القرار في البيت بين “المقبرة” و”المملكة”: 20 وظيفة للمرأة القارة في البيت

يفرض حديث القرار في البيت نفسه بإلحاح مع استمرار التصورات الخاطئة والأحكام المجحفة في شيطنته وتقبيحه وبخسه كل حق وسلبه كل أثر جميل وجوهر وقيمة.

ويبدو واضحًا أن الافتتان بالوظائف في الشركات ومصادر الدخل المغرية لكثير من النساء صنع نوعًا من الغرور والاستعلاء على المرأة القارة بالبيت، وانعكس ذلك في نفوس العديد من النساء، بشعور دونية وفشل وضعف إنجاز وتأثير في الحياة يرتفع كلما بدأ الحديث عن موضوع القرار بالبيت.

وهذا حقيقة من أقبح ما يتم تداوله في زماننا ومن أخبث وسائل تحريف المفاهيم ومحاربة حقوق المرأة المسلمة.

سألخص في هذه المقالة بشكل ملح وسريع أبرز الوظائف التي يمكن للمرأة القارة في البيت العمل عليها، بما فيه رفعتها في الدنيا والآخرة، وهي وظائف تحقق تأثيرًا عظيمًا ومباركًا في النفس والأسرة والمجتمع أكثر من وظيفة المرأة المبخسة لفضل القرار في البيت حتى ولو عملت في أرقى الشركات وحازت أكبر الألقاب وحملت أفخم الشهادات.

ولا شك أن قرار المرأة في البيت بدون هدف ووظائف تقوم عليها هو الوصف الأقرب للمقبرة، ولكنه حال المتقاعسات والظالمات لأنفسهن بدون هوية ولا بوصلة وليس المسابقات بالخيرات! اللاتي يبنين ممالكهن وقلاعهن على نور من الله تعالى فتتحول إلى مراكز نور وعطاء في كل الأمة المسلمة وعلى امتداد الأجيال المسلمة!

وليس الهدف تحقير المرأة التي تعمل في وظيفة خارج البيت ولا بخس الصالحة منهن حقا، إنما الهدف هو تعزيز مكانة المرأة القارة في البيت وتسليط الضوء على ما تمتلكه من فرص وأدوار هي في الواقع مصيرية لتحقيق سعادة الأسر واتزانها واستقرارها ودوام دورها الحيوي في الحياة، وإن أكبر جريمة بحق الدين والأمة هي تحقير دور المرأة المسلمة القارة في البيت وتهميشها وخذلانها بينما هي تقف على أحد أهم ثغور الإسلام والأمة، لا ينبغي التفريط فيه أو التقصير في دعمه وحفظه مؤثرًا في انبعاث الأمة وإقامة بنيان الإسلام في الأرض.

20 وظيفة للمرأة القارة في البيت

1- وظيفة أمة لله من أهل القرآن وخاصته

Free children reading quran image“/ CC0 1.0


إنها على الإطلاق أسمى وظيفة للمرأة القارة في البيت، أن تكون من أهل القرآن وخاصته، أن تتعهد كتاب الله العظيم بالحفظ والمدارسة، وهذا يستوجب تفرغًا، ووقتًا محددًا في اليوم وصبرًا على إتمام الحفظ والتفقه في علوم القرآن.
وفي الواقع إن تحقيق شهادة حفظ كتاب الله تعالى لهي أكبر وأعظم إنجاز وشهادة من كل الإنجازات والشهادات التي تتباهى بها خريجات الجامعات المحاربات للقرار في البيت.
ولنا أن نتخيل امرأة مسلمة قارة في بيتها تتلو كتاب ربها كل يوم، لها في كل حرف حسنة وفي كل حسنة عشر حسنات، كيف تكون حياتها!

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتاب الله فَلَهُ حَسَنَة، والحَسَنَة بِعَشْرِ أمْثَالِها، لا أقول: ألم حَرفٌ، ولكِنْ:” ألِفٌ حَرْفٌ، ولاَمٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ”. صحيح رواه الترمذي.
وبالمقابل نرى تلك المرأة التي تخرج متبرجة إلى وظيفتها في الشركة “المرموقة” فتختلط بالرجال وتفتنهم وتتحول لعداد سيئات متحرك، لترجع آخر الشهر براتب شهري دسم وجبل من السيئات!
فأيهما يعد إنجازًا، هل جبال الحسنات وطرق أبواب الفتوحات الربانية الموجبة للتوفيق والمعية وفضل الله العظيم، أم ابتغاء مرضاة الناس بسخط الله جل جلاله.

روى البخاري في صحيحه عن سَعْد بْن عُبَيْدَة ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ” ، قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: «فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا».
وأخرجه البخاري أيضاً بلفظ: “إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ”.
 وللترمذي بلفظ: ” خَيْرُكُمْ، أَوْ أَفْضَلُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ”.


ويكفي من ذلك أن المرأة المسلمة القارة في البيت يمكنها أن ترتل آيات الله عن ظهر قلب والأخرى محرومة من فتح مصحفها، فالأجواء لا تساعد واللهث خلف حطام الدنيا قد أذهب كل حكمة وبصيرة!
وهذا أول لقب على المرأة القارة في البيت أن تسعى للحصول عليه وهو لقب “أمة لله من أهل القرآن وخاصته” وفضله عظيم في الدنيا والآخرة وهو تمام الاتباع والاستجابة لأمر الله جل جلاله على خطى الجيل المتفرد، قال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) ( الأحزاب: 34)
جاء في تفسير السعدي رحمه الله لهذه الآية: “ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل وترك، أمرهن بالعلم، وبين لهن طريقه، فقال: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) والمراد بآيات اللّه، القرآن. والحكمة، أسراره. وسنة رسوله. وأمرهن بذكره، يشمل ذكر لفظه، بتلاوته، وذكر معناه، بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله. ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) يدرك أسرار الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر.
فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة اللّه على تلك الأعمال.
ومن معاني { اللطيف } الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر، بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق، ما لا يدريه، ويريه من الأسباب، التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقا [له] إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل”.

فحيا الله القارات في البيت لهذا المقام الرفيع وهذا الفضل العظيم.

2- وظيفة العابدة القانتة

إن القرار في البيت يعطي مساحة واسعة للمرأة لعبادة الله تعالى والاجتهاد في الطاعات والقربات، كقيام الليل والصلوات النافلة والصيام، والذكر وما أدراك ما الذكر، فلدى المرأة في البيت فرصة ذهبية لجدول عبادات هو بوابة فتوحات وخيرات لا تعد ولا تحصى، وسبيل ارتقاء هي بأمس الحاجة إليه، ويقدم القرار في البيت فرصة لتحقيق مرتبة خيرية وفضل ولقب يناجز عليه بالسيوف!
قال الله تعالى (عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) (التحريم: 5)
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية :” ولو طلقهن، لكان ما ذكره الله من هذه الأزواج الفاضلات، الجامعات بين الإسلام، وهو القيام بالشرائع الظاهرة، والإيمان، وهو: القيام بالشرائع الباطنة، من العقائد وأعمال القلوب.
القنوت هو دوام الطاعة واستمرارها { تَائِبَاتٍ } عما يكرهه الله، فوصفهن بالقيام بما يحبه الله، والتوبة عما يكرهه الله، { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } أي: بعضهن ثيب، وبعضهن أبكار، ليتنوع صلى الله عليه وسلم، فيما يحب، فلما سمعن -رضي الله عنهن- هذا التخويف والتأديب، بادرن إلى رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الوصف منطبقًا عليهن، فصرن أفضل نساء المؤمنين، وفي هذا دليل على أن الله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أكمل الأحوال وأعلى الأمور، فلما اختار الله لرسوله بقاء نسائه المذكورات معه دل على أنهن خير النساء وأكملهن”.

والوصول إلى هذه المرتبة يتطلب قرارا في البيت ولا يمكن أن تكون المرأة عابدة قانتة لربها وخاشعة في عباداتها في شركة أو وظيفة خارج البيت تشغل كل يومها وقد تكون مصدر سيئات جارية كالاختلاط والتبرج والعمل فيما لا يليق بالمسلمة، وما جعل الله لامرئ من قلبين في جوفه.


3- وظيفة طالبة العلم الفقيهة


وهنا فرصة عظيمة للمرأة القارة في البيت خاصة مع توفر وسائل طلب العلم على الشبكة ومع توفر المراجع والكتب والبرامج المعينة والشروحات والمواقع والمكتبات العلمية الزاخرة، فلا يتطلب الأمر سوى تسطير جدول دراسي، يعتمد قاعدة “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، وقاعدة” قليل دائم خير من كثير منقطع” وتتحول المرأة القارة في البيت لعالمة بدين ربها فقيهة تنور حياتها وحياة من حولها بعلمها مزدانة بتاج وقار!
فالعلم والفقه يورثها الحكمة والوقار، ويرفعها مرتبة جليلة كما رفع بها أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن، قال الله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ( المجادلة: 11)
وكلما ازدادت علمًا وعملا به، ارتقت في الدرجات وصغرت الدنيا في عينيها وعظمت في قلبها مراتب الجنة والسعي لها وكفى بذلك ظفرًا!
قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ( فاطر: 28)
فطلب العلم للمرأة القارة في البيت مهنة ووظيفة جليلة، وهي تطلبه لتحيي قلبها وقلوب من حولها، لتحارب الجهل والبدع وتدعو للتوحيد والسنة وفي ذلك فضل عظيم لا يُبارى!
ومهنة طلب العلم تتطلب إخلاصًا وتركيزًا وتفرغًا لا يمكن للمرأة التي تخرج من البيت كل يوم أن تحققه، ولا أن تنافس فيه. لأن مناظر الطريق عقبة وعائق!

4- وظيفة الخبيرة بالأشغال اليدوية والحرف

وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها أمنا زينب رضي الله عنها فقالت: ولم أر قط خيرًا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي يتصدق به إلى الله عز وجل.
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا”، فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ولم تكن بأطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة وكانت زينب امرأة صناع اليدين تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله.
فهذه أم المؤمنين زينب كانت تصنع بيدها وتخزر وتتصدق به، وهناك قائمة طويلة وملهمة من الحرف والصناعات التي يمكن للمرأة أن تتقنها، من الحياكة والأشغال اليدوية والصناعات المنزلية وغيره من أبواب الحرف الجميلة التي يمكنها أن تتحول لمصدر رزق أو يكفي منها مصدر سعادة في البيت وأثرًا في الهدية المميزة.
والمرأة التي تحترف حرفة كهذه تقدم خيرات كثيرة لبيتها ومن حولها سنجد بيتها أكثر تميزًا ودفئًا ولمساتها باقية في زواياه وممتدة إلى غرف أطفالها ومنازل الجيران والأحبة وميادين المسابقة بالمعروف.

5- وظيفة المرأة “الشيف” الخبيرة بشؤون الطبخ

من يتأمل كيف يعتني العالم بالطباخين المحترفين وكيف توزع عليهم شهادات النجاح والسبق بفخر، وتوفر لهم أكاديميات خاصة بتعليم الطبخ والمسابقات الدولية والمحلية، يدرك أن الطبخ ميدان علم وفن قبل أن يكون ميدان أكل!
والمرأة التي تبرع في هذا المجال تحوز سبقًا وأفضلية في محيطها، فهي تسعد أفراد أسرتها ويمكنها أيضا أن تسعد أقاربها وضيوفها وحتى الفقراء والمساكين والمحتاجين بصدقاتها المميزة.
ومعلوم أن الكثير من النساء اليوم اعتدن الكسل وأكل المطاعم و”الأندومي” وتحولت حياتهن لحياة آلية، تفتقد لروح تلك المرأة المعطاءة.
وفي المقابل الكثير منا يحتفظ بذكريات الجدة التي كانت تخبز الخبز أو تطبخ الطبق التقليدي المحبب، ونكبر مع تلك الذكريات منذ الطفولة، لنرى مع النضوج أن جلسة عائلية بسفرة من يد الجدة صنعت في داخلنا سعادة أكبر من كل جلسات المطاعم الشهيرة والفاخرة، ولذلك أقول، إن تعلم حرفة الطبخ لابد أن يبدأ مبكرًا، وتتعلمه الفتاة بمحبة وشغف على أنه علم وفن ووسيلة إسعاد وصدقة وإحسان وليس مهمة شاقة ثقيلة تتأفف منها، ففرق كبير بين تقديم المرأة لطبق بطريقة المن والأذى والاستثقال وبين تقديمه بأثر روحها الكريمة السخية في كل تفاصيله وتفاصيل تقديمه!
والمرأة التي لا تتقن الطبخ فيها عيب ونقص كبير لا يحبذه الرجل العاقل، فالطبخ مهنة الزوجة والأم ومن لا تجيده هي في ورطة ومأزق!

ويمكن للمرأة القارة في البيت أن تحول علمها في الطبخ لصدقة جارية وتخرج كتب وصفاتها وتنشر وصفاتها بتقوى الله، بدون إسراف وبدون أن يكون في ذلك إفسادًا. كما يمكنها أن تتصدق بوصفاتها الأحب لقلبها لأشد الناس حاجة. ويمكنها تبادل الثقافات مع أقوام آخرين وفي ذلك متعة وسعادة وبرا. كما يمكن أن يتحول لباب رزق لها في حال احتاجت لذلك، حيث يمكنها صناعة المأكولات وبيعها.

6- وظيفة خبيرة الترتيب والديكور

تدرس بعض النساء لسنوات كي تتمكن من تحصيل شهادة خبيرة ديكور وترتيب، بينما المرأة القارة في بيتها يمكنها أن تمتلك ذوقًا أفضل وأجمل من كثير من خريجات الديكور في زماننا، بحسها المرهف وبحثها عن أسباب تحويل عشها لجنة، وليس ذلك بكثرة الأموال والتبذخ بل بالذوق الرائق والإلهام الجميل والروح المؤمنة المؤثرة المباركة.
وهنا باب واسع لأفكار الديكور والزينة والتفاصيل الملهمة التي تجدها المرأة في أماكنها المخصصة.
فإن دخلنا مملكتها شعرنا بلمسات متقنة بروح سخية، زوايا دافئة وذكاء في تحويل المناسبات والأعياد لمحطات لا تُنسى!

كما يمكن أن تحول أفكارها لصدقة جارية لربات البيوت، فالأفكار كالمسامير كلما طرقتها ازدادت عمقا، وكم من فكرة صنعت السعادة في بيت ويسرت أمرًا وأمورًا.

7- وظيفة جمعية الإحسان والمسابقة

وأرى هذه الوظيفة من أجل وأعظم المهن للمرأة المسلمة، فهي تتحسس حاجات المسلمين والمستضعفين وتسدها، يشغلها التفكير في أبواب المسابقة بالخيرات والصدقات الجارية، والتخطيط لتحقيق أثر في كل ميدان بذل وعطاء وإيثار، وهذا لوحده ميدان يتطلب هندسة وإدارة وأهداف مرحلية وأخرى بعيدة المدى، يتطلب تعاونًا استراتيجيًا وفقها وبصيرة ووجلا!
ومن يتأمل سير من سبق سيجد أن المرأة المسلمة الحرة كانت مقترنة وحاضرة دائما بمشاهد الإنفاق والخير، والصدقات الجارية، وطوبى لمن عرفت بذلك في حيّها وعند من يجهل من تكون والأعظم منه أن تذكر عند ملائكة السماء! وبعض النساء في زماننا بلغت صدقاتهن إلى صحاري إفريقيا وشواطئ آسيا! تبر مسلما في حاجة، تروي عطشه وتشبع بطنه وتغذي عقله بالعلم النافع وتقوي قلبه بالقرآن وصدقات المصاحف.
ومثل هذه الوظيفة تتطلب إخلاصًا وعملا حثيثًا وليس مجرد فكرة تخطر يومًا وتخمد سنة! ويكفي من ذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء “تصدقن” والصدقات أبواب وأشكال، فليس بالضرورة أن تكون ثمينة ومكلفة، بل حتى لو كانت صدقة ماء أو صدقة حبات تمر! لكانت فيها البركة والمنفعة. وكل امرأة واستطاعتها، وكل وطريقتها في البر، ولا تحقرّين من المعروف شيئًا فأنت تتعاملين مع رب السماوات والأرض يعرف سرّك وجهرك وما أخفى!

ولنا في نساء السلف نماذج مهيبة لأساليب الصدقة، في تدبرها حكمة وبعد نظر.

8- وظيفة المعلمة والمربية

حين أتحدث عن المربية فهي الأم، المدرسة الأولى التي تتخرج منها الأجيال المسلمة، وهذا علم قائم بأركانه يتطلب بحثًا وتعلمًا واستشارات وسعيًا لصياغة شخصية مسلمة سوية، ويتطلب معرفة بعلم النفس للطفل ومعرفة بأساليب التربية البصيرة والموائمة بحسب حاجات الأطفال وأعمارهم، ومن كان لديها طفل أو أكثر فهي أكثر الناس انشغالا وأكثرهم تحملًا للمسؤوليات التعليمية والتربوية، فهي بلا شك أهم وظيفة تقوم عليها أحلام الأمة ونصرة دينها. ويمكن مع ذلك تخطيط برامج تربوية مشتركة مع الصديقات والجارات أو ترتيب برامج لنفع أبناء المسلمين ممن ينشدون الارتقاء والتغيير. وهذا بحر لا ساحل له من الأفكار العظيمة! ونشر العلم بها من صدقة العلم المباركة.

وسيكون رائعا أن تتفق الأمهات القارات في البيت على برامج تثقيفية وتربوية لأبنائهن، وابتكار الأفكار والخطط والمسابقات التشويقية، وصناعة ذكريات لا تنسى لأطفالهن، وهو من أجمل أبواب التعاون على البر والتقوى.

9- وظيفة كافلة الأيتام

كفالة اليتيم ليست مجرد مبلغ شهري يودع في حساب دار الأيتام أو رفع عتب بإرسال المال وانتهى الأمر، بل هي مشاعر واهتمام وعناية بطفل يتيم حرم مشاعر الأم، والنساء اللاتي يفكرن في الأيتام الذين حرموا دفء العائلة من أكرم النفوس وأعلاها همة، يحدوهن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: كَافِل الْيتيمِ -لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ- أَنَا وهُوَ كهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ وَأَشَارَ الرَّاوي -وهُو مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- بِالسَّبَّابةِ والْوُسْطى. رواه مسلم.
وإننا أمة التكافل والتعاون على البر والتقوى، والمرأة التي يمكنها الاهتمام بطفل يتيم ولو كان ذلك كل نهاية أسبوع يزورها في البيت فتوفر له أجواء الأسرة، والتربية والنصح والاهتمام، لكان باب خير عظيم!

لماذا أتحدث عن الأيتام، لأنهم شريحة مهملة وكل أسرة تحمل هم يتيم، فهي تساهم في حل مشكلة في الأمة.


10- وظيفة المزينة

Flower Still Life Crown Imperial“/ CC0 1.0


لقد جبلت الأنثى على حب الزينة والعناية بتفاصيلها المتعددة، ويدخل في ذلك صناعة وصفات الجمال وتجميع أفكار التجميل وحسن التبعل، ويمكن للمرأة القارة في البيت أن تصبح خبيرة في هذا الفن بدراسته فله مراجع وأفكار، وأيضا بتقديم خدمة التزيين لصديقاتها وأخواتها في الله ممن لا يتقن هذا الفن، وفي ذلك الكثير من المحافظة على الأنوثة ومن صناعة الجمال والسعادة في البيوت وعبادة حسن التبعل.

11- وظيفة الباحثة المتخصصة


وهنا في واقع المرأة القارة في البيت نتحدث عن وظائف وليست مجرد وظيفة واحدة، فقد تمتلك المرأة شغفًا بعلم بعينه، كعلم التربية أو علم النفس، أو علم المجتمع، أو علم التاريخ أو عدد ما شئت من علوم تنفع المرأة وأسرتها وأمتها، ولا تحتاج لأجل ذلك إلا تحميل وتوفير الكتب والمراجع المتخصصة في هذا العلم واتباع منهجية الباحث، وجرد المعلومات وتدوين ما يجب تدوينه، وتنتقل بالتدرج في فنها حتى تتقنه، وتستفتي أهل العلم فيه وتبحث عما يوسع معرفتها، وكم من طالبة للعلم بشكل حر فاقت وتجاوزت مستوى دكاترة في الجامعة، ذلك أن فضل الله عظيم يؤتيه من يشاء من عباده وأن العلم ليس حكرًا على المؤسسات النظامية ولا محصورا بين جدران المدارس والجامعات بل هو أكبر وأبعد بكثير من مساحة ذلك، وكلما ارتقت المرأة في فنها شعرت كم أنها كانت مغيبة، خاصة في العلوم التي تنفع أمتها وتعالج قضاياها الشائكة، فمعرفة التاريخ والنفس البشرية وحركة البشر في التاريخ وسنن الله في الأرض وغيره من علوم متصلة توسع المدارك وكل فن له منافع!

ويمكن لعدة نساء الاشتراك في الدراسة والارتقاء معا بمثل هذه المهمات المتخصصة.


12- وظيفة الأديبة والشاعرة

Writing Desk” بواسطة Burst/ CC0 1.0


وهي وظيفة كثيرًا ما تبرع فيها النساء، كما برعت الخنساء! وكم هو جميل أن تزدان المكتبة الإسلامية بإثراءات النساء الأديبات البليغات، بأدب الطفل وأدب وأخلاق وفنون وجماليات اللغة العربية ودعمها كمعلم إسلامي ورواسخ هوية!
وهي من أسباب كسر الانهزامية بلا شك، والكاتبة ليست بحاجة للخروج فهي من خلال بيتها تنثر أبهى المعاني وتنظم أجمل القصائد والشعر. وتثري الساحة العلمية.

13- وظيفة الداعية والمصلحة


وهي وظيفة لا تقدر عليها كل النساء لكنها لمن حصّلت نصاب علم شرعي يمكنها من سد الثغر فيمكنها النشاط الإعلامي والمحلي بحسب حاجتها وقدرتها وظروفها، وإلقاء محاضرة لنساء الحي في بيت أو في المسجد ولو مرة في الأسبوع فيه خير كثير وكذلك العمل على الشبكة بنشر العلم والقرآن فهو عالم كبير من الوصول إلى كل لغات العالم ومن الجد والعمل الذي تخجل الحروف عند وصف حجم التقصير فيه!

14- وظيفة المجاهدة الإعلامية


نتحدث عن ثغر عظيم جدًا في زمن الاستضعاف، ثغر يتطلب قلبًا نابضًا بصدق المحبة لدين الله والولاء للمؤمنين، يتطلب إعدادًا وإخلاصًا ومثابرة لسد الثغور الإعلامية والنصرة على الشبكة بضوابطها الشرعية، وكم من كتائب النساء الإعلاميات في خدورهن أرعبن الظالمين ونصرن المستضعفين.
وهو لوحده عمل يتطلب تفرغًا كبيرًا وتعلما لفنون الإعلام، من صناعة الوسائط الإعلامية وطرق النشر والكتابة وحسن إدارة المعلومات، ويمكن للقارة في البيت أن تؤديها بنفسها منفردة أو في فريق من المسابقات مثلها وفي كلٍّ خير.

15- وظيفة المترجمة


لدينا الكثير من الأخوات يتقن لغة أجنبية أو عدة لغات ويمكن للمرأة في هذه الحال تسخير جهود الترجمة لإعلاء كلمة الله جل جلاله ونصرة المسلمين في كل مكان، سواء بالعمل الدعوي أو العمل الصحفي الإسلامي أو الدراسات والبحوث المهمة للمسلمين. ويدخل في ذلك ترجمة النصوص العلمية والتاريخية وذات المغزى والقيم والأخلاق، وكل ما فيه فائدة تحيي القلوب وتقدم معلومة وفائدة لمن بحث عنها ومن لا يبحث!

كما أنها تستطيع بفضل مهاراتها اللغوية العمل في الساحات الدعوية بلغات أخرى.

عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ، رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ، رضي الله عنه: “فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم” متفقٌ عليهِ.
وعن عبدِاللَّه بن عمرو بن العاص، رضي اللَّه عنْهُما، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: “بلِّغُوا عَنِّي ولَوْ آيَةً” رواه البخاري.


16- وظيفة المصممة


والتصميم اليوم يلعب دورًا كبيرًا في الشبكة وفي الواقع، فإتقان فنون التصميم التي تتوفر لها دورات مجانية أو متخصصة، مهم في سبيل السعي لتطوير طرق الوصول في هذا الميدان، ويدخل فيه أيضا إتقان فنون المونتاج وصناعة الفيديو لنشر العلم وصناعة الوعي، وتوفير تصاميم المطبوعات الدعوية والعلمية والتوجيهية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ثغر حيوي متصل بكثير من الميادين، ويتطلب تركيزًا وإخلاصًا وخطط عمل ذكية مثمرة.

ويمكن للمرأة في البيت أن تعمل به من خلال الشبكة بضوابط الشريعة الغراء.

17- وظيفة الوراقين وصاحبة المكتبة


يكن للمرأة القارة في البيت أن تجعل من بيتها أجمل مكتبة فيها كل ما تحتاجه المرأة والأسرة، بل وشرائح الأمة وميادين العلم المختلفة، بتوفير مكتبات إلكترونية ومراجع لمن يبحث عنها والتفنن في عرض المعلومات والدل عليها، ستتحول إلى باحثة ومثابرة تدل الناس على الخير ومصادر العلم وتنصح بالكتب، ولا بأس من نشر ملخصات قراءاتها أو قراءات غيرها التي ستتسع كلما أخلصت السعي والطلب.

18- وظيفة الخطابة


قد يبدو ذلك غريبًا لكننا في زمان من المهم جدا أن يتم ربط الصالحين فيه بالصالحات لتكوين أسر أشد حبا لله تعالى وانضباطًا بشريعة الله وتربية جيل قادر على تحمل أعباء التمكين لدين الله تعالى وإقامة بنيان الإسلام في الأرض، وفي ذلك يمكن أن تربط المسلمة الأسر وأهل العلم والفضل بتقوى وخشية من الله تعالى ورجاء الإصلاح والتوفيق.

وقد كانت الخطابة معروفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.


19- وظيفة ربة البيت المستشارة


يمكن للمرأة القارة في البيت أن تفتح لنفسها نافذة لنفع أخواتها في الله، بتوفير النصائح وإجابة الاستشارات في كل ما يتعلق بفنون ربة البيت، من تفاصيل الطبخ والترتيب والتنظيف والعناية الشخصية إلى تفاصيل التربية وإدارة العلاقات والبيوت بتقوى. فالكثير من النساء يجهلن من أين تكون البداية، وتوفير دليل وتوعية في فنون ربة البيت من العلم النافع الذي يتطلب احتسابًا وإخلاصًا.


20- وظيفة الزوجة الملهمة والأم الصالحة

كل ما ذكرناه من وظائف يمكن للمرأة القارة في البيت الجمع بينها على قدر الاستطاعة والحاجة، ولنا أن نتخيل البيت الذي تتحول فيه الزوجة والأم لمصدر إلهام ومعرفة فتثري مجالسها بكل ما هو مفيد وتحول بيتها لجنة محببة لكل من يدخله، وتسعد من فيه باجتهادها ورجائها رحمة ربها. إن أعظم وظيفة للمرأة القارة في البيت، هي أن تكون زوجة صالحة وأما صالحة، وهذه لوحدها تتطلب إخلاصًا عظيمًا وتفانيًا فلا تُؤتى الأسرة ولا الأمة من قبلها.

الخاتمة

وبهذا نكون قد جمعنا أبرز الوظائف التي يمكن للمرأة القارة في البيت أن تقوم بها، وقد تتفرع من ذلك وظائف أخرى بحسب خصوصية كل ظرف وحال، ونلاحظ أنها مهن تحول حياة المرأة لنشاط وانشغال كثير، بل قد لا تجد المرأة القارة في البيت وقتًا لنفسها. فكيف ستجد بعد ذلك وقتا للخروج والشقاء في الوظائف التي لا يتعدى نفعها مصالح الشركة وراتبها الشهري الذي بكل الأحوال لا يمكن أن يعوض لها كل الوظائف التي أشرنا لها في هذه القائمة.

ويمكن للمرأة القارة في البيت تسطير جدول أسبوعي لأداء ما أمكنها من هذه الوظائف وتطور من معرفتها ومهاراتها وتحدد الأهداف التي تريد تحقيقها، في نفع نفسها وأسرتها وأمتها، وبالمداومة والصبر والتوكل واليقين، سنشاهد نماذج سامقة لمؤمنات ينشدن أعلى المراتب في الجنة. سنشاهد قدوات وأمثلة تُفدى.

الحديث عن القرار في البيت لا ينتهي بهذا المقال، بل يجب تسليط الضوء باستمرار على مشاكل النساء في البيوت وسنتناول في مقالات مقبلة مواضيع أكثر عناية بهذا الأمر وأكثر معالجة لمخاوفهن وإرشادًا لمصالحهن، نسأل الله التوفيق والسداد.

اللهم أيد نساء المسلمين بالعلم النافع والعمل الصالح والصحبة المؤمنة الراشدة، وأقر أعينهن بلذة القرب منك سبحانه والعمل لإعلاء كلمتك وإقامة بنيان الإسلام في الأرض وإخراج فوارس للأمة أشد حبا لله وعملا لدينه العظيم واتباعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. اللهم جنبهن الفتن ما ظهر منها وما بطن.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
احمد

ليس فقط النساء بالكل (لعل كورونا سرعت الوتيرة) متجه نحو العمل عن بعد (ريموت) بشكل كامل او جزئي.
مجالات مثل البرمجة، تبنت هذه الفكرة منذ سنوات طويلة.
عديد من الفريلانسر عبر مواقع مثل مستقل او Upwork فعليا يعملون من منزل.

فوائد العمل من منزل او عمل كمستقل:

  • توفير وقت (لا تحتاج ان تذهب للشركة)
  • توفير المال (اقبض اجر بثمن دولة، و عش في اخرى) -> الامر مفيد ايضا للدولة متواجد فيها لانك تدخل عملة اجنبية لهم.
  • تعدد الخبرات، تستطيع ان تغير عملك بشكل اسهل و اسرع اذا كنت تعمل عن بعد = زيادة في الخبرات و تنوع مهارات المكتسبة
  • ….

اللستة تطول، لكن العمل من بعد لفوائد عديدة لا اعلم لماذا في مجتمع هنا (اوروبا الغربية) عندما تعمل مرأة من منزل و تطمح ان تتواجد فيه ينظر اليها على انها متخلفة لكن اذا فعليها رجل مثلي ينظر اليه انه ذكي و متقدم.

اظن الامر غير منصف البتة و هجوم فعلي على الاسرة.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x