بين النساء والنسوية “مطرقة وسندان”

الرؤية الضيّقة والتركيز المحدود المجتزأ والبناء الذي يعتمد على المشاعر لا التأصيل الشرعي يخرج بخلاصات مثيرة للجدل، وكثيرا ما يعتقد أن الجدل هو الحق، وهذا من تلبيسات إبليس.

مشاكل الأمة ليس قالبا واحدا يقاس عليه حالة تراها في وسط بعينه، بل هي متغيرة بحسب واقع كل مجتمع وظرف كل فرد وأسرة.

مطالبة الرجال بعدم الزواج من موظفة على الإطلاق، فيه ظلم وتعدي وقول في دين الله بغير علم، فالإسلام لم يحرم على المرأة العمل عند الحاجة وفق الضوابط الشرعية لكنه حرم عليها التبرج والاختلاط وكل ما يدخل في تعدي حدود الله، والدعوات التي لا تراعي هذا الضبط وهذه الدقة تحول كل موظفة لعاصية!

الإطلاقات غير المدروسة في مجتمعات تعمها الفوضى والجهل والتخلف العقدي تزيد الطين بلة، ليس كل الرجال بكفاءة وقدرة على حفظ النساء وكم من امرأة دفعها زوجها للعمل والاختلاط، فأولئك الذين يحمّلون المرأة كل خطأ وكل مصيبة، لا يعيشون معنا في نفس الواقع، إنما يعيشون في واقع مثالي منقطع!

الدعوات التي تحذر الرجل من الزواج من المرأة التي تتعدى حدود الله في ما هو واضح من تبرج واختلاط وغيره مما لا يختلف عليه عاقلان – دعوات من قبيل النصح في الله – مطلوبة ومنصفة، لكن تلك التي تشن حربا على كل من تعمل، إنما هي متأثرة بواقع بعينه وتنسى واقع باقي الأمة والنساء القابضات على الجمر.

من السهل جدا صياغة خطاب دعوي يثير العواطف والجدل، لكن هل هو بالفعل يعالج مشاكل الأمة في واقعنا، هل هو بالفعل ينزل لأرض الواقع ويخاطب العقول والقلوب بما يعيشه الناس حقيقة! إن المثالية التي تنفصل عن واقع الأمة لا تقدم شيئا سوى إثارة السخط والتشويش وسوء الظن! نحن بحاجة لإصلاح لا هدم!

مشكلة الخطاب الموجه للنسوية أنه تحول من دائرة تشخيص النسوية والرد عليها إلى دائرة تعميم كامل على جنس النساء! وهنا خسارة كبيرة وخطأ فادح! فاستعداء النساء جميعا من ضعف البصيرة وقلة الفهم لواقعهن! النسوية ليست كل نساء المسلمين وكم من خطاب يحول المرأة بعوج فيها إلى نسوية بجهل وتحامل!

المجتمعات المسلمة تعرف داء النسوية بنسب متفاوتة، لا شك أنه أكبر في المجتمعات التي فتك بها التغريب، وأنه أقل في غيرها، ولا شك أن هناك حالات من الأزمات والنوازل عرفتها شعوب لم تعرفها أخرى، ولا شك أن هناك تفاصيل لا يليق إهمالها! ومن يتحدث إلى المرأة بمعزل عن واقع الرجل يضيع منه الحل!

تصلني بشكل دائم شكاوى من فتيات ونساء أجبرن على الخروج والعمل من رجال البيت! وحين نشاهد ذلك الخطاب الذي يحرّض الرجال على كل النساء في دراسة أو عمل، نأسف لواقع “مطرقة وسندان”، اتقوا الله في نساء المسلمين ولا تكونوا عونا على شياطين تتربص بهن الدوائر. نريد خطابا متزنا بحق وعدل لا هوى وقصور!

إن محاولة فرض نموذج بعينه على كل الرجال لهو من الجهل بطبيعة الرجال قبل الواقع، ولا يمكن أن تفرض على مجتمعات بكل تفاصيلها ومكوناتها المتباينة هذا النموج، وإلا فأين رحمة الله وأين حكمة الله، وكيف يمكننا الإصلاح وسط ركام الخسائر التي نرى إن كنا سنقوم بإقصاء كل من لا يوافق نموذجا محددا!

الأصل في كل دعوة اليوم هو الإصلاح والإصلاح يستوجب إقامة الناس على التوحيد والقرآن والسنة، فتحقيق ذلك هو أكبر نصر لنا، وكل ما يأتي بعد ذلك هو نتائج وتفاصيل ثانوية!

إن تحريض الرجال والنساء على أن يكون الأصل في بناء الأسرة كتاب الله وسنة نبيه والاحتكام لهما، هو النجاح الحقيقي والظفر!

لقد شاهدنا نساء أجبرهن أزواجهن وآباءهن على العمل والخروج والاختلاط، ثم ما أن تيسر الزوج الصالح حتى تحولت المرأة لمدرسة ومملكة عطاء، قد عرفت الفرق بين الخير والشر والحكمة من شريعة الله فكانت قلعة! أولئك الذين يريدون أن يشيطنوا كل امرأة أجبرت على ذلك يظلمونها ويريدون حرمانها رحمة الله!

هناك فرق كبير بين طبيب يستأصل كل عضو لا يعجبه أداؤه وبين من يعالجه حتى يرجع لوظيفته التي خلق لها، فرق كبير بين القتل والإحياء! فرق كبير بين وأد النساء وتسليمهن فريسة سلهة لأعداء الإسلام وبين إصلاحهن وتحويلهن لقلاع لهذه الأمة! وهنا تظهر البصيرة من خلال خطاب مدروس بدقة وحكمة لا سبهللة.

لقد جعل الله القوامة والولاية في يد الرجل لحكم عظيمة في مقدمتها قدرته على حفظ مصالحها الدينية والدنيوية، فإن كان الخطاب الموجه للرجل يفرض عليه نموذجا معينا من النساء بدل أن يشجعه على الحق والعدل فهو بهذا مجرد معول هدم آخر يساند من حيث لا يدري دعوات النسوية المفسدة، لأن العدل رفيق الحق!

والخطاب القرآني والنبوي واضح لا يحتاج لكثير جدال “فاظفر بذات الدين” ابحث عن المؤمنة عن امرأة تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. امراة تريد الإسلام حاكما في حياتها، أما كسر هذه القاعدة واختزالها في صفة “العمل” فهو ظلم آخر وتهميش للكتاب والسنة في معالجة قضايانا. فكم من صالحة عملت!

إن الدين النصيحة ومع استمرار العمل بدون شورى بين الدعاة، وبدون تناصح في الله وتبيان لنقاط الضعف والخلل في التأصيل والبناء، يعني خيانة لأمانة هذه الثغور، إن الأمة لم تصب فقط في نسائها بل أصيبت أيضا في رجالها ومن يغفل هذه الحقيقة أو يرفض رؤيتها ستصدمه الأحداث والنتائج عاجلا أم آجلا.

تحميل كل النساء فساد النسويات أمر لا يقبله عقل ولا شرع، والأصل هو الحق والعدل، وتعامل كل حالة بحيثياتها وتفاصيلها أما الإطلاقات فطريقة غربية مجحفة، قال جل جلاله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، وبدون عدل كيف نصلح!

نتمنى حقا أن يرجع كل رجل وامرأة لمكانهما الصحيح، وأن تصلح هذه المجتمعات والأسر على هدي القرآن والسنة، ولتحقيق ذلك نحن بحاجة لصناعة وعي بالإسلام لا بردات الفعل اللحظية والقاصرة، ولا بالأهواء المنفصلة عن واقع الأمة.

كم من عفيفة تخرج كل يوم وغصة في صدرها، لفقدان معاني الرجولة ثم تتهم وتحارب!

أيها الداعية واقع الأمة ليس الحي الذي تعيش فيه ولا الحساب الذي تغرد منه ولا الحالات التي تصلك، واقع الأمة أكبر بكثير وكل خطاب لا يتسع لاستيعاب هذا الواقع فهو قاصر وغير مؤهل للإصلاح ولا يمكن أن نحقق ذلك إلا بإعادة الموازين الحق والعدل في كل قضية، لا ننحصر في التريند وما يطلبه المتابعون!

واقع الأمة معقد بشدة وأكثر ما نحن بحاجة له هو سلطان إسلامي ينظم حياة الناس ويضبط جميع منظومات حياتهم على الإسلام وأحكامه وشرائعه، وإلى أن يتحقق لنا ذلك، لا بد من ترسيخ الإسلام والتوحيد في القلوب والأسر وترسيخ أهمية الاحتكام والتسليم له، بلا غلو ولا تفريط، وبذلك نوفر ونحفظ القوة المحركة.

اللهم إنا نعوذ بك من القول في دينك بغير علم ومن الظلم والبغي ومن تضييع أصول الدين والتوحيد، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر والنصح في الله رباط أخوة في الله يحفظ العاملين من الانحراف عن نهج نبيك وهديه في كل ظرف ونازلة.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x