الافتتان بسقوط القدوات

السلام عليكم ورحمة الله

حياك الله.. عساك بخير د.ليلى

هناك فتنة والله المستعان، ويكأن الله يميز الصفوف ويكشف.. في رمضان آثر المشايخ ذكر اسم شيخ معروف نصب على الناس بأكل أموالهم بحجة الاعمال الخيرية وقد اقتضح أمره بينهم..

والبارحة أيضا افتضح أمر شيخ معروف بأمر الزنا بذكر اسمه صريحا من شيخ ما عرف عنه إلا الصدق الفتنة قائمة والله المستعان.

الأصل أن لا يخوض المسلم في هذا لكن عندما قرأت التعلقيات وجدت أنها فتنة ستهز أقواما وتفتن آخرين نسأل الله السلامة.

فالأمر اكبر من مجرد زلة شيخ أو عالم…

فجزاكم الله خيرا لو تكتبون ما يثبت النفوس في مثل هكذا مواقف كتهيئة نفسية.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.

لا بد بداية من تشخيصٍ لحال الواقع في زماننا، وأبدأ بثلاث ملاحظات مهمة قبل أن أسرد الرد على سؤالكم الكريم:

الملاحظة الأولى: نحن نعيش في عالم يتصدر فيه عدد كبير من الناشطين والدعاة، ويجتمع حولهم الكثير من الأنصار والمتابعين والمعجبين، ولكن في ميزان الحق والعدل، ليس كل من تصدر للجماهير واشتهر هو حقًا من أهل العلم.

لأننا ابتلينا بفتنة سهولة الظهور والتصدر، قبل تحصيل الرصيد العلمي المؤهل لهذا التصدر فضلا عن الرصيد العملي والخلقي، هذا دون الحديث عن اضطرب مقاييس الناس في معرفة الناس. وارتهانهم لمقاييس الدنيا قبل الدين والآخرة. وذلك لغلبة آلات الباطل والبدع والتضليل وحملات الإفساد للذوق والتشويش على الحق.

قال تعالى (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) (آل عمران:79).

في وقت سابق حين كان للعلم هيبته، كان يعرف الدعاة والقدوات من سيرهم بين الناس، يقول إبراهيم النخعي رحمه الله:”كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخذون عنه”. وقال أيضًا: “كنا إذا أردنا أن نأخذ عن شيخ سألنا عن مطعمه ومشربه، ومدخله ومخرجه؛ فإذا كان على استواء أخذنا عنه، وإلا لم نأته”[1].

فالدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.

 وهذا أبو إسحاق السبيعي يقول عن التابعي عمرو بن ميمون: “كان إذا دخل المسجد فرئي ذُكر الله”.[2]
وهذا أبو عوانة يقول كما في سير أعلام النبلاء:”رأيت محمد بن سرين في السوق؛ فما رآه أحد إلا ذكر الله”.  
وكانت أم الإمام مالك بن أنس كما يقول بنفسه عنها: “كانت أمي تعممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلَّم من أدبه قبل علمه[3] “.

وروى الحسن بن إسماعيل عن أبيه أنه قال: “كان يجتمع في مجلس أحمد بن حنبل زهاء على خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت”.[4]

وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال، والشرف لدينه” صحيح الترمذي .

ولهذا فإن القدوات يترفعون عن كل ما يطعن في دينهم وخلقهم، وينفرون من خوارم المروءات، ومواطن الشبهات، بل ويدعون بعض المباحات زهدًا وورعًا.

قال الإمام الأوزاعي: “كنا نمزح ونضحك، فلما صرنا يقتدى بنا، خشيت ألا يسعنا التبسم” (السير 7/132).

وهذه ملاحظة أولى عن حقيقة الواقع، فليس كل متصدر قدوة حقيقية.

الملاحظة الثانية: هي أننا في زمان غلب عليه الإجحاف والظلم والجور، وحملات “اغتيال الشخصية” للدعاة الصالحين والمؤثرين، سواء من الخصوم بفجور أو من كل جهة يفسد عليها عملها الإصلاح والدعوة للخير.

ولذلك تتداخل الدعاوى بين حقيقة وافتراء، بين زلة وبهتان، وكثيرًا ما يستهدف العلماء أو الدعاة، لإسقاطهم و”شيطنتهم” وبخس كل حق فيهم، وإسقاط هيبتهم يقطع الطريق على الناس للوصول إليهم وبالتالي يحبط مساعي هؤلاء العلماء والدعاة وجهودهم الإصلاحية، فليس كل ما يُذاع عن داعية أو قدوة صحيح، لا بد أن نرجع هنا لقاعدة قرآنية مهيبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات : 6).

ومع توفر وسائل التواصل وسرعة انتشار الأخبار بدون تبيّن، أصبحنا أمام تحدّي حقيقي لتتبع صحة الأخبار والوثوق بها، لذلك المسلم التقيّ يتبين ويحترز من تصديق كل ما يٌشاع عن قدوة أو داعية عُرف بالفضل والخير. قال تعالى (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) (النور: 12).

وقد تكون مجرد زلة مغفورة ويتم تضخيمها والتهويل منها للإسقاط، فلا يجب الانجرار لها، قال ابن تيمية رحمه الله:” فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون، وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر عن اجتهادهم وخطأهم مغفور لهم”[5].

والملاحظة الثالثة: أن هناك أنصارًا ومعجبين يتعصبون لقدواتهم، فينبرون للتهوين من سقطاتهم الواضحة وانحرافاتهم الصارخة بل يحولونها إلى مناقب ولله في خلقه شؤون، ويستمرون في التهوين منها حتى يصبح الضلال مقبولًا، والإنكار منكرًا. وهنا مشكلة حقيقية، أسوأ من مجرد الفجيعة بخسارة قدوة داعية. فهذه صناعة لقدوات ضالة! ويصنع ذلك كله امتهان حرفة الترقيع والتبرير على حساب الحق والعدل نتيجة التعصب المزمن.

فقه التعامل مع سقوط القدوات

في الواقع نحن بحاجة ماسة لنشر هذا الفقه، لأننا في زمان فتن تتوالى ولا تزال تشتد، ولأن الناس بحاجة ماسة لرؤية القدوات والانتفاع بهم، وفي الوقت نفسه تحصين أنفسهم من التعصب أو الافتتان بهؤلاء القدوات.
وهنا قاعدة منصفة في التعامل مع زلات الدعاة والقدوات، وهي قاعدة الحسنات والسيئات، وميزان العدل، فمن اشتهر بالفضائل الكثيرة والمناقب الجليلة، زلة واحدة تُغتفر في بحر علمه وحسناته.

أما زلة المتصدر والمتشبع بما لم يعط فهذه ليست زلة إنما حقيقة يكشفها لنا الواقع، ولذلك لا يصح أن نعتبر زلة كل متصدر زلة قدوة، وهذه الفتنة الأولى التي يجب التصدي لها، بوضع الناس في مقاماتهم ومراتبهم الحقيقية دون غلو ولا عدوان.

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا”.

“اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا” … وهذه فتنة عظيمة لأنها بوابة للضلال المبين.

لذلك يجب التفريق بين القدوة الحقيقية بعلم وعمل، برسوخ وخلق، وبين المتصدرين، مجرد هياكل لجذب الناس، وبعد ذلك النظر في هذه الزلة، هل هي زلة كريم نصونه أو حقيقة متعالم نحذر الناس منه. ويُعرف ذلك من مراقبة سيرهم وأدائهم وتفاعلاتهم ومعرفة أهل العلم والناس بهم.

وبهذا إذا عرفنا أن الزلة التي انتشرت هي لمن هم أهل خير وفضل فيُحفظ قدرهم ولا يقتدى بهم، قال ابن المبارك رحمه الله:”رب رجل حسن وآثاره صالحة له هفوة وزلة، فلا يقتدى به فيهما”[6].

وإن كانت هذه الزلة تكشف حقيقة متواترة، وتزيح الستار عن متعالم وجاهل وضال، فنحن أمام واجب تحذير الناس من الافتتان بهذه القدوة الخادعة.

السقوط المدوّي

لكن ماذا إن كانت هذه الزلة تجاوزت مجرد “مجانبة الصواب” و”الخطأ الوارد”، ووصلت إلى كبيرة ومعصية مفجعة ممن نحسن بالفعل الظن بهم ولم يظهروا إلا كل خير؟!

هنا يتعامل مع القدوة بحقيقة أنه لا يؤتمن على حي فتنة!

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :”مَن كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ، أولئك أصحابُ محمد – صلى الله عليه وسلم -، كانوا أفضلَ هذه الأمة: أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، اختارهم الله لصحبة نبيِّه، ولإقامة دِينه، فاعرِفوا لهم فضلَهم، واتبعُوهم على أثرهم، وتمسَّكوا بما استَطَعْتُم من أخلاقِهم وسيَرِهم، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم”[7].
وبذلك نتخلص من عنصر المفاجأة والصدمة وعدم تقبل حقيقة أن القدوة ينحرف ويسقط، ويُفتن ويضلّ، فلا معصوم بيننا، وبدلًا من ذلك نسأل الله الثبات ولا ننتكس أو نضعف أو نقول هذا فلان وسقط فكيف أنا، بل هذا محرّض على مزيد ثبات وخشية وجدّ وأخذ بأسباب الاستقامة والحفظ من الفتن.

ولنتذكر وصية معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث يقول: “إياكم وزيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، وقد يقول المنافق الحق، فتلقوا الحق عمن جاء به، فإن على الحق نورًا، قالوا: وكيف زيغة الحكيم؟ قال: كلمة تروعكم وتنكرونها”[8].

فما يروعنا .. ننكره .. ونستمر في سبيل الاستقامة .. ولا نلتفت لقائله وفاعله إلا من حيث إنكار المنكر والنصيحة في الله، فهذه الدنيا امتحانات صدق!

وقال ابن القيم -رحمه الله -: “العالم يزل ولا بد، إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم”[9]،

وغالبا من يفتن بسقوط قدوة أو داعية يكون بالأساس يحمل بذور الانحراف في داخله ويبحث عن سبب لها، وإلا فلا يوجد عاقل يرى سقوطًا إلى الهاوية ويقتدي بهذا السقوط! أو يرى أحدًا يرمي بنفسه في النار ويلحق به!

والتعامل مع القدوات حتى بدون أن يظهر أي غلط أو انحراف يقوم على قاعدة مهمة، يقول الشاطبي: “فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلًا وأنه متى وجد متوجهًا غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات، أو فرع من الفروع، لم يكن حاكمًا بالشريعة حينئذ ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة”[10].

ويقول أيضًا: “إن زلة العالم لا يصح اعتمادها، ولا الأخذ بها تقليدًا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عُدت زلة”[11].

وسبحان الذي وهب الصحابة رضي الله عنهم البصيرة والفهم المهيب، فقد كان الخليفة يطلب من الصحابة أن يقوموه إذا أخطأ وهو مبشر بالجنة وهو من خيرة من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق! ففي أول خطبة للصديق أبي بكر رضي الله عنه خطب في الصحابة رضي الله عنهم فقال:”أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة …”.

اتباع الزلات والسقطات سبيل الضلال المبين

وعلى المسلم أن يوطّن نفسه إقامتها على الحق، على الدليل من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف، وأن يحذر من كل ما يحرفه غن سبيل الاستقامة، ولا ينجر للزلات والسقطات ولو كانت من علماء وقدوات.

قال الأوزاعي: “من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام “[12].

واليوم يعمل البعض على جمع كل زلة وخطأ وتحويلها لمنهج ومذهب! وهو الهوى بعينه والضلال بذاته!.

أهمية التحذير من الخطأ والقدوة الخادعة   

ولأننا أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأن سنة التدافع ماضية وسنة التمييز والتمحيص باقية، فيجب أن تستمر عجلة الإصلاح في تصويب الأخطاء أيا كان قائلها، والتحذير من القدوات الخادعة، وليس القصد التشفي والانتقام إنما حفظ هذا الدين من تسلق الضالين والمفسدين. ولكي لا نبتلى بكتمان الحق، والمساهمة في إخفاء الحق، لأن الكتمان يفتح الباب لنشر الباطل، وتضليل الناس.

وهذا يستوجب تحذير الناس من القدوات الساقطة والخادعة، وتذكيرهم بحقيقة “من خدعنا في الله انخدعنا له” ولكن “المؤمن كيّس فطن” ولا يجب أن يسمح بأن يلدغ من جحر مرتين، فمن بان خواره وظلمه لنفسه، يٌحذّر منه بعدل وتقوى. كي لا ينخدع به الناس ويدرك بنفسه أن نور الله لا يهدى لعاصٍ.

والأفضل في مثل هذه المقامات أن لا يعتمد الناس على قدوة واحدة متصدرة وأن يسمعوا من أكثر من قدوة حتى تُقارن الأقوال وتُميّز الأفعال. أو يستشيرون ذوي الفضل فيمن يرتابون في أمرهم، والمؤمنون نصحة. وهو من التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاون على البر والتقوى.

قد نبأنا الله تعالى بخبرهم

والحمد لله في القرآن جواب عن كل سؤال وحل لكل مصاب قل تعالى ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الأعراف:175، 176).


قال ابن القيم: “فهذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه، ذمه الله من وجوه:

أولًا: أنه ضل بعد العلم، ما ضل عن جهل، ضل بعد العلم، آتيناه آياتنا فانسلخ منها، واختار الكفر على الإيمان عمدًا لا جهلًا.

ثانيًا: أنه فارق الإيمان مفارقة لا يعود إليها؛ لأن الانسلاخ إذا سلخت جلد الذبيحة عن الذبيحة تستطيع أن تعيدها مرة أخرى؟ انتهى، انسلخ منها، يعني خرج ولم يعد، بدليل قوله: فَانْسَلَخَ.

ثالثًا: أن الشيطان أدركه ولحقه بحيث ظفر به وافترسه، لأن الله قال:فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ.

رابعًا: أنه غوى بعد الرشد، لقوله: (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) [سورة الأعراف:175]، والغي: الضلال في العلم والقصد.

وخامسًا: أنه لم يشأ أن يرفعه بالعلم عز وجل ما شاء أن يرفعه بالعلم، فكان سبب هلاكه، لماذا؟
الله لا يضل قومًا بعد إذ هداهم، إلا إذا أرادوا هم الضلال والزيغ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [سورة الصف:5]، وهذا لم يرفع رأسًا بالعلم، ولذلك أذله الله ونكسه.

سادسًا: أنه أخبر عن خسته ودنو همته باختيار الأسفل على الأعلى (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) [سورة الأعراف:176]، تحت، أخلد إلى الأرض.

سابعًا: أنه اختار الهوى واتباع ما تميل إليه النفس”.[13]

وتحضرني في هذا المقام قصة الذي أغوته نصرانية فتنصر ونسي القرآن إلا آية، كان أصحابه إذا مروا عليه يقولون: يا فلان، يخاطبونه في الحصن مع الكفار، ما فعلت صلاتك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل حجك؟ ما فعل قرآنك؟ فيقول: أنسيته كله إلا قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (سورة الحجر: 2)..

فسقوط القدوات ليس أمرًا جديدًا، ولا يفتن إلا أصحاب الهوى ومن يهجر القرآن والسنة، لذلك يبقى الاعتصام بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح وأئمة أهل السنة، والمحاسبة للنفس والبحث عن الصحبة الصالحة، من أسباب الثبات وتحصيل البصيرة والتوفيق الرباني، والنأي بالنفس عن الظلم والاستزادة بالعلم والعمل والذكر والعبادات والدعاء، كلها من أسباب تحصين النفس من الفتن، والله أعلم.

نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، ويعفو عن زلاتنا، ويستر عيوبنا ويكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1]  الكامل 1/154

[2]  تهذيب التهذيب 8/109

[3]  ترتيب المدارك1/119

[4]  مناقب أحمد210

[5]  مجموع الفتاوى: (35/ 69).

[6]  فيض القدير: (1/ 187).

[7]  الأثر رواه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” (2/947ـ رقم 1810) ، وفي إسناده ضعف ، إلا أنه أثر مشهور متداول في مصنفات أهل السنة ، ومعناه صحيح.

[8] رواه أبو داود، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والأصبهاني في الحلية: (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء

[9]  إعلام الموقعين: (2/ 132).

[10]  الاعتصام للشاطبي: (3/ 315).

[11]  الموافقات: (5/ 136).

[12]  سير أعلام النبلاء: (6/ 552).

[13]  الفوائد لابن القيم: (101).

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زكي عبد الحميد خلف الله المصري

جزاكم اللهُ خيراً

أم إلياس

اللهم ارزقنا الثبات على الحق

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x