العلاقة الزوجية بين فهم السلف وفهم “التكلف”

عندما تفتح كتب السلف وتتأمل كيف كانت العلاقة الزوجية وكيف كانت التعاملات راقية مريحة تتعجب من حجم الهوى والجهل الذي نال من هذه القضية في زماننا، بعضهم يحاول فرض قالب محدد محدود ليلزم الناس به! في كل يوم نكتشف حجم البعد عن واقع الصحابة إفراطا وتفريطا وكم نحن بحاجة لهدي النبوة في حياتنا.

للأسف ترى البعض يذهب إلى امتحان النساء لإثبات خلوهن من داء النسوية، بناء على درجة قبولهن للضرب على يد الزوج! بحجة آيات التعامل مع الناشز! وهذا جهل مركب! فقد اشترطت عاتكة رضي الله عنها في زواجها من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- ألا يضربها، ولا يمنعها من الحق، ولا من الصلاة في المسجد النبوي.

وكان لها ذلك! وحين تزوجت الزبير رضي الله عنه وكان شديد الغيرة، فكر بفكرة ذكية ليدفعها بنفسها إلى ترك الخروج للمسجد! والبعض يخلط خلطا عجيبا، فيخير المرأة بين أن تكون نسوية أو بلا وجود! ومنهم من يذهب لأبعد من ذلك فتراه يشنع على الثيّب ويشيطن النساء التي سبق لهن الزواج من أيامى ومطلقات!

ويتجاوز القرآن والسنة، وينسى أن سيدة نساء العالمين خديجة رضي الله عنها تزوجت مرتين قبل أن تتزوج سيد الخلق أجمعين وبقيت سيدة نساء العالمين، وأن أغلب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن ثيبات! وأن الصحابيات تزوجن عدة مرات، ولم يكن يعيبهن بل كان الصحابة يتسابقون للظفر بذات الدين، فتأمل!

قال ﷻ ﴿ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾

والأمر الرباني صريح (وأنكحوا الأيامى منكم)! فما بال أقوام يلزمون الناس بأهوائهم ويتجاوزون قول الله تعالى وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ويحملون النساء ما لم يحملهم الإسلام من محاربة وتضييق! إن هذه جاهلية أخرى تفرض نفسها على واقعنا تتستر بالدين والدين منها براء، وما أكثر التستر بالدين في زماننا.

من يحاول أن يشن حربا على النساء بحجة الدين عليه أولا أن يرجع لواقع الصحابة رضي الله عنهم فقد كان مثالا حيا عن العشرة كيف تكون بين الرجل والمرأة، فهي عشرة بشرية! ومن يحاول تصويرها كحياة مثالية خالية من الضعف البشري واختلاف النفوس البشرية فإنما يتكلف ما لا يقدر عليه. فالزواج نماذج وأرزاق.

الكثير من الفتيات المقبلات على الزواج يشعرن بالرعب والخوف مما ينتظرهن من أولئك الذين لا يعرفون من الزواج إلا سرد قائمة من الشروط التي أصبحت بمثابة “مقياس” لنجاح العلاقة الزوجية وهذا جهل كبير، فكم من امرأة تربت على يد زوجها وكم من زوجة اكتملت بزوج ذكي نجيب! والحياة ليست قالبا واحدا.

لذلك أنصح بشدة بقراءة سير الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم، والتعلم منهم فهم أفضل مدرسة لنا، والابتعاد عن التنظير بلا علم، التنظير “المتعالم” الذي يضيق على الناس الحياة الزوجية حتى يصل لدرجة التخبيب! فينفر الزوج من زوجه لأنها ليست كما يصف صاحب الحساب من صفات قد لا يكتمل بصاحبتها أبدا!

الزواج رزق! وحسب نياتكم ترزقون! فمن أراد أن يبارك الله له، فليتأكد من أن نيته خالصة لله سبحانه، وأنه يبتغي من هذا الزواج صلاحه وصلاح أسرته وذريته، فإذا ملك، فليحسن الصحبة، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولتكن القاعدة الأولى والأهم “فاظفر بذات الدين” ودعك من دندنات القوم فليست ملزمة.

في حياة الصحابة، كان الزواج أمرا محببا والتعدد أكثر من اعتيادي، وكان الطلاق واقعا يحدث، وكانت البكر والثيّب يتزوجن، وكان الأزواج يختلفون ويصطلحون، وكان الزوج يصبر على زوجه والزوجة تصبر على زوجها، لقد كانت حياة مودة ورحمة وتكاتف وتعاضد وخشية من الله، كان همهم نصرة دين الله فرفع ذكرهم.

الزواج مدرسة! الزوج يعين زوجته على شيطانها والزوجة تعين زوجها على شيطانه، ويكفيك من الحديث! (الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحة)؛ رواه مسلم. وما أدراك ما المرأة الصالحة، فهي التي تسند زوجها وتخدمه وتحفظه وتربي أبناءهما تربية الإخلاص والتقوى وحب الله ورسوله! وهذا المقياس.

نحن بحاجة لدعاة مصلحين مبصرين، فالهدم أسهل مهمة يمكن أن تقوم بها، نحن بحاجة لإصلاح القلوب وتصحيح المفاهيم وتأليف قلوب الأزواج وإصلاحها لتصلح الأسر وتصلح الأجيال، أما إيغار الصدور، وزرع الكبر والسخط من نعم الله سبحانه، فهذا أمر يجيده كل المخببين.

طوبى لرجل أصلح زوجه وطوبى لزوجة أعانت زوجها.

تنتشر عبر مواقع التواصل الكثير من المفاهيم المغلوطة وخاصة من طبقة “الاستشاريين الأسريين” وبين النساء طامات كثيرة! والأمر كله متصل بدرجة “التكلف” في فهم المسألة، والبعد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان نعم القائد في بيته وأمته، فكيف نترك هذاالميراث ونلهث خلف تنظيرات قاصرة.

ولو جمعنا في كتيب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته وتعاملهن معه، لكفت كل زوجين يريدان بداية على هدي النبوة، لقد كان النبي الزوج والسكن والمربي! وكانت زوجاته نعم الزوجات فكن أمهات المؤمنين.

فاللهم فهما كما تحب وترضى للقرآن والسنة! اللهم ابعد عنا الهوى وفتن الزمان.

لا نزال نعاني من مطرقة “النسوية” و”الحملة الغربية على الأسرة” ومن سندان الجهل بهدي القرآن والسنة، وما لم نستند للعلم بكتاب الله وسنة نبيه سنتخبط كثيرا ونزيد من خسائرنا في ميدان الأسرة، فالله الله في القرآن والحديث والسير، فهي ذخائر وكنوز لكل حياة طيبة مباركة. وبقدر الصدق يكون التوفيق.

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [ الروم: 21].

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أمة الله

جزاك الله خيا على جميع مقالاتك الموضوعية ذات التناول المنهجي السليم وبارك جهودك حفظكم الله

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x