التجربة الـ ـطـ ـالـ ـبـ ـانـ ـيـ ـة بين الأمس واليوم

قبل نحو عقدين من الزمان أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حملته العسكرية العالمية لغزو أفغانستان والإطاحة بحكم الإمارة الإسلامية التي أقامتها حركة طالبان آنذاك، وخاطب العالم قائلا: “هذه المرة سننشر الجنود على الأرض وسنبقيهم هناك حتى طرد الطالبان ونشوء مجتمع حر”.

واليوم خرجت القوات الأمريكية بشكل فوضوي غير منظم كبّدها خسائر بشرية ومادية كبيرة حتى في اللحظات الأخيرة من خروجها، وتلخص مشهد “المجتمع الحر” في عدد من الأفغان يتشبثون بالطائرات الأمريكية، ينتظرهم الموت بالسقوط من الطائرة المحلّقة في السماء أو برصاص القوات الأمريكية المباشر في مطار كابول، أما البقية فتدافعت إلى سبل الفرار من البلاد وإن كان اللجوء إلى أدغال إفريقيا!

وفي هذه الأثناء التي انشغلت فيها العدسات الغربية بهول الصدمة وتلاشي التطمينات الأمريكية، وانكشاف الحقيقة، أعلنت حركة طالبان عودة حكم الإمارة الإسلامية في أفغانستان من جديد، ورافق هذا الإعلان الكثير من مظاهر الاعتزاز بالنصر والإشادة بتضحيات القادة السابقين والوفاء للأسرى والإصرار على تطبيق الشريعة ورفع رايات التوحيد البيضاء في كامل التراب الأفغاني بما في ذلك مبنى السفارة الأمريكية في كابول. كما رافقه في نفس الوقت الكثير من الجدل والاتهامات والتخوين والتشنيع الإعلامي وتضارب التصريحات والغموض!

ولاشك أن هذا الحدث قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه كونه للمرة الأولى منذ سقوط آخر شكل للدولة الإسلامية المعترف بها دوليًا، تتمكن حركة إسلامية من أن تنتزع الحرية بالقتال وتطالب العالم بقبولها بنظامها الإسلامي، مما أثار اضطراب النظام الدولي ورفع حالة التأهب لمحاولة استيعاب الواقع الجديد الذي فرض نفسه فرضًا.

وما يهمنا في كل هذه الأحداث التي تتوالى هو الاستفادة من التجربة الطالبانية التي استغرقت 27 سنة، قضتها في صراع مع أنواع الفساد وأحلاف الغرب ومحاولة ترسيخ مشروعها بين الأفغان وفي العالم، وتلخيص محطات التطور التاريخي لهذه الحركة الإسلامية التي أعلنت في ظرف قياسي عن حكومتها وبدأت بمزاولة نشاطها كدولة إسلامية مستقلة، ولعلنا نجيب أثناء ذلك عن السؤال الذي يتكرر: هل حققت حركة طالبان أهدافها التي أعلنت عنها منذ تأسيسها أول مرة؟!.

الملا عمر مجاهد وتأسيس حركة طالبان

لا تزال كلمات الملا عمر مجاهد تتردد مع صدى الأحداث في أفغانستان بشكل مهيب، حيث قال حين توعدته الولايات المتحدة بالهزيمة: “لقد وعدنا الله بالنصر، ووعدتنا أمريكا بالهزيمة، وسوف نرى أي الوعدين أصدق”.

لم يكن الملا عمر يعلم أنه سيصبح من أشهر أعلام الأمة الإسلامية بسبب مواقفه البطولية التي لا تزال مضربًا للأمثال في الشجاعة وقوة المبدأ. ولم يكن يحسب أن مجرد قرار منه بالتطوع لنصرة المظلومين سيبارك الله فيه ليصبح أمير إمارة إسلامية ذات سلطان ونفوذ يقترن اسمها باسمه في كل مكان وزمان.

ولد رجل طالبان الأول في عام 1379هـ (1960م) بقرية من قرى قندهار. تربى طفلًا يتيم الأب عند أعمامه، ثم تحمل مسؤولية أسرته مبكرًا. وهو من عشيرة “هوتك” البشتونية، التي اشتهرت في التاريخ المعاصر لأفغانستان بتأسيس كبيرها القائد الأفغاني المعروف “مرويس بابا الهوتكي” إمبراطورية أفغانية على أنقاض دولة شيعية بعد فتحه مدينة أصفهان.

التحق بالمدارس الشرعية المحلية، ثم قطع دراسته، لينفر للجهاد الشعبي ضد الاحتلال السوفيتي – الذي بدأ في عام 1398هـ (1978م) مع دخول القوات الروسية الأراضي الأفغانية- انتقل من حزب إلى آخر ونظرًا لكفاءته القيادية المرصودة، بقي لفترة طويلة قائدًا في “حركة الانقلاب الإسلامي” التابع للمولوي محمد نبي محمدي.

وفقد الملا عمر عينه اليمنى خلال الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي. وهذا ما أظهرته الصورة النادرة التي انتشرت له.

وجدير بالذكر أن الحرب ضد هذا الاحتلال استقطبت الكثير من المجاهدين العرب الذين نفروا لأفغانستان من كافة أنحاء العالم، بدون أي عقبات بل بتسهيل حكوماتهم ورغبة أمريكية نكاية في الروس، فشاركوا في المقاومة الأفغانية الشعبية، وبرز خلال هذه الفترة العديد من الأسماء العربية منها الشيخ عبد الله عزام، والشيخ أسامة بن لادن، وأكسبت أفغانستان المهاجرين إليها، خبرات قتالية ورصيد تجارب زاخر ووفرت لهم محطة اجتماع للطاقات وتلاقح الأفكار. وبعد هزيمة الاتحاد السوفيتي التي كانت آخر مسمار يدق في نعشه، لينقضي عصر القطب الثاني في النظام الدولي، بقي في البلاد قسم من المهاجرين، ورجع القسم الآخر إلى بلاده أو إلى مكان ما في العالم الإسلامي.

وبعد خروج الاحتلال السوفيتي، انجرت البلاد إلى اقتتال الأحزاب والفصائل الأفغانية على السلطان، فاعتزلهم الملا عمر ورجع إلى بلدة سنج سار القريبة من قندهار ليتفرغ لإكمال دراسته. وكذلك فعل الطلبة الذين اعتزلوا الاقتتال الداخلي ورجعوا للدراسة، لكن الفوضى والاضطراب وانعدام الأمن والاستقرار عمّت أفغانستان، وتفشت مظاهر القتل والنهب والسرقة، فدفع هذا الواقع من الفساد الملا عمر للتحرك.

وقد حدثنا بنفسه عن كيف كانت بداية هذا التحرك في تسجيل بثته إذاعة “صوت الشريعة” في قندهار، الناطقة باسم حركة طالبان، حيث قال:

“كنت أدرس في مدرسة ببلدة سنج سار بقندهار مع حوالي 20 من زملائي الطلاب، فسيطر الفساد على الأرض، واستشرى القتل والنهب والسلب وكان الأمر بيد الفسقة والفجرة، ولم يكن أحد يتصور أنه من الممكن تغيير هذا الوضع وإصلاح الحال، ولو فكرت أنا أيضًا وقلت في نفسي (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) لكفتني هذه الآية، ولتركت الأمر، لأنه لم يكن في وسعي شيء، لكنني توكلت على الله التوكل المحض، ومن يتوكل على الله هذا النوع من التوكل لا يخيب أمله أبدًا .. لعل الناس يتساءلون: متى بدأت الحركة؟ ومن كان وراءها؟ ومن يمولها؟ ومن يوجهها ويديرها؟.

وأقول: بداية الحركة؛ أنني طويت الكتب في المدرسة في سنج سار، وأخذت معي شخصًا آخر وذهبنا مشيًا على الأقدام إلى منطقة زنجاوات، واستعرت من هناك دراجة نارية من شخص اسمه سرور، ثم ذهبنا إلى تلوكان .. هذه هي بداية الحركة، وأخرجوا كل تصور غير هذا من أذهانكم.

بدأنا نزور الطلاب في المدارس وحلقات الدرس في صباح ذلك اليوم، وذهبنا إلى حلقة درس يدرس فيها حوالي 14 شخصًا، فجمعتهم في دائرة حولي وقلت لهم: إن دين الله يداس تحت الأقدام، والناس يجاهرون بالفسق، وأهل الدين يخفون دينهم، وقد استولى الفسقة على المنطقة كلها، يسلبون أموال الناس، ويتعرضون لأعراضهم على الطرق العامة .. يقتلون الإنسان ثم يسندونه إلى حجر على قارعة الطريق، وتمر به السيارات ويرى الناس الميت ملقى على قارعة الطريق ولا يجرؤ أحد على أن يواريه التراب!

قلت لهم: لا يمكن الاستمرار في الدراسة في هذه الظروف، ولن تحل هذه المشكلات بالشعارات المجردة، نريد أن نقوم نحن الطلبة ضد هذا الفساد، إن أردتم العمل لدين الله حقيقة فلنترك الدراسة، وأصارحكم القول بأنه ما وعدنا أحد أن يساعدنا بروبية واحدة، حتى لا تظنوا أنا سنوفر لكم الطعام، بل سنطلب الطعام والمساعدة من الشعب.

قلت: إن هذا ليس عمل يوم ولا أسبوع ولا شهر ولا سنة، بل سيأخذ وقتًا طويلاً .. هل تستطيعون القيام بذلك أم لا؟

وكنتُ أشجعهم وأقول لهم: إن هذا الفاسق الجالس في مركزه مثل القدر الأسود لشدة الحر – وكانت تلك الأيام في فصل الصيف شديدة الحرارة – يحارب دين الله علانية، ونحن ندعي أننا من أهل دين الله ولا نستطيع أن نقوم بعمل شيء لنصرة شرعه.

قلت لهم: إننا إن فتحنا منطقة سندافع عنها، ثم لا تعترضوا لعدم وجود دراسة أو لعدم توافر المال والسلاح، فهل تستطيعون القيام بهذا العمل .. أم لا؟ .

فلم يوافق أحد من هؤلاء الـ 14 على القيام بهذا العمل، وقالوا: يمكن أن نقوم ببعض الأعمال أيام الجمعة،  فقلت لهم:  من سيقوم به في الأيام الأخرى؟

أشهد الله على أن الحقيقة هي هذه، وأنني سأشهد بذلك أمام الله عز وجل يوم الحشر ..

هذه الحركة نتيجة التوكل المحض لأنني لو قست على هذه الحلقة باقي المدارس والحلقات لعدت إلى مدرستي، لكنني وفيت بالعهد الذي كنت قطعته على نفسي لله تعالى فعاملني بما ترون، فذهبت إلى حلقة درس أخرى وكان فيها حوالي 7 طلاب، فعرضت الأمر عليهم كما عرضت على طلاب حلقة الدرس الأولى فاستعد الجميع للعمل. هؤلاء كلهم أمة واحدة، لم تكن بينهم فروق الشباب والشيخوخة أو الطفولة والشباب أو الذكورة والأنوثة، لكن هذا العمل كان مبنيًا على حكمة من الله تعالى، فأوقعني منذ بدايته في الامتحان.

فتجولنا على هذه الدراجة إلى صلاة العصر على المدارس وحلقات الدرس، حتى استعد 53 شخصًا من أهل التوكل المحض، فعدت إلى مدرستي وقلت لهم: تأتون غدًا الصباح، لكنهم جاءوا في الساعة الواحدة ليلاً إلى سنج سار، فكانت هذه هي البداية ..

إن العمل بدأ قبل أن تمضي على الفكرة 24 ساعة، وكان أحد أصدقائي يصلي بالناس، فلما صلى بهم صلاة الفجر قال أحد المأمومين: إنني رأيت الليلة في المنام أن الملائكة دخلت إلى سنج سار، وكانت أيديهم ناعمة، فطلبت منهم أن يمسحوني بأيديهم – للتبرك- وطلبنا في صباح الغد الساعة العاشرة سيارتين من الحاج بشر أحد تجار المنطقة، فأعطانا سيارتين سيارة صغيرة، وسيارة شحن كبيرة، فنقلنا هؤلاء الطلاب إلى منطقة” كشك نخود “وانضم إلينا آخرون، ولما كثر العدد استعرنا الأسلحة من الناس، فكانت هذه بداية هذه الحركة حتى استمرت” اهـ.

ولا شك أن قصة هذه الانطلاقة العجيبة تزخر بالعبر والدروس ليس المقام لعرض تفاصيلها الآن إلا أنها الرواية الأدق بشأن بداية حركة طالبان، كون الروايات تعددت وتضاربت وجميعها من مصادر مجروحة ومتهمة، إضافة إلى أن راويها هو مؤسس الحركة بنفسه.

ولعل أبرز ما فيها إعظام التوكل على الله سبحانه وتعالى وقوة اليقين بوعد الله جلّ في علاه، ثم التنظيم ووضوح الرؤية، إنها قصة ملهمة لكل مسلم يريد الانطلاق ولا يملك سوى المبادئ.

واسم “طالبان” هو جمع “طالب” بلغة البشتو، ذلك أن الجماعة تأسست من طلبة العلم في المدارس والمعاهد الشرعية في أفغانستان، والذين شارك أغلبهم في الجهاد الأفغاني الأول وكانوا متوزعين على الأحزاب الأفغانية المختلفة. ويُعتقد أن صفة العلم التي عُرف بها أعضاء طالبان واجتمعوا على أساسها، تعد من أهم أسباب نجاح الحركة.

وقد عملت الأحزاب الأفغانية المختلفة على الإطاحة بحكومة نجيب الله الأفغاني الشيوعية الموالية للروس والتي انهارت مع دخول هذه الأحزاب إلى العاصمة كابل في عام  1413هـ (1992م).

لكن هذا الانهيار أعقبه مرحلة تدافع وتنازع بين الأحزاب، التي اختار جزء منها التحالف مع الشيعة والشيوعيين، وبدأ التسابق على السلطة. بينما غرقت البلاد في حالة من الفساد والفوضى، وتحولت إلى ساحة يتقاسمها أمراء الحرب وقطّاع الطريق، وأصبح الأفغاني يخشى على نفسه من الموت أو السرقة.

وفي عام 1415هـ (1994م) شاء الله أن يصل خبر مفزع للملا عمر، وهو خبر اختطاف فتاتين أفغانيتين عند نقطة سيطرة لأحد الفصائل الأفغانية، واغتصبت الفتاتان ثم تمت تصفيتهما،  ففزع الرجل الشهم وسارع لجمع زملائه الطلبة الذين سبق أن جمعهم بهدف تلبية الاستغاثات الشعبية من هذا القبيل، وهم الزملاء الذين شكلوا لاحقا نخبة حركة طالبان.

شن الملا عمر والطلبة هجومًا على نقطة التفتيش المتورطة بالجريمة، وقتلوا قائدهم، وعلقوا جثته لتكون عبرة لمن يعتبر. وانطلقت بعد ذلك هجماتهم على نقاط الفصائل والأحزاب وقطاع الطرق، فطهروها تطهيرًا ورفعوا عن الناس عبء الإتاوات والمكوس والضرائب الثقيلة، حتى تمكنوا من السيطرة على مديرية أوغستان بالكامل.

ذاع في هذه الأثناء صيت الملا عمر، فأقبل عليه الطلبة من كل مكان من داخل أفغانستان ومن باكستان، وتوسع نطاق عملهم، ففتحوا المدارس الإسلامية وأقاموا المحاكم الشرعية وفي نفس الوقت سيطروا على مخازن الأسلحة والذخيرة، ولم ينته عام 1415هـ (1994م) حتى كانت مدينة قندهار بالكامل تحت يد حكم طالبان. ولعل هذه الظروف التي برزت فيها حركة طالبان كانت من أهم أسباب استمراريتها وإكسابها الشرعية.

ثم بعد أن استتب الأمن في قندهار أرسل الأهالي من الولايات المجاورة مناشدات للملا عمر كي يحكم ولاياتهم أيضا ويضبط أمنها، فاستجاب لهم وبدأ بتطبيق الشريعة وفرض الأمن وفي نفس الوقت جمع أسباب الاستمرارية من أنواع العتاد والسلاح والذخيرة. وانتشرت أخباره في كافة أفغانستان فطالب أهالي غزني من طالبان تقلد الحكم أيضا وكان فيها آنذاك قوات الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، فاشتبكت مع قوات طالبان لكنها انهزمت وسيطرت طالبان على الولاية في عام 1416هـ (1995م). وتوسعت سيطرات طالبان في كل مناطق الحزب الإسلامي،  وكان مما روي عنهم في هذه الفترة تمكنهم من فك الحصار الذي أطبقه حكمتيار على القوافل الإغاثية للأمم المتحدة والمساعدات الإنسانية حيث احتجزها للضغط على أهل كابول، حتى يستجيب له برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود الذي أسس لاحقًا تحالف الشمال، أقوى معارضة ضد طالبان.

وشهد عام 1416هـ (1995م) انضمام الشيخ جلال الدين حقاني، مؤسس شبكة حقاني لطالبان. وفي نفس العام تقدمت الحركة إلى كابول وسيطرت عليها.

ورافق التقدم العسكري مراسلات سياسية من الملا عمر لقادة الأحزاب يدعوهم لنبذ الشيوعيين والوحدة حول الشريعة ولم يكن يعلن قتالهم حتى يعرض عليهم التسليم الآمن، لكنها رسائل لم تلاق قبولهم ولا استجابتهم.

وفي هذه الأثناء كسب الملا عمر تأييد علماء ودعاة أفغانستان بعد وصول الحركة إلى كابل، حيث بايعه حوالي 1500 من أهل العلم والدعوة في عام 1417هـ (1996م)، وانتخب بالإجماع أميرًا لحركة طالبان ولقب بـ”أمير المؤمنين”.

لقد عاش الملا عمر على الزهد والورع فقدم مثالًا نادرًا لسيرة الحاكم المسلم الذي حمل همّ رعيته أكثر من همّ نفسه، حيث استمر يعيش مع أسرته في بيت متواضع في مدينة قندهار، يستخدم سيارته الوحيدة بنفسه، لا يبالي كثيرًا بالحراسة الشخصية.. على مكانته! وفي نفس الوقت كان يدير جميع شؤون الإمارة بنفسه عن طريق الهاتف واللاسلكي من قندهار.

ومع استمرار توسع الحركة وازدياد سيطراتها والتفاف الشعب حولها، جذب الصعود الطالباني وأداء الحركة، كبار الشخصيات في البلاد، نذكر منهم الشيخ يونس خالص الذي بايع الملا عمر مع قواته. ولم يكن لوحده الذي بايعه ابل معه العديد من قادة الأحزاب الذين انفصلوا عن أحزابهم وجذبتهم قوة طالبان وسياساتها.

وتمكنت طالبان من نجيب الله الأفغاني، سنة 1417هـ (1996م) وعلّقته على أعمدة الكهرباء في كابل ليكون رسالة لعملاء الروس ومعارضيها.

وسيطرت طالبان على ولايات الشرق والجنوب والغرب والشمال الغربي إلى غاية هرات ولم تصل سيطرتها إلى معظم شمال البلاد إلا في عام 1418هـ (1997م)  حيث شنت الحركة حملة كبيرة للسيطرة على هذه المناطق لكنها تعثرت بالغدر والمكيدة مما كلفها ثمنًا باهظًا، فقد وقع الطلبة في استدراج ماكر من قبل الميليشيات الأوزبكية الشيوعية المتحالفة مع الشيعة الأفغان، وحصل ذلك حين أظهر أحد قادتهم انحيازه لطالبان وأمّنهم في مزار شريف فلما دخلتها جنود طالبان أطبقوا عليهم من كل الجهات وسطروا مجازر وحشية بحقهم، قتل فيها نحو عشرة آلاف من طالبان. ونقلت قصص دامية عن تعذيب وحشي ومثلة وتصفية لبعض كبار قياداتها. مع ذلك سرعان ما استرجعت طالبان أنفاسها من أثر الصدمة وأسرّت انتقامها، وواصلت من جديد تقدمها شمالًا فانهارت أمامها قوات دوستم.

وبقي مسعود مع بعض المعارضين منهم حزب الوحدة الشيعي في باميان. التي سقطت في عام 1419هـ (1998م)، وقتلت طالبان في هذا السقوط نحو 4 آلاف شيعي قصاصا على مذبحة مزار شريف.

وسيطرت حركة طالبان على كل أفغانستان عدا ولايتي بدخشان وبنجشير، أين تمركزت المعارضة، وفي هذه الأثناء استقرت إمارتها الإسلامية التي أصبحت تمثل أفغانستان دوليًا حيث اعترف بها عدد من الدول. وكانت تستقبل الوفود والسفراء. كما كانت تقيم علاقات دبلوماسية مع باكستان والإمارات والسعودية ولها سفارات في أراضيهم أيضا، يذكر من سفرائها، في باكستان “الملا عبد السلام ضعيف ” وفي الإمارات “المولوي عزيز الرحمن عبد الأحد”.

ومع كل هذه التطورات وتسابق العدسات لتصوير الملا عمر، لم يكن يبالي بالظهور الإعلامي، ومما ذكر عن سيرته التي نشرتها طالبان، أنه كان دائما يفتتح صباحه بتلاوة القرآن الكريم، ثم يقضي يومه في العمل وإدارة شؤون البلاد، ومن أشهر مواقفه خلال هذه الفترة، إصداره أمرًا في عام 1422هـ (2001م) بهدم التماثيل البوذية في مدينة باميان ضاربًا بعرض الحائط جميع المطالب الدولية والمناشدات.

وكان طبيعيًا أن تستقبل طالبان جميع المجاهدين العرب، جماعات وأفراد، من الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، وكان من أبرز هؤلاء، أسامة بن لادن، الذي اختار الاستقرار في أفغانستان بعد خروجه من السودان فاستقبله الشيخ يونس خالص وأكرم ضيافته. وكان أسامة قد أسس تنظيم القاعدة منذ أيام الاتحاد السوفييتي وكان يقود نشاطه وتوسعه من أفغانستان، وهو التنظيم الذي أصبح العدو الأول للأمريكيين لأن استراتيجيته ترتكز على استنزاف الولايات المتحدة بشكل مباشر باعتبارها رأس الأفعى، فإن ضعفت ضعف الذيل، في إشارة لكل ما يرتبط بها من أنظمة، فيسهل التخلص من أثقال الهيمنة، وهي استراتيجية أثارت جدلًا واسعا، ولا تزال، وكان ظهور الشيخ أسامة الإعلامي مستفزًا للأمريكيين خاصة لإثارته قضية فلسطين والدعم الأمريكي لدولة الاحتلال الصهيوني.

ثم كان ما كان من أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 1422هـ (2001م)  والتي قلبت العالم رأسًا على عقب فخرج الأمريكيون في سخط بالغ يبحثون عن القاعدة في كل مكان للانتقام من جماعة كانت أول من ضرب الولايات المتحدة في قلبها وأول من ضرب هيبة وزارة دفاعها المقدسة “البنتاغون”، مما شكل إهانة كبيرة وهزة لا نظير لها أثارت ردة فعل لا نظير لها أيضا. مع العلم أن الأرض الأمريكية كانت دائما بعيدة عن استهداف الأعداء حتى خلال الحروب العالمية وأقرب ضربة تلقتها كانت من اليابان على ميناء بيرل هاربر في جزر هاواي أثناء الحرب العالمية.

وأرسلت أمريكا الوفود للملا عمر من أجل تسليم أسامة بن لادن، لكن رده لم يكن متوقعًا لعقلية الصلف والكبر الأمريكية، التي اصطدمت برجل، يتمسك بالشريعة والأعراف الأفغانية أكثر من تمسكه بملكه والحياة! وتوالت العروض الدولية بين ترغيب وترهيب وتعددت أشكالها والإغراءات. لكن الملا عمر لم يتزحزح عن قراره، فلن يسلم مسلما لكافر!

لقد كلف الملا عمر هذا الموقف البطولي سقوط إمارته، حيث انطلقت الحرب العالمية الجديدة بقيادة أمريكا في عام 1422هـ (2001م) بوحشية وعنف لا يميز بين حي ولا جماد، ولا بين أخضر ولا يابس! ودمرت أفغانستان تدميرًا، فانحازت طالبان إلى الكهوف والجبال ونشرت شبكاتها في الأرياف والمدن لتبدأ مرحلة جديدة من الحرب!

ومع أن الإدارة الأمريكية جعلت من أولوياتها إلقاء القبض على الملا عمر، حيث خصصت جائزة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدل عليه أو يساعد على اعتقاله، لكن العروض المالية المغرية لم تفقد الملا عمر إخلاص حاشيته وبقي في مأمن في مكان ما من أفغانستان يدير قواته في قتال قوات الاحتلال الغاشم.

خاضت طالبان والقبائل الأفغانية المخلصة، الحرب أمام أمريكا وحلفائها المحليين والدوليين، فكانت فصولًا ملحمية من نضال شعب لأجل تحرير وطنه. ولعل هذا ما يفسر دعوة الرئيس السابق حامد كرزاي – الذي أقامته أمريكا في أفغانستان- للملا عمر بالترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 1435هـ (2014م) قبل إجرائها بعامين لأجل شعبيته ونفوذه بين الأفغان. لكنه اشترط عليه وضع السلاح! وهو أمر غير قابل لمجرد الطرح فضلا عن النقاش بالنسبة لطالبان.

ورغم حجم الإنفاق العسكري وعمق الخطط الاستراتيجية وكميّة المكر السياسي وطرق الاحتيال الغربية وشراسة الحرب الإعلامية وتسلل التغريب للمجتمعات الأفغانية، لم تتمكن قوات التحالف الدولي من هزيمة طالبان ووجدت نفسها غارقة في ذات المستنقع الذي غرق فيه الروس قبلها بسنوات فخرجوا منه بانهيار اتحادهم يجرون أذيال الهزيمة! وكان ذلك من أسباب إطلاق اسم “مقبرة الإمبراطوريات” على أفغانستان كما أكده الرئيس جو بايدن في اعتراف وتبرير على خجل لهزيمة قواته في هذه الأرض.

وفي الواقع فإن حرب العصابات، حرب المستضعفين كانت لها كلمة أخيرة في كل فصل من فصول الصراع بين طالبان والأمريكان، ومن ثمراتها إجبارها في عام 1435هـ (2014م) الأمريكان على إتمام صفقة تبادل لـ 5 أسرى معتقلين من حركة طالبان في سجن غوانتانامو مقابل إطلاق الحركة سراح جندي أميركي. وسنجد الوفاء الطالباني للأسرى يتكرر على طول امتداد محور التاريخ في أفغانستان ونشاهد الأسرى بالأمس القادة اليوم. كما نشاهد أيضا انعكاس معاملة طالبان المنصفة لأسرى الأعداء في الجهة المقابلة، ما يفسر اعتناق عدد منهم للإسلام وثنائهم على معاملة طالبان لهم خلال الأسر. من بينهم الصحفية البريطانية “إيفون ردلي” الشهيرة التي أعلنت إسلامها بعد إطلاق سراحها.

استمر الحال على ما هو عليه، في استنزاف متواصل لقوات التحالف الدولي، إلى أن مرض الملا عمر في عام 1434هـ (2013م) وتوفي على إثر هذا المرض في نفس العام، فدفنته عائلته واتفق بعض قادة طالبان مع أفراد عائلته على إبقاء خبر وفاته سرًا لأجل مصلحة الجهاد والبلاد التي تخوض حربًا مع أعداء غير تقليديين، خاصة وأن الجيش الأميركي كان يستعد للانسحاب الكامل وفق ما خططت إدارة الرئيس باراك أوباما وأرادت طالبان أن يتم ذلك بدون تشويش.

وبقي خبر وفاة القائد مخفيًا خلال الحرب، حتى ظهر في عام 1436هـ (2015م) وأقره الملا محمد يعقوب الابن الأكبر للملا عمر ورئيس اللجنة العسكرية في طالبان، واليوم وزير دفاعها، في تسجيل صوتي قائلا أن سبب وفاة والده كان المرض، وداعيا لوحدة الصف ومواصلة العمل. كما أكد الابن على أن والده توفي في أفغانستان وأنه لم يغادر بلاده كما أثارت التقارير الكثيرة التي نشرت خبر وفاته.

واستلم القيادة بعد الملا عمر، نائبه المقرّب، الملا أختر منصور بإجماع من مجلس الشورى، وهو من مواليد عام 1388هـ (1968م) من جنوب أفغانستان قرب قندهار.

شغل في التسعينات منصب وزير الطيران المدني والنقل، ومنصب حاكم طالبان في قندهار حتى عام 1428هـ (2007م)، كما شغل رئاسة الشؤون العسكرية في طالبان حتى عام 1431هـ (2010م)، ليختاره الملا عمر في نفس العام، نائبا له، فشغل هذا المنصب حتى عام 1436هـ (2015م) ثم بعد اعلان وفاة الملا عمر، اجتمع أعضاء الشورى لطالبان وبايعوا الملا أختر منصور، أميرًا جديدًا لطالبان.

لكن الأعين الأمريكية كانت تتربص بالملا الجديد، فما لبث أن قتل في قصف أمريكي في عام 1437هـ (2016م) لترثيه طالبان ثم ليختار مجلس الشورى، القائد الثالث للحركة، الملا هبة الله أخوند زاده خليفة له. وسنلاحظ أن حركة طالبان لا تقبل في قيادتها إلا الملا أو المولوي وهي مراتب علمية لطلاب الشريعة، متعارف عليها في أفغانستان.

وحمل الراية المولوي هبة الله، وهو عالم دين متخصص في الحديث وعلومه وكان يترأس المحاكم الشرعية في إمارة أفغانستان الاسلامية، عرف عنه أنه المسؤول عن أغلب فتاوى طالبان وبقدرته على حل المشاكل الداخلية، أطلق عليه الملا عمر اسم “المعلم”، وعينه الملا أختر منصور نائبا له إلى جانب سراج الدين حقاني إلى أن تم اختياره خلفا له. ليستمر في حرب العصابات ضد الاحتلال بنفس التفاني والإصرار، يكفي لوصف هذه الحقيقة، ما قاله الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب عن طالبان خلال فترته الرئاسية حيث قال:”جاءني الجنرال من أفغانستان وقال: سيدي سيكون هناك ربيع قاس في أفغانستان، قلت لماذا ؟ ( في سنتي الرئاسية الأولى) لماذا؟ قال سيدي سيخرج طالبان من الجبال ويبدؤون في القتال، قلت له: لماذا سيكون ربيع قاس! إنهم يفعلون ذلك منذ 1000 عام، يخرجون في الربيع ويقاتلون. هذا ما يتقنونه، هم جيدون جدًا، مقاتلون جيدون جدًا، هذا ما يتقنونه! مثلا توني يحب مشاهدة كرة القدم الأمريكية أنا أحب أن أفعل أشياء أخرى وهم يحبون القتال، هذه هوايتهم! اسألوا الروس إن كانوا أقوياء أم لا؟!”.

وقفة مع الهزيمة الأمريكية

لا داعي لسرد التقارير والدراسات الغربية الكثيرة التي تكشف عن درجة الاستنزاف التي نالت من الولايات المتحدة وحلفائها في المستنقع الأفغاني ويكفينا النظر في حصيلة الحرب حيث تشير التقارير إلى أن تكلفة الحرب على أفغانستان منذ 20 عاما بلغت 2.261 تريليون دولار (منها تكاليف مستمرة حتى بعد انتهاء الحرب كتكاليف العلاج ورواتب مصابي الحرب والفوائد) بالإضافة لمقتل 6294 أمريكي (جنود ومتعاقدين وموظفين من وزارة الدفاع) بحسبما نشر مركز نورس للدراسات.

مع التنبيه إلى أن العدد الحقيقي للخسائر البشرية أكبر مما هو معلن. كما كشفت تسريبات الواشنطن بوست الأمريكية عن أن التعتيم على الخسائر والتلاعب بالبيانات لتخفيف الصدمة كان من صميم سياسة الجيش الأمريكي في أفغانستان، بل في كل ساحة صراع.[1]

وبحسب جامعة براون الأمريكية قتل 929 ألف شخص، وتحول 38 مليون للاجئ أو نازح، وبدأت الحرب في أفغانستان لتمتد إلى 85 دولة كما أدت إلى دمار وانتهاكات لحقوق الإنسان والحريات المدنية وتكلفة حرب بلغت 8 تريليون دولار.

وفي هذا الأثناء التي كانت تتكبد فيها الولايات المتحدة الخسائر والتكاليف الثقيلة كان التنين الصيني يتقدم بهدوء ويحرز المزيد من المكتسبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ولأن أغلب الحروب في العالم تنتهي باتفاقيات تحدد المرحلة المقبلة، كان طبيعيا أن يصل الصراع الأمريكي الطالباني إلى مرحلة التفاوض، بعد عجز الخيار العسكري عن تحقيق حسم كما أراد ساسة الأمريكان في بداية الحرب.كما حصل في حرب فيتنام بعد 20 سنة من الحرب.

لقد شعر الأمريكان بأن الأوان قد حان لوضع حد لمغامرة متهورة واستراتيجية فاشلة كلفت بلادهم الخسائر البشرية والمادية الهائلة. وفشلت بعد كل ذلك في إعادة برمجة الشعب الأفغاني وفق مقاييس الغرب متجاهلة طبيعة نظامه القبلي المتمسك بالإسلام والتقاليد الشعبية، وبدلا من ذلك أغرقت البلاد بعد إعطاء الشرعية للفاسدين، في العنف والجريمة والنهب، وانتعشت تجارة المخدرات فبلغت أعلى مستويات قياسية. حيث قالت صحيفة لوموند الفرنسية: “طالبان كانت قد حرمت زراعة المخدرات فانتهت من أفغانستان، وبعد السيطرة الأمريكية على البلاد أصبحت أفغانستان أكبر منتج للمخدرات في العالم، ومصدر 90% من الهيروين الذي يدخل أوروبا، ووزراء الدفاع والداخلية وشقيق رئيس الجمهورية كانت لكل منهم عصابة محلية لزراعة وتصدير المخدرات” والتقارير والإحصائيات في ذلك كثيرة ومتواترة تؤكد على أن تجارة المخدرات ازدهرت على يد قوات الأمريكية ودعاة الديمقراطية! وسنجد الصحافة الأمريكية تغطي على هذه الحقيقة وربما أخرجت تقارير مناقضة لتلميع صورة أمريكا، كما اشتهرت وكالة “سي أن أن” الخبيرة بصناعة الكذب الإعلامي.

والآن بعد كل هذه الخسائر التي تكبدتها أمريكا، جاء خروجها بسيل من التعليقات اللاذعة والانتقادات الحادة من الحلفاء الأوروبيين، فضلا عن سخرية الروس والصينيين الذين اتهموها بالفشل والتخبط، فقد رجعت طالبان بعد عقدين من الزمان لتسيطر على أفغانستان بمساحة أكبر من التي كانت لديها خلال 1422هـ (2001م)  مع بداية الحرب بما في ذلك المناطق التي استعصت عليها سابقا كوادي بنجشير.

لكن أغلب المراقبين يتفقون على أن طالبان قد اكتسبت الكثير من المرونة والفهم لطبيعة النظام الدولي، وتحولت لمرحلة المناورة السياسية والنفس الطويل ولعلها شكل جديد أشبه ما يكون بحرب عصابات سياسية إن صح التعبير. فمن يراقب تصريحات الحركة السياسية ثم ينظر لتحركاتها على الأرض يدرك أن طالبان تناور النظام العالمي وتعلم أنه لا يحترم إلا الأقدام الثقيلة في الميدان وسيرى أن الكثير من التصريحات لم تكن سوى حقن تخدير للمجتمع الدولي كما ظهر في إعلان شكل الحكومة ورفض الديمقراطية. ولذلك أشارت بريطانيا إلى أنه لا يعتمد على تصريحات طالبان بل على أفعالها.

وفي الواقع رغم حجم التكهنات والتحليلات التي رسمت نهاية مختلفة لما نراه اليوم أثناء تفاوض الحركة مع الأمريكان، فإن طالبان قد عودتنا على أن نعتمد في قراءة منهجيتها على الأفعال لا الأقوال، فكل ما أثير بشأن شكل الحكومة الجديدة إعلاميا، ذهب أدراج الرياح بعد أن فرضت طالبان بكل سلاسة حكومة من مكوناتها الأساسية في مفاصل صناعة القرار وتجاهلت مطالب الديمقراطية والتعددية الحزبية التي يرددها المجتمع الدولي، وقرنت جميع مطالبها بمطلب الشريعة الإسلامية، وهي عبارة لازمت كافة تصريحاتها عند التعامل مع النظام الدولي، مثل قبولها جميع قرارات ومواثيق النظام الدولي ولكن التي تتفق مع الشريعة الإسلامية.

ومن يدقق النظر فيما ينشر يجد أن أغلب التحليلات ارتكزت على تكهنات وأماني الغرب، لكن في الواقع الوعود الطالبانية لا تذهب أبعد مما تريده الحركة.

لقد حاولت أمريكا أن تحفظ لنفسها بعض الهيبة من خلال التفاوض مع طالبان ومحاولة انتزاع بعض ما يحفظ ماء الوجه لكن الأيام الأخيرة لسحب قواتها لم تُبق لها من هيبة. فالولايات المتحدة عندما شاهدت فشل الحل العسكري، سعت جاهدة لتقبل حركة طالبان بالمفاوضات، وكانت الحركة ترفض هذا الطلب في البداية، ثم قبلت وفق شروطها، فخففت الإدارة الأمريكية من لهجة التهديد وجلست مع جماعة تصنفها إرهابية ولا تعترف بها من الأساس مع أنها كانت تقول في بداية الحرب أن التفاوض مع إرهابيين أمر مستحيل، ثم ها هي الآن تضطر للتعامل مع طالبان لإخراج مواطنيها بسلام من أفغانستان!

ويكفي النظر في تعليقات الصحف الغربية على هذا الحدث والعبارات القاسية على الساسة الغربيين التي استعملت لوصفه، لندرك أننا بالفعل أمام انعطافة جادة في الصراع الأمريكي في أفغانستان وصفها بعض الباحثين ببداية التراجع الأمريكي في العالم.

وما استغربه الكثير ممن اعتاد على عناوين الأخبار اليومية، هو سرعة سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في البلاد لكنه لمن يتابع الدراسات والتقارير الغربية يعلم أنه مصير لا مناص منه، وقد ورد على ألسنة المسؤولين بشكل صريح في مناسبات عديدة، فاستراتيجية السيطرة لطالبان تحتاج لدراسة واطلاع لأنها لم تأت من فراغ بل من حسن قراءة لبنية الأعداء وتسلل عبر ثغراتهم واستقطاب للولاءات من داخل المراكز المؤثرة، وقد فصلت بعض الدراسات هذه الاستراتيجية بشكل كافي وهي متوفرة على الشبكة لمن أراد معرفة استراتيجية طالبان الفعالة في الحرب.

ثم إن تركيبة طالبان على بساطتها إلا أنها مكّنتها من الاستناد لهيكل متين خاصة باعتمادها على نظام الشورى وعلى دستور موحد (الشريعة الإسلامية). كما لم يطرأ تغيير كبير على قيادتها الصلبة، فنفس قادتها النخبة لا يزالون اليوم في القيادة، وهم من مؤسسيها الأوائل، وهذا من أبرز الأسباب في استمرار تماسك هذه الحركة رغم ما مرت به من عقبات وتهديدات تتربص بصفوفها.

ولاشك أن خروج القوات الدولية من أفغانستان ليس إلا انعطافة جديدة في الصراع التاريخي على هذه الأرض، لذلك يبدو أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الضغوط الاقتصادية والسياسية ومحاولة ترويض الحركة سواء باحتوائها أو اختراقها وتفكيكها.

ولعل هذه المرحلة هي الأخطر والامتحان فيها هو الأعسر لكون المستهدف مقاتلين اعتادوا على حياة الجهاد وفتنة بارقة السيوف لكنهم اليوم أمام فتنة التمكين وانفتاح الدنيا لهم!

والآن بعد 20 سنة من منطق “إما معنا وإما مع الإرهاب” وتخيير العالم كله وفق هذا المنطق، نرى أن طالبان قد قدمت في واجهتها أسرى غوانتنامو كرسالة أخرى على طبيعة التفكير الطالباني العنيد.

الاستراتيجية الطالبانية تهزم نظيرتها الأمريكية

لقد انتهت الحرب العسكرية فعليًا في أفغانستان لكنها زعزعت الثقة في المراكز الاستراتيجية الأمريكية وكشفت قصورها رغم حجم خبراتها وبراعة عقولها، لقد تحطمت هيبة كل ذلك بالانسحاب المذلّ من هذه البلاد دون تحويل المجتمع الأفغاني لنسخة أمريكية أو القضاء على طالبان.

لا يمكننا تلخيص حجم الترسانة العسكرية والإصرار الاستخباراتي وأشكال الأسلحة المدمرة التي جربتها أمريكا وحلفائها في أفغانستان، كل هذا الجمع عجز أمام رجال قبائل يحملون ثقافة حرب العصابات، قد تكيفوا معها عبر التضاريس الصعبة للبلاد. فضلا عن قدرتهم على تغيير تكتيكات القتال وفق ما تقتضيه المرحلة.

ولعل أبرز ما ساهم في إنجاح الاستراتيجية الطالبانية في ميدان المواجهة العسكرية، الطبيعة الريفية للحرب في أفغانستان والانتشار الواسع المدروس لطالبان بين العديد من القرى والمدن، والذي أجبر قوات التحالف على إنشاء قواعد متباعدة، تتطلب طريق إمداد حياتي لها، مما يعرضها للهجمات التي لا تمل طالبان من تكرارها. سواء باستهداف القاعدة بحد ذاتها أو باستهداف خطوط إمدادها.

لم يقف نجاح الاستراتيجية الطالبانية على تكتيك حرب العصابات إنما أيضا على قدرة جهازها الاستخباراتي على اختراق شبكات الأعداء،  وهو ما ساعد في حسم الكثير من المعارك مسبقًا وإجهاض خطط العدو في مهدها. فضلا عن حفظ العلاقات مع وجهاء البلاد وشيوخ قبائلها المؤثرين.

ولا غرابة أن أصرت طالبان على مواصلة نشاطها العسكري خلال المفاوضات ذلك أنها تدرك جيدًا أنه السبب الأول الذي أخضع أعداءها للجلوس معها، فكانت تفاوض بيد وتضرب باليد الأخرى. وهذه السياسة المزدوجة أكسبتها الكثير من التأثير في قرارات التحالف الغربي.

فقد فرضت طالبان منطقها، ولم تتمكن قوة ولا اتفاقية من حرمانها من السلاح،  وبقيت متمسكة بمطلبها الأساسي القديم، استقلالية البلاد من كل محتل وإقامة إمارتها الإسلامية.

أما عن بنود الاتفاق مع الأمريكان، فقد حصلت طالبان على استقلال أفغانستان الكامل من جميع قوى الاحتلال، مع ضمان عدم التدخل في الشؤون الأفغانية وإطلاق سراح 5000 أسير تحولوا لجنود في جيشها، مقابل ضمان عدم انطلاق أي هجوم ضد الولايات المتحدة من أرض أفغانستان من الجماعات الجهادية.

واعتقد الكثير من المتابعين أن طالبان قد تغيرت بعد توقيع هذه الاتفاقية لكن المراقبون يتفقون على أن أبرز تغيير طرأ على حركة طالبان كان في الجوانب الاجتماعية والإعلامية والتي كانت في زمانها الأول ترفض التنازل عنها، كإلزام الرجال باللحى والنساء بالنقاب وعدم خروجهن إلا بمحرم وتحريم التصوير وحظر التلفاز. فقد أصبحت الحركة أكثر سعة لهذه الفئات تحت سلطانها. لكنها بالمقابل لا تزال تفرض مطالبها بطريقة مختلفة.

طالبان هبة الله وطالبان الملا عمر

من تابع سياسات حركة طالبان منذ بداية تأسيسها لا يجد الفرق الكبير بين منهج كل منهما، فقد أعلن الملا عمر عن أهداف الحركة كما أعلنها الملا هبة الله، وهي إقامة الحكومة الإسلامية وأسلمة القوانين والاقتصاد والتعليم وكافة النواحي. وأصر كلاهما على ضرورة طرد المحتلين واستقلالية البلاد.

وقال الملا عمر: “إنّ استقلال أفغانستان وإقامة النظام الشرعي فیها هما من القیم التي لن تساوم علیها الإمارة الإسلامیة” وحذر مخططي تقسيم أفغانستان قائلاً: “الإمارة الإسلامية بمعاونة الشعب الأفغاني لن تسمح لأحد أن یطبّق هذا المشروع المشؤوم، أو أن یُقسّم البلد علی أساس العرق أو الإقليم أو غیره”، وأكد على أن أهداف الحركة من جهادها هو أن تكون  أفغانستان داراً لجميع الأفغان، وليسكنوا فیها جمیعاً في جوٍّ من الوحدة”.وهو نفس ما يتردد اليوم على ألسنة المسؤولين الطالبانيين.

وتماما كما أكد الاتفاق الطالباني الأمريكي بأن لا تسمح طالبان بأن تنفذ أي هجمات ضد الغرب انطلاقا من أرضها، كان يتفق مع ذلك الملا عمر حيث قال في بيان عيد الفطر 1433هـ (2012م): “والإمارة الإسلامية تطمئن العالم بأنّها لا تسمح لأحد باستخدام أراضيها ضدّ الآخرين”.

وأقدم من ذلك بتاريخ  1428هـ (2007م) قال الملا عمر في رسالة له موجهة إلى الشعب الأفغاني والعراقي:”إن الإمارة الإسلامية لا تتدخل تدخلًا غير مشروع في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أبدًا، ولا تقبل في بلادها التدخل غير مشروع للدول الأخرى أيضًا”، وفي بيان عيد الفطر لعام 1429ه (2008م) قال الملا عمر:”لو تتركون أنتم ترابنا، فنحن نستطيع أن نهيأ لكم فرصة معقولة لخروجكم. ونعيد مرة أخرى موقفنا بأننا لسنا ضررًا لأحد في العالم، كي تُوضع نقطة النهاية لتلك قلاقلكم المزيفة التي تجعلونها ذريعة للاحتلال”.

وقال الملا عمر، كما ورد في بيان له بمناسبة عيد الأضحى لعام 1430ه (2009م):” إننا نرید في بلدنا النظام الإسلامي الذي یُحتفظ فیه علی حقوق جميع أفراد شعبنا رجالاً ونساءً، النظام الذي یقوم على نفسه، ویملك إرادته، وینتهج في سیاساته الداخلیة والخارجیة قاعدة  لا ضرر ولا ضرار  الشرعیة”.

 وأكد الملا عمر في بيانه لعيد الفطر للعام الذي بعده في 1431ه (2010م):”إننا سنبني سیاستنا الخارجیة علی أصل دفع ضرر الغیر وعدم إضرار الآخرين”.

فوعود طالبان اليوم هي ذات وعودها بالأمس ولم نر اختلافا في تصريحات الملا عمر أمس والمولوي هبة الله اليوم.

ولطالما كان الخطاب السياسي للحركة يشتمل على مصطلحات “الوطنية” جنبًا إلى جنب مع الشريعة الإسلامية منذ تأسيسها، فضلا عن بيانات الشكر والتعزية للدول العربية.

وكما أكدت طالبان هبة الله بأنه لا وجود لمقاتلين أجانب في صفوفها، سبق أن أكد الملا عمر في أحد رسائله عام 1433هـ (2012م)  على سعي طالبان لأن يكون المصير السياسي للبلد “ذو صبغة أفغانية وإسلامية خالصة”.

واتفق كل من الملا عمر وخلفه هبة الله على أن دستور البلاد ينبغي “ألا يكون فيه مادة أو بند ضد الأصول الإسلامية والمصالح الوطنية والأعراف الأفغانية”.

أما عن التعامل مع الشيعة، فمعلوم أن الشيعة تواجدهم قديم في أفغانستان، وقد حصل بينهم وبين طالبان الكثير من القتال العنيف ولا يزال الصراع بينهما يتخذ أشكالا أخرى، ولكن سياسة طالبان كانت الاحتواء منذ عصر الملا عمر، فعند سيطرة طالبان على الكثير من معاقل الشيعة بما فيهم الهزازة والإسماعيلية وإحكام قبضتها على أبرز معاقلهم في ولاية باميان، فإنها لم توسع القتال ضدهم، وكان خطابها وتوجهها وديًا ومطمئنًا تجاههم، كما تفعل اليوم في عصر هبة الله. كي لا تغرق البلاد في اقتتال داخلي خلال فترة حرجة من الصراع مع الغرب. وهذه كانت سياسة طالبان الشرعية مع الشيعة والرافضة. التي أثنى عليها البعض وانتقدها البعض الآخر. مع العلم أنها سياسة سبقتها إليها الدولة العباسية.

وتبدو هذه السياسة أكثر ووضحًا في خطاب الملا عمر الذي وجهه إلى الشعبين الأفغاني والعراقي في عام 1428هـ (2007م) حيث قال:”وهكذا إني أرجو من الإخوة العراقيين بأن يتركوا الاختلافات باسم أهل التشيع، وأهل السنة إلى الوراء، وأن يقاوموا متحدين ضد العدو المحتل، لأن النصر غير ممكن دون الاتحاد”.

وفي لقاء مع مسئول اللجنة السياسية التابعة لإمارة أفغانستان الإسلامية الشيخ  معتصم آغاجان في عام  1430هـ  (2009م) ، أجاب المسؤول على سؤال المحاور:” كما تعلمون أن الشعب الأفغاني منتمٍ إلى المدارس والمذاهب الإسلامية العديدة مثل الحنفية والسلفية وإخوان المسلمين بالإضافة إلى فرقة الشيعة…. ما موقف الإمارة الإسلامية نحو هذه المذاهب والمدارس الإسلامية؟” فقال مسؤول طالبان:”إن أفغانستان وطن لجميع الأفغانيين، فيجب عليهم أن يختاروا المعيشة الأخوية والتعاون فيما بينهم، وإن إمارة أفغانستان الإسلامية تعترف بحقوق واحترام أصحاب جميع المذاهب والمدارس الإسلامية المختلفة دون التمييز، وترى بأنهم متساوون في جميع الحقوق، وتود لجميع أفراد بلادها في ظل النظام الإسلامي الموحد العيشة المحترمة ذات أمن كامل واستقرار دائم”.

وهذا دليل على أن طالبان لا تزال تمشي على نفس سياسة مؤسسها الملا عمر إلى اليوم. مع التنبيه إلى أن طالبان تعتمد في جميع خيارات سياستها الشرعية على المذهب الحنفي.

ثم لم يختلف الملا عمر عن هبة الله في سياسة  “تصفير” المشاكل وإبرام علاقات طيبة مع دول الجوار، وهي باكستان، إيران، الصين، أوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان، وليس بشيء جديد على طالبان الحرص على بناء علاقات مع جيرانها، فمنذ تأسيسها كان الملا عمر يستقبل الوفود ويكرمهم.

ويظهر حاجة الدول المحيطة بأفغانستان لعلاقات ودية مع طالبان – أرض المعسكرات والخطب الجهادية، أرض تسري فيها عدوى حمل السلاح والقتال كالنار في الهشيم – فباكستان تحتاج لعلاقة جيدة مع السلطة في أفغانستان، من أجل أن يكون لها “عمقًا استراتيجيًا بمواجهة الخصم الهندي” العدو الأخطر لباكستان الذي يملك قوة نووية.

ولم يسجل تاريخ الحركة اصطدامًا مباشرًا مع باكستان، رغم ما صدر منها من تعاون كبير مع الأمريكان، ولم تر طالبان مشكلة في حفظ العلاقات مع باكستان منذ عصر الملا عمر، حيث كان لديه سفارة في باكستان خلال فترة حكمه. وهذا موضوع يستحق دراسة منفردة لما في هذه العلاقة من تعقيد وتشعب وتفاصيل مطولة.

كذلك علاقة طالبان مع إيران تجمعها المصالح بين البلدين، مع الخلاف التاريخي العميق بينهما، وقد أشارت طالبان في بياناتها لدوافع هذه العلاقة والتي من أبرزها تواجد أكثر من ميلوني مهاجر أفغاني في إيران.

أما الصين فعلى الرغم من حرص طالبان منذ عهد الملا عمر على علاقات جيدة مع الصين توازن الضغوط الأمريكية، إلا أن ذلك لم يمنعها من استضافة الجماعات التركستانية المسلحة المعارضة للحكومة الصينية، ووفرت لها معسكرات التدريب التي كانت تنشر صورها وتسجيلاتها الدعائية إعلاميًا حتى حديثا أثناء المفاوضات مع الأمريكيين. ونذكر من علاقة الصين بحركة طالبان ما قاله عبد السلام ضعيف سفير طالبان باكستان في عهد الملا عمر: “أما سفير الصين، فكان الوحيد الذي يقيم علاقات جيدة مع السفارة وأفغانستان، وقد طلب السفر إلى أفغانستان ومقابلة أمير المؤمنين، فتوليت تدبير الرحلة وتسهيلها.. عبّر السفير عن قلق حكومته إزاء الشائعات بأن إمارة أفغانستان الإسلامية تساعد المسلمين في شيشنيانغ، وهي دولة إسلامية سابقة، أما الآن فهي جزء من الصين وتشهد صراعًا مسلحًا بين مجموعات إسلامية مقاومة والحكومة المركزية، فطمأنه الملا عمر أن أفغانستان لا تتدخل في شؤون الصين الداخلية، ولا تسمح لأي مجموعة أن تستخدم أراضيها للقيام بأي عمليات تدعم ما يحدث في شيشيانغ”.

إذا فعلاقة طالبان مع الصين قديمة منذ تأسيسها وليست وليدة الساعة. وسياسة طالبان تقضي بألا يتدخل أحد في شؤونها كما أنها لا تتدخل في شؤون غيرها، لذلك فهي تستقبل المعارضين للدول وتقدم لهم العناية التي يحتاجون إليها وفي نفس الوقت تقيم علاقات سياسية مع حكومات هذه الدول.

وعن نظرة حركة طالبان للعلاقات الدولية يلخصها لنا الملا عمر في خطابه لعام 1430هـ  (2009م)  حيث قال: “إن إمارة أفغانستان الإسلامية تؤمن بإقامة علاقات ثنائية إيجابية مع جميع الدول في إطار من الاحترام المتقابل، وتريد فتح باب جديد للتعاون الشامل معها في مجالات التنمية الاقتصادية وحسن الجوار، إننا نعتبر المنطقة كلها بمثابة بيت واحد في مقاومتها للاستعمار” وهو نفس خطاب الحركة اليوم لمن يدقق.

كذلك الحال مع الروس العدو التاريخي المنهزم في أفغانستان، فمعلوم أن طالبان كانت تدعم الجهاد في الشيشان حيث كانت أول من اعترف باستقلالها،  وأول من مدها  بمعسكرات التدريب. وما نشاهده من تدافع الروس على طالبان إنما يخفي خشية الكرملن من أن يتمدد الفكر الجهادي إلى دول الاتحاد السوفيتي السابقة.

وعن علاقة حركة طالبان مع الغرب، فقد كانت واضحة منذ تأسيسها أنها على أساس الاحترام المتبادل. قال الملا عمر في بيان له بمناسبة عيد الأضحى المبارك 1433ه: “إنّنا سنحافظ على العلاقات الحسنة مع كلّ جهة تحترم أفغانستان كدولة إسلامية ذات سيادة مستقلّة، ولا تكون علاقاتها ومناسباتها بأفغانستان ذات صبغة سلطوية استعمارية وأرى أنّ هذه هي مطالبة وأمل كلّ أفغاني حرّ مسلم. وحول المفاهمة مع القوات الخارجية فأقول: بأننا سنستمرّ في الكفاح السياسي إلى جانب عملنا العسكري لتحقيق أهدافنا وآمالنا الإسلامية والوطنية، وقد عيّنّا جهة خاصّة في إطار مكتب سياسي لمتابعة المسيرة السياسية، والمكتب السياسي يتعامل مع الأجانب وفق مصالحنا الإسلامية والجهادية”.

ثم نأتي لقضية التعامل مع الأمم المتحدة، فليس جديدًا على طالبان السعي لتحصيل اعتراف دولي من الأمم المتحدة، لكونها ترى في ذلك ضرورة سياسية واقتصادية لترسيخ حكمها، وظهر ذلك في عصر الملا عمر حيث سعت الحركة للحصول على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، “وأرسلت الحركة الحاكمة في كابل وفدًا رفيع المستوى إلى نيويورك لإقناع الأطراف المعنية بحقها في شغل هذا المقعد”. ومع تكرر الطلب إلا أن الحركة كانت تشدد في طلبها للأمم المتحدة ألا تلتزم حكومة طالبان بأي قرار أو بند يتناقض مع الشريعة الإسلامية”وهو نفس ما يتكرر اليوم في عصر الملا هبة الله فقد أكدت طالبان على رغبتها في تحصيل الاعتراف الدولي وعلى استعدادها لاحترام جميع القوانين الدولية والمواثيق لكن شريطة ألا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. كما أنها ترفض مطلقا إقامة أي علاقات مع الاحتلال الصهيوني مع ترحيبها بكل علاقات مع الدول الأخرى لأجل الاقتصاد والتنمية وتبادل المصالح، بشرط ألا تتدخل في شؤونها الداخلية. 

في حوار للناطق الرسمي بإسم إمارة أفغانستان الإسلامية “قاري محمد يوسف أحمدي” مع جريدة الشرق الأوسط في عام  1431هـ  (2010م) قال: “إن المتفحص لبيانات الإمارة الرسمية وأحاديث مسؤوليها يجد أن لدينا أربع أهداف نسعى إلى تحقيقها بعد طرد الاحتلال وهي : أولا: إيجاد حكومة شرعية مستقلة قادرة على إدارة البلد وممثلة لكافة أطياف الشعب الأفغاني المسلم .

ثانيا: تحقيق الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بين فئات الشعب .

ثالثا: إعادة بناء أفغانستان جديدة قوية ومزدهرة.

رابعا: بناء نظام علاقات قائم على العدل والمساواة والتكافؤ مع جميع دول الجوار والإقليم والعالم وفي مقدمته العالم الإسلامي بالطبع في ضوء القرارات الشرعیة”.

ومن يدقق النظر سيجد أن هذه المطالب هي نفس المطالب التي ترددها اليوم طالبان في عام 1443هـ (2021م) وشرعت في تحقيقها.

طالبان ترى من السياسة الشرعية التعامل مع الهيئات الإقليمية والدولية من باب الحاجة الواقعية وهذا واضح ومستمر منذ تأسيسها إلى اليوم. ويظهر جليًا في بياناتها وزيارات الوفود الدولية واستقبالها السفارات.

وقد سعت طالبان لإقامة علاقات “أخوية” مع الدول في العالم الإسلامي وحصلت على تمثيل دبلوماسي في السعودية والإمارات وقطر. وما بقي مشاهدًا في سياسة طالبان قديمًا وحديثًا هو إصرارها على عدم تدخل الغير في شؤونها الداخلية. وهو ما يفسر رفضها تسليم التركستانيين وأسامة بن لادن.

ثم من المهم أن نفهم بنية حركة طالبان ومنهجها منذ تأسيسها حتى نستوعب ما يصدر عن الحركة وما هي أهدافها.

ولا تزال حركة طالبان تتفاعل مع القضايا الإسلامية في العالم وفي مقدمتها فلسطين ويظهر تفاعلها في بياناتها مع الثورات وأحداث مصر والتركستان وإفريقيا الوسطى وبورما.

وإلى اللحظة رفضت الدول الاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية، إلا أنها مضطرة للتعامل معها بصفتها السلطة الحالية للبلاد والتي تمسك بزمام أمنها ومؤسساتها.

أفغانستان بلغة الأعراق والعقيدة

تضم أفغانستان الحالية مناطق شاسعة من بلاد خراسان التاريخية، وهي تحتضن أديان ومذاهب عديدة. مع نسبة 90% من الشعب الأفغاني من أهل السنة الأحناف بينهم مذاهب مختلفة، وأقلية شيعية بنسبة 10% بما فيها الإثني‌ عشرية وكذلك الإسماعيلية، فضلا عن نسبة ضئيلة من السيخ والهندوس واليهود.

تشمل طالبان أكبر مكون أفغاني، البشتون، والذين حكموا البلاد منذ القرن الثاني عشر الهجري (القرن الثامن عشر الميلادي) إلى اليوم، وموطنهم الرئيسي شرق وجنوب شرق البلاد، ومن أشهر مدنهم قندهار وجلال آباد، ومع توسع الحركة، دخل في مكوناتها الطاجيك أو الفرس وهم المكون الثاني من حيث الحجم في أفغانستان. ويتمركز الطاجيك وسط وشمال وغرب البلاد ومن أشهر مناطقهم هرات، وبدخشان، وپنجشیر.[2]

ويأتي الأتراك الأوزبك في المرتبة الثالثة لمكونات المجتمع الأفغاني، وموطنهم الأصلي شمال غرب أفغانستان في ولايات جوزجان وفارياب ويكثرون في مدينة مزار شريف إضافة إلى الأقلية التركمانية – من أصل تركي- الذين يعيشون في أفغانستان وموطنهم نفس مناطق الأوزبك.

أما الهزارة فينحدرون من الجنس المغولي، موطنهم الأصلي منطقة باميان. كما يعيش في أفغانستان البلوش في ولايتي نيمروز وقندهار، وكذلك النورستانيين والعرب وبدو الأيماق. والشعب الأفغاني بجميع أطيافه شعب محافظ متدين تغلب عليهم البداوة.

وتشير أغلب التقارير إلى أن طالبان، سنة أحناف من المدرسة الديوبندية، وهم أحناف في الفقه وماتريدية في العقيدة.

مع ذلك سأنقل ها هنا بعض شهادات قادة الجماعات الجهادية التي تغلغل أفرادها في مكونات طالبان من القيادة إلى الجنود، وكانت تربطهم علاقات استراتيجية تظهر في بياناتهم الرسمية وتصريحات قادتهم البارزين والتي تعكس حقيقة أن الجماعات التي تحمل الفكر السلفي الجهادي، كانت على انسجام تام مع طالبان وعقيدتها ولم تكن تنتقدها في هذا الباب. بحكم تاريخهم المشترك في الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي واستضافتها للمهاجرين العرب وما تلا ذلك من علاقة غامضة.

ولم يعرف عن طالبان بحسب تاريخها وتصريحاتها، تكفير الأنظمة العربية التي تكفرها تنظيمات السلفية الجهادية نظرًا لاتباعها المدرسة “الديوبندية” وقد ذكر ذلك الباحث أبو مصعب السوري في كتابه “طالبان ومعركة الإسلام” نقلا عن المسؤول الإعلامي لإمارة أفغانستان الإسلامية أحمد مختار في لقائه مع موقع “الجزيرة توك” الذي نشر في عام  1430هـ  (2009م) حين سئل عن حكم الأنظمة العربية فأجاب: “أريد أن أقول بأننا لا نكفر أحدًا من الحكام ولسنا في مواجهة مباشرة معهم”.

وحركة طالبان منذ عصر الملا عمر تطلق لفظ “إسلامي” على الدول بما فيها إيران، حيث نددت في عام 1429هـ (2008م) بالعقوبات الجديدة من قبل مجلس الأمن على ما سمته:” جمهورية إيران الإسلامية”. وخطابات الملا عمر عديدة وواضحة في الاعتراف برؤساء الدول المسلمة كذلك بيانات طالبان لا تخلو من الشكر والتعازي الموجه لبعض الدول العربية. وهو ما يتعارض ومبادئ الجماعات الجهادية السلفية، مع ذلك لم يمنع هذه الجماعات من إظهار الثناء والمديح والتبجيل لطالبان، ولو نظرنا في آخر خطاب صدر من الخصم اللدود حاليا لحركة طالبان، تنظيم الدولة الإسلامية، سنجد الإشادة الصريحة بحركة طالبان والثناء الذي لا لبس فيه عليها، وذلك على لسان الناطق الرسمي السابق باسم التنظيم “أبو محمد العدناني” في كلمة صوتية له في عام  1432هـ (2011م) قال فيها: “إلى تلك العصابة التي تقاتل على أمر الله، إلى أولئك القوم الذين لا يخافون في الله لومة لائم، إلى جميع المجاهدين عامةً في شتّى بقاع الأرض، ولا يسعني إلا أن أخص منهم الجبل الأبيّ الأشم والبحر الحمي الخِضم، بأبي هو وأمي، الشيخ الفاضل الملا عمر مع بشتونه والطالبان، صخرتنا القوية وقلعتنا العصية “.

بل أضاف على هذا الثناء قصيدة خاصة تمدح الملا عمر وطالبان الديوبندية الأحناف الذين لا يكفرون الأنظمة ويقيمون علاقات دولية ويطالبون باعتراف الأمم المتحدة، قال فيها:

يا من ظُلِمتَ ارحل إلى الملا عمر * وقفاته عدلٌ ورشدٌ نادرُ

بشتونه والطالبان حماتنا * قد عاهدوا الرحمن أن لن يغدروا

لن يُخذل الإسلام لا  * ما دامت الأرواح فيهم أو دماءٌ تقطرُ

وهذا يدل على أن عقيدة طالبان المعلومة لم تكن محل خلاف لدى أشد الجماعات تركيًزا على الفرق والعقائد والتكفير.

فعقيدة طالبان هي نفسها التي انطلقت بها منذ أيام الملا عمر، والسياسة التي تنتهجها الجماعة كما أسلفنا هي نفس السياسة التي تمضي بها اليوم مع تغيير في الاستراتيجية الإعلامية والمرونة في التعامل مع الملفات الاجتماعية. كما ظهر من خلال التصريحات القديمة والجديدة المنسجمة لمسؤولي الحركة.

ولعل من أبرز التعليقات على قضية عقيدة طالبان، جواب أحد قادة القاعدة المعروف باسم “يوسف العييري” الذي أجاب على سؤال: هل طالبان قبورية؟ وما معنى كونهم “ديوبندية”؟ وهل هم متصوفة، أو أشاعرة؟!

فأجاب على هذا السؤال في كتابه “الميزان لحركة طالبان”، الذي كتبه في عام 1422هـ (2001م) قائلا:

“لا نزعم أن حركة طالبان حركة سلفية ومن قال عن جملتهم ذلك فهو مخطئ، وكذلك ننفي عنهم أنهم قبوريون يشوبهم شرك أكبر، ولكننا نقول: يوجد منهم سلفيون ومنهم متصوفة مبتدعة والسواد الأعظم منهم على المذهب الحنفي عقيدة وفقهًا وطريقة، هذا فيما نعلم عنهم وما قلنا ذلك إلا لتتضح الصورة باختصار.

لأننا رأينا من يخلط الأمور ويقول إن طالبان (ديوبندية) وهو يظن أن الديوبندية عقيدة مستقلة، وفي الحقيقة أن الديوبندية ليست عقيدة جديدة، ولكنها مدرسة نشأت في بلاد الهند نسبة إلى مدينة ديوبند التي أسست فيها قبل أكثر من 200 عام، وهذه المدرسة تعتمد المذهب الحنفي مذهبًا فقهيًا، وقد حفظ الله الإسلام في بلاد الهند منذ القدم بفضله ثم بفضل جهود هذه المدرسة التي انتشرت حتى وصلت بلاد أفريقيا السوداء.

فالديوبندية مدرسة وليست عقيدة مستقلة، مثل الأزهر في مصر، فالأزهر مدرسة نشأت في مصر وانتشرت فروعها، وليس كل خريج من الأزهر لا بد أن يكون شافعي المذهب أشعري العقيدة، فالأزهر تخرج منه علماء سلفيون وتخرج منه علماء من أهل الحديث، تمامًا كما هو الحال مع المدرسة الديوبندية، والمدرسة الديوبندية تتأثر بعقيدة وطريقة من يكون رئيسًا لها إلى حد ما، إلا أنها في العقدين الماضيين وبسبب قرب تلك المدرسة من الجهاد الأفغاني بدأ متعصبة الأحناف يطلقون على الديوبندية وهابية.

ولا بد من تصحيح هذا المفهوم الذي ينبني عليه الحكم على حركة طالبان، علمًا أن الديوبندية اليوم يعدون من القريبين جدًا من مذهب أهل الحديث في الهند، ففي الاجتماع الأخير لعلماء ديوبند في بشاور والذي كان في منتصف شهر شعبان لعام 1422هـ كان الذي قرأ البيان الختامي للاجتماع هو فضيلة الشيخ سميع الحق عميد الجامعة الحقانية لعلوم الحديث في باكستان وهو مرجعية أهل الحديث والتفسير لتلك البلاد.

والطالبان أيضًا ليسوا جميعًا من خريجي المدرسة الديوبندية، بل إن أكثرهم خريجي الجامعة الحقانية لعلوم الحديث في بشاور والقسم الآخر خريجي الجامعة الإسلامية في كراتشي، وأكبر مؤثر عليهم فيها هو فضيلة الشيخ نظام الدين شامزي عميد كلية الحديث في الجامعة.

أما مفهوم التصوف لدى الطالبان فسوف يشير إليه عدد من المسؤولين الذين قابلناهم لا سيما المسؤول الإعلامي لأمير المؤمنين المولوي أحمد جان، ونكتفي في هذه المقدمة بذكر كلمة يسيرة عن هذا المفهوم (التصوف) إجابة على سؤال وجهه الشيخ أبو سلمان للمولوي حمد الله مسؤول المهاجرين في قنصلية كويتا وكان بحضرته المفتي فضل عميد جامعة الجهاد التابعة مباشرة لمكتب أمير المؤمنين، حيث كان سؤال الشيخ قوله: يتهم بعض الناس الطلبة بأنهم صوفية؟ فقال: ليس هذا وقت الصوفية هذا زمان الجهاد مشددًا على أن التصوف فكر انعزالي يتنافى مع الجهاد في سبيل الله الذي نذر الطلبة أنفسهم له، وأقره المفتي على هذا الكلام ووافق على قوله وأكد أنهما لا يعرفان أحدا من القيادات أو الشخصيات المرموقة في الطلبة يعتنق هذا الفكر.

أما عن الأضرحة والقبور فنوجز الكلام فيه أيضًا بإجابة من المولوي حمد الله والمفتي فضل على سؤال آخر قدمه لهما عقب السؤال المتقدم الشيخ أبو سلمان فقال فيه: هل الطالبان جادون في تغيير الوضع المتعلق بالأضرحة والقبور؟ فأجابا: نعم إن الطالبان جادون بإزالتها، وقد هدموا سرا وفي الليل بعض هذه الأضرحة في هرات وغيرها إلا أن إعلان ذلك في هذه الفترة سابق لأوانه وهم يراعون في تغيير ذلك المنكر أن لا يترتب عليه ما هو أنكر منه ويقومون بحملة توعية عند المزارات وفي الإذاعة والمساجد”. اهـ.

هذا الرد يكفي لتبيان كيف ينظر السلفية لعقيدة طالبان وحقيقتها في وقت توالت فيه حملات التشويه لعقيدة هذه الحركة، وهو نفس ما ذهب إليه الباحث أبو مصعب السوري الذي زار أفغانستان بنفسه واختلط بطالبان.

وفي هذا الصدد، قال الشيخ محفوظ بن الوالد (أبو حفص الموريتاني) في تغريدة له على تويتر:

“من أبرز الشخصيات السلفية في طالبان:

الشيخ عبدالرحيم، وهو شيخ المجاهدين السلفيين في كنار.

حاج حياة الله ابن أخ الشيخ جميل الرحمن، شيخ السلفية في أفغانستان. 

حاجي حكيم حاكم ولاية نورستان.

الشيخ منيب، نائب الوالي.

محب الله هجرة رئيس اللواء العسکري في نورستان”.

ما يدل على سعة حركة طالبان مع من ليس على مذهبها.

وخلاصة القول في هذا الباب، إن تحرير بلاد مسلمة وإخراج المحتل منها، إنجاز لا يُبخس، وقد حرر بيت المقدس أشعري، وقبله فتح القسطنطينية صوفي، مع ذلك اشترك المسلمون جميعا وعلى مر الأزمنة والعصور في تثمين هذه الإنجازات.

الخلاف مع تنظيم الدولة الإسلامية

ألقت خلافات الشام بين تنظيم دولة العراق الإسلامية والتنظيم الأم “القاعدة” بظلالها على أفغانستان، فبعد الخلاف الذي نشب بين التنظيمين، على إثر إعلان أمير التنظيم في العراق التمدد للشام، على اعتبار جبهة النصرة تابعة له، رفضت الأخيرة إعلانه ورفعت الخلاف إلى قيادة القاعدة التي كلّفت شخصيات جهادية وعلمية للحكم فيه، ولكنه خلاف لم يحسم بل وصل إلى مرحلة الاقتتال الشرس وإعلان البراءة بين الطرفين، وعلى ضوء هذه الخلفية أعلن تنظيم الدولة في العراق والشام تغيير اسمه إلى تنظيم الدولة الإسلامية على اعتبار أن أميره أصبح خليفة المسلمين في كل العالم، وأعلن بناءً على ذلك إسقاط شرعية جميع الجماعات والحركات الإسلامية، وبدأ باستقطاب أتباعها لجمع البيعات وإنشاء مراكز له موازية منافسة في كل ساحة نشاط لهذه الجماعات، فتشكل مشروع موازي لمشروع القاعدة الأم لكنه خصم، واندلع القتال بينهما، وأثناء ذلك استجاب له أعضاء في حركة طالبان، فانشقوا عن جماعتهم، وأعلنوا ولاءهم وأسسوا على إثر ذلك فرعًا له في أفغانستان. فاعتبرت طالبان هذا الانشقاق، نكثًا لبيعة كبرى ألزمت بها الأعضاء المنتسبين إليها، نظرًا لعدم اعترافها بإعلان الخلافة من العراق واعتبارها غير شرعية، وقاتلت المنشقين عنها باعتبارهم خوارج خرجوا عنها واتهمت الأمريكان بتقديم التسهيلات لهم لإضعافها ومن ذلك تحريرهم من سجونها، واستمر القتال بينهما في أفغانستان في نفس الوقت الذي لا تزال فيه حركة طالبان تقاتل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وأعلن تنظيم الدولة أن قتال طالبان قتال ردة وكفر واتهمها بالتعاون مع الأمريكان ضده، كما أعلن تكفير تنظيم القاعدة وأجاز قتاله غالبا لأنه لم يكفر طالبان. مع العلم أن التحالف الدولي كان قد أعلن الحرب عليهم جميعا.

واستغلت الولايات المتحدة هذه التطورات بامتياز، فراهنت على الخلافات واصطدام المشاريع فوظفتها إعلاميًا وسياسيًا لتضرب الجماعات بعضها ببعض وتشغلهم عنها. ولا يزال الخلاف مستمرًا واصطدام المشاريع واضحًا. وفصوله معقدة وتفاصيلها تطول والتربص الأمريكي بين السطور.

جانب غامض في المشهد

عندما نتحدث عن حركة طالبان وتاريخ مسيرتها لابد أن نتحدث عن علاقتها الغامضة مع تنظيم القاعدة، العدو اللدود للولايات المتحدة، والذي بسببه أطلقت أولى حروبها بتحالف دولي كبير على ما يسمى الإرهاب، ولم يتردد رئيسها آنذاك في إطلاق اسم “الحرب الصليبية الجديدة” على هذه الحرب، والتي تبين لاحقا أنها كانت تستهدف كل ما يتصل بالإسلام لا فقط التنظيم الواحد وخلفت خسائر جمّة ودمارًا هائلًاـ 

ونجد أن القاعدة تردد في أدبياتها ووثائق أميرها التي أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية، حقيقة وجود بيعة تربط القاعدة بإمارة أفغانستان الإسلامية، على أساس مشروع إقامة الخلافة الإسلامية، ونجد هذه البيعة ملزمة لجميع فروع القاعدة، بما فيها الفرع العراقي الذي كان تحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي، ونص البيعة كما تظهر وثائق أبوت أباد، كان على الجهاد وإقامة خلافة إسلامية، وتجلت بوضوح علاقة الاحترام والتقدير التي تبديها فروع القاعدة بما فيها العراق حتى في زمن قريب لطالبان في بياناتها الرسمية. ولعل في ذلك تفسير لعدم إظهار طالبان أي تصريحات انتقادية للقاعدة علنا وتجاوزها أسئلة الصحفيين بهذا الشأن سوى في حدود المطلب الأمريكي بشأن منع أي هجمات للتنظيم من على أرضها. 

وقد رصد هذا الغموض العديد من الباحثين الغربيين الذين لا يتردد بعضهم في اعتبار الخطة الطالبانية مجرد فخ للولايات المتحدة وأن المفاوضات لم تكن إلا طريقة لكسب الكثير من الوقت وتخفيف الهجمات الأمريكية من أجل إرساء قواعد التمكين، واستغفال الإدارة الأمريكية، بدليل سرعة سيطرة الحركة على البلاد وتخبط الإدارة الأمريكية مع أزمة كابول، ثم انتهاء الأمر بإعادة حكم الإمارة الإسلامية الذي لا تقبل طالبان المساومة عليه. ويرى هؤلاء أن خروج جميع القوات من أفغانستان لا يعني إلا مزيد حرية ومساحة لأنشطة هذه الجماعات مع التنبيه إلى أن الاتفاقية لا تحمل أي بنود تلزم طالبان بقتال القاعدة أو الانخراط في حملات مكافحة الإرهاب.

ولابد من الإشارة إلى إعلان حركة طالبان باكستان تجديد البيعة للملا هبة الله مباشرة بعد سيطرة طالبان من جديد على أفغانستان، ثم تهنئة تنظيم القاعدة بالانتصار على الأمريكان. وهي معطيات تحتاج لمزيد قراءة وبحث ومتابعة خاصة أن آخر خطاب من طرف طالبان باتجاه القاعدة رصد في فترة الملا أختر منصور الذي أعلن قبول تجديد بيعة القاعدة، ولا تزال طبيعة هذه البيعات بحاجة لدراسة عميقة لفهم أهدافها وأبعادها وخصائصها الشرعية. 

أيضا – مؤخرًا- تم تعيين سراج الدين حقاني وزير الداخلية في إمارة أفغانستان الإسلامية. رغم أنه لا يزال في قائمة المطلوبين لأمريكا وعليه مكافأة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. ومعلوم علاقته الوطيدة بالقاعدة، فهو القائد الفعلي لشبكة حقاني وأحد أبرز حلفاء التنظيم مما أثار تساؤلات لدى العديد من المحللين الغربيين وسخط الأمريكيين. كما لا تزال التساؤلات تطرح أيضا بعد احتفاء طالبان بالمولوي سنجين، المسؤول العسكري السابق لولاية بكتيكا والذي قتل في قصف أمريكي في عام 1434هـ (2013م) وسبق أن أجرى لقاء مع إعلام القاعدة يعلن فيه عن العلاقة الأخوية والوطيدة بين التنظيم وطالبان.

إضافة لذلك، نشاطات تنظيم القاعدة في استهداف الولايات المتحدة لا تزال جارية وتأكيدها على استمرار استراتيجيتها لا يزال مرصودًا. وتواترت التقارير التي تؤكد نشاط التنظيم داخل أفغانستان وإجراء الأمريكان قصوفات ضد قادته، مع أن طالبان تنكر ذلك باستمرار. 

وعموما الارتباط التاريخي للجماعات الجهادية بأفغانستان باعتبارها المدرسة الأولى التي تخرجت منها الأجيال الجهادية، معقد وبحاجة لدراسة مفصلة مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحالف بين هذه القوى وطالبان لم تمنعه التصنيفات العقدية ولا الاختلافات السياسية الواضحة بينها، وأدبيات هذه الجماعات تلخص ذلك بوضوح. وهو ما يصب في صالح فكرة إمكانية إنشاء التحالفات الإسلامية ومشروع توحيد الأمة حول الأهداف الاستراتيجية الكبرى، الذي كنت طرحته في مقال سابق عن الاستراتيجية.

ويرى المراقبون الغربيون أن استقلال طالبان وإقامة حكمها الإسلامي بحد ذاته ألهم جميع الجماعات الإسلامية المتمردة وجعل من أحلامها في تحقيق مشاريعها ممكنا جدًا. 

الخلاصة

يظهر جليًا من خلال تتبع المسار التاريخي لطالبان أنها لا تزال تحافظ على نفس نهجها القديم منذ استلمت مقاليد الحكم، لكن التغيير الأساسي الذي ظهر ليس في القيم والمبادئ والأهداف التي تحملها الحركة إنما في سياسة التعاطي مع القضايا التي استغلها الإعلام الغربي لمهاجمتها كقضية المرأة والأقليات.

واليوم تقف حركة طالبان مع مشروع إمارتها الإسلامية أمام امتحان عسير، بين ضغوطات الترويض الدولي وملف الاقتصاد وإدارة الدولة، واحتمالية اشتعال الفتن الداخلية وتوالي الحملات من المعارضة والخصوم لإسقاطها، ووحدها الأيام المقبلة ستكشف لنا كيف ستتعامل هذه الحركة مع الأحداث والمكائد والعقبات، لكن ما سجلته التجربة الطالبانية بغض النظر عن كل الجدل المرافق وما يمكن أن يحدث، هو أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، وأن وحدة الصف ووضوح الأهداف والاستراتيجية تهزم تحالفات دول كبرى! 

ومما يجدر تسليط الضوء عليه من خلال هذه التجربة، ذلك الارتباط الوثيق لحركة طالبان بالعلماء في أفغانستان وباكستان، فهي حركة أسسها طلبة علم، وتستند في كل خطوة لها على العلماء الذين يكونون مجلس الشورى للحركة، وهذا الموضوع يحتاج لدراسة مفصلة لفهم كيف يقود العلماء حركة طالبان منذ تأسيسها، وكيف شكلت المرجعية الدينية قاعدة ارتكاز أساسية ضمنت تماسك الحركة واستمراريتها على نفس النهج لتحقيق أهدافها المنشودة. وفي الواقع هذه التجربة ليست بعيدة عن تجارب الدول الإسلامية الماضية التي قامت في أرض خراسان، الأرض التي تمتلك مقومات قيام الدول عبر التاريخ.

وتبقى نقطة تستحق الاهتمام في التجربة الطالبانية هي قدرة جهازها الإعلامي على مواكبة التطورات والأحداث، ومخاطبته العالم باللغات المختلفة بما فيها العربية، ونشاط ممثليه على مواقع التواصل ونقلهم ما يدحض الإشاعات ويرد الاتهامات التي تصدر من خصوم الحركة وأعدائها، وربطهم الجسور مع الشخصيات الناشطة في الساحة الفكرية، فنشاهد الأقلام المختلفة تكتب في مجلاتهم ومواقعهم الإعلامية، ومن ذلك التسجيلات التي تصور لنا عناية الحركة بقوتها العسكرية وتخريجها المستمر لدفعات عالية التدريب من القوات الخاصة التي لا تتردد في عرض غنائم الحرب في لقطاتها واستعمال أسماء ترتبط بالتاريخ الإسلامي مثل كتيبة بدر 313 للقوات الخاصة.

وأشدد في الختام على أنني لم أناقش هنا سياسة طالبان واستراتيجيتها من زاوية شرعية، ولا حرصت على نقد أدائها ومناقشة أخطائها التي لا تخلو منها جماعة، ولا تطرقت إلى وجهة نظر معارضيها ومآخذهم عليها، إنما حرصت -كمدخل- على عرض مختصر لتاريخ وحاضر هذه الجماعة مع تسليط الضوء على أبرز المعالم لفهم بنية الحركة الفكرية والعقدية ومنهجها السياسي، واستراتيجيتها على الأرض وفي الإعلام، كما هي وكما تعتقد حركة طالبان منذ تأسيسها إلى اليوم، لنفهم كيف تفكر هذه الحركة السنية، ومالذي تريده بالضبط، لا كما يريدنا الإعلام أن نهضمه، ولندرك أنها تمكنت – إلى الآن – من تحقيق أهدافها في نهاية المطاف والتي كانت تبدو مستحيلة بالنظر لقوة أعدائها، ثم بناء على هذه المعطيات الجديدة علينا أن نستثمر خلاصاتنا في تحقيق الانبعاث الإسلامي الجديد بدل بث الانهزامية بين الجماهير.

وبعد كل ذلك لا أزال أتساءل، أين وصل إعلان الرئيس السابق بوش الابن الذي قال مع بداية الحرب:”لقد بدأت الحروب الصليبية الجديدة، إما ستكونون معنا أو معهم!”.

 —————

[1] وهو ما كشفت عنه صحيفة الواشنطن بوست في مقالة بعنوان At war with the truth
[2]  بحسب ماجد العباسي إعلامي إيراني ناشط في حقوق الأقليات وأهل السنة في إيران، باحث في التاريخ
https://twitter.com/majedalabbasi/status/1435668317998616577
https://eipss-eg.org/%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%86/
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2021/8/15/27-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B0
https://www.theguardian.com/commentisfree/2021/sep/11/us-afghanistan-iraq-defense-spending
وثائق أبوت آباد.
[1] الرئيس الأمريكي الأسبق: جورج بوش، مذكرات: قرارات مصيرية (ص258)
[2]https://arabic.rt.com/world/1263296-%D8%A8%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D9%88%D8%BA%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-2000-%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6-%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D9%8A/
[3] https://www.marefa.org/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D9%85%D8%B1
[4] كتاب نجوم على الطريق صفحة (115 -116)
[5]https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2021/8/18/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3
[6] https://www.marefa.org/%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86
[7]https://www.france24.com/ar/%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7/20210830-%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%85%D9%89-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%88-%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%85-%D8%B2%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9
[8] الويكيببديا
[9] مقال بعنوان الميزان لحركة طالبان، ليوسف العييري
[10] سيرة الملا عمر التي نشرتها إمارة أفغانستان الإسلامية
[11]https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2021/8/18/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3
[12]https://mubasher.aljazeera.net/news/2021/8/17/%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AB%D8%A8%D8%AA-%D8%A3%D9%86-%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%8A
[13]https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2021/8/18/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3
[14]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%AE%D8%AA%D8%B1_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1
[15]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%87%D8%A8%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A2%D8%AE%D9%86%D8%AF_%D8%B2%D8%A7%D8%AF%D9%87
[16] https://www.youtube.com/watch?v=rTJP__M9GXs
[17]https://www.lemonde.fr/blog/filiu/2021/04/25/comment-les-etats-unis-ont-consolide-un-narco-etat-en-afghanistan/
[18] https://www.youtube.com/watch?v=pM_CuRViXuQ
[19] الملا محمد عمر، بيان بمناسبة عيد الفطر المبارك 2012م
[20] https://marebpress.net/news_details.php?sid=13290
[21] الملا محمد عمر، بيان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مجلة الصمود، 24 أكتوبر 2012م.
[22] متن موقف الإمارة الإسلامية المعلن في المؤتمر البحثي بفرنسا، مجلة الصمود، 25 ديسمبر 2012م.
[23]https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/8/19/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8
[24] عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، ص244.
[25] الملا محمد عمر، بيان أمير المؤمنين بمناسبة عيد الأضحى، مجلة الصمود، العدد 42، ص3، 1430هـ / 2009م،
[26] الشرق الأوسط، طالبان تبدأ حملة ل “احتلال” مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، 27 سبتمبر 2000م.
[27] https://ketabonline.com/ar/books/107121/read?part=185&page=2544&index=781568/781581
[28] باحث موريتاني وشاعر ارتبط سابقًا بتنظيم القاعدة. كان من قدامى المحاربين في الحرب السوفيتية في أفغانستان، وكان عضوًا في مجلس شورى القاعدة وكان رئيس مجلس الشريعة.
[29] https://twitter.com/AbuHafsMuritani/status/1435180760542101509
[30] https://www.bbc.com/arabic/world-58507338
[31]https://arabic.rt.com/world/1268936-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%87%D9%86%D8%A6-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86/
[32]https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/08/19/news-al-qaeda-affiliate-emboldened-taliban-win-vows-continue-jihad
[33]https://www.longwarjournal.org/archives/2021/08/al-qaeda-praises-talibans-historic-victory-in-afghanistan.php
[34]https://arabi21.
com/story/851795/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AE%D8%AA%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D9%8A%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%88%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D9%8A%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D8%A7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A9
[35]https://www.longwarjournal.org/archives/2021/09/taliban-lionizes-haqqani-commander-who-celebrated-ties-to-al-qaeda-held-american-hostage.php
[36]https://www.longwarjournal.org/archives/2021/09/taliban-lionizes-haqqani-commander-who-celebrated-ties-to-al-qaeda-held-american-hostage.php
[37] لقاء السحاب مع المسؤول العسكري لولاية بكتيكا المولوي سنجين.
[38]https://albosla.net/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9/
[39] https://tipyan.com/the-story-of-islam-beyond-the-river-1
شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
حسن اليسوف

لا تزال كلمات الملا عمر مجاهد تتردد مع صدى الأحداث في أفغانستان بشكل مهيب، حيث قال حين توعدته الولايات المتحدة بالهزيمة: “لقد وعدنا الله بالنصر، ووعدتنا أمريكا بالهزيمة، وسوف نرى أي الوعدين أصدق
حسب ما قرأت وسمعت انه قال “لقد وعدنا الله بالنصر، ووعدتنا أمريكا بالهزيمة، صدق الله وكذبت امريكيا .
مثل هذا الرجل المؤمن لا يراوده ادنى شك في ان وعد الله محقق وان النصر من عند الله (ان تنصروا الله ينصركم )

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x