النساء والخشية من الزواج

تعيش المرأة المسلمة في زماننا بين تدافع أفكار ومشاريع شغلها الشاغل “هدم المرأة”، تصل إليها عبر ترسانة إعلامية منتشرة ومؤسسات دولية ممتدة، وحقنٍ مسمومٍ استمر لعقود تحت ظل الهيمنة الغربية، بدأ مفعوله يسري في نساء المسلمين لأجيال متتالية منذ وطأت أقدام الاحتلال الغربي أراضي العالم الإسلامي.

لقد أيقن الغرب أن أحد أهم أسباب تحقيق الهيمنة في العالم الإسلامي هي تطويع المرأة المسلمة للخطط الغربية، وكان لهم ذلك للأسف، فقد فقدت المرأة في زماننا موقعها ودورها الرئيسي، فضاعت بضياعها أجيال واستمرت هذه الهيمنة ولم يصمد تحت وطأتها إلا من رحم ربي!

ولم يكن شغل المرأة عن وظيفتها المصيرية في الأمة بصناعة الأجيال المسلمة القادرة على حمل أمانة الإسلام، هو السبب الوحيد في استمرار الهيمنة، فلا شك أن هناك عوامل هدم أخرى اجتمعت معها لتحقيق ذلك ولم يكن الرجل بعيدا عن مرمى أهدافهم وكل عوامل الانبعاث في الفرد والأمة.

ليس الهدف من هذه المقالة الحديث عن المكر الغربي والهيمنة وتداعيات الاحتلال وغيره من استراتيجيات وخطط استضعاف لا تزال فعالة إلى يومنا هذا لكنني أريد أن أسلط الضوء على قضية مهمة تتصل بكل ذلك وباتت تتفشى في مجتمعاتنا، وتصلني لأجلها استفسارات وتبريرات، إنها قضية عزوف النساء عن الزواج وخشيتهن من دور الزوجة والأم!

فمن أين أتى هذا الخوف وكيف تشكل وما هي دوافعه؟

تماما كما لدينا نساء حلمهن الزواج والاستقرار ولا يمكنهن ذلك بسبب قوانين وضعتها الأسر – ما أنزل الله بها من سلطان- كإتمام الدراسة والعمل والمساهمة في مصاريف الأسرة وغيره، لدينا نساء يخشين الزواج ويهربن من الاستقرار ولا يتشجعن عليه لمفاهيم خاطئة حملنها، نلخصها فيما يلي بناء على ما أشاهده في الاستشارات التي تصلني بهذا الشأن والمشاهدات من الواقع:

  1. التهويل من مسؤولية الزوجة

يحرص نوع من الخطاب الدعوي لتصوير دور الزوجة بالمهمة التي تكاد تكون مستحيلة، فيطالبها بأداء أشبه بالرجل الآلي، لا يقبل منها الخطأ ولا الضعف، وإلا فتتحمل مسؤولية هلاك بيت! وتتصور الفتاة التي تقرأ الكثير من التعليقات من هذا النوع أن الزواج امتحان كبير لن تتحمل مسؤوليته، من محاولة إرضاء للزوج كل الوقت ولو كانت نفسيتها لا تساعد وضعيفة، ومن تحمل أعباء التربية لوحدها لا يقبل منها الخطأ ولا تستحق المساعدة، ومن علاقة أساسها السمع والطاعة حصرا ولا رحمة فيها ولا مودة، فصنع هذا التصور خوفا وخشية كبيرة لدى شريحة من النساء من الزواج، لأن تداعياته مساءلة وحقوق لا يقدرن على الوفاء بها، ولكن هذا الفهم خاطئ تماما، فالحياة في الزواج تقوم أساسا على المودة والرحمة والعشرة بالمعروف والاحتساب، ولن يكون هناك زوج عاقل يجد زوجته في حاجة له ويتخلى عنها بحجة (هذا واجبك) و(هذه مسؤوليتك وحدك)، إن تصوير الحياة الزوجية على أنها مجرد معادلات رياضية باردة جافة غير منطقي ولا واقعي، فالعلاقة انسجام وتعاون على البر والتقوى، فحين تضعف الزوجة وتحتاج لدعم سيكون زوجها أول من يدعمها، هكذا كان السلف الصالح ولم تكن تحاكم محاكمة “سيف بتار” إما أن تقومي بكل واجباتك أو أنت فاشلة، فالأيام تتداول بين الناس بين ضعف وقوة، بين إقبال وإحجام، وكل خطوة في حياتنا نستعين فيها بالله تعالى، وأتذكر في هذه الأثناء كيف كانت نساء السلف يقمن بكل شيء لوحدهن ويجدن بركة ومعونة من الله تعالى بالذكر والدعاء، فأيتها المسلمة دعك من إرجاف المرجفين ومن وسوسة الشياطين، إن قيامك بدور الزوجة والأم شرف قبل أن يكون تكليفا، ولا تعتقدي أن الله تعالى يتركك بدون معونة وبركة إن أحسنت الاستعانة به سبحانه وكنت أمة عابدة له، فدعك من هذه الأحاديث التي يكذبها الواقع وتردها التجربة، ولا تحرمي نفسك نعمة وفضلا وزوجا صالحا. وتأكدي أن الكريم إن أكرمته ملكته. ولا يكتب الله الزواج إلا أن فيه الخير لإمائه فأحسني الظن بالله تعالى وتدبري آيات الزواج في القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته رضي الله عنهن، تهدأ مخاوفك.

  • حجم التجارب الفاشلة وارتفاع نسب الطلاق

تخشى الكثير من الفتيات من الفشل في علاقة زوجية، ولا تريد أن تتكبد مشاعر الحزن والألم والفراق وتداعيات الخلاف خاصة وأنها تشاهد هذه النماذج بشكل كبير حولها، فالمطلقات يكثرن وأسباب الطلاق متعددة، والفجور في الخصومة يندى له الجبين، وضعف التقوى يهيمن على المشاهد، فترى نفسها كلما حدثتها عن الزواج، مطلقة تلقائيا من شدة ما ترى، ثم حين تسمع أحاديث المطلقات والمطلقين، والتجارب الفاشلة، تتراجع ثقتها في إمكانية النجاح في علاقة زوجية، وربما تكون تشاهد هذا الفشل بنفسها تحت سقف واحد مع والديها، ولذلك أقول، إن انتشار الفشل ليس بالضرورة سبببا لتكراره معك، فكل ما في الأمر أنك مطالبة بالتمرد على كل أسباب تصنع هذا الفشل، وهي كثيرة، وبدايتها الأهداف من الزواج، فكلما كانت أهدافا دنيوية بحتة، فقدت البركة، لذلك صححي البوصلة، وغيري الطريقة التي يعيش بها الناس، ولا تجعلي نفسك نسخة متكررة عنهم، بل دورك تقديم نسخة ناجحة وقدوة بجمع أسباب ذلك، فلو اتبع كل واحد الأغلبية الفاشلة لما رأينا يوما ناجحا واحدا. بل النجاح يكون دائما لمن حمل مبادئ يؤمن بها وجمع لها أسبابها التي يبذل لها بإخلاص، مستعينا بالله تعالى، ثم يرى بنفسك معية ربه سبحانه، لذلك أخية، لا يغرنك فشل الفاشلين، ففضل الله واسع سبحانه ولا بد أن هناك في زاوية من المشهد قصص نجاح رائعة تستحق التثمين، فلتكن قدوتك.

  • الخطاب النسوي المحرض

وهذا الخطاب المريض الذي تفشى بيننا بكل أشكاله الإعلامية والثقافية قد تسبب في خسائر كبيرة في فكر المرأة، وللأسف يجد ما يغذيه دائما من أخطاء في المجتمع وبتراجع دور الرجل فيه، بغض النظر عن الأسباب نحن أمام مرض وفكر خبيث يجب أن يعالج مبكرا، وأن تفهم المرأة أن النسوية حالة مرضية وداء لا يجب أن يتسلل إليها، فنصنع فيها حصانة ضده، ولعل من أبرز ما يعمل هذا الفكر الهدام على ترسيخه في فهم المرأة، هو ضرورة الاستقلالية و”تحقيق الذات” بعيدا عن زوجها وأسرتها، وصناعة الخوف من الإنجاب والزواج لأنه يحرمها “حريتها” وبدل ذلك يعززون فكرة الفردانية والرضا باستغلال المدير وصاحب العمل، ويخوفونها من صورة الأم وربة البيت ويقبحونها في نظرها، فعالجي ذلك كله بالقرآن والسنة والعمل الصالح، والصحبة التي تذكر بالله والقراءة النافعة والاهتمام بالوعي والعلم اللازم، فلم أر مثل هذا العلاج يرمم القلوب ويهدم الشبهات ويعيد المرأة إلى جادة الطريق، أمة لله موحدة. لأن المعركة بين النسوية والمرأة هي في أصلها معركة بين الكفر والإسلام، ولا تذلّ مؤمنة أبية لدعوة كفرية. بل تستعلي بإيمانها والله مولاها وناصرها.

  • الخوف من العلاقة الزوجية

يتشكل لدى بعض الفتيات الخوف الشديد من وجود زوج في حياتها يأمر وينهى وتبقى في ذهنها تراكمات عن العلاقة السيئة بين أبيها وأمها، وأحاديث الجارات عن عنف أسري أو عن حالات نساء يتحدثن عن العلاقة الزوجية بتقبيح وتبشيع، ومبالغات وقصور في الفهم، فتنفر الفتاة من ذلك وتنظر لها نظرة الريبة وترى كل رجل يتقدم لها مجرد شهواني لا يهتم لجوهرها وروحها، وهذا كله للأسف من تراكمات الأخطاء التي نعيشها في المجتمع وتصنعها الدراما. وهذا النوع من النساء حتى إن تزوجن يعانين جدا في قضية الانسجام مع الزوج بسبب هذا الخوف وهذه النظرة الدونية للعلاقة الزوجية. والأصل معاجلة كل هذه الأفكار بهدي السنة وسير الصالحات، والنظر في جمال المودة والرحمة وثمرة الأمومة ولا بد أيضا من الاهتمام بالأنوثة وحفظها من التشوهات الفكرية. كما يجب الحذر من الاستغراق في المشاهدات المحرمة لأن من تداعياتها الخوف من العلاقة الزوجية وتكوين فهم مغلوط عن طبيعة هذه العلاقة في الحلال. وللأسف هناك نساء ابتلين بهذه المشاهدات سرا وبالخفاء لتأخير سن الزواج وكثرة الفتن وصحبة فاسدة وغيرها من أسباب، ثم أصبحت النتيجة، تصورات خبيثة تهيمن!

  • العادات والتقاليد البالية

تعزف الكثير من الفتيات عن الزواج بسبب تحملهن مسؤوليات لم تكن واجبة عليهن في الإسلام، فتطالب الفتاة بالعمل وجني المال وتحقيق أحلام أهلها، والظهور والبروز والاهتمام برؤية المجتمع لها، فتجد نفسها أمام هذه المسؤولية غير قادرة على التفكير في نفسها وبناء أسرتها، فما جعل الله لامرئ من قلبين في جوفه، ويسير قطار العمر وهي غير مؤهلة لأن تكون زوجة فكل تفكيرها منحصر في جمع المال وتحقيق النجاح الاجتماعي الوظيفي، وتجد بالمقابل من يخدر ضميرها كلما استيقظ، فبين مهوّن من الأمر وبين من يجعل الشهادة أعظم سند وإنجاز لها، وبين من يذم نماذج ربات البيت وهلم جرا من تفاصيل في المشهد تجعلها تتعلق أكثر بخيار العمل للدينا! وهذا الأمر يتطلب وقفة جادة مع النفس والكف عن السمع والطاعة فيما لا يرضي الله، ولتتمرد على هذه الجاهلية ولتخرج من مسار اللهث خلف الدنيا الذي لا ينتهي، ولتفكر قليلا في فطرتها وآخرتها.

  • الخوف من الخيانة

لانتشار قصص الخيانة والغدر في مجتمعاتنا سواء فيما يتناقله الناس أو الدراما والإعلام، يتكون لدى شريحة من الفتيات رعب من فكرة الزواج من رجل يخونها، والمشكلة أن مجرد التفكير في أن الرجل قد يعدد، يجعلها تعزف تماما عن فكرة الزواج، ولذلك الكثير من النساء يرفضن الرجل الذي يفكر في التعدد لأنه بالنسبة لهن خيانة وهذا كله من تراكمات التفكير الغربي الذي انتشر مع أن الغربيات تعايشن مع الخيانة الزوجية بشكل عجيب! ويشغلهن الظهور البارز في المجتمع عن حقيقة خراب العلاقة الزوجية في بيوتهن، ولذلك يكثر الإدمان على الخمر وتعاطي المسكنات والعقاقير للأمراض النفسية لتجاوز آلام ذلك، والمسلمة تعلم أن الرجل المسلم التقي لا يخون ولا يتعدى حدود الله، وأن التعدد حق شرعي له، فلتحسن الاختيار منذ البداية وتسلم لأحكام الله تعالى التي ما جعلها إلا لحكمة عظيمة ولمصلحة أكبر، ولا تتكلف التفكير في مستقبل قد تعاجلها المنية قبل الوصول إليه!

  • الخيبات العاطفية والتجارب الفاشلة

للأسف تعيش الفتاة اليوم في وسط لا يحميها ولا يصونها، فمجتمعات تطالب بالاختلاط وتفرضه فرضا وآباء وأمهات انشغلوا عن حفظ البنت من لصوص الأعراض، وجفاف عاطفي متفشٍ في البيوت .. تتربى الفتاة وسط كل ذلك، تحلم بفارس أحلامها البطل!

وحتى لو كانت الفتاة ملتزمة ومهتمة بدينها وعباداتها، تبقى امرأة وفيها حاجة السكن والزواج، ومع تأخير هذا الأمر وفتح أبواب الفتن أمامها، تجد نفسها تحلم بنموذج الزوج الصالح الذي سينتشلها من كل ذلك، ثم تتفرغ لبيتها وتحقيق حلمها زوجة وأما!

فتقع فريسة – جرأة رجل- يحمل ظاهرا جميع مواصفات أحلامها بما فيها الالتزام وحب الإسلام والعمل الصالح والحلم بأسرة مسلمة واعدة، فتلتقي جرأته وحاجته النفسية بضعفها وشغفها، ويتكون من ذلك تعلق يجعلها تضحي بكل شيء لأجله، بل وتحمل نفسها العهود والمواثيق بالوفاء له، وبحفظه كأنه زوجها! وكلما ارتابت واستيقظ ضميرها وجدته يطمئنها ويؤكد لها أنه الرجل الذي سيحفظها ويصونها ويحقق معها الأماني الواعدة! فتصدق كل ذلك وتحسب نفسها تحسن صنعا وقد أمنت! ولكن هذا الرجل لا تعرف عنه إلا ما يظهره لها، من وجه حسن، ومحبة واهتمام، ثم تتفاجا مع الأيام بتبدله، وتنصله وتنكره لكل وعد وعهد، والهروب من طلب خطبتها والزواج منها، فيتركها محطمة في منتصف الطريق لأتفه سبب! فما أسهل التهرب من مسؤوليات علاقة لا تجوز شرعا بل والتبرير للهروب من ذلك بالشرع! على عكس الزواج الذي يفرض عليه الوقوف رجلا أمام مسؤولياته!

فتيات في مثل هذه الحال كن يحملن الحلم بالزواج من رجل صالح يندر وجوده في وسطهن ينتشلهن من مجتمع متفكك لا يرحم، فيسقطن ضحية كل تفاصيل المشهد، وينهدم فيهن شيء وتنطفئ أرواحهن، وينظرن للرجال جميعا بنظرة الريبة، فتنزوي المكلومة وتتقوقع وترفض عروض الزواج، لأنها تحمل فوبيا الغدر، وفوبيا الاستغلال، وفوبيا الكذب!

لذلك الكثير من الفتيات اللاتي رفضن الزواج لديهن تجربة عاطفية فاشلة، وتحملت تكاليف إحسان الظن برجل غريب كانت تعتقد أنه المنقذ، تعلقت به بإخلاص تخدر ضميرها وعود الزواج ومعاهدات الصدق! والمرأة بطبعها تحمل كما كبيرا من المشاعر، فإن أخرجته مرة واحدة للرجل الذي لا يقدره ولا يصونه، تكبدت خسائر كبيرة في نفسها وحياتها، ولذلك جاء الإسلام ليحفظ المرأة من استنزاف مشاعرها في غير مكانها الصحيح، وحرّم العلاقات بدون الزواج، وجعل الحلال بابا مفتوحا لكل من يريد امرأة تعجبه، وإلا فأعراض المسلمين لا يُستهان بها وكما تدين تُدان.

لذلك ننصح بشدة الفتيات وخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أن تصون نفسها، وأن لا تصدق كل رجل يتقدم لها بهذه الطرق ولو بحجة يريدها لله وفي سبيل الله ولو كان شيخا وداعية وصاحب شهرة على المنابر، لأن الصادق لن يتركها في منتصف الطريق بل سيتزوجها بميثاق غليظ، وتلك حقيقة التقوى. نعم قد يضعف الرجل ولكن الرجولة تذكره بعواقب تدمير فتاة مسلمة أيا كانت مبرراته، فيصونها كما يحب أن تصان أخواته وبناته، وإلا فكيف يرجو أن يرزقه الله امراة تحفظه بالغيب وقد هتك أستار بيوت المسلمين بالخفاء. والرجل يتحمل مسؤولية وعوده ومواثيقه، لأن الله تعالى شاهد عليها ولأن الهروب هو غالبا وسيلة هذا الصنف من الناس، والمرأة هي الضحية التي لا بواكي عليها، فعلى المرأة أن تصون نفسها لأننا في زمان لا يصونك إلا النأي بنفسك عن كل علاقة مع الرجال تدخل منها الشبهات. فإن تورطت وحصل ما حصل، فهذا درس لك تعلمت منه الكثير .. اجعلي منه سببا لارتقائك لا تراجعك.. فتلك همة المرأة المسلمة، استدراك وتوبة وتصحيح لأن أمة كاملة تنتظر منك صلاحك. والله لطيف خبير بعباده. لا يخفى عليه شيء!

  • الصورة المثالية

تعزف الفتيات عن الزواج لكون النموذج الذي رسمنه في أذهانهن مثالي جدا للزواج، فتجد الفتاة تريد مواصفات يصعب توفرها في محيطها وبذلك تفضل أن تبقى عزباء على أن تتورط بزواج لا يلبي طموحاتها، وهذا الصنف معذور في الحقيقة، خاصة مع ما ينتشر من نماذج سيئة للأزواج في حياتنا، لكنه ليس بحجة دائمة، فالأصل البحث عن الدين والخلق في الرجل، فإن توفر فلتستعن بالله وتستخيره وتقبل فهذا الهدي، وإن شئت الحقيقة، فإن الزواج قدر لا مناص منه إن كتبه الله، ولو حاولت الهروب منه وقد كتبه الله فستتزوجين من كتب الله لك الزواج به، ولا يغني حذر من قدر، فاستعيني بالله ولا تدري أين يكون الخير وفي الأخير الزواج ليس فقط لأجل زوج بصورة مثالية بل كذلك لأجل أطفال قرة عين لك وللمسلمين، ففكري في ذلك أكثر.

  • التبتل

ولا نقصد هنا المحمود منه بالانقطاع لله تعالى كما في قوله سبحانه (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل:8].

إنما نقصد التبل المذموم، كما يفعل النصارى بترك النكاح، والتشديد على النفس في العبادة وقد نهى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا التبتل والرهبانية، فقال سبحانه وتعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) [الحديد:27].

وفي صحيح مسلم عن أنس أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش! فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا: كذا و كذا؛ ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.

ولذلك لا يجوز مخالفة الهدي النبوي، فمن توفر لها الزوج الصالح فلتتوكل على الله محسنة الظن بربها، عابدة خاشعة له جل جلاله.

قدر ورزق وامتحان

هذه كانت أبرز الأسباب التي تجعل النساء يعزفن عن الزواج، وأقول لكل مسلمة، إن الزواج، قدر ورزق وامتحان، فلا تنظري له على أنه الحلم العظيم الذي يجب أن يتحقق وفق مقاييس معينة أو ترفضينه، ولا تنظري له على أنه تحصيل حاصل لنتيجة فاشلة مدمرة، بل هي أقدار نمضي إليها، والعديد من النساء تزوجن عدة مرات ولا تزال فطرتهن سليمة وفكرتهن عن الزواج سوية، ولم يفجرن في الخصومة ولم يكفرن هذه النعمة، ولكنه القدر أن تكون المرأة لرجل دون الآخر، فطوبى لمن أحسنت وتركت الأثر الطيب واتقت الله فأدت ما عليها ولم تظلم، ثم تمضي إلى ربها بنجاح في امتحان التقوى، فحتى إن لم يستمر الزواج وحصل الطلاق، العبرة في أدائك في هذا الطلاق، وكلها امتحانات نرتقي بها أو ننزل، فاختاري لنفسك كل ما تتقربين به إلى الله باتباع كتاب ربك وسنة نبيه والرضا بالأقدار خيرها وشرها. فذلك هو سبيل الفوز.

ولا تندم المرأة المسلمة على الحلال أبدا، فالطلاق بعد زواج حلال ليس فشلا، ولا يعني هذا أن تقبلي بأي رجل يتقدم إليك، بل لا حرج أن تتخير المرأة الأفضل لدينها وظروفها! فليست كل النساء في الظرف نفسه وليست كل النساء مدللات في حياة مرفهة، فاستخيري الله واشغلي نفسك بالطاعات حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وأقول لمن لم ترزق زوجا صالحا في حياتها، في الجنة لا يوجد عزوبية، فاعملي لمرتبة عالية فيختار الله لك بعض أحب عباده إليه!

واعلمي أن السكن الحقيقي يكون في الجنة، لذلك نعمل ولذلك نبذل وإنما خلقنا لنعبد الله جل جلاله، فمن لم توفق لرجل صالح يصونها ويعفها ويعينها على التقوى، فلتصبر ولتعمل لمراتب الفردوس الأعلى، ولتحتسب لأن الله سبحانه ابتلاها بذلك ليرى صنيعها.

ويبقى الزواج الناجح فضل من الله تعالى فمن حُرمته فلتحتسبه من ابتلاءات الطريق ونقص الأنفس، ولا تكفره نعمة من الله ابتداء، قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )[الروم:21].

حفظ الله نساء المسلمين وهداهن لما يحب ويرضى، وجنبهن الفتن ما ظهر منها وما بطن وجمعهن برجال صالحين قادرين على القوامة وحفظ الأمانة.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Mehrsprachigkeit Mensch

كلام جميل، جزاكم الله خيرا. لا ننسى أيضا أن بعض المسلمون يسيئون معاملة زوجاتهم فتخاف بناتهم من الزواج.

أميمة

جزاكم الله عنا خير الجزاء دكتورة ليلى مقال جامع نافع بارك الله لكم وبكم

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x