التعدد .. حديث هادئ

“التعدد”، لم تكن لتطرح مثل هذه القضية -بحجم الجدل الذي نشاهده- في مجتمع إسلامي تحكمه الشريعة، لأنها من الأمور المتفق على جوازها لا تعرف خلافا منذ صدر الإسلام الأول وإلى امتداد تاريخ السيادة الإسلامية، إلا أنها في عصرنا اليوم أضحت “مسرحا” للنقد والذم! وتثار القضية اعتراضًا وتقبيحًا، كل ذلك لم يأت من فراغ فهو من متطلبات الحرب على المرأة في العالم الإسلامي التي حملت شعارًا “تحرير المرأة” وأصبح الإسلام يحاكم على يد قضاة العلمانية والليبرالية بكل صفاقة!

إنه زمن غربة شديد، أشد ما فيه أن تضطر لتفصيل المسلمات في الدين وتوضيح البديهيات، ومن المعضلات توضيح الواضحات.

وَلَيسَ يَصِحُّ في الأَفهامِ شَيءٌ إِذا اِحتاجَ النَهارُ إِلى دَليلِ.

فهل يعقل أن نقضي الساعات الطويلة والأيام والأشهر والسنوات في مناقشة “التعدد” من حيث الجواز والحل والاعتراض والآراء الشخصية، وكأنه أمر يتعلق بمشاعرنا ونفسياتنا؟ وليس أمرًا يفرض نفسه فرضًا في مجتمعاتنا؟

يفرض نفسه فرضا كحاجة ملحة للمجتمعات، للرجال والنساء على حد سواء، لا يمكن التغاضي عنها، ومن تغاضى عنها فعليه أن يستعد لما يعيشه الغرب من علاقات محرمة وزنا وخيانات زوجية وتعدٍ لحدود الله.

إن تقييم أمر أجازته الشريعة بالعقول القاصرة والمشاعر العابرة والمتغيرة، جريمة بحق هذا الدين وتشويه لجلال قدره وشأنه عدلا وحكمة في تلبية حاجات المجتمعات البشرية.

والتعدد في الإسلام مباح لا يجوز العبث بنص إباحته بسوء تأويل وتعالم، قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) (النساء: 3 )

وبنص القرآن العظيم يجوز للرجل المسلم أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، ولا يجوز له الزيادة على الأربع، وهو ما أجمع عليه العلماء ولا خلاف فيه.

لذلك في زماننا لسنا بحاجة لمناقشة قضية التعدد من باب التحريم والتحليل لأنه أمر قضاه الله سبحانه لحكمة عظيمة يعلمها، وهو الخبير البصير بعباده. ولأنه واقع لا مفر منه في المجتمعات فهو جزء من تركيبتها وحاجاتها وطبيعتها البشرية.

لكن ما يجدر بنا التذكير به، هو ما يتعلق بهذا التعدد من حقوق وعدل ونصائح للزوج المعدد وللزوجات من معدد، فهذا أكثر ما تحتاجه مجتمعات المسلمين اليوم.

وللأسف تضيع هذه الحقوق من جهة بفضل الخطاب المحارب للتعدد، فيشعر المعددون وكأنهم محاربون في مجتمعات إسلامية، أو تضيع من جهة أخرى بفضل الخطاب الذي يحرض على التعدد مغفلا أهم أصوله ومقاصده ومركزا على محاسن النساء قصرا، فيتصور الناس أن القضية لا تتعدى شهوات الرجال، وإثارة لغيرة النساء، وهذا من الجهل بفقه التعدد في الإسلام.

ما يجب الحديث عنه

وهنا لابد من التنبيه إلى أكثر ما يتم تغييبه في كلا الحالتين، وأهم ما يجب الحديث عنه، إنه ما يحتاج أن يسمعه الرجال والنساء ممن هم بحاجة حقا للتعدد أو ممن هم بالفعل في حالة التعدد.

وأول ما يجب الحديث عنه: ضرورة العدل، قال تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) (النساء: 3 )، يتضح من خلال هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عجزه عن تحقيق العدل بين زوجاته، فلا يجوز له الزواج بأكثر من واحدة.

والعدل حدده العلماء في التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.

واستثنوا من ذلك العدل في المحبة لأنه أمر يستعصي على الرجل التحكم فيه، ولا يقدر عليه، وهذا هو معنى قوله تعالى  ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) (النساء:129)

وثانيا: القدرة على التعدد

فلا بد من التنبيه على أن التعدد لا يقدر عليه كل الرجال، فهو بالفعل يتطلب قدرة مادية ليتمكن من الإنفاق، قال تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور: 33). من هنا من لم يملك القدرة على دفع مهر والإنفاق على الزوجة فلا يتحمل مسؤولية إعالة أكثر من زوجة. ولا يعني القدرة على الإنفاق أن يكون غنيا متبذخا، ولكن أن يكون قادرا على سد حاجات زوجاته وكفالة أبنائه.

ومن يتأمل في قصص المعددين يجد من الحكمة الإشارة لعامل آخر مهم لتحقيق التوازن في بيوت المعدد، هو القيادة والقدرة على التعامل مع النساء وغيرتهن فكثيرا ما تفشل علاقة المعدد ويفشل مشروعه في التعدد، حين يعجز عن قيادة زوجاته أو يخضع لكيد إحداهن فيظلم الأخريات ويطغى أو يفقد سلطته تدريجيا ويصبح مجرد منقاد لرغبات النساء وخلافاتهن، ويخسر مع ذلك الحكمة من التعدد وينتهي الأمر لشقاق وفراق، وتهدم البيوت بدل بنائها. وهذا يعني ضرورة تقوية إحساس المسؤولية والخشية لدى الرجل المعدد ليعلم أن الأمر جدّ والظلم ظلمات يوم القيامة ومن أراد التعدد فليكن أهلا للقيادة بحق وعدل لا منقادا للأهواء.

التعدد نعمة

وعلى عكس ما يروج له من يحاربونه، فإن التعدد نعمة وحل للرجال كما للنساء، فالرجل المعدد يجد ضالته بالحلال، ولا يضطر للالتفاف لطرق محرمة، والنساء خاصة في زماننا مع ارتفاع نسبة العنوسة تجد زوجا قواما عليها، وتحقق حلمها في تأسيس أسرة كما كل النساء. لذلك فمن يحارب التعدد إنما هو يحارب الحاجة الفطرية والطبيعية في الرجال والنساء لهذا التعدد.

التعدد مسؤولية

يحاول أعداء التعدد تصويره بأقبح الصور وصلت لحد القول أنه الخيانة! واللهث خلف الشهوات، وهذا من الظلم والجور، فالرجل الذي يريد الحلال لا يقارن قطعا بمن يلهث خلف العشيقات كما نشاهده في مجتمعات الغرب، فشتان بينهما، لأن التعدد مسؤولية يتكلف الرجل فيها، الإنفاق على الزوجة ثم الأبناء، ثم تكاليف حياة كاملة. إنها قضية قوامة. ثم محاسبة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته” متفق عليه.

يقوم الرجل المعدد على مسؤوليات كبرى، من رعاية أكثر من أسرة بكامل تفاصيلها والقيام بمصالحها الدينية والدنيوية، مع الحرص على العدل، فهذا ليس ترفا وكيف بزماننا حيث تعتبر الظروف المعيشية مسألة مرهقة والحرب على الإسلام متجبرة، وهكذا فالمعدد يوفر لأكثر من زوجة المسكن والمعاش، ويحصنها من الشهوات المحرمة، وترزق منه بأبناء يتحمل مسؤولية تربيتهم ورعايتهم، ويحرص على استقامتهم.

ولنا أن نتخيل مجتمعات لا تسمح بالتعدد، فأكثر متضرر فيها هن النساء، على عكس ما يصور للمرأة أن التعدد جاء ليؤذيها، كيف يؤذيها وهو نظام جاء ليحقق لها الأمان؟! خاصة مع استمرار ارتفاع أعداد النساء وتراجع في عدد الرجال وهو واقع مستمر لآخر الزمان.

فقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد.

وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله. وفي لفظ: لا يقال: الله الله. وفي لفظ: لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا إله إلا الله. وحتى تمر المرأة بالبعل فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذه مرة رجل، وحتى يكون الرجل قيما لخمسين امرأة، وحتى لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض.

كلمة لا بد منها

وفي هذا الصدد لابد أن أوجه كلمات لزوجة المعدد، فهي أكثر من تأذى من الحرب التي تشن على زوجها، قد يضيق صدرها وتشعر أنها ظلمت وحُرمت حقوقها، فلتعلم أن أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن وكل نساء الأمة الصالحات منذ صدر الإسلام الأول إلى فترة قريبة كن يعرفن التعدد، فهل نساء عصرنا أجل مقاما منهن حتى يستكبرن على التعدد حين يأتي! لتتعاملي معه كعبادة لله سبحانه، ولا يجوز أن تجادلي في حق زوجك في التعدد، فهو مقترن بمجرد رغبته في ذلك وقدرته عليه، ولا يتطلب أسبابا تعجيزية! ولكن احرصي على حفظ حقك في العدل، وأحسني الصحبة فإنه باب خير وإحسان وأنت محاسبة على العشرة بالمعروف.

أما النساء اللاتي تقدم بهن العمر وأصبح هاجس العنوسة يخيم على أسوارهن! هل يعقل أن يكون شرطك الرجل غير المعدد؟ هل يعقل أن تحرمي نفسك حياة مستقرة مع رجل يصونك لأجل فكرة كاذبة من شيطنة التعدد؟ اعلمي أن القاعدة التي يجب أن تعمّم في الزواج، الحديث الذي رواه الترمذي في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض”.

إن قيمة الرجل في تقواه وقدرته على تحقيق الاستقرار للزوجة، قال رجل للحسن: “قد خطب ابنتي جماعة فمن أُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ ، فَإِنْ أَحَبَّهَا أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها” (1).

إذا الأصل النظر في معدن هذا الخاطب فإن شراء المعدن الخالص حكمة، وكم من أعزب يصنع التعاسة، وكم من معدد ينقش حياتك سعادة، فلا تنخدعي بهذا الإرجاف وابحثي عن جوهر الرجل، تقوى الله وصلاح دينه وخلقه فذلك المكسب.

ابحثي عمن يخاف الله فيك، فلا يظلمك وليس عمن يشبع رغبات المجتمع ويوائم مقاييسه التي غلبت عليها الجاهلية، انظري في دينه، اسألي عن صلاته، عن الفجر والعشاء، عن تقواه عن خلقه عن استقامته، لا تنخدعي بتفاصيل لا تدوم ولا تبني السعادة في لحظات الفقد والحاجة، ابحثي عن رجل يحفظ عليك دينك ويعينك على المسير باستقامة في زمن الفتن والمدلهمات!

إن محاولة شيطنة التعدد ستدمر النساء قبل أن تؤذي الرجال، وهي للأسف خطة تسير بالتوازي مع مشاريع الغرب في إفساد المجتمعات المسلمة باستهداف المرأة، تركز على القشور وتهمل اللبّ، والأصل في المرأة الواعية أن لا تحرم نفسها خيرا كتبه الله لعباده، وتعالج قضية الغيرة تماما كما عالجتها خيرة نساء هذه الأمة، أمهات المؤمنين والصحابيات، رضي الله عنهن. فهو أمر يعالج ولا يليق أن يكون سببا للتعاسة في حياة تحمل الكثير من البشريات.

والأمر الأكيد أن تجاوز عقبة الغيرة سيجعل من حياتك مملكة من السعادة والجمال ولتحقيق ذلك، كفّي عن التفكير فيما يفعله زوجك في غيابه، فكري في نفسك في عباداتك في قربك من الله جل جلاله، سابقي لجنة عرضها كعرض السماوات والأرض وادعي الله أن يعين زوجك على تحمل المسؤولية وأدائها بحقها، لديك فرصة لنفسك، تلك الأوقات ثمينة جدا، استثمريها لآخرتك، ستكونين ممتنة جدا لكل لحظة تقربك من الله جل جلاله!

واعلمي أن كسب قلب الزوج يحقق الكثير من السعادة لكل عاقلة، وذلك سبيل المؤمنات ..، فإياك أن تهدمي مملكتك بغيرة غير مبررة وظلم وبغي، بل عيشي حلالك كاملا، ولا تُبالي بما يقال، إنما بموقعك أمام الله جل جلاله، أمة لله مستقيمة كما أمر سبحانه. تؤدي حق زوجها بلا منّ ولا أذى، قدوتك نساء السلف الصالح، والله سيكفيك كل غم وهم وحزن وظلم إن وقع.

والحديث عن الغيرة سأخصص له مقالة مفصلة بإذن الله لنعالجه بحكمة وعقل تبني السعادة لا تهدمها.

ولا بد أن تقف النساء الصالحات سدًا منيعا ضد كل الدعوات التي تحارب هدي الشريعة، وتكف عن النظر لقضية التعدد كتعدٍّ على المرأة، بل هو حق كفله الله في الشريعة للرجل، على أن يقوم عليه بمسؤولية ونهايته صيانة للنساء وحفظا لحقوقهن.

وهنا يجب الإشارة إلى الخطاب المراهق الذي يستخدم قضية التعدد لإثارة غيرة النساء، فما كان هذا خلق الصالحين ممن سبق، وما كانت القوامة والولاية للرجل إلا لعقل ومروءة يحملها، فليعطها حقها، إن أراد أن يبارك الله له.

أيها الرجل

إن التعدد مباح للرجل في الإسلام إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما التحريم أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة .

فيكون محرّما كأن يتزوّج بزوجة خامسة أو يجمع بين المرأة وأختها والله تعالى يقول: (وأن تجمعوا بين الأختين) (النساء: 23) أو بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم- عن ذلك في حديث أبي هريرة مرفوعا «لا يجُمَعُ بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها». (رواه البخاري ومسلم) وفي حديث جابر (رواه البخاري).

ويكون التعدد محرّما إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل.

ويكون التعدد واجبا إذا كان فقده يؤدّي إلى محرَّم أو يمنع من واجب، كمن عنده زوجة لا تغنيه عن النساء وإن لم يعدِّد وقع في الزنا والعياذ بالله.

ويكون التعدد مستحبًا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كالإكثار من النسل، لما رواه النسائي وأبو داود والإمام أحمد بلفظ: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”. وهو حديث صحيح رواه الشافعي عن ابن عمر.،

أو كالإعانة في إنقاص عدد العوانس من المسلمات أو لرعاية أرامل المسلمين والأيامى. قال تعالى {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور: 32).

قال ابن زيد، في قوله: ( وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ ) قال: أيامى النساء: اللاتي ليس لهنّ أزواج. (تفسير الطبري)

ويكون التعدد مكروها إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى بلا سبب، أو إذا كان فعله سيشغله عن تحصيل فضائل الأمور كطلب العلم والجهاد في سبيل الله والعمل الخيري وسد ثغور المسلمين، أو أن يعدِّد مَن كان ضيِّق الصدر كثير الغضب، فهذا أكره له التعدد، لأن التعدد يحتاج إلى حلم وسعة صدر للزوجات.

ومسألة التعدد نسبيّة من زوج إلى آخر ولا يمكن تعميمها فهي تتعلق بظروف وتفاصيل كل رجل. فأعراض المسلمين أمانة ولا ينبغي التلاعب بها. وأول أسباب الانتكاس الاستهانة!

ثم إن التعدد حق لا يحتاج لإخفائه، فلا يستح الرجل من إظهار زواجه من أخرى، بل الأصل أن يظهره ويعلن عنه فيحاسب على العدل مع النساء، ولا يخفيه خشية أن تغضب زوجته فلا يحق لها أن تغضب من حق أعطاه الله للرجل.

وفي الختام

الأحرى بالمسلمين الاعتزاز بكل تفاصيل دينهم وهديه، وأن يفخروا بها أمام ركام الجاهلية الذي يدمر المجتمعات ويحارب الفطرة، وبدل أن يضطر الرجال والنساء للزواج بالسر، اجعلوا التعدد مرحبا به، لا محاربا على طريقة العلمانية التي لا ترى مشكلة في وجود العشيقات بالحرام لكنها تحارب الزواج بالحلال.

لدينا كل ما يحفظ لنا هويتنا ومجتمعاتنا من الفساد، خاصة مع ما يتوعدها من أخطار، فلنحصن أنفسنا بهدي الإسلام، لنستقيم كما أمر الله بعدل لا ظلم فيه، دون إفراط ولا تفريط،.

كانت هذه محاولة للمساهمة في تصحيح المفاهيم لعل الله ينفع بها ويخفف من حالة التشنج التي تنتشر عند ذكر التعدد، ولإعادة الفهم الصحيح للأذهان مع غلبة التشويش وأبواق الباطل، والله الموفق.

(1) إحياء علوم الدين (2/ 41)

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
حسن اليسوف

بارك الله بك دكتورة , مقال رائع , أوضحت فيه كل الجوانب , نأمل ان تلقى هذه الكلمات من يعمل بها من كلا الجنسين ويطبقوا شرع الله وتتحقق العبودية بمعناها الصحيح . وأن يتمتع الانسان بما شرعه الله واحله له .

Last edited 1 سنة by حسن اليسوف
سراج

مقال موفق ومتزن جدًا.

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x