بشخصية افتراضية، ولو أنك ربما عرفت واقعه وتفاصيل حياته لصدمت!

فكثيرا ما يكون الرجل يظهر الالتزام في التواصل لكنه لا يلتزمه تماما كما يدعو له في حياته.

كثيرا ما يتحدث عن قيم ومبادئ يحبها ويعبر عن محبته لها في التواصل لكنه عاجز عن حمل تكاليفها في واقعه، فرويدك لا تستعجلي الإعجاب! وحدثي نفسك عن الواقعية، خلف الحساب إنسان يصيب ويخطئ مثل كل الناس، لا يغرك إعجابك فتتعلقين بسراب.

 احذري الوهم وعاقبة الانكسار!

تبدأ القصة بإعجاب كبير بشخصية افتراضية، وليته يقف عند هذا الحد! بل يعقبه مراقبة حثيثة لكل تحركاته وتفاعلاته على الشبكة، وكل علاقاته وتعليقاته وتواصلاته، فيشتد التعلق بنظرة مثالية وهمية، ثم يبدأ الاستدراج وخطوات الشيطان، فتتحين فرصة المراسلة الخاصة وهي بقلب فارغ يرجو السكن، ويرى في من أمامه حلم حياته!

فيدرك ذلك الشاب الرجل خلف الشاشة، وهو كذلك بشر! وقد يكون تقيا فيغلق الباب من أول لحظة وتبقى هي تدعو الله أن يهديه للبحث عنها وخطبتها!

أو يحصل الأسوأ، فيضعف هو ويُفتن، فهو يحمل أحلاما مثلك  تماما وحاجات نفسية مثلك تماما، فيبدأ حديث الاستثناء! والتعارف على أساس خدمة في سبيل الله!

ثم قد يحدث ما سيفتك بك فتكا ويصيبك في مقتل، فيحدثك عن رغبته في الزواج، ويطلب منك رؤية صورك، وأنت بالطبع ستفكرين بخلفية الإعجاب وحالة الاستثناء فتندفعين – كالمغفلة- وتجيزين لنفسك ذلك، دون أي محاولة للتعقل للتأكد من أن من أمامك حقا يناسب للزواج! فهو مزكى عندك لحد أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره ويقبل منه ما لا يقبل من غيره، وهنا نرى تداعيات الانبهار الخادع.
وبعد ذلك تبدأ الأحلام الوردية والحوارات المتشبعة بالمثالية والتي تنتهي بكابوس في أغلب الحالات- فيتراجع الشاب ويجد لنفسه ألف حجة وسبب، ويتركك في لوعة تتحسرين بعد أن فتح لك الباب وأمّلك!

هنا نتوقف عند حالة وصلت لها بعض المسلمات الملتزمات الفارات من واقع مجحف وجاف ولم يسبق لهن أن خضن في علاقات مع الرجال، فماذا يكون مصيرها غير الانكسار! والذي قد يكون فيه انتكاسة كبيرة في حياتها، وتفتقد معه لطعم كل شيء جميل وتعجز عن السعي بعده لكل هدف مهم، فتضعف وتتراجع ونتعامل هنا مع شخصية تنهدم قد انطفأت في بداية حياتها الواعدة!

لا أبالغ إن قلت أن هذه الحالة كانت من أسباب انتكاس فتيات كن مقبلات بقوة وكن يحملن من أسباب السبق ما يكفيهن لأفضل أداء لمسلمة تقية، لكن لحظة فتنة وتهور، تسببت في انكسارهن للأبد فلم يعد هناك رجل يثير شغفهن بالزواج. لقد فقدن الثقة في كل ملتزم!

خلف الشاشة رجل أجنبي، قبل أن يكون داعية أو شيخ!

كونه فتح لك باب تواصل، وتعامل معك بخصوصية أو باهتمام لا يعني أن له صلاحيات غير “عدم الخضوع بالقول” وقبول “ما يطلبه منك” كالعمياء قد ملكته أمرك والتصرف فيك بتزكية قلبك وسرعة تصورك!

ولو كان عرض عليك تحفيظ القرآن في تواصل خاص، فلا تضحكي على نفسك، فإن نهاية هذا الطلب غالبا ما تكون مؤذية جدا لضعيفة القلب.

لقد رأيت بين الاستشارات من تواصلت مع داعية يعمل على تحفيظ القرآن للاستفسار، ثم دخلت في حوار خاص انتهى بإرسال صورها وحديث لا يجوز، ثم تصرفات طائشة ثم تركها في منتصف الطريق!

فكانت أن أصبحت لا تثق ملتزما بعده، وتهاب حديث الزواج تماما.

هذه قصص واقعية أنقل بعض تفاصيلها هنا من أمانة النصيحة وواجب التحذير مما يجري مع من لا يبصر خطورة هذه الفتن في زماننا.

ولولا أني أحرص على حفظ خصوصية الاستشارات لنشرت تفاصيلها هنا ليعتبر الجميع بمن فيهم بعض طلبة العلم والدعاة ممن لا يعلمون أن صور محادثاتهم تصل الاستشارات وإن استخفوا من الناس فكيف يستخفون من الله تعالى. فليتقوا الله في أعراض المسلمين وإن لم يكن لأجل تلك الفتاة التي تحدثها في الخاص بما لا تجرؤ على فعله في العام فلأجل أبيها المسلم وأخيها المسلم

ثلاثة أسباب مشتركة

ومما تم رصده اشتراك الاستشارات في 3 أسباب أدت إلى ما نراه من خيبة عاطفية وانهيار.

  1. الأول الانبهار المتعطش لشخصية مسلمة مميزة، فتحسب كل ما يلمع ذهبا. وعلاج ذلك الواقعية والكف عن الأحلام المخيّبة. وحدثي نفسك عن أن ما ترينه ليس بالضرورة الحقيقة له ولا شك أن واقعه هو المقياس الأكثر مصداقية.
  2. الثاني التواصل على الخاص الذي هو خطوة من خطوات الشيطان تجعل من الطرفين ضعيفين ويتعاملان بجانب الضعف فيهما إلا من رحم ربي، ولذلك أحذر الفتيات المعجبات من مراسلة الشباب الذين يبهرهن نشاطهم وأشدد عليهن صيانة أنفسهن والترفع عما يُرخصهن في أعين من يظنون بهم خيرا. لست بحاجة لمراسلته والوصول للمعلومة الشرعية سهل جدا في زماننا لا ينقصنا كتب ولا مواقع ولا قنوات ولا ناصحات في الله تعالى.
  3. الثالث رفع الكلفة مع الملتزم واعتقاد أنه تقي تأمن معه وسيحفظها ولن يتخلى عنها، ولم تدرك حقيقة أن فتنة النساء أخطر ما يهدد الرجل ويقع فيه، وإن وقع فيه فإنه يخسر الكثير من هيبة رجولته. فلا تكوني عونا للشيطانا في انتزاع هذه الهيبة من رجل مسلم، والزمي حدود الله لا تحملي الإنسان أكثر من طاقته.

كلمة أخيرة

ستحمل المحبطة آلامها في صدرها وتكتمها، هذا طبيعي، وستبكي كثيرا لما فجعت به من صدود أو من رفض أو من تعلق ثم خذلان وسمه ما شئت، فهو نهاية فاشلة، لذلك في هذا المقام الوقاية خير من العلاج، فيا أخية لا يوجد رجل على مواقع التواصل هو فتى أحلامك، بل فتى أحلامك هو الذي كتبه الله لك وجاء يطرق بيتكم من الباب، وبما يرضي الله تعالى قد احترم شرف الحدود وشرف الأسرة وشرفك كمؤمنة.

فلا تعرضي نفسك لمستنقعات الشبهات ثم تبكين على نهاية بائسة، وأول ما ترين تعلقا بشاب من هذا القبيل فورا تلغي المتابعة وتنتشلي نفسك من ساحة الإعجاب به. واحملي ما يقوله على أنه طبيعي جدا لمن يعمل في عالم افتراضي.

واعلمي أن الزواج قدر ورزق وامتحان، فأحسني الظن بمولاك وابدئي من محرابك ودعائك، فأنت لا تعلمين الغيب ولا تعلمين من خلف الشاشات! ولعلك تتعاملين مع من يكون سبب تعاستك، وتهدرين مشاعرك مع سبب تأخرك وتخلفك عن ركب المسابقات لله.

فاحزمي أمرك واستيقظي من غفلتك ولا تسمحي لشيطان رجيم أن يشغلك بمنظر زائل عن غايتك العظمى. لا تسمحي لحاجتك للزواج أن تتسبب في حرمانك الزواج.

وما قدره الله لك سيأتيك، وإلى أن يأذن الله تعالى انشغلي بطاعته سبحانه ولا تكلفي نفسك بحث رجل أنت لست قادرة على تمييز صلاحيته لك، بعين عاطفية ومشاعر فياضة في وقت حاجة!

صوني نفسك أقولها للمرة الألف، لأن دموعك التي تنساب بعد خيبة عاطفية كان أجدر أن تنحدر خشية من الله تعالى وفي تدبر آياته ولأثر فتوحاته في قلبك.

وتذكري أن الفتن تحصد في كل مرحلة قلوبا هشة، فلا تكوني ضحية حاجاتك وأمانيك بل استقوي بكل ما يصنع في قلبك الثبات، وأبصري بعين الحقيقة، وحدود الله تعالى وعلو همتك وأهدافك.

ولعل الحديث لا يختلف مع الشباب المسلم الذي قد يرى الفتاة في حساب دعوي، متألقة في عينه، فالكلام نفسه ينطبق عليك. صن نفسك أنت أيضا ولا تسمح للشيطان أن يستدرجك ويشغلك عن معالي الأمور.

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ترَكتُ بعدي فتنةً هي أضرُّ على الرِّجالِ مِن النساءِ)؛ متفق عليه.

سدوا أبواب الفتن ولا تتعلقوا إلا بالله جل جلاله، لا تتعلقوا بما يزينه الشيطان أو حاجات نفوسكم، ولكل أجل كتاب فلا تستعجلوا أقداركم وأرزاقكم. فقد رأينا من قضوا سنوات في قصص تسمى بـ “الحب” وبعد أول شهر زواج وبعد سنة، كانت صيحات التذمر والبغضاء ترتفع في البيت، وكم من قصص انطلقت بإعجاب كبير وانتهت بمقت لا يباريه مقت بعد أن تلاشت أقنعة الانبهار الخادع.

لتكن هذه التذكرة للفرار إلى الله تعالى وبحث أسباب محبته وشغل القلب بها فلا شيء في هذه الدنيا يستحق إلا محبة الله جل جلاله. يضحى لأجلها بالنفس والنفيس، ويسابق لأجلها على الجمر والرمل!

قال ابن القيم رحمه الله:
“متى رأيت القلب قد ترحّل عنه حب الله والاستعداد للقائه، وحلَّ فيه حب المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها؛ فاعلم أنه قد خُسِف به”.
(بدائع الفوائد 743/3)

كفى الله المسلمين والمسلمات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أم جليل مهني

جزاك الله خيرا على ما تقدمين وتبذلين

عبير سالم

جزاك الله خيرا

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x