اليمن .. جزء لا يتجزأ من أمة محمد ﷺ

هناك في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، في الجنوب الغربي من قارة آسيا، تقع بلاد اليمن، مزدانة بتاريخ مستمسك بالإسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وبحضارة عريقة بعمر الآثار التي تحتضنها الأرض، ثم بطراز معماري فاتن، يتميز عن غيره بلمسات خاصة، تُعرف من بين كل اللمسات بشموخ يمني آسر!.

ويدور على أرض اليمن إلى يومنا هذا صراع محتدم، انعكست آثاره معاناة شديدة يقبع فيها الشعب اليمني منفردًا، قد حاصره الخذلان وقلة ذات اليد. لقد عاش اليمنيون أهوال الحرب وأشكال البؤس والتهجير والبطالة والأمراض المتفشية. ثم المجاعة التي باتت أخطر ما يهدد حياة أبناء هذه البلاد وأطفالهم الصغار.

فالتقارير تؤكد مؤخرًا على أن الجوع يهدد حياة 7 ملايين يمني، مع زيادة تضخم أسعار الغذاء في البلاد.

ولم يكن غريبًا أن تتأثر اليمن بأزمة انعدام الأمن الغذائي، خاصة مع ما يعيشه العالم من توترات وأزمات وحروب وصلت تداعياتها إلى كل مكان. كما أنها أزمة تأتي بعد خلفية ممتدة من الحرب الطاحنة في اليمن على مدى قرابة العقد من الزمان، وانهيار اقتصادي مستمر وتكالب الضباع الجشعة على ثروات البلاد، وعجز المساعدات الإقليمية والدولية المحدودة عن سد حاجات اليمنيين. بسبب ازدواجية المعايير الدولية وسياسات المصالح الغربية التي تتناغم فيها منحنيات توزيع المساعدات مع منحنيات المصالح المكتسبة. أضف لذلك درجة الفساد التي رافقت عملية توزيع  كميّة المساعدات المحدودة وسوء الإدارة وتلاعب المنظمين، وافتقاد القيادات الأمينة القوية فكانت مأساة مركبة بكل ما تعنيه الكلمة من معاني.

ومع إعلام منحاز بشكل كبير لأزمة أوكرانيا وتايوان، أهمل الملف اليمني بشكل مؤسف، وافتقدت تفاصيل الأزمة اليمنية من الساحة الإعلامية، فكان مشهدًا واضحًا للخذلان.

أخطر جرائم الحوثيين

جماعة الحوثيين تحدث تغييرات كبيرة في مناهج التعليم على جميع المستويات لتتسق مع أهداف المشروع الإيراني، حيث يتم فرضها على أهل السنة في مناطق سيطراتها.

وفي هذه الأثناء من الظروف المعيشية الصعبة، تستمر الذراع الإيرانية في اليمن في تدمير البلاد، وإن تعددت جرائمها فإن أخطرها على الإطلاق هي الهدم الذي تتعرض له عقيدة أهل السنة، فقد أضحت الأجيال في اليمن تتعرض لعملية تجهيل مستمرة، تنشر معها الخرافة، والانحرافات العقدية والفكرية.

يتم ذلك باستهداف الأطفال منذ الصغر لتنشئتهم على أسس إيران الفكرية وتشكيل وعيهم لخدمة الأجندة الإيرانية. فضلا عن استقطاب شباب اليمن للتجنيد في مشروع الرافضة التوسعي.

وللأسف فقد وجدت جماعة الحوثيين بغيتها في مناطق يمنية تنتشر فيها الأمية والجهل بالدين، فضخّت فيها مفاهيمها المنحرفة عن الولاء والولاية، يرافق ذلك نشاطًا لافتًا لمراكز صيفية ودورات “تثقيفية” والسيطرة على المدارس ومناهج التعليم، ثم لا تتوان في تفجير المؤسسات التعليمية وهدمها حين يتعارض وجودها مع أهدافها التوسعية أو يزعج تخطيطها.

وبحسب آخر إحصاء من المنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد المدارس المدمرة أو المتضررة في اليمن يقدر بحوالي 3000 مدرسة، وعدد الأطفال خارج النظام التعليمي يصل إلى ما يزيد عن 2.4 مليون طفل. وتشير تقارير لحرمان 4.5 مليون طفل من التعليم منذ بداية الحرب بسبب تدمير الميليشيات الحوثية للمدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومراكز اعتقال.

وبنشر الانحرافات والتجهيل يتمدد المشروع الإيراني في اليمن على حساب أرواح اليمنيين بتجنيدهم أو بقتلهم، تماما كما فعل في العراق وسوريا، فما أرخص دماء أهل السنة عند الساسة الإيرانيين!.

حالة طوارئ

قام بعض الآباء في اليمن بإخراج أبنائهم من مدارس يسيطر على مناهجها الحوثيون خشية أن يتم هدم عقيدتهم لصالح إيران.

وهذا يدفعنا لطرح حلول ضرورية ملحة لحالة الطوارئ التي يعيشها اليمنيون، بإطلاق نداء لأصحاب الكفاءات التعليمية في كل العالم الإسلامي للعمل على توفير مناهج تعليمية تركز على ترسيخ عقيدة أهل السنة والجماعة وصناعة وعي لائق بالأجيال المسلمة في هذه البلاد، يمكن للأهالي تعليم أبنائهم بها في منازلهم أو عن طريق التعاضد في كل حي، حيث يمكن للمتعلمين أن يؤسسوا مدارس منزلية، لأبناء الحي الواحد، لتعليم الأطفال وانتشالهم من مستنقع الجهل والجاهلية.

ويمكن توفير ذلك عن طريق شبكة الإنترنت، بتقديم دروس مجانية لكافة المستويات بحيث يسهل على الأطفال متابعة تعليمهم عن بعد.

ولا شك أن ابتكار طرق لحفظ ميدان التعليم من عبث الحوثيين يعد عاملًا مساعدًا  لصمود اليمنيين في مناطق سيطرة هؤلاء، وهو من الثغور التي يُنتظر أن يسدها أصحاب الفضل والحكمة. 

إن الحوثيين لا يخجلون من إقصاء كل من يختلف معهم عقائديًا من المناصب القيادية فلم الخجل من العمل على ترسيخ عقيدة أهل السنة في حرب قائمة على الأفكار قبل أن تقوم على السلاح.

بل إن الخاسر في المعركة الفكرية غالبًا ما يخسر في ميدان المواجهة، وهذه صراعات طويلة الأمد بحاجة لمخزون استراتيجي من الطاقات والكفاءات يُعمل على توفيره مبكرًا. وإهمال الأجيال يُعد أكبر جريمة وهزيمة.

وفي الوقت الذي ينشر فيه الحوثيون شبكاتهم التوسعية للهيمنة على كافة المرافق والقطاعات والمؤسسات التعليمية والتربوية في مناطق سيطرتهم يجدر بأهل السنة نشر شبكات موازية أخرى لتعليم يحصّن الأجيال من هذا الإفساد العظيم بما يتواءم وظروفهم الصعبة.

ولا ينقص العالم الإسلامي القدرات ولا الكفاءات التعليمية لصناعة برامج استدراكية تحصّن أبناء أهل السنة من عملية تبديل تقوم على قدم وساق، تستغل حالة الضعف التي تعيشها اليمن.

مخطط له عن قصد

ومما يجدر التنبيه إليه أن استهداف قطاع التعليم جاء بأوامر إيرانية، فقد تم رصد هذا التحول البارز في تحريف المناهج وضخ الأفكار المخالفة لمنهج أهل السنة وإجبارهم على تعلم ما يخالف سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، منذ وصول الحاكم العسكري الإيراني “حسن إيرلو” إلى العاصمة صنعاء بصفته سفيرًا، للتغطية على طبيعة مهمته الحقيقية، وما هو إلا أحد قادة ما يسمى “فيلق القدس” الإيراني، الذراع الخارجية للحرس الثوري وعنصر مركزي في جهود طهران لإبراز قوتها في اليمن وسوريا وأماكن أخرى في الشرق كما أكدت التقارير، وهذا ما يفسر ارتفاع النبرة الطائفية في كافة الميادين وفق المخطط الإيراني منذ وصوله، وكانت أول أهداف مهمته، المؤسسات التعليمية حيث يحاول الحوثيون إحداث تحريف للهوية السنيّة بشكل كامل.

 وقد رصدت ذلك منظمة “إمباكت – إس اي” الأمريكية المتخصصة في مراقبة المناهج التعليمية والكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم، حيث قالت: “إنّ ميليشيات الحوثي حولت التعليم إلى أداة نشر القيم والثقافة الإيرانية”.

وأكدت أنّ إيران متغلغلة من خلال الحوثيين في مراكز التعليم الابتدائي ومعاهد التعليم العالي في اليمن، ومن جانب آخر، يدرس المئات من الطلاب الحوثيين حاليًا في إيران.

الغزو الفكري الإيراني

لم يقف الأمر على المؤسسات التعليمية بل رافقه غزو فكري لجميع مداخل الثقافة في المجتمع اليمني، على مستوى الإعلام وعلى مستوى الفعاليات الثقافية، وأصبحت المهرجانات والمسميات الطائفية مهيمنة على المشهد.

ومن أبرز تلك المهرجنات ما يسمى بـ “يوم الولاية”، وذكرى المولد النبوي، وميلاد فاطمة الزهراء، وميلاد الإمام زيد، ويوم عاشوراء، وما يُسمى “أسبوع الشهيد”، وغيرها من الاحتفالات التي تذكرنا بأيام سيطرة العبيديين الرافضة على مصر.

إنها حملة حوثنة إيرانية للمجتمعات اليمنية السنيّة في مناطق سيطرة الحوثيين.

استراتيجية فرض الأمر الواقع

تزوير للتاريخ وتشويه للعقيدة، كل هذا وأكثر يحاصر الجيل اليمني السنيّ تحت حكم الحوثيين.

وتتقدم الذراع الإيرانية في اليمن في خططها في وقت تعتمد فيه على إطباق سياسة التضعيف للمسلمين اليمنيين في مناطق سيطرتها، حيث الأوضاع المعيشية سيئة للغاية، جرّاء أساليب النهب والاستغلال الذي يتعرض له اليمنيون.

فضلا عن المطاردات التي تحاصر أدنى نشاط دعوي أو تعليمي لأهل السنة، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد مراكز الاعتقال والسجون.

وهكذا تفرض القيادة الحوثية الأمر الواقع على اليمنيين فلا يتمكنون من التفكير خارج نطاق تأمين لقمة العيش والأمن!

من فضائل أهل اليمن

إن اليمن أرض الإسلام منذ عمق التاريخ إلى آخر الزمان، فأهل اليمن هم أول من أجاب إبراهيم عليه السلام حين أذن بالحج، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ (الحج: 27).

وحين نذكر اليمن نذكر ملكة سبأ بلقيس رحمها الله التي استجابت لنبي الله سليمان عليه السلام، وأسلمت معه لله رب العالمين، وسخرت ملكها في خدمة دين الله.

وكان أول من كسا الكعبة في التاريخ، تبّع اليماني وكان أيضا أول أهل اليمن إيمانًا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. حيث أخرج ابن عساكر في تاريخه قال: أقبل تبع يفتتح المدائن حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود فظهر على أهلها، وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج بمكة نبي يكون قراره بهذا البلد اسمه أحمد، وأخبروه أنه لا يدركه، فقال تبع للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد، فإن خرج فيكم فآزروه وصدقوه، وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وقال في شعره:

حُدِّثتُ أن رسول المليـ   ك يخرج حقًا بأرض الحرمْ 

ولو مُدّ دهري إلى دهره   لكنت وزيرًا له وابن عمّْ

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا تبعاً؛ فإنه كان قد أسلم) [1]

وكان أهل اليمن أول من جاء بالمصافحة، فعن أنس بن مالك قال: لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة”[2].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن:” جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية”.[3]

وعن ابن مسعود قال- وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن: “الإيمان هاهنا – مرتين -، ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين – حيث يطلع قرنا الشيطان -: ربيعة ومضر “[4].

قال ابن رجب رحمه الله:” وهذا إشارة منه إلى أبي موسى رضي الله عنه، ومن كان على طريقه من علماء أهل اليمن كأبي مسلم الخولاني وأويس القرني ووهب بن منبه وغيرهم من علماء أهل اليمن، وكل هؤلاء من العلماء الربانيين… ولم يكن تميزهم عن الناس بكثرة قيل وقال ولا بحث ولا جدال”.

 وفي السير نشاهد هذه المكانة لأهل اليمن تتكرر مع الصحابة رضي الله عنهم فحين قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر رضي الله عنه أيام خلافته وسمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر: “هكذا كنا ثم قست القلوب”.

 وأخرج البخاري في تاريخه عن القاسم قال: ” أتيت ابن عمير فرحب بي ثم تلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ…. ﴾ [المائدة54]، ثم ضرب على منكبي وقال: أحلف بالله لمنكم أهل اليمن، ثلاثاً”.

وروى الطبري في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي: “أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يومًا، وهو أمير المدينة، يسأله عن ذلك: فقال: محمد: يأتي الله بقوم، وهم أهل اليمن، قال عمر: يا ليتني منهم!”.

على منهج النبي صلى الله عليه وسلم

لقد وصفت النصوص أهل اليمن بأنهم أكثر الناس تشبهًا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتباع السنة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رفقة من أهل اليمن في الحج رحالهم الأدم، فقال: “من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا بأصحاب رسول الله فلينظر إلى هؤلاء”.

وعن ابن عباس: قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قال: “الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن قوم نقية قلوبهم، لينة طاعتهم، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية”. [5]

ولقد كان أهل اليمن أسرع الأقوام استجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقبول الحق.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في رجالهم: “خير الرجال رجال أهل اليمن”[6].

موقع أهل اليمن في صراع الأمة

ولم يزل أهل اليمن منذ امتداد التاريخ يساهمون في بناء مجد الأمة، فقد “كانت لهم اليد البيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقية والأندلس وأوروبا حتى وصلوا إلى أبواب فرنسا، وما زالت معالمهم في إسبانيا شاهدة على آثارهم. فمن ذلك: أن غالب أهل معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس وكانت بوابة فتح فارس كان غالب جندها من اليمن، بل كانت قبيلة بجيلة اليمنية وحدها ربع الناس فضلاً عن غيرهم. وفي معركة نهاوند أيضًا أبلوا بلاء حسنًا، وفي معركة بلاط الشهداء كذلك، وغيرها”.[7]

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إن الله عز وجل استقبل بي الشام وولى ظهري لليمن، وقال لي: يا محمد، جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقًا، وما خلف ظهرك مدادًا”[8].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد يعني: اليمن”[9] وعند أحمد: “والشرعة في اليمن”.

 خيرهم إلى آخر الزمان

لقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بنصر عظيم على يد أهل اليمن في آخر الزمان، ففي حديث عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق” قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله، إن أدركت ذلك. فقال: عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبى إليها خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله”[10].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَخْرُجُ مِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، يَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، هُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ”. (السلسلة الصحيحة).

 وهذه أحاديث مبشّرة بدور اليمن في مستقبل الأمة الذي يقتضي الإعداد له مبكرًا بحفظ منهج أهل السنة والجماعة.

ما يليق بأهل اليمن

عن عتبة بن عبد: أن رجلاً قال: يا رسول الله، العن أهل اليمن؛ فإنهم شديد بأسهم، كثير عددهم، حصينة حصونهم قال صلى الله عليه وسلم: “لا “، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعجمين: فارس والروم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مر بكم أهل اليمن يسوقون نساءهم ويحملون أبناءهم على عواتقهم فإنهم مني وأنا منهم”[11].

وجاء في البخاري دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:”اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا”. قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: “اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا”، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: “هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان”[12].

 ويكفي أهل اليمن شرفا أنهم أول من يشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. فعن ثوبان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: “إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم”.[13]

 وهذه كرامة لأهل اليمن في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وفي تقديمهم في الشرب منه صلى الله عليه وسلم؛ لحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام فالأنصار يرجع أصلهم إلى اليمن وكان لهم الدور الكبير في مناصرته ومناصرة دعوته صلى الله عليه وسلم.

والأنصار هم من الأوس والخزرج وأصلهم من اليمن نزحوا إلى المدينة بعد حادثة انهيار سد مأرب المعروفة بعد أن تفرق أهل اليمن أيادي سبأ فسكنوا يثرب وكانوا نعم الأنصار، آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين المهاجرين. ولعل هذا ما يفسر رقة قلوب الأنصار وسرعة استجابتهم لدعوة الإسلام.

ولا يليق بأهل اليمن وما خصّهم به الإسلام من فضل ومكانة إلا أن يقفوا في الصفوف الأمامية لحماية رسالة الإسلام كما جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وحملها صحابته من بعده، رضي الله عنهم، وحماية أهل السنة، أمام المد الصفوي الحوثي الرافضي. ليكونوا خير خلف لخير سلف من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ولا يليق بهم السماح لأذناب الرافضة بطمس الهوية السنية في اليمن، فمستقبل الأمة كلها وليس اليمن فقط يتصل اتصالات وثيقًا باليمن.

 ولا شك أن اليمن ككل بلاد فيها الصالح والطالح وإنما حديثنا لمن لم يبدلوا وما زالوا ينادون بإعلاء كلمة الله والتمسك بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم، فهم من تعنيهم معالم الحق، وهم من يتعلق بهم الحديث.

لقد جاءت هذه الفضائل في أهل السبق والاستقامة من أهل اليمن ليس للاستعلاء على المؤمنين إنما لأداء حقها كاملا وبذل النفس والنفيس في استحقاقها كما فعل أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:”لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار”، وقال عنهم كما في حديث البراء عند البخاري وغيره: “لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق”، وكان كثيرا مايدعوا لهم كما في قوله “اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار”.

مؤسسات إغاثية مصغرة

ويبقى واجب المسلمين في كل مكان التعاضد والتكاتف وسد حاجات بعضهم البعض ومد الجسور مع أهل الاستقامة والصلاح في اليمن لإيجاد طرق لإيصال المساعدات لمن يحتاجها، فهو من أجلّ أعمال البر في زماننا.

وهذا يدفعنا لطرح فكرة إنشاء مؤسسات إغاثية مصغرة تعتمد على التزكيات والثقات وتفتح ممرات لتقديم الدعم لأهل اليمن، قدر المستطاع، فهذه الأمة تقوم على التكافل والعمل الخيري والتطوعي وعلى الزكاة والصدقات.

فالصراع سيتشد مع قابل الأيام والحاجة الماسة للتعاون على البر والتقوى وسد حاجات المسلمين ستصبح أبرز ما يهيمن على الساحات، والحكمة تقتضي المبادرة إلى إنشاء كل المشاريع التي تساعد في تثبيت قلاع أهل السنة في البلاد الإسلامية، وفي مقدمتها اليمن،

فالله الله في دعم أهل السنة أمام طوفان الفساد الإيراني الذي يمتد، ويدخل في ذلك فضح كل خائن وعميل ومتآمر والعمل على صناعة وعي يواكب التطورات التي تشهدها أرض اليمن، ليبصر اليمنيون أعداءهم بكامل تفاصيلهم ويميّزوهم عن أصدقائهم بكل بصيرة.

وفي الختام، إن الحديث عن واقع اليمن يدفع نفسه بقوة لنذكّر الناس أن هذه الأمة أمة واحدة وأن نصر أهل السنة في صراع عقدي بحت من أوجب الواجبات لا يجب التقاعس عنه، فكل الساحات الدعوية والتعليمية والطبية والاقتصادية والإعلامية وغيره من ساحات الدعم يجب أن تتكاتف على أساس هذا المبدأ العقدي في نصرة أهل السنة والوقوف كسد منيع أمام أطماع المشروع الإيراني المفسد.

عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.[14]

اللهم اجمع المسلمين على كتابك وسنة نبيّك صلى الله عليه وسلم واكفهم شرور أهل البدع والنفاق والكفر.


[1] قال الألباني: وبكار بن عبد الله – هو اليمامي – قال الذهبي: ” ما علمت به بأسا “. قلت (أي: الألباني): فهو شاهد مرسل جيد. أي: لحديث عائشة.

[2]  رواه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.

[3]  متفق عليه.

[4]  رواه البخاري.

[5]  رواه ابن حبان، وهو صحيح.

[6]  رواه أحمد، وهو صحيح.

[7]  فضائل أهل اليمن (1) (الآلوكة)

[8]  رواه الطبراني، وهو صحيح.

[9]  رواه الترمذي، وهو صحيح

[10]  رواه أبو داود، وهو صحيح.

[11]  رواه أحمد والطبراني، وهو حسن.

[12]  رواه البخاري.

[13]  رواه مسلم.

[14]  أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، (4/ 1999)، برقم: (2586)، والبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، (8/ 10) برقم: (6011)، بلفظ: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد الغريب

مقال جد رائع بارك الله فيكم، والحقيقة لقد استفدت درة من هذا المقال حديث تبع ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبه وإثبات الإسلام له، فهذا الحديث ولأول مرة في حياتي أسمع به وقد راجعت المصادر لدي فوجدته حديث جيد له شاهد لا بأس به فجزاكم الله كل خير عن تلك الفائدة الجمة وبقية ما ورد في المقال، أما عن اليمن فهم تاج العرب ومدد جند المسلمين عند الزحف تحت راية الحق، وإني مستبشر خير بإذن الله تعالى أن لا يطول أمد الأزمة اليمنية، وكذلك لست أخشى عليهم من عبث الحوثي ومن وراءه الإيراني بهدف تحريف عقيدة أهل السنة، فهي عقيدة محفوظة بإذن الله في جذر قلوب رجال اليمن وحرائرها وقد أثبت لهم رسول الله الإيمان والحكمة، ولا ينفي هذا بالطبع ضرورة الأخذ بالأسباب والعمل على مجابهة منهجية التجهيل المتعمد التي تتبعها إيران وجماعة الحوثي، وقد تفضلتم بذكر أفكار ممتازة في مقالكم، ولكني من منظور شخصي أرى والله أعلم أنه لابد من دعم أهل السنة في اليمن دعم حربي حقيقي لتأهيلهم لمجابهة الحوثي كما تدعمه إيران، وهذا على عاتق دول العرب المحيطة باليمن الأولى قرباً فالأولى ولكن لله عز وجل في خلقه شؤون، وكما يقال فمن قلب المحنة تخرج المنحة، ولعل ما يجري اليوم هناك له من حكمة الله مالا تبلغه عقولنا القاصرة وإنما هو فيه من إعداد اليمنيين وتأهيلهم عسكرياً بتدريب عملي ما فيه ويعلمه الله لزيادتهم صلابة وبأس لملاقاة ما هو قادم على كل المنطقة من أحداث تلوح بالأفق ويعد الحوثي مقارنة معها فعاله كفعال الصبية الصغار…
فإني مستبشر خير بإذن الله تعالى ونسأله جل وعلا حفظ أهلنا في اليمن وبيضة المسلمين، واللطف بضعافهم وهو أرحم الراحمين تبارك في علاه والحمد لله رب العالمين.

نصرواصل

الله يجزاكي خير يادكتوره مقاله رائع جدا وفي غاية الاهميه اتمنى من القراء ان لا تفوتهم هذه المقاله وان يقرأوها بتمعن وتركيز كبير

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x